في السنوات الأخيرة كادت الزراعة تحتضر!.. عدم وجود روزنامة زراعية قابلة للتنفيذ .. ما خطة <<الزراعة>> لزيادة الإنتاجية وتعزيز الأمن الغذائي
| أمير حقوق
لكونها قاطرة النمو للاقتصاد الوطني، فلماذا لا يتم العمل على تطويرها واستغلال دورها؟ سؤال يطرح نفسه عند الحديث عن الزراعة في سورية، إذ تشهد حالة من التخبط بتراجع إنتاجية مواسمها كالقمح والشعير والشوندر، ورغم أنها من أهم مقومات وركائز ودعائم الاقتصاد الوطني، إلا أنه لا خريطة واضحة المعالم تحدد معاناتها ومشاكلها، وترسم الحلول والخطط لتنمية عجلتها بزيادة إنتاجيتها وحسن استغلالها بالشكل الأمثل لتحقيق تأمين روافد ضخمة تدعم وتنشط الاقتصاد وتحرك دوران عجلته.
فما الأسباب التي أدت لانخفاض إنتاجيتها؟ وما عمل وزارة الزراعة اليوم لزيادة الإنتاجية؟ وكيف للزراعة أن تتغلب على الصعوبات لتنهض بواقعها؟ تساؤلات عدة تحاول «الاقتصادية» الإجابة عنها من خلال قراءة بعض الأكاديميين والخبراء.
بعض المواسم شهدت تراجعاً بالإنتاج، وهذا أمر لا يمكن إخفاؤه، حسب ما أشار إليه الأستاذ الجامعي في كلية الهندسة الزراعية بجامعة تشرين الدكتور حسام الدين خلاصي في حواره مع «الاقتصادية»، موضحاً أن الإنتاج الزراعي لحقه تدهور في الكمية والنوعية، ما أثر سلباً على كل ملحقات العملية الزراعية قبل وبعد الزراعة.
تراجع مسؤولية الحكومة
ويرى أن أهم الأسباب المؤدية لذلك هي: عدم وجود روزنامة زراعية واقعية قابلة للتنفيذ على مستوى القطر من الحكومة السابقة بالمطلق والحالية على الأغلب، وتردي مستوى الخدمات المقدمة للمزارعين من أجل تأمين مستلزمات الزراعة من بذار جيد وأسمدة وأدوية ووقود، بالتوازي مع تراجع مسؤولية الحكومة وعدم اكتراثها بالمحاصيل الإستراتيجية التي قلت من سورية مثل القطن والشوندر السكري، وعدم وجود سياسة تسويقية واضحة والاعتماد على التصدير والتهريب لتأمين المستلزمات الزراعية، وأخيراً التسعير الجائر واللامنطقي للمحاصيل وتأخير استلامها من مراكز التخزين أو المنشآت المختصة.
إعطاء الرقابة الشعبية دوراً مهماً
وحول عمل وزارة الزراعة لزيادة الإنتاجية، يستلزم الأمر تأمين البذار الجيد للمزارعين والأسمدة المفيدة والسرعة في استلام الحاصلات الزراعية، والقضاء على منظومتي الفساد والرشاوى بإعطاء الرقابة الشعبية دوراً مهماً وصلاحيات أوسع، واعتماد أنظمة الأتمتة لتلافي الروتين وإدخال التكنولوجيا ما أمكن للعمليات الزراعية المتنوعة، وأن يرافقها وضع روزنامة زراعية صحيحة للقطر، وأن يوزع البذار في مواعيده وتأمين القروض الميسرة الخالية من الفوائد لفترة 5 سنوات، وأيضاً استثمار كل متر مربع بالزراعة وخاصة في المساحات التي تحررت من الإرهاب، وإيداع مبلغ استثمارها في البنك لحساب المالك إن تغيّب عن أرضه وألا تترك بوراً، وفقاً لرؤية د. خلاصي.
عدم القناعة بالجدوى الاقتصادية
ويعتقد، من الصعوبات التي تواجه قطاع الزراعة وخاصة بعد غلاء الأسمدة والمازوت، أن رأس المال لم يعد شريكاً ومن المدخلات في العملية الزراعية، لذلك إما عن طريق قروض خالية من الفوائد لفترة محدودة، أو عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص، أو إلزام أي استثمار صناعي أو زراعي بدفع نسبة من رأس المال للاستثمار الزراعي، وعدم قناعة المزارع بالجدوى الاقتصادية هي من أهم الصعوبات، لذلك يجب العودة للسياسات الإرشادية والتحفيزية.
وختم حديثه مع «الاقتصادية» معرباً عن أهمية دور الزراعة في المرحلة الحالية، قائلاً: لابديل من الزراعة بأي حال وهي المخرج الوحيد لسورية للتخلص من الدفع بالقطع الأجنبي، ويجب الابتعاد عن الاحتكار والضرب بقوة على يد المحتكرين والمعرقلين للنجاح الزراعي.
تراجع ملحوظ
بدوره، الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش يرى في حديثه مع «الاقتصادية» أن الإنتاج الزراعي المحلي ولعدد من المحاصيل، ولاسيما الإستراتيجية والصناعية والتي تعد أساس اقتصادنا الزراعي، شهد تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ما ترك أثره الملموس على واقع الحياة الاجتماعية التي تعيشها شريحة واسعة من السكان.
هذا التراجع ومرده عدد لابأس به من الأسباب ومنها: الظروف البيئية المرافقة لمراحل الإنتاج الزراعي في ظل تغير لهذه الظروف وسيطرة مناخ متطرف غير مثالي لإنتاج زراعي وفير، كانعدام الهطل المطري وقلته وحالات الجفاف ودرجات الحرارة الغير ملائمة بالصعود أو الهبوط لنمو وإنتاج العديد من المحاصيل المزروعة، وفق توصيف د. درويش.
خارج عجلة الإنتاج
متابعاً: وأيضاً محدودية المساحات المزروعة لاسيما في ظل خروج عدد لابأس به من المناطق الزراعية خارج عجلة الإنتاج، ما دفع لحصول تغير جغرافي في الخريطة الزراعية للمحاصيل ضمن البلد وفي المساحات المتاحة، ليحل محصول زراعي ما محل آخر.
فضلاً عن ضعف الإمكانات المتاحة لدى الكثير من المزارعين وخصوصاً في مجال تأمين متطلبات الإنتاج الأساسية من أسمدة وبذور ومواد مكافحة ومحروقات وغيرها، في ظل ضعف الدعم المقدم واللازم توفيره لتنشيط ودفع العملية الزراعية وتطويرها والذي هو في حده الأدنى حالياً.
سياسة التسويق المتبعة
ومن جهة أخرى سياسات التسويق المتبعة للمحاصيل المزروعة والتي في كثير من الأحيان لاتلبي رغبة المزارعين، ما جعل شريحة كبيرة من المنتجين تعزف عن زراعة محصول ما واستبداله بزراعات أكثر مردودية وجدوى اقتصادية، تبعاً لرؤية د. درويش.
حصر الإمكانات المتاحة أولاً
وعن بدائل وزارة الزراعة لزيادة الإنتاجية في ظل هذا الانحدار الخطي في الإنتاج الزراعي والمترافق مع ضعف في إدارة وتنظيم هذا الإنتاج، فإن هذا يتطلب من الجهات المعنية وقبل البدء بإعادة تنشيط وتفعيل العجلة الإنتاجية حصر الإمكانات المتاحة وترميم مايمكن لتوفير متطلبات زراعة المحاصيل وإنتاجها لاسيما المحاصيل الإستراتيجية وذات الأهمية التصنيعية والتي تشكل داعماً رئيسياً للاقتصاد الوطني وكبديل عن الاستيراد، وهنا يمكن العمل بالحد الأدنى على إنجاح هذه أو أحد هذه المحاصيل في البدء كخطوة أولى ومن ثم تعميم التجربة على بقية المحاصيل الأخرى، ولتكن زراعة القمح وإنجاح زراعته وإنتاجه في القائمة على اعتباره أساس أمننا الغذائي المستدام، حسب اعتقاد د. درويش.
توفير الريعية الملائمة
مشيراً إلى أنه لاشك بأن خطوة كهذه تتطلب حشد جميع الإمكانات المتاحة لتوفير كافة المستلزمات الضرورية اللازمة المادية منها والعلمية البحثية، إضافة لضرورة تشجيع وتحفيز المزارعين في زراعة هكذا محاصيل عبر التخفيف عنهم في تكاليف مستلزمات الإنتاج اللازمة وبتوفير الريعية الملائمة عبر تأمين أسواق محلية وحتى خارجية لمحاصيلهم، وهنا لابد من الإشارة لدور بارز لعملية إدارة وتنظيم الإنتاج الزراعي والتي لابد وأن تلحظها الخطط الزراعية السنوية الموضوعة وبما يضمن الاستثمار الأمثل للمساحات المزروعة ويساهم بزيادة الإنتاج كماً ونوعاً.
تأسيس إدارات زراعية
وبهذا لابد وأن ننوه بأن تعنى الجهات الزراعية المعنية بإيجاد وتأسيس إدارات زراعية متخصصة بالمحاصيل المراد زراعتها، كإدارة محصول القمح مثلاً، هذه الإدارات من شأنها العمل على حسن التخطيط والتنظيم للعملية الزراعية الإنتاجية والتسويقية للمحصول من البذرة إلى البذرة ومن ثم إلى الريعية، كما ويبرز في هذا السياق أهمية لمفهوم الزراعة التعاقدية كبادرة أولية يمكن أن تساعد في تأمين دعم مادي ما للمزارعين وتعزز من ثقتهم بالاستمرار في زراعة هكذا محاصيل، وهنا لابد من تأمين بيئة تشريعية وقانونية تضمن في المحصلة ريعية مناسبة للمزارع القائم بالإنتاج وصاحب رأس المال المتعاقد على حد سواء.
الدعم مختلفاً
فواقعنا الزراعي الحالي، يتطلب مزيداً من الجهود المنفذة على الأرض، سواء عبر الجهات الفنية المتواجدة إن عبر الجمعيات الفلاحية وغيرها، وذلك في سبيل دفع المزارع وتشجيعه لابل مكافأته على الاستمرار في تدوير عجلة الإنتاج الزراعي وعدم بحثه واستبداله لزراعته المحاصيل التقليدية الأساسية بزراعات ثانوية قد تكون مرحلية في ظل واقعنا الحالي، كما لابد أن يكون الدعم الموجه من قبل الجهات المعنية ولعدد من السنوات القادمة لزراعة هذه المحاصيل الأساسية مختلفاً كماً ونوعاً عن بقية الزراعات الأخرى، حسب مقترحات د. درويش.
التحول لاستيرادها كاملاً
شارحاً أن عدم نجاح زراعة هكذا محاصيل، كانت ولاتزال أساساً لأمننا الغذائي، والتحول شيئاً فشيئاً نحو الاستيراد الكامل لهذه المحاصيل من الخارج، يمكن أن يعد الخيار الأصعب والأقسى والذي يمكن أن ينهك اقتصادنا الوطني عاماً تلو الآخر، هذا الذي تنعكس تبعيته سلباً على معيشة ومستوى دخل المواطن وحياته الاجتماعية، وهذا الذي يمكن أن نلمسه حالياً.
ركيزة أساسية بمبدأ الاعتماد
فالواقع الزراعي المؤلم الذي نعيشه اليوم هو في انحسار زراعة بعض المحاصيل، وذلك على حساب حلول زراعات بديلة قد تكون ذا أهمية ثانوية أو مكملة إذا ما قورنت بتلك الزراعات التي تعد الأساس لاقتصاد البلد وأمنه الغذائي، وهنا يجب التنويه بضعف أو انعدام أحياناً المساحات المزروعة بالقمح والشوندر والقطن وعبّاد الشمس والمحاصيل العلفية وغيرها، على حساب انتشار زراعات لمحاصيل أخرى ثانوية أو حتى زراعات بديلة ومنها النباتات الاستوائية، إن هذا يمكن اعتباره تدهوراً متنامياً لزراعتنا المحلية التي كانت في يوم من الأيام مدعاة للفخر ودعامة وركيزة أساسية في تجسيد مبدأ الاعتماد على الذات والحفاظ على الاكتفاء الذاتي الغذائي، تبعاً لما ختم به الدكتور مجد درويش حديثه مع «الاقتصادية».
سياسة التسعير دمرت أسعار المحاصيل
الخبير الاقتصادي أكرم عفيف يرى أن هناك مواسم شهدت تراجعاً بالإنتاج لأسباب عدة منها ارتفاع تكاليف تمويل الإنتاج الزراعي والتبدّل المناخي، والأهم سياسة التسعير الحكومية التي دمرت أسعار المحاصيل بشكل نهائي، وبهذا لم يلحظ فقط تراجع بالإنتاج بل سيلحظ انتهاء للإنتاج النباتي بسبب الخسائر الكبيرة، وبالتالي لم نشهد زراعة القرع والبصل والشوندر في المواسم القادمة.
الزراعة احتضرت
وعامل غياب التسويق مؤثر بشكل كبير، حسب ما أوضحه عفيف لـ»الاقتصادية»، متابعاً: فالمواسم المرتبطة بالدولة أسعارها خاسرة، والتجار يستغلون المواسم الخاصة ويشترون بأسعار بخسة، وبالتالي الفلاح يقع بالخسائر، والنتيجة انهيار تام لقطاع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وفي السنوات الأربع الأخيرة كانت الزراعة تحتضر، واليوم احتضرت.
الزراعات التعاقدية
ويعتقد أن البدائل لزيادة الإنتاجية هي حاجة القطاع الزراعي للمبادرين، وإعادة النظر بسياسة التسعير، وتأمين مصادر التمويل للإنتاج الزراعي، لكون أغلب الفلاحين غير قادرين على زراعة أراضيهم وتمويلها، والعمل على الزراعات التعاقدية، وبالتالي رسم خريطة واضحة أمام الفلاح، من حيث، لمن يزرع ولمن يبيع وما الأسعار التي سيبيع بها؟ وبالتالي يضمن عدم خسارته.
تراجع المصرف الزراعي
فمثلاً منطقة الغاب تشهد غياب الأراضي الزراعية، فكل الأراضي فيها تغزوها الأعشاب المعمّرة، لعدم الفلاحة المعمّقة لارتفاع تكاليفها وتكاليف الإنتاج الزراعي، رغم محاولة بعض البنوك تمويل الفلاحين، ولكن يجب توجه جميع البنوك لتمويل الفلاحين والمشاريع الزراعية، لكون المصرف الزراعي تراجع في عمله بالتمويل.