هل تفتح «صيدلية العالم» أبوابها لعلاج صناعتنا الدوائية؟.. الهند تعرض صناعتها في القطاع الدوائي وصناعيو سورية يطرحون التشاركية.. السفير أحمد لـ«الاقتصادية»: جاهزون للاستثمار في سورية بانتظار رفع العقوبات وتحسن المناخ التجاري فيها
|شادية إسبر
مؤكد ليس عبثاً أو ترويجاً لمنتج أن تبادر السفارة الهندية في دمشق لتقدم تجربتها الرائدة في مجال الصناعات الدوائية، فخلال جلسة تفاعلية اتسمت أجواؤها بالودية، أكد المشاركون فيها تفاؤلهم بقادمِ تعاونٍ مأمول من الطرفين؛ لا تكفيه نيات الجهوزية، بل يحتاج إلى مزيد من أريحية تكبلها العقوبات الجائرة على سورية، ولمناخ تجاري عام يحتاج إلى المزيد، تكررت عبارة «الهند صيدلية العالم».
وسط هذه الأجواء طُرحت فرص التعاون بين سورية والهند في مجال الصناعات الدوائية كمحور للجلسة التي أقامتها سفارة الهند بدمشق في فندق داما روز يوم الأربعاء 13 تشرين الثاني 2024، بمشاركة غرف الصناعة والتجارة وعدد من أصحاب وممثلي شركات الأدوية في سورية، فهل قررت «صيدلية العالم» أن تفتح أبوابها وتقدم وصفة العلاج التي تساعد هذ القطاع الصناعي الإستراتيجي على العودة إلى ألقه، بكفاية السوق المحلية ورفع حجم الصادرات من الصناعات الدوائية التي وصلت قبل الأزمة إلى نحو 140 مليون دولار، مقارنة بمبلغ يتراوح بين 15 إلى 20 مليوناً حالياً، وفق ما أكد هذه الأرقام رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية غزوان المصري في تصريح خاص لـ«الاقتصادية» التي واكبت الجلسة.
المصري أضاف: نصدر حالياً نسبة 10 بالمئة فقط مما كنا نصدره قبل الأزمة، وهذه الأرقام تؤكد ضرورة أن ننهض بالصناعة الدوائية مجدداً، موضحاً أن الالتفاف على العقوبات لتأمين الأدوية ومستلزمات إنتاجها يكلفنا زيادة بمعدل 2 إلى 3 بالمئة من قيمة البضاعة، فتحويل الأموال يتم عن طريق عدة شركات في بلدان عدة كي نتمكن من توصيل الأموال إلى الهند مثلاً، وهذا بالنتيجة يؤثر في المواطن السوري الذي يدفع الثمن، حيث ترتفع أسعار الأدوية وتطالب معاملها بزيادة الأسعار نتيجة ارتفاع التكلفة المتأثرة بالعقوبات.
الشراكة الهندية السورية
سفير جمهورية الهند بدمشق إرشاد أحمد رد على سؤال «الاقتصادية» عن وجود فرص استثمارية واعدة في سورية ومزايا تفضيلية جغرافية تضاف إليها خبرات تراكمية في مجال التصنيع والتسويق الدوائي، فلماذا لا تدخل الهند شريكاً تصنيعاً وتصديراً؟ بالقول: الهند جاهزة للتعاون مع سورية ولكن الجهوزية ليست كافية هناك عوامل أخرى يجب وضعها في الحسبان لكي يتم إنجاز تعاون ملموس في المجال الدوائي والمجالات الأخرى بين البلدين.
وعن ماهية هذه العوامل أو العوائق؟ أضاف: العقوبات وصعوبة التحويلات المصرفية، وهذا الموضوع ليس سهلاً ويشكل عائقاً.
وتابعت «الاقتصادية» مع السفير: وجود الصناعة الدوائية الهندية السورية ألا يذلل العوائق ويساعد بتجاوز العقوبات؟ فأجاب: يمكن دراسة ذلك، هذا الموضوع ليس بالسهولة.
وبشأن المرحلة القادمة قال السفير أحمد: نعم الشراكة ممكنة جداً ولكن ننتظر موضوع رفع العقوبات، لكي يتحسن المناخ التجاري العام في سورية، والهند جاهزة والشركات الدوائية للتعاون.
موضوع تذليل المعوقات التي تجعل الهندي يتريث بالدخول في شراكة إلى السوق السورية شرحه المصري بالقول: هذا ما تحدثنا عنه بموضوع التشاركية مع الجانب الهندي، بمعنى عندما توجد شركات سورية هندية تفتح مصنعاً في سورية يمكن حينها أن ترسل المادة الأولية، ويتم التصنيع والتصدير، وهذا يساعد كثيراً في تجاوز موضوع العقوبات، لافتاً إلى أن الدواء السوري مطلوب في دول الجوار وله سمعة جيدة، كما أن إقامة معامل مشتركة هندية سورية للصناعات الدوائية في سورية تخفض أسعار الدواء في السوق المحلية وتزيد من تشغيل اليد العاملة.
على طاولة الجلسة فرص استثمارية
السفير الهندي كان أوضح في بداية الجلسة أنها تُعقد لتسليط الضوء على القطاع الدوائي في الهند وسورية، والهدف منها أيضاً الانخراط في الفعاليات التجارية والصناعية في سورية وتعزيزها، ولتشارك الهند خبرتها في القطاع الصناعي الدوائي كبلاد تضم آلاف الشركات الدوائية.
بينما قدم رئيس اتحاد غرف الصناعة شرحاً عن الصناعات الدوائية في سورية التي بدأت في ستينيات القرن الماضي ودخلت مرحلة جديدة أكثر تطوراً في نهاية الثمانينيات عبر القطاع الخاص، لافتاً إلى أن سورية احتلت المرتبة الثالثة في مجال تصدير الدواء، ونجحت الصناعة الدوائية السورية بتحقيق الاكتفاء الذاتي والانتقال إلى التصدير بمنتج يجمع بين الجودة والأمان وتحقيق القدرة التنافسية إذ دخل إلى أسواقنا نحو 25 دولة أجنبية وسط منافسة قوية خلال مرحلة ما قبل الأزمة، معتبراً أن اللقاء فرصة مهمة للتعريف بواقع الصناعات الدوائية وللاطلاع على مستجدات هذه الصناعة المهمة وبحث مجال التعاون في الأبحاث الدوائية لتأمين مستلزمات الإنتاج والتجهيزات الجديدة.
المصري شدّد على أنه لا تزال الصناعات الدوائية تحمل فرصاً استثمارية واعدة، متمنياً من خلال الفعالية توثيق التعاون بين شركات الدواء السورية والهندية بما يدعم التطور في هذه الصناعة، وعملية التبادل التجاري ومستلزمات الإنتاج وتشجيع الشركات الهندية على اكتساب الفرص الاستثمارية المتاحة في الصناعات الدوائية السورية.
في الإطار ذاته تحدث رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق باسل الحموي بأن الصناعة الدوائية الهندية هي الأكبر عالمياً، وتحظى بانتشار واسع، وخاصة لدى المستثمرين والمستوردين السوريين، وقال: أعتقد أن هناك فرصة واعدة جديدة للتعاون المشترك وخاصة أن بلدنا قد خرج من أزمته ويسعى لأعلى درجات النهوض والتطور، علاقتنا التجارية والاقتصادية مع جمهورية الهند الصديقة كبيرة، وهناك اتفاقات تجارية مهمة، ولدينا كل الرغبة في تعزيز هذه العلاقات بما يخدم مجتمع الأعمال في كلا البلدين.
تدريب الكوادر
إضافة إلى إمكانية إقامة شركات مشتركة سورية هندية عبر التشاركية في سورية، طرح آخر قدمه رئيس اتحاد غرف الصناعة خلال الجلسة تمثل بإمكانية تدريب الأيدي العاملة في الهند بهدف تطوير الخبرات، لافتاً إلى أن أغلب المواد الأولية للصناعات الدوائية تأتينا من الهند، وواصفاً حجم التبادل التجاري الحالي البالغ 8,99 ملايين دولار بالخجول جداً، وتوجه المصري للسفير أحمد بالقول: نتطلع للزيادة من خلال التعاون معكم في موضوعي تدريب المهارات والتشاركية.
من جانبه رأى السفير أحمد أن تدريب الكوادر السورية في المجال الطبي أمر مهم جداً، لافتاً إلى ضرورة أن يأخذ الموضوع مساره الطبيعي عن طريق وزارة الخارجية لإيصاله إلى الجهات المعنية بالهند لاستكماله.
وعن الموضوع عبّر رئيس فرع دمشق لنقابة الصيادلة الدكتور حسن ديروان عن دعمه لمقترح تدريب كوادر الصناعات الدوائية صيادلة وفنيين في معامل الهند، وتوفير بيئة ملائمة للتعاون والتشبيك بين البلدين، لافتاً إلى أن النقابة تعمل على دراسة حاجة سوق الدواء بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء، وتوجيه الشركات الدوائية لتوفير الاحتياجات وخاصة المواد الأولية والأدوية النوعية والسرطانية واللقاحات غير المصنعة في سورية.
وفيما يتعلق بمواكبة التطور التكنولوجي في هذه الصناعة المهمة، أكد نقيب صيادلة دمشق الدكتور ديروان لـ«الاقتصادية» أن المواكبة مستمرة وأن الآلات في المصانع الجديدة من أحدث الآلات في الصناعات الدوائية، لكن تدريب الكادر مهم، لأن بعض المعامل كانت تضطر أحياناً لجلب خبرات من الخارج، لافتاً إلى أن العقوبات تحد أيضاً من وصول التكنولوجيا الحديثة في الصناعات المتطورة إلى سورية، وهذه المبادرة نقلة في عملية التشبيك لتصبح أكثر تنظيماً، وأن المعارض الدوائية مهمة جداً تتيح الفرص للتعاون المثمر.
مستقبل واعد
في رده على الأسئلة أكد رئيس غرفة تجارة دمشق حول استيراد المواد الأولية لهذه الصناعة أن المستقبل واعد، وقال: نحن متفائلون كثيراً بأن يكون هناك تعاون في القريب بين الهند وسورية، وبالنسبة للمواد الأولية مسموح استيرادها، لكن هناك بعض الصعوبات تتعلق بطريقة التحويل، ومن يقم من التجار بالاستيراد يجد حلولاً مؤقتة لتأمين هذه المواد ريثما تفتح الأبواب وتعود التجارة كما كانت عليه.
الحموي وصف حجم التبادل مع الهند بالمتواضع جداً، معبراً عن تفاؤله بمساعدة السفير التواصل مع الشركات الهندية، ونحاول بداية أن يكون هناك استثمار في سورية ضمن الإعفاءات الموجودة في قانون الاستثمار الحالي أو قانون الاستثمار المستقبلي الذي سيكون له منافع كثيرة للمستثمرين من خارج سورية وفي داخلها.
بينما لفت ديروان إلى الحديث حول استثناء الأدوية من العقوبات الجائرة على سورية التي تفرض عملياً مخاوف على بعض الشركات عند التعاون مع سورية وإلى أن الهند دولة رائدة في مجال تصنيع الأدوية السرطانية والهرمونية والمناعية واللقاحات، كما أنها متطورة بالصناعات الدوائية العشبية والنباتية التي تطمح سورية إلى تطويرها.
وحول مقترحات للحكومة من أجل تذليل العوائق أمام الصناعيين وتشجيع الاستثمار، شدّد المصري أن المطالب اليوم دعم التصدير إن كان بأسعار الكهرباء، أو بالدعم الذي تقدمه هيئة تنمية الصادرات التي تدفع دعماً بنسبة 10 بالمئة، فالحاجة تستوجب أن تكون كل القطاعات مدعومة، وهذا مطلب الصناعيين، فاليوم الصناعات الكيميائية والهندسية حصراً بحاجة إلى دعمها في التصدير.