اقتصاد عالمي

تعاظم المخاطر التي تُحيق بالنمو الاقتصادي العالمي – تفتيت النظام الدولي الذي يحكم الاقتصاد العالمي

آفاق الاقتصاد العالمي عام 2019 هشة وقاتمة - تباطؤ التجارة والاستثمار، وتراجع الإنتاج الصناعي في دول عديدة

د. قحطان السيوفي

في مطلع عام 2018، كان الاقتصاد العالمي يعمل بأقصى طاقة ممكنة، لكنه فقد سرعته خلال العام، وسيواجه مصاعب أكثر هذا العام 2019.
منذ منتصف عام 2018، تزايدت التحذيرات من المخاطر التي تُحيق بالنمو الاقتصادي العالمي، وخاصة في أعقاب تفاقم الأزمات التجارية بين اقتصادات كبرى، ولا سيما الصين والولايات المتحدة، وأيضاً هذه الأخيرة والاتحاد الأوروبي. تتعاظم الآثار السلبية في الاقتصاد العالمي؛ بسبب تباطؤ التجارة والاستثمار، وتراجع الإنتاج الصناعي في دول عديدة، وضعف مؤشرات المشتريات، ومن ثم لا بد أن ينصت صانعو القرار الاقتصادي السياسي العالمي إلى التحذيرات التي تقرع الأجراس.
بمعنى آخر آفاق الاقتصاد العالمي عام 2019 قاتمة في ظل المتغيرات التي تشهدها العديد من دول العالم؛ الاقتصاد العالمي تحديات معقدة بسبب التغير التكنولوجي والعولمة إلى جانب الآثار الباقية منذ الأزمة المالية في 2008 – 2009.. وتهدد هذه التطورات بتفتيت النظام الدولي الذي يحكم الاقتصاد العالمي.
ومن أعراض هذا التفتت احتدام التوترات التجارية، وضعف الجهود المبذولة لمعالجة التحديات العابرة للحدود في القرن الـ21، مثل: تغير المناخ، والجريمة الإلكترونية، وتدفقات اللاجئين..
سؤال مهم: إذا كانت هذه الأمور تحدث في وقت يتسم بالنمو العالمي العادي والاستقرار المالي النسبي، فماذا يمكن أن يحدث نتيجة للتباطؤ الاقتصادي المقبل؟
على هذه الخلفية التي تنطوي على تحديات جسيمة، من المتوقع أن يظل النمو في الأسواق الناشئة والبلدان النامية ثابتاً عام 2019، وتشير التوقعات إلى أن وتيرة الانتعاش التي شهدتها البلدان التي تعتمد على صادرات السلع الأولية ستزداد تراجعاً عن المستوى المنشود.

زخم النمو الاقتصادي العالمي تباطأ بشكل ملحوظ في عام 2018 كما تباطأ الاقتصاد الصيني- المحرك الرئيسي للنمو العالمي منذ الأزمة المالية عام 2007-2008. ألمانيا واليابان أيضاً سجلتا تقلصات اقتصادية في الربع الثالث من العام الماضي، هذا يعكس تصورات بأن الآفاق تزداد سوءاً.
أعلنت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تشرين الثاني 2018 أن نمو الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم «من المتوقع أن ينخفض تدريجياً من 3.7 في المئة عام 2018 إلى نحو 3.5 في المئة عامي 2019 و2020.
في الاقتصادات عالية الدخل، التي لا تزال تولد ثلاثة أخماس الإنتاج العالمي «بأسعار السوق»، الانتعاش أصبح كهلاً والطاقة الفائضة انخفضت انخفاضاً حاداً. هناك تغييرات هيكلية من حيث اتجاهات الإنتاجية التفاضلية ودورة الديون الطويلة الأجل. بشكل حاسم، هذه التطورات جعلت الاقتصاد العالمي هشاً، والأرجح سيستمر. ينبغي النظر إلى «الإنتاجية» باعتبارها طريقة مختصرة لتلخيص التغيرات في القوة الاقتصادية العالمية، وتوسيع عدم المساواة، وانهيار التوظيف في التصنيع، وارتفاع الاقتصاد الرقمي.
هذه التحولات الهيكلية كانت لها تأثيرات سياسية كبيرة: تصاعد نزعة القومية والشعبوية، و«خروج بريطانيا»، وانتخاب ترامب، وحرب تجارية بين أهم اقتصادين في العالم، وتآكل النظام الاقتصادي العالمي الليبرالي.

  • التحول في البيئة العالمية يجلب مزيداً من المخاطر، السلبية منها والإيجابية. أكبر خطر سلبي هو أنه سيكون من المستحيل تحقيق استجابة منسقة وفعالة لتباطؤ اقتصادي عالمي حاد. أحد المخاطر الإيجابية الواضحة يأتي من احتمال عدم القدرة على إدارة التراكمات السابقة للديون الخاصة والعامة.
  • إن عدم الاستقرار على الصعيد السياسي وعلى صعيد السياسة النقدية، إضافة إلى استنفاد الخيارات الآمنة لتوسيع الائتمان، هما اللذان من شأنهما أن يجعلا التعامل حتى مع تباطؤ محدود وطبيعي قصير الأمد أمراً يتطلب قدراً كبيراً للغاية من الحذر والمهارة.
    عملياً، لا آليات بسيطة للحد من مصادر الهشاشة تلك، وفي ضوء التطورات السياسية، من المرجح أن تزداد سوءاً لا أن تتحسن.

المشهد

ويشير عدد كانون الثاني 2019 من تقرير البنك الدولي الآفاق الاقتصادية العالمية (إلى تزايد مخاطر أن يسجل النمو معدلاً أضعف من المتوقع). بالمقابل البنوك المركزية في البلدان المتقدمة ستواصل إلغاء السياسات التيسيرية، التي ساندت الانتعاش الممتد من الأزمة المالية العالمية قبل عشر سنوات، إضافة إلى تصاعد الخلافات التجارية.
وقد أدى ارتفاع مستويات الدين في بعض البلدان، ولا سيما الفقيرة منها، إلى أن أصبحت أكثر ضعفا أمام أسعار الفائدة العالمية الآخذة في الارتفاع، أو تغير ثقة المستثمرين، أو تقلب أسعار الصرف إضافة إلى ذلك، تثير الأحداث المناخية لاحتمال حدوث تقلبات كبيرة في أسعار الأغذية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر.

الدول المنخفضة الدخل

ارتفعت نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي في البلدان المنخفضة الدخل من 30 إلى 50 في المئة على مدار السنوات الأربع الماضية. وتستخدم البلدان المنخفضة الدخل نسبة متزايدة من الإيرادات الحكومية لسداد مدفوعات الفائدة. وستزداد ضغوط خدمة الدين هذه على نحو أكبر إذا ارتفعت تكاليف الاقتراض.
وفي ظل هذه الظروف، إذا كان هناك تشديد في شروط التمويل على نحو مفاجئ، فقد تشهد البلدان تدفقات مفاجئة لرؤوس الأموال إلى خارجها، وتضطر إلى أن تكافح لإعادة تمويل الدين.

مقترحات للدول النامية

من المفيد للبلدان النامية أن تواجه هذا المناخ الاقتصادي العسير باتخاذ خطوات للحفاظ على الزخم الاقتصادي، وتعزيز النمو على المدى الطويل. ومن الوسائل المهمة للقيام بكل ذلك تعزيز رأس المال البشري، وإعادة بناء الموازنة واحتياطيات البنوك المركزية، وتدعيم التكامل التجاري، والتصدي للتحديات التي تفرضها القطاعات غير الرسمية. إن ارتفاع مستويات الديون يشكل مصدر قلق متنامي الأهمية، الوضع الأمثل هو أن يكون الدين العام مستداماً، يمكن تحمل خدمته بتكلفة ميسورة. ومن خلال زيادة فعالية تعبئة الموارد والإنفاق العام، إضافة إلى تعزيز إدارة الديون والشفافية، يمكن للبلدان المنخفضة الدخل أن تحد من احتمال حدوث ضغوط مكلفة بسبب الديون، والحد من تقلبات الاقتصاد الكلي. من الضروري تحقيق أداء اقتصادي أكثر قوة في مواجهة تحديات وجود قطاع ضخم غير رسمي، حيث ينتشر التوظيف وأنشطة الأعمال خارج الهياكل التنظيمية والقانونية والمالية في عديد من الأسواق الناشئة والبلدان النامية، يتعين على هذه الدول الاستثمار في البشر، وتعزيز النمو الشامل، وبناء مجتمعات قادرة على صمود القطاع غير الرسمي يشكل القطاع غير الرسمي نحو ثُلث إجمالي الناتج المحلي في البلدان النامية، إضافة إلى أن نحو 70 في المئة من العمالة في هذه البلدان يعملون بصفة غير رسمية. وفي بعض البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء، تمثل العمالة غير الرسمية ما يربو على 90 في المئة من إجمالي العمالة، وينتج القطاع غير الرسمي ما يصل إلى 62 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
وتعتمد سبل عيش الفقراء في معظم الأحيان على النشاط غير الرسمي.
وتجدر الإشارة إلى أن القطاع غير الرسمي يزدهر في بيئات معينة؛ انخفاض التنمية الاقتصادية، وارتفاع الضرائب، والفساد، وعدم الكفاءة الضريبية، وزيادة الفقر، وعدم المساواة.
تحقق البلدان التي لديها أكبر القطاعات غير الرسمية إيرادات حكومية أقل مما تحققه البلدان التي لديها أقل مستويات من القطاعات غير الرسمية بنسبة تراوح بين خمس وعشر نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي على صناع السياسات أن يضعوا إستراتيجيات تنمية شاملة تحد من الطابع غير الرسمي لأنشطة الأعمال. والانتباه إلى تجنب دفع العمال عن غير قصد إلى الانتقال إلى العمل في القطاع غير الرسمي.
يجب تحقيق التوازن بين الإصلاحات، مثل تحسين الإدارة الضريبية، وزيادة مرونة سوق العمل، وتعزيز تحسين توافر السلع والخدمات، إلى جانب توفير أنظمة ضمان اجتماعي مناسبة.

الغذاء

أسعار الغذاء بلغت أقصى ارتفاع لها في مطلع العقد، زاد معدل الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم بين عامي 2014 و2017. وارتفع عدد من يعانون سوء التغذية من 5 في المئة إلى 821 مليون شخص خلال تلك الفترة كما اعترفت مجموعة العشرين أخيراً بالتحديات الماثلة أمام الأمن الغذائي بوصفها أولوية ملحة.
بالمقابل، قد يتكرر حدوث زيادات كبيرة ﻓﻲ أسعار الغذاء وتزيد التغيرات المناخية الحادة من احتمال تعطيل إنتاج اﻟﻐذاء.
يجب تنفيذ إجراءات تدخلية، مثل حظر التصدير، أو تخفيض رسوم الاستيراد، وأساليب فعالة لتخفيف أثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية… كما يجب أن تكون لدى البلدان إستراتيجية لمواجهة الأزمات الغذائية، وتوفير الموارد الكافية لهذه البرامج.

التضخم

إن وجود فترة طويلة من التضخم المنخفض والمستقر في بعض الدول أدت دوراً مهماً في تحفيز النشاط في السنوات الأخيرة.
الحقيقة أن التضخم المنخفض والمستقر يرتبط بزيادة الناتج، واستقرار عملية التوظيف، وارتفاع معدل النمو، وتحقيق نتائج أفضل للتنمية. على العكس، يؤدي التضخم المرتفع إلى تآكل النمو، من خلال إضعاف ثقة المستثمرين، وتقويض الحوافز على الادخار. حققت البلدان النامية تخفيضاً للتضخم من 9 في المئة في حقبة السبعينيات إلى نحو 3.5 في المئة عام 2018.
في حال ارتفعت الضغوط التضخمية العالمية، يمكن لصناع السياسات مضاعفة دعمهم لاستقلال البنوك المركزية، وإنشاء أطر مالية لضمان القدرة على تحمل الديون، والحفاظ على احتياطيات كافية لتحمّل فترة الركود الاقتصادي.

مقترحات

التوقعات الاقتصادية العالمية أصبحت قاتمة، لذا فإن استمرار الزخم الاقتصادي يتطلب الاستفادة القصوى من فرص النمو، وتجنب المخاطر، وبناء احتياطيات لمواجهة الصدمات المحتملة يمكن العمل لمعالجة الديون، والثقة بالمؤسسات العامة، وتحقيق الأمن الغذائي، واستقرار الأسعار.

الاقتصاد المختلط يمزج الاشتراكي بـالرأسمالي

سُميت بلدان الشمال الأوروبي «الاقتصادات المختلطة» تحديداً لأنها تجمع بين عناصر الاشتراكية والرأسمالية: ملكية الدولة والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج؛ والأجهزة التنظيمية الحكومية ومنافسة السوق؛ والضرائب التي يعاد توزيعها.
فيما يلي ثلاث سمات لنموذج بلدان الشمال الأوروبي، سواء كانوا يسمونها «اشتراكية» أم لا.

الأولى أنها تحتضن العولمة.
ثانيتها، الإنجاز الذي حققه أنموذج بلدان الشمال هو: توزيع مضغوط لأجور السوق، توزيع الثروة والدخل الرأسمالي، ودرجة مساواة الدخل من خلال السياسة.
ثالثتها/ جانب كبير من نجاح أنموذج بلدان الشمال الأوروبي ليس مصدره فقط التدخل المباشر للدولة، وإنما التفاعل المتوازن بين المنظمات الاجتماعية، وفي سوق العمل.
في البلدان الإسكندنافية، تثبت صحة الفكرة القائلة: إن التدخل الحكومي الحكيم جيد للرأسمالية، ويجعل الرأسمالية جيدة للعمال.

الحمائية الترامبية

في الآونة الأخيرة، شهد العالم تحولاً نحو الحمائية. استخدم ترامب حجة الأمن القومي المثيرة للجدل لتبرير فرضه التعرفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم، وهي تشمل الواردات من أقرب حلفاء بلاده، هذه الإجراءات تنتهك أنظمة منظمة التجارة العالمية. كما أن الولايات المتحدة شنت حرباً تجارية مفتوحة على الصين، بلغ إجمالي التجارة المتأثرة حتى الآن نحو 7 في المئة من واردات الولايات المتحدة.
الرفض الإيديولوجي للمبادئ الأساسية للنظام التجاري العالمي من مؤسسها، أي الولايات المتحدة نفسها، سيكون أكثر تدميراً. فبدلاً من التحرير، هناك سياسة الحمائية، وبدلاً من النهج المتعدد الأطراف، هناك النزعة الانفرادية، وبدلاً من القواعد العالمية، هناك السلطة التقديرية الوطنية.

عالم مالي ثنائي القطبية

إحدى النتائج المترتبة على سياسات «أميركا أولاً» التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستكون إيجاد عالم مالي ثنائي القطبية، تكون الصين في نهاية أحد طرفيه والولايات المتحدة في النهاية الأخرى. هذا يعني بذل بكين مزيداً من الجهد كي تتحدى في نهاية المطاف مكانة الدولار عملة احتياطية للعالم، هذا ستكون له تداعيات كبيرة، بداية من مكانة سندات الخزانة الأميركية إلى كيفية تسعير النفط.
«سياسة أميركا أولاً التي وضعتها إدارة ترامب ستشجع على الابتعاد عن الدولار الأميركي على المدى الطويل»، وفقًا لكريستوفر وود، من «سي الـ إس أي»، إحدى الشركات التابعة لـ «سيتيك سيكيوريتيز» التي تتخذ من بكين مقراً لها، مشيراً إلى «الممارسة الأميركية المتزايدة المتمثلة في استخدام الدولار سلاحاً من خلال تطبيق العقوبات وما إلى ذلك وإضفاء طابع السلاح الأكثر وضوحاً على الدولار سيثير غضب الصين، ويعمل على تنفير المسؤولين الحكوميين والسياسيين وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، إضافة إلى إثارة غضب بعض المسؤولين التنفيذيين في المصارف.
رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، فرانسوا فيون، تحدث عن حاجة أوروبا إلى دفع اليورو بديلاً من الدولار (في محاولة لتعزيز السيادة الأوروبية. العالم الذي يكون فيه الدولار هو العملة الاحتياطية المهيمنة، سيُمكن واشنطن من إملاء السياسة على أوروبا).
بكين عازمة على إيجاد عالم لا يتم فيه تداول كل شيء بالدولار لذلك بدأت الصين في تداول العقود الآجلة للنفط الخام المقومة بالرنمينبي من شنغهاي في آذار (مارس)، كان هذا إشارة إلى أن الطلب المحلي على السلع، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، كبير للغاية بحيث يبدو من المنطقي جداً تسعيرها بالرنمينبي.
وتستخدم الصين بالفعل عملتها الوطنية للدفع مقابل النفط الإيراني والروسي. لدى بنك الشعب الصيني الآن خطوط تبادل عملات أجنبية مع ما لا يقل عن 36 بلداً.
لا يمكن للعملة الصينية أن تصبح عملة احتياطية إلا إذا كان بإمكانها أن تقدم للعالم استثمارات جذابة مقومة بالرنمينبي. ومن ثم، يمكن أن تفتح الصين أبواب سوق السندات الحكومية الخاصة بها بشكل متزايد أمام الاستثمار الأجنبي علها تكون إلى حد ما بديلاً من السوق الأميركية.

المشهد

ويؤكد كثير من المراقبين، أن مساحة المناورة من خلالها تزداد ضيقاً في الاقتصادات المتقدمة. فقد ارتفع الدين العام، ولا سيما في الولايات المتحدة، في أعقاب التخفيضات الضريبية وزيادات الإنفاق، بل إن العجز في كثير من البلدان لا يزال مرتفعاً إلى حد لا يسمح بتخفيض الدين أو تثبيته.

دافوس والعولمة

يُعدّ منتدى دافوس مساحة نقاش لقادة رأس المال العالمي والعولمة (حرية حركة رأس المال والتجارة متعدّدة الجنسيات من دون قيود وطنية). فالعولمة جزء من المشروع النيوليبرالي لتعظيم الأرباح، على الرغم من أن هذا الهدف يختفي تحت عباءة رؤية اقتصادية تقليدية.
في المنتدى الاقتصادي العالمي2019، لخص كينيث روجوف، الاقتصادي في جامعة هارفارد، الأمر قائلاً: «هذا هو «دافوس» الأكثر سطحية هذا العام لا شيء يستحق الذكر.
قبل عامين ألقى الرئيس الصيني تشي كلمة مميزة دعا فيها إلى تشجيع التجارة والاستثمار على مستوى العالم، في تعارض تامّ مع تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض تعريفات جديدة بحجّة مفترضة، هي حماية العمّال الأميركيين.
يروّج فريق دافوس بشدّة لقضية العولمة ويقولون: «العولمة على قيد الحياة وبصحّة جيّدة». لكن التحدّيات التي تواجه العولمة ما زالت قائمة، بينها تزايد اللامساواة، وفقدان الوظائف نتيجة التكنولوجيا الرقمية، ونهاية دور الولايات المتّحدة المُهيمن في العالم.
بالتزامن مع اجتماع دافوس، أصدر صندوق النقد الدولي أحدث توقّعاته للنمو العالمي الحقيقي في الناتج المحلّي الإجمالي، وخفّض تنبّؤاته للمرّة الثانية خلال ثلاثة أشهر. واليوم يتوقّع الصندوق أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.5% عام 2019، أي أقل من عام 2018. وستكون هذه النسبة الأدنى منذ عام 2016. سيستمرّ الكساد الطويل المتمثّل بالنمو المنخفض والتجارة الخفيفة والاستثمار المتراجع لا يزال معدّل النمو الستوي في الصين 6.5 بالمئة أعلى بكثير من نمو أي من الاقتصادات الرأسمالية الكبرى في مجموعة السبع، التي لم تتمكّن سوى تحقيق نمو يراوح بين صفر (إيطاليا) و2.5% (الولايات المتّحدة). وحتى الاقتصاد الأقوى في أوروبا، أي الاقتصاد الألماني، أعلن في وقت سابق من الشهر، أنه سجّل عام 2018 أضعف معدّل نمو خلال خمس سنوات.

التضخم

البنوك المركزية فشلت في الحفاظ على «القيمة الحقيقية للعملات الورقية» أدى التضخم إلى تآكل القيمة الحقيقية للادخار على مدى العقود.
نحن في غنى عن القول إن التضخم المفرط هو كارثة اقتصادية، التضخم يلحق ضرراً أكثر، ولع الحكومات باستخدام التضخم وسيلة للحصول على مزيد من الإيرادات، من خلال فرض الضرائب على مدفوعات الفائدة الاسمية.
أوليفيه بلانشار، خلال عمله كبيراً للاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، طرح فكرة أن الرقم المستهدف للتضخم ينبغي أن يكون 4 في المئة، وليس 2 في المئة. مثل جرعة قليلة من الأسبرين، جرعة قليلة من التضخم لا يرجح لها أن تسبب كثيراً من الأذى – وتستطيع أن تمنع الإصابة بنوبة قلبية اقتصادية.

أميركا المتهورة

الولايات المتحدة -في الوقت الراهن- المشكلة الأشد عمقاً ما تزال قائمة: فبالنسبة للجمهوريين والديمقراطيين في أميركا يبدو أن التفاوض على تسوية مالية كبرى يحمل في طياته تكاليف أعلى من ممارسة ألعاب حافة الهاوية، حتى ولو كان الثمن التعرض لخطر العجز عن سداد الديون.
تواجه الصين وغيرها من الجهات السيادية الحاملة لديون الولايات المتحدة خسائر في رأس المال.. يكاد يكون من المؤكد أن حاملي الديون السيادية الأميركية سينظرون إلى سندات الخزانة باعتبارها أصولاً محفوفة بالمخاطر، وسيحرصون كلما أمكن على التنويع بعيداً عنها.
الكثير من المحللين يرون أن الاستعداد لجعل جدارة أميركا الائتمانية رهينة لأغراض سياسية محلية من شأنه أن يعجل بانحسار نفوذ الولايات المتحدة على الإدارة الاقتصادية العالمية.
أخيراً، أن الاقتصاد العالمي يواجه مِحناً هائلة في الأعوام المقبلة: النمو وتشغيل العمالة والتحديات الخاصة بالتوزيع في عديد من البلدان المتقدمة والنامية، والإصلاحات المؤسسية البعيدة المدى في أوروبا، والحاجة المتواصلة إلى الحد من الفقر في مختلف أنحاء العالم، وإدارة هذه المحن بفعالية يتطلب تصميم نظام عالمي يجب ألا يسمح للسياسة الداخلية في دولة واحدة بتهديد آفاق المستقبل لكل دول العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى