اقتصاد عالمي

الصين: لا نريد حرباً تجارية لكننا لسنا خائفين منها وسنقاتل حتى النهاية الصين تنفق 255 مليار دولار على البحث والتطوير 6.4 بالمئة نمو اقتصاد الصين خلال الربع الأول 2019 متخطياً التوقعات

التنمّر التجاري والإرهاب الاقتصادي أبرز «إنجازات» ترامب في الاقتصاد الدولي!

الاقتصادية

منذ مطلع عام 2018، أثارت الولايات المتحدة الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية الأحادية الجانب ضد الصين، واتخذت إجراءات تمييزية ضد شركة هواوي وغيرها من الشركات الصينية.
توصل رئيسا الصين والولايات المتحدة إلى توافق مهم في كانون الأول الماضي، تضمن تسوية وإدارة وسيطرة على الخلافات عبر الحوار والتشاور، والتزم الجانب الصيني بتسوية الخلافات عبر الحوار، فاتحاً على بوابة المفاوضات، بشكل مستمر، إلا أن الجانب الأميركي تجاهل مبدأ المنفعة المتبادلة، ولجأ إلى الضغوط القصوى، الأمر الذي أدى إلى تصعيد الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة.
حقيقةً، الصين لا تريد الحرب التجارية، لكنها لن تخاف منها عندما تفرض عليها، ولن تستسلم أبداً، فكما هو معروف عن الصين؛ لم ولن تخضع لأي ضغط خارجي، ولديها العزيمة والقدرة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة.
يهدف الصراع الاقتصادي والتجاري الذي فرضته الولايات المتحدة على الصين إلى كبح وعرقلة عملية التنمية الصينية.
صحيح أن الإجراءات التجارية الحمائية على اقتصاد الصين تؤثر إلى حدّ ما في الاقتصاد الصيني، إلا أن عناصر القوة والتحول في الاقتصاد الصيني تمكنه من تجاوز تلك الآثار، بسلاسة، وخاصة تحول دوافع النمو الاقتصادي في الصين من الصادرات إلى الطلب الداخلي.

تحول اقتصادي مهم

أصبح الطلب المحلي المحرك الأكبر للنمو الاقتصادي في الصين، بمعدلات استهلاك بلغت 76.2 بالمئة من النمو الاقتصادي العام الماضي، وفي تقرير حديث حول آفاق التنمية الاقتصادية، رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو في الصين، علماً بأنها الدولة الوحيدة التي نالت ذلك من بين الاقتصادات الكبرى.
كما أن الصين تنعم بنظام كامل للصناعات، وقدرة متزايدة في الابتكار العالمي والتكنولوجي وتضم أكبر تجمع للطبقة الوسطى في العالم وتمثل سوقاً هائلة للاستهلاك والاستثمار، لذا فإن الصين واثقة تماماً من أن اقتصادها سوف يمضي بحسم في تعزيز الإصلاح والانفتاح وفي التنمية العالية الجودة بما يتفق مع الجدول الزمني وخريطة الطريق الخاصين بالبلاد.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ هنا مؤخراً «إن الصين لن تستسلم أبداً للضغوط الخارجية ولديها العزم والقدرة على الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة».
وخلال مؤتمر صحفي رداً على أسئلة تتعلق بالاحتكاكات التجارية بين الصين والولايات المتحدة صرح قنغ «الصين لا تريد حرباً تجارية، لكننا لسنا خائفين من خوض هذه الحرب، إذا جلب شخص ما الحرب إلى عتبة بابنا، فسنقاتل حتى النهاية».
وبحسب تقارير إعلامية، فإن الولايات المتحدة ستعقد جلسة استماع عامة يوم 17 حزيران بشأن اقتراح ترامب بفرض تعريفات جمركية على ما قيمته 300 مليار دولار أخرى من البضائع الصينية.
ورداً على ذلك قال قنغ: «إن فرض تعريفات إضافية لن يحل أي مشكلة، فكل من يبدأ الحرب التجارية يؤذي نفسه والآخرين».
ولفت إلى أن الصين أصبحت واحدة من أكثر الوجهات الاستثمارية شهرة للشركات العالمية لسنوات متتالية منذ أن بدأت حملة الإصلاح والانفتاح قبل 40 عاماً، مضيفاً: إن الشركات ستختار الدول التي تستثمر فيها أو شركاء التعاون بناء على مصالحها وقواعد السوق.
وأضاف: «الصين ترحب بالشركات الأجنبية لزيادة الاستثمار في البلاد، وسنواصل جهودنا لخلق بيئة عمل أكثر استقراراً ونزاهة وشفافية وقابلة للتنبؤ للمستثمرين الأجانب»، مؤكداً أن الصين سوف تواصل توسيع الوصول إلى الأسواق وزيادة واردات السلع والخدمات، وإيلاء أهمية لتنفيذ سياسات الانفتاح.
وعن المخاوف الشائعة بشأن اضطرابات اقتصادية عالمية قد تنجم عن تلك النوبة الجديدة من رفع التعريفات الجمركية قال قنغ: «إن تصعيد التوترات التجارية لا يخدم مصلحة أي طرف وسوف يقيد الاقتصاد العالمي أيضاً»، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة كانت هي من أطلق شرارة الخلافات التجارية، وكانت هي من بدأ بفرض تعريفات جمركية إضافية على المنتجات الصينية، وكانت هي من مارس مراراً ضغوطاً قصوى على الصين، مشيراً إلى أن ما فعلته الصين حتى الآن ليس سوى دفاع محض عن النفس لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة، ولدعم التعددية ونظام التجارة الحرة.
وحول الزعم الأميركي بأن المستهلكين الأميركيين لن يدفعوا مقابلاً لزيادات التعريفات الجمركية على البضائع الصينية، قال قنغ: إن هذا الادعاء ينافي المنطق.
وأشار إلى أن المنظمات الأميركية ذات الصلة بإنتاج فول الصويا والذرة والقمح وغيرها من المنتجات الزراعية، أعربت في بيان عن معارضتها لزيادة التعريفات على الواردات من الصين، واستشهد قنغ بدراسة أجراها اقتصاديون أميركيون تشير إلى أن خسارة المستهلكين والمستوردين الأميركيين خلال الشهر الماضي بلغت 4.4 مليارات دولار أميركي، نتيجة زيادة التعريفات الجمركية على الواردات الصينية.
ودعا قنغ الولايات المتحدة إلى أن تزن بحرص مكاسبها وخسائرها، وأن تمسك بزمام الوضع وتعود إلى المسار الصحيح في أسرع وقت ممكن، كما حث الجانب الأميركي على لقاء الصين في منتصف الطريق من أجل التوصل إلى اتفاق يقوم على المنفعة المشتركة والربح للجانبين على أساس الاحترام المتبادل.
وأشارت وزارة الخارجية الصينية إلى أن الممارسات الخاطئة الأخيرة للولايات المتحدة، زادت من التوتر الاقتصادي والتجاري القائم، ولم تضر بشدة بمصالح الشركات والمستهلكين في كلا البلدين فحسب، ولكن كان لها أيضاً تأثير انكماشي على الاقتصاد العالمي أيضاً.

وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد خفضت من توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي، قائلة: إن التوترات التجارية أثرت في النمو العالمي وستواصل تهديد الاستثمار والنمو.
أظهرت تقارير إعلامية مؤخراً أن شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية بما في ذلك هواوي، ودي جيه- أينوفيشن، وإتش أي كيه فيسين، تواجه إجراءات أميركية لحظر بيع المعدات التكنولوجية إليها، وهو ما يعتبر على نطاق واسع خطة لتشديد الضغط على الصين، وفي الوقت نفسه فإن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، قال: «إن الولايات المتحدة منفتحة بشأن عقد جولة جديدة من المحادثات، وعبر عن أمله أن يتمكن الجانبان من العودة إلى مائدة التفاوض».

وعلّق المتحدث باسم وزارة الخارجية لو كانغ في إفادة صحفية قائلاً: «كما أكدنا عدة مرات، فإن الباب مفتوح من الجانب الصيني، غير أنه حتى تكون المحادثات مثمرة، ينبغي أن يكون هناك إخلاص من كلا الجانبين».
وأضاف «نحن نأمل أن يكون الجانب الأميركي جاداً بشأن العودة إلى مائدة التفاوض، وإن اتفاقاً جيداً ينبغي أن يرتكز على الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة».
إن القمع الأميركي التعسفي باستخدام قوة الدولة ضد شركات العلوم والتكنولوجيا الصينية بدوافع سياسية، قد قوض بشدة التعاون والتنمية في مجال العلوم والتكنولوجيا في أرجاء العالم، إضافة إلى الإضرار بمصالح شركات الدول ذات الصلة.

وصرح مسؤول بقسم تسويق الأبحاث والابتكار الإقليمي بوزارة العلوم والتكنولوجيا في مؤتمر صحفي عقد في المكتب الإعلامي لمجلس الدولة يوم الجمعة، أن الصين ستعمل على تحسين وتنفيذ السياسات الحالية لتعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي للشركات.
وبين يانغ شيان أنه في السنوات الأخيرة أصبح الوعي بالابتكار التقني وقدرة الشركات الصينية أقوى مع تأثيرات ملحوظة، كما تم تحسين نظام الابتكار التقني للشركات بصفته الهيكل الرئيسي.
وبلغ إنفاق الصين على البحث والتطوير 1.76 تريليون يوان (حوالي 255 مليار دولار أميركي) في عام 2017، مع استثمار ما يقرب من 80 في المئة من الشركات، وأنفقت 136 ألف شركة صينية عالية التقنية 900 مليون يوان على البحث والتطوير في عام 2017.

أرقام اقتصادية

شهد الاقتصاد الصيني بداية جيدة عام 2019، حيث تخطى اقتصاد أكبر دولة نامية في العالم توقعات السوق بتحقيق نمو في إجمالي الناتج المحلي بلغ 6.4 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول. وتعد الصين هي الاقتصاد الكبير الوحيد الذي زاد صندوق النقد الدولي توقعات نموه في التقرير الاقتصادي الأحدث.
يتجاوز الناتج الاقتصادي للصين 90 تريليون يوان (13.24 تريليون دولار أميركي) ونصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ نحو 10 آلاف دولار أميركي، فضلاً عن قدرة الاقتصاد الصيني على الصمود وإمكانات الصين الاقتصادية الكبيرة، كل ذلك يجعل الصين قوية بما يكفي للصمود أمام الصدمات والمخاطر الخارجية.
وكلفت المعارك التجارية الاقتصاد الأميركي 7.8 مليارات دولار في إجمالي الناتج المحلي لعام 2018، وبلغت الخسائر السنوية للمستهلكين والمنتجين بسبب ارتفاع تكاليف الواردات إجمالي 68.8 مليار دولار أميركي، بحسب دراسة صادرة عن فريق من الاقتصاديين في الجامعات الأميركية الرائدة.
وأشارت تقديرات إلى أن التجارة الصينية- الأميركية ساعدت في توفير نحو 850 دولاراً أميركياً لكل أسرة أميركية في المتوسط في 2015، ما يمثل 1.5 بالمئة من إجمالي دخلها.
ويأتي التنمر التجاري ضد التنمية العالمية أيضاً، فقد ذكر صندوق النقد الدولي أن القضايا التجارية أصبحت أكبر مصدر للشكوك في الاقتصاد العالمي، على حين خفضت منظمة التجارة العالمية توقعها لنمو التجارة العالمية لهذا العام من 3.7 بالمئة إلى 2.6 بالمئة، بسبب الشكوك الاقتصادية.

إرهاب اقتصادي

يقود الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام الدولي إلى مزيد من الفوضى إثر سياساته الاقتصادية والتجارية المتهورة، غير الآبهة بالأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، مقاداً بطروحات متطرفة من أتباع نظرية المؤامرة في أميركا، إذ أصبح التنمّر التجاري والإرهاب الاقتصادي من أبرز سماته إدارة ترامب، فقد بدأ ترامب بالانسحاب من العديد من المنظمات الدولية والاتفاقيات التجارية، غير آبه بمنظمة التجارة العالمية، وما قد ينتج عن ذلك من ضرر على مستوى الاقتصاد الدولي، وكم هو مؤذٍ لموقع أميركا في الاقتصاد السياسي الدولي، عندما تأخذ موقف المعادي للمجتمع الدولي بأغلب مكوناته وكياناته.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، انسحبت الولايات المتحدة من منظمات دولية، من بينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والاتحاد البريدي العالمي.
وانسحبت أيضاً من سلسلة من المعاهدات الدولية، من بينها الشراكة العابرة للمحيط الهادئ واتفاقية باريس التاريخية للتغير المناخي والاتفاق العالمي للهجرة والاتفاق النووي الإيراني والبروتوكول الاختياري لتسوية النزاعات الملحق باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وحاولت الولايات المتحدة أيضاً فرض إعادة التفاوض بشأن اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة واتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وفرضت الأفعال الأحادية التي تقوم بها الولايات المتحدة، سلسلة من التحديات على القواعد الدولية والحوكمة العالمية.

ورغم أن النظام الدولي الحالي لا يسمح بأي خطوات متهورة، وأي حكومة تتجاهل القواعد مصيرها الفشل، إلا أنه منذ أكثر من عام، تلوح الإدارة الأميركية الحالية عمداً بعصا الرسوم الجمركية، وتثير احتكاكات تجارية وتحول نفسها إلى أكبر صانع للمشكلات في المجتمع الدولي، معلنةً الحرب التجارية التي توصف بأنها أحد أشكال الإرهاب الاقتصادي.
في النهاية، إن محاولة إدارة ترامب لاحتواء الصين تخالف تيار التنمية العالمي، ولن تحظى ممارساتها من البطش والهيمنة بتأييد شعوب العالم، وخاصة الدول النامية، مثلنا في سورية، إذ يجب بذل جهود مشتركة مع الجانب الصيني وكل الدول النامية، على وجه التحديد، لرفض الأحادية والهيمنة في التجارة، والحمائية، بما يحافظ على مصالح الجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى