القوانين التجارية على طاولة التشريح.. كيف نوازن بين رؤية الحكومة وقطاع الأعمال لبيئة تشريعية سليمة تحفظ حقوق الجميع؟.. الحلاق لـ«الاقتصادية»: إبقاء عقوبة السجن على المخالفات الجسيمة وعقوبات مالية متدرجة لسواها
| شادية إسبر
خمسة قوانين تتعلق بالشركات وحماية المستهلك والعلامات الفارقة والتجارة والغرف التجارية، هي اليوم تحت الضوء على طاولات يلتئم إليها كل من له علاقة بهذه القوانين، للدراسة وإبداء الرأي في تعديلها واتساع دائرة التعاون مع الوسط التجاري وحماية المستهلك والغاية المرجوة هي ما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وليس مصلحة طرف على حساب آخر، فماذا جرى في جلسات الحوار التي انطلقت؟ وماذا في القادم منها؟ وهل سنشهد بيئة تشريعية تنفيذية صحيّة صحيحة تناسب المرحلة الحالية وتؤسس للقادم الاقتصادي؟
جلسات الحوار انطلقت
الأربعاء 20 تشرين الثاني الجاري أطلقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك اللقاءات التشاورية الحوارية لتعديل القوانين، وكانت البداية من غرف التجارة في محافظات ريف دمشق وحلب وحماة وطرطوس ودير الزور والقنيطرة والسويداء ودرعا والحسكة، في حين انطلقت الجلسات في غرف التجارة بمحافظات دمشق وحمص واللاذقية في اليوم التالي الخميس 21 تشرين الثاني.
دمشق تبدأ بالقانون 8.. قاسٍ على الجميع
في أولى جلسات الحوار الخاصة بدارسة تعديل القانون رقم 8 لعام 2021 التي أقامتها مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق بالتعاون مع غرفة صناعة دمشق وريفها وغرفة تجارة دمشق، اتفق القضاة والمحامون بتأييد من جميع الحاضرين من صناعيين وتجار ومسؤولين في القطاع العام بالإضافة لأساتذة الجامعات على أن القانون رقم 8 قاسٍ بحق التجار والصناعيين، وأيضاً بحق من يبحثون عن مصدر رزق بسيط كبيع الخبز على الطرقات، باعتبار عقوبة الحبس لمدة عام كامل لمن يبيع ربطتي خبز أمرٌ مجحف، حيث لا يملك القاضي المساحة للتخفيف من هذه العقوبة، وأكد المحامي العام بدمشق السيد محمد خربطلي أن الجزاء يجب أن يكون من جنس العمل، وأن نبحث عن مشروع قانون لا يُظلم به أحد.
الجلسة شهدت حضوراً غنياً ومتنوعاً ما أعطى الأجواء موضوعية وأثرى النقاشات، فماذا ناقشت؟
السجن أم الغرامة؟
عن أهداف الحوار ومجريات الجلسة أوضح النائب الأول لرئيس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق في تصريح خاص لـ«الاقتصادية» أن الحوار يهدف لسماع جميع أطراف المعادلة ووجهة نظر ورؤية كل منها، ومن ينفذ القانون وما المشاكل التي تواجه التطبيق والحيثيات التي يجب أن يتوقف عندها كل قانون، ويمكن القول إنه حوار من أعلى إلى أدنى مرحلة ومن أدنى مرحلة إلى أعلى من أجل الاستماع لكل الأفكار والمعطيات والحيثيات المهمة التي يجب البحث فيها وتعديلها، وقائية أم إجرائية أو غيرها.
الحلاق وصف جلسة الخميس بالممتازة، مضيفاً إنه لم تضع بشكل أساسي النقاط الواجبة التعديل إنما كان حواراً عاماً للبحث بأسباب وموجبات وأهمية تعديل القوانين الموجودة وأهمها ما هو على تماس مباشر بين المستهلك وقطاع الأعمال والحكومة ومنفذي القرار وسواهم، وأهمية أن يتم النظر بكل الإجراءات الموجودة والعقوبات التي تنجم عن الإجراءات المرنة أو المعقدة أو الميسرة للأعمال وسواها.
وبيّن أن أغلب المناقشات تركزت حول ما نواجهه من مشاكل وكانت الطروحات واضحة جداً من قبل قطاع الأعمال: أولاً إلغاء عقوبة السجن عن جميع المخالفات غير الجسيمة، وإبقاء عقوبة السجن فقط على المخالفات الجسيمة المتعلق بالاتجار بالمواد المدعومة أو الغش أو التدليس أو الإساءة أو تسبب ضرر على المستهلك، وسوى ذلك أن تكون العقوبات مالية، معبراً عن وجهة نظره بأن تكون العقوبات متدرجة لضبط عدم وجود مخالفة.
وأضاف الحلاق: أهم ما تم بحثه أنه لا نحتاج لفرض عقوبة في حال كان هناك قدرة على العمل بخط سير واضح لكل أنواع العمل، وبالتالي لا يوجد ما يستوجب القيام بمخالفة، كاشفاً أنه تم أيضاً الطلب من كل جهة أن تقدم ورقة عمل بما تحتاجه بموضوع التعديلات، وهذا ما سيكون على طاولة النقاش في الجلسة القادمة يوم الاثنين في الساعة الخامسة.
إصلاح البيت الداخلي
الحلاق تحدث عن أهمية إصلاح البيت الداخلي، وأوضح فككرته بالقول: في بيتنا منظومات مختلفة منها الكهرباء والماء والهاتف والغاز والتصريف المائي، وأي خلل في إحداها قد يعيق الحياة داخل البيت، وأنا أنظر اليوم إلى الاقتصاد تماماً بهذا الشكل، بالتالي يجب ألا يكون هناك أي خلل بأي مفصل، بمعنى يجب على كل من يمارس الأعمال معرفة ما له وما عليه، وأن يعرف المستهلك أيضاً حقوقه والتزاماته، وأيضاً على موظفي الحكومة الذين ينفذون القوانين معرفة ما لهم وما عليهم، معتبراً أن البيت الداخلي اليوم بتشريعاته وقوانينه كافة بحاجة إلى تعديل، والاقتصاد يبنى على أعمدة يجب أن تكون في البنية التحتية متساوية الأطوال ومتكافئة القوة والجودة كي تحقق أعلى ما يمكن من الصمود، لنبني عليها طوابق أخرى تخص الاستثمار وجودته وتحقيق كفاءة الإنتاج والنمو الاقتصادي ومعدلات اقتصادية مرتفعة.
وشدد الحلاق على وجوب أن ننظر إلى الموضوع بشكل متكامل وأن تكون جميع القوى متكافئة، بأن يكون هناك أنظمة واقعية قابلة للتطبيق (نظام ضريبي، حماية للمستهلك، استيراد، شؤون اجتماعية وعمل، وتوظيف، وتمويل وسواها) وأن تكون متجانسة بما يجعلها قادرة على التكامل بين بعضها في حلقات الإنتاج لنحقق اقتصاداً كاملاً متكاملاً قوياً قادراً على جذب اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الحقيقي، وليس كما هو عليه اليوم والذي هو منفّر لقطاع الأعمال ما يحوله من قطاع الأعمال حقيقي إلى قطاع اقتصاد أعمال الظل.
الأوجاع عدم تناسق التشريعات
عن ما هي أهم أوجاع قطاع الأعمال اليوم؟ أجاب الحلاق إنها عدم تناسق التشريعات، فمثلاً مطلوب من التاجر شيء تجاه وزارة التجارة الداخلية، وغيره تجاه الشؤون الاجتماعية والعمل وآخر تجاه وزارة الاقتصاد، وأيضاً الجمارك، والمالية وحماية المستهلك، وكل شيء مختلف عن الآخر وهذا غير قابل للتحقيق ونحن نقف أحياناً عاجزين، لافتاً إلى نقطة مهمة جداً برأيه أن منعكس كل هذه الأمور سيكون إيجابياً على المستهلك بأسعار منخفضة وإيجابياً على الاقتصاد بزيادة الأعمال وقدرة الإنتاجية وزيادة توظيف وواردات للشؤون الاجتماعية والعمل، وعلى الاستيراد والحصول على صادرات أعلى، كما يحقق وفرة للخزينة من خلال نتائج العمل والقدرة على تحقيق الأرباح ودفع ضرائب ورسوم وسواها.
إعادة الثقة
الحلاق يرى أن الاقتصاد السوري قوي ولديه فرص متاحة لكن بعض التشريعات والقوانين جعلته في حالة خلل ويحتاج لإعادة إنعاش وإعادة ثقة بين قطاع الأعمال والحكومة وبين الحكومة والمستهلك، وبين المستهلك وقطاع الأعمال وكل أطراف المعادلة، لافتاً إلى أن الأمر واضح تماماً كي تنخفض الأسعار يجب أن يكون هناك وفرة بالإنتاج والجودة والتنافسية، وإحدى أهم قواعد العمل المعروفة والتي نبحث فيها اليوم هي «دعه يعمل دعه يمر»، وبقدر ما يتم العمل بيسر وسهولة بقدر ما يعطي منعكساً إيجابياً على المستهلك.