كيف يمكن إحياء الصناعة الوطنية..؟!.. تنظيم القطاع الصناعي الوطني بشقيه العام والخاص وتكامل الأدوار بما يحقق أعلى قيمة مضافة.. الصناعيون لـ«الاقتصادية»: الحوار مع الحكومة كان إيجابياً ومتفائلون بالمرحلة المقبلة.. المصري: لقاء نوعي وطالبنا بإصلاح التشوهات الجمركية التي تعيق العمل
|غزل إبراهيم
تتمثل الرؤية المستقبلية للقطاع الصناعي في سورية في أن تكون الصناعة هي قاطرة التنمية الاقتصادية الاحتوائية والمستدامة، والتي تلبى الطلب المحلى وتدعم نمو الصادرات، من خلال تنظيم القطاع الصناعي الوطني العام والخاص، والتوجه نحو تعزيز الدور الإشرافي والتنظيمي للدولة في مجال القطاعات الاقتصادية والابتعاد عن الدور التشغيلي، بما يحقق أعلى قيمة مضافة من هذا القطاع، ويرفع كفاءة الاقتصاد الوطني ويحسن الواقع المعيشي لمختلف شرائح المجتمع.
وتتطلب هذه الرؤية التنموية توفير المناخ الملائم للنمو الصناعي القائم على تعزيز تنافسية المنتج وتوسيع الطاقة الاستيعابية للقطاع لإتاحة فرص العمل اللائق، مع معالجة مشاكل الصناعيين ومراجعة بعض التشريعات الخاصة بالعمل الصناعي والتجاري، بما يساهم في تعزيز دوران عجلة الإنتاج واستمرار تأمين حاجة السوق المحلية من مختلف السلع والمواد بجودة وأسعار مناسبة.
وفى هذا الصدد، يأتي اجتماع رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي مع اتحاد غرف الصناعة السورية، ليؤكد رؤية الحكومة الجديدة في التعاطي مع الواقع الاقتصادي الحالي بكل شفافية ووضوح بعيداً عن التنظير، حيث لفت الدكتور الجلالي إلى أهمية التفكير من بوابة الاقتصاد الوطني قبل الدخول في الأحاديث عن تقسيمات القطاعين العام والخاص، باعتبار أن معيار المنفعة الوطنية العليا مبني على حوامل القطاعين العام والخاص في آن معاً.
كما شدد الدكتور الجلالي على أن القطاع الصناعي الخاص شريك وطني حقيقي في النشاط الاقتصادي الوطني، ويجب أن يحقق هذا القطاع أرباحاً وعوائد تتيح له إمكانية الاستمرار والتطور، كما أن للقطاع العام دوره وأهدافه، ومن الضرورة بمكان أن يركز كل قطاع على دوره ومسؤولياته، بما فيها المسؤولية الاجتماعية، مشيراً إلى أن العنصر الأكثر أهمية من تناول موضوع نسب ومعدلات الضرائب والرسوم وقيم الغرامات هو مفهوم ثقافة الالتزام المالي والثقة بين السلطة المالية والمكلفين من قطاع الأعمال، فعندما نتمتع بثقافة الالتزام من منظور وطني، وتسود الثقة بين السلطة المالية من جهة والمكلفين من جهة أخرى تتشكل القناعة بوجود تكامل بين طرفي المعادلة لما فيه المصلحة الوطنية العليا.
وأضاف الدكتور الجلالي: «ما نريده هو بناء قطاع صناعي مخطط وموضوعي ومجد، فبلدنا ليس بلداً صناعياً، ومن غير الموضوعي أن نسعى لإقامة كافة الصناعات وأن نطالب بدعم كافة القطاعات والمعامل والأشغال الصناعية، موضحاً أهمية تعزيز قدرة القطاع الصناعي الوطني بالقدرة على تحديد المزايا النسبية والتنافسية التي يجب أن نكون فيها وكذلك تحديد تلك القطاعات التي يجب أن نتخلى عنها أو نتحاشى الدخول فيها، فمن أهم المشاكل التي نعاني منها أن ندخل بشكل خاطئ في بعض القطاعات ثم تبدأ سلسلة غير متناهية من الإجراءات والخطوات الترقيعية لإنجاح هذه القطاعات وهي أساساً غير قابلة للنجاح.
وفيما يخص القطاع الدوائي ورداً على مطالبات الصناعيين باستصدار تشريعات تمنح معامل الأدوية إعفاءات جمركية وضريبية تساعد في تخفيض التكاليف وتخفيض الأسعار، أشار الدكتور الجلالي إلى ضرورة مراجعة السياسات السعرية الدوائية وضرورة وضعها في سياقها الطبيعي بعيداً عن القرارات الإدارية.
الحوار كان شفافاً ومثمراً
وحول هذا الاجتماع والمناقشات التي جرت خلاله مع السيد رئيس مجلس الوزراء، أكد رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية غزوان المصري أن الحوار كان مثمراً وناجحاً مع الدكتور الجلالي الذي أحاط بكل القضايا الصناعية في سورية، مبيناً أن اتحاد غرف الصناعة قدم طروحات مهمة، وناقش العديد من القضايا الشائكة وعلى رأسها المرسوم رقم 8 الذي كنا بصدد الانتهاء منه مع الحكومة السابقة، حيث طالبنا بإعادته والإسراع في إصداره لكونه مطلباً عاماً لكل الصناعيين، فاليوم عقوبة أي مخالفة هي الحبس والغرامة المالية، وهذا يشمل كل المصانع ولا يفرق بين مخالفات جسيمة تستحق المعاقبة وبين المخالفات الصغيرة، كما تم التطرق للبلاغ رقم 10 انطلاقاً من ضرورة الإسراع بتنظيم التجمعات الصناعية، فمثلاً القطاع النسيجي لا يستطيع العمل في هذه المناطق لكونه يحتاج ليد عاملة وخاصة المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى مطالبات بإصلاح التشوهات الجمركية التي تعيق العمل الصناعي، فاليوم الرسوم الجمركية لمادة الصاج (مادة أولية للصناعات الهندسية) يجب أن تكون 1بالمئة بدلا من 10بالمئة التي يدفعها الصناعي حالياً، ودعم التصدير من هيئة دعم الصادرات للقطاع الكيميائي والأدوية والقطاع الهندسي أسوة بالقطاع النسيجي والغذائي الزراعي، وتخفيض المالية عن الكهرباء من 22 بالمئة إلى 7 بالمئة.
ووفقاً للمصري هناك اجتماع قريب مع مدير الضرائب والرسوم للخروج بأفكار جدية لتخفيف النسب الضريبية ليكون التحصيل أكثر ما ينعكس إيجاباً على المستهلك.
رؤية واقعية مختلفة
من جهته كشف خازن غرفة صناعة حلب المهندس مجد الدين ششمان أن اللقاء مع السيد رئيس مجلس الوزراء كان إيجابياً، ومتفائلون بتحسين حال القطاع خلال الفترة المقبلة، فالحكومة منفتحة وتتعاطى بإيجابية وواقعية مع الصناعيين، وهناك استجابة وتشاركية في إيجاد الحلول للصعوبات التي تعترض القطاع الصناعي.
والحديث دار حسب ششمان حول القضايا التي تمس المسار الوطني في المستقبل القريب وما تحمله التغيرات الإقليمية على واقع الاقتصاد والصناعة بشكل خاص لأنها الرافعة الأساسية للاقتصاد، وكان هناك مطالب عدة طرحت على طاولة النقاش بخصوص الواقع الصناعي الحالي والمعوقات التي تواجه الصناعيين بشكل خاص، ومن أهمها وفقاً لششمان التشريع الضريبي والتغيرات التي طرأت على التعامل بخصوص التحصيل الضريبي على الأرباح الحقيقية، إضافة إلى موضوع المرسوم 8 وما له من منعكسات سلبية على الصناعيين، وفي هذا الخصوص كان رد رئيس الوزراء إيجابياً.
كما طالب الصناعيون بزيادة الدعم على الصادرات وتوسيع مروحة المواد المشمولة بالدعم، والتريث بتنفيذ تعليمات وزارة الإدارة المحلية حول نقل المنشآت الصناعية الموجودة في التجمعات الصناعية الحاصلة على تراخيص مؤقتة إلى المدن الصناعية.
مطالب صناعيي حلب
وأوضح ششمان أن من أهم مطالب غرفة صناعة حلب إعادة النظر بسعر الكهرباء، وتخفيض سعر الفيول، وإلغاء الضميمة على ألواح الطاقة الشمسية، إضافة إلى تنظيم قطاع الصناعات الدوائية بما يخص التسعير والتمويل للمواد الأولية، والإسراع بتوجيه ما يلزم لإصلاح محطات تحويل الكهرباء في المدينة الصناعية الشيخ نجار.
الصناعات الانتقائية
من جانبه أكد المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش، أن أهم ما يلفت الانتباه في حديث السيد رئيس مجلس الوزراء في اجتماع الصناعيين.. تأكيده على:
– مفهوم الصناعة الوطنية كقطاع وطني بعيداً عن تقسيمات القطاع العام والخاص.
– وأهمية مصطلح (صنع في سورية) كهوية وطنية للصناعة السورية.
حيث يمكن تطوير هذا الشعار ليصبح علامة تجارية تعبر عن تموضع وصورة ذهنية عالية للمنتج الصناعي السوري.
– وكذلك ضرورة التركيز على الصناعات القادرة على تحقيق ميزات تنافسية.
وهذا ما يساعدها ذاتياً (بعيداً عن الاتكال على الدعم والحماية والاستثنائية) على المنافسة في الأسواق المحلية، والولوج للأسواق الخارجية.. وهذا يتضمن الاعتماد على مفهوم الصناعة الانتقائية، وهي التي يتم اختيارها بموجب تقنيات علمية مثل تقنية مضاعفة الاستثمار، والتي تُصنِف الصناعات وفق عدة معايير، من أهمها الصناعات التي تتوافر لها ميزات نسبية كالصناعات الزراعية التصديرية، والصناعات الموطّنة والمكثفة للتكنولوجيا، والصناعات المحققة لتعظيم سلاسل القيمة المضافة.. فهي الأقدر على تحقيق المنفعة القومية والتي تنعكس على التنمية.
تحديد الأدوار
وبحسب الدكتور عياش فإن هذه المنهجية التنموية المنفتحة تساعد على معالجة تشوهات الصناعة السورية بشقيها العام والخاص.
فالمطلوب من القطاع الصناعي الخاص إعادة صياغة دوره التنموي وفق محددات وطنية، ومن خلالها يحقق ربحيته المستهدفة، وعلى القطاع العام الصناعي الإسراع في تحقيق الإصلاح والتحديث ليتكامل القطاع الصناعي الوطني في خدمة التعافي الاقتصادي كهدف أولي.
ويوضح الدكتور عياش أن ذلك يتلاقى مع حديث السيد وزير الصناعة حول تحديد المشكلة المتراكمة والمركبة التي يعانيها القطاع العام الصناعي، والتي تتجلى في تكبده خسائر كبيرة إضافة إلى عجز مالي وتراجع إنتاجي وكساد تراكمي للمخازين.
وقد جرت سابقاً عدة محاولات لإصلاح القطاع العام الصناعي، وتشكلت عدة لجان لهذه الغاية.. إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة في سبيل إنقاذ وإصلاح هذا القطاع.
ويعتقد الدكتور عياش، أن أحد أهم أسباب تعثر تلك المحاولات هو الانقسام حول دور القطاع العام الصناعي المطلوب، بين دوره الاقتصادي، ودوره الاجتماعي.
اليوم ومن وحي الكلمة التوجيهية للسيد الرئيس للحكومة الجديدة.. واعتماداً على البيان الوزاري لها، وتصريحات عدة للسيد رئيس مجلس الوزراء.. يجد الدكتور عياش، أن هناك محددات مهمة وجديدة يمكن الاستناد إليها في عملية إصلاح وتطوير القطاع العام عموماً والاقتصادي خصوصاً والصناعي تخصصاً.
– أولها تحديد دور الدولة المطلوب كدولة راعية.. تهتم برسم السياسات، وإدارة الموارد بكفاءة وفاعلية.
– وثانيها تحديد دور القطاع العام الاقتصادي عموماً والقطاع العام الصناعي كأحد أهم مكوناته، في الدور الاقتصادي أي القائم على كفاءة إدارة واستثمار الموارد المتاحة بفاعلية لتحقيق الربحية الكافية لتطويره وتنميته.
فهل يعني ذلك التخلي عن الدور الاجتماعي؟!
بالتأكيد لا… بل ترتيب أولويات الأدوار، وفق رؤية الدكتور عياش، مع تغيير منهجية التعامل مع البعد الاجتماعي من دون أن يشكل عبئاً وإعاقة لتحقيق الدور الاقتصادي.
– أما المحدد الثالث فهو اعتبار القطاع الخاص شريكاً إستراتيجياً، بالإضافة إلى التوسع في الإنفاق العام والإنفاق الاستثماري خصوصاً.
كيف نصلح القطاع العام الصناعي؟
اعتماداً على ما تقدم يمكن إصلاح القطاع العام الصناعي حسبما أكد الدكتور عياش، من خلال إعادة هيكلته وفق الدور الجديد للدولة من جهة، والدور المحدد للقطاع العام الاقتصادي من جهة ثانية، وهذه العملية قد تتطلب التخلي عن بعض المجالات الصناعية التي لا تناسب دور القطاع العام الصناعي مثل الصناعات التحويلية البسيطة.
وكذلك تتطلب عملية الإصلاح وإعادة الهيكلة، دمج المؤسسات والشركات ذات الطبيعة المتشابهة والنشاطات المتكاملة، في شركات جديدة، ومن ثم تحويلها إلى شركات مساهمة عامة، تحافظ على الملكية العامة، وتتجاوز معوقات بعض القوانين والتشريعات، وكذلك صعوبات التمويل، وتطبيق الحوكمة، وفصل الإدارة عن الملكية، وهذه طريقة تسمح للقطاع الخاص المشاركة في هذه الشركات كخطوة لاحقة.
الصناعات الدوائية
وحول موضوع الصناعات الدوائية الذي شهد نقاشاً واسعاً خلال الاجتماع، فقد أشار خازن غرفة صناعة حمص أمين عام المجلس العلمي للصناعات الدوائية الدكتور نبيل القصير إلى أن اللقاء كان إيجابياً وتفاعلياً، ولكن رؤية الحكومة لم تكن منسجمة مع مطالبنا باستصدار تشريعات تمنح معامل الأدوية إعفاءات جمركية وضريبية تساعد في تخفيض التكاليف وتخفيض الأسعار.
وأوضح القصير أنه ولعدة سنوات مضت وبشكل سنوي كانت تعفى الصناعة الدوائية بمكرمة من سيادة الرئيس بشار الأسد من جميع الرسوم على المواد الأولية والمساعدة ومواد التغليف، والحكومة السابقة قدمت لنا العديد من الوعود لتجديد هذا الإعفاء، ومعظم الصناعيين أجّلوا التخليص الجمركي بانتظار صدور الإعفاء الذي انتهى مفعوله نهاية الشهر الثامن من هذا العام، حيث تكلفة التخليص الجمركي للمواد الداخلة في الصناعات الدوائية، وفقاً للقصير، تصل حسب نوع المادة حتى 8 بالمئة.
وبيّن القصير أن هذا الإعفاء كان ضرورياً لهذه الصناعة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج، من كهرباء ونقل ورواتب وتكاليف التحديث والتطوير في المصانع الدوائية، بما ينسجم مع متطلبات وزارة الصحة ومنها (تطور ممارسات التصنيع الجيد GMB)، كما أن هذه الصناعة لا يتم تغيير تسعيرها بشكل دوري وفقاً لتغير الصرف مثل الصناعات الأخرى.
ماذا عن نقل معامل الأدوية إلى المدن الصناعية؟
وبالنسبة لمعامل الأدوية الموجودة خارج المناطق الصناعية والتي حصلت على إنذارات مؤخراً للانتقال إلى المدن الصناعية، لفت القصير إلى أن هذه المعامل تختلف عن أي صناعات أخرى، حيث أن كلف الإكساء الخاصة وتجهيزات البنية التحتية الخاصة بها تكون مرتفعة أكثر من قيمة الآلات، وبالتالي فإن نقلها شبه مستحيل، وفي هذا الصدد أبدى السيد رئيس الحكومة تجاوباً مع طروحات الصناعيين، وأكد أنه لا نية لنقل أي من المعامل القديمة القائمة.
دور الدولة في القطاع العام
وبخصوص تحديد دور الدولة في القطاع العام بشكل واضح، ووضع برامج جادة لتطوير وإصلاح قطاع الصناعة المتعثر الذي يعاني خسائر متزايدة تثقل كاهل الخزينة العامة، أكد الخبير الاقتصادي عصام تيزيني أن كلام السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الصناعة محمد سامر الخليل يعبر عن الواقع الأليم للشركات الصناعية التي تديرها الوزارة،
فالقطاع العام الصناعي مترهل وغير قادر على المنافسة وتلبية احتياجات السوق، لذلك نحن مع توجه الحكومة ومنهجيتها الجديدة للتصحيح والإصلاح من ناحية إدخال القطاع الخاص في هذه الشركات القديمة والمترهلة والفاشلة.
وطرح تيزيني تساؤلاً حول الطريقة التي سيدخل بها القطاع الخاص، هل ستكون وفقاً للقوانين الخاصة بالتشاركية، أم بصيغة أخرى؟ مشيراً إلى ضرورة تغيير السياسة النقدية وتبسيط إجراءات العقود وتعديل بعض القوانين المعقدة التي تعيق العمل التشاركي، مثل القانون رقم 8 لحماية المستهلك، وقانون تجريم التعامل بالدولار.