كلام جديد.. أم سلوك جديد للحكومة ؟
|هني الحمدان
هل هو كلام جديد… أم سلوك جديد للحكومة عندما قدم كل من وزيري «التموين» والصناعة تشخيصاً لعمل كل من وزارته والذي جاء بمنزلة كشف لواقع مخفي وهش، فوجئ الكثيرون بالأسلوب الجديد المعمول به، فهو نهج لم يتعودوا عليه ومختلف..!! أسلوب شفاف واضح ومباشر، خالٍ من النكران والتمويه والتعالي، إذ كان أساس عمل بعض الوزارات في السابق.. أسلوب مبسط في مفرداته وطرحه وفيه احترام لعقل المتلقي. هذا «التشخيص» المقدم هو ما يطلق عليه بلغة الحوكمة: الإفصاح، وهو معني بتقديم مكاشفة صريحة للوضع الراهن والمعيش وتبيان أسباب التعثر وأوجه القصور وأسباب العجز إن وجد في سوء تنفيذ المهام، وهو الذي تم!
لا يقدر «قيمة» هذه النقلة في التعامل من قبل وزيري «التموين» والصناعة إلا من تعامل مع الوزارتين في السابق. معاناة السوريين مع وزارة «التموين» وما نتج عنها من قرارات كانت ليست في نطاق مصلحة الأعمال وتطوير الأنشطة وضبط إيقاع الغلاء والاحتكار، وذلك لما حصل فيها من تدمير كامل للثقة بين المستهلكين وبين الوزارة نظير تأخيرها الأسطوري في تنفيذ المهام بالصورة السليمة، وعدم الاعتراف أساساً بوجود تأخيرات أو حالات قصور، بل كانت تتمادى في الإنكار بفرض غرامات وربما «أتاوات» لا تصب في مصلحة الخزينة العامة للدولة، بل في جيوب بعض موظفيها، وذلك في تصرف أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه تعسفي ومملوء بالجبروت.
جاء كلام وزير «التموين» ليعري بعضاً من أسباب الأزمات واشتدادها، واضعاً ضمن برنامجه المستقبلي آليات المعالجة إزاء مسائل تعد عصب عمل الوزارة، وكذلك الحال مع وزير الصناعة الذي بين حال واقع الشركات والمؤسسات والمعامل الخاسرة، التي تعيش أسوأ حالاتها، وما تشكل من نزيف غير مبرر له مطلقاً..!
مكاشفات وزيري التموين والصناعة تدل على اتباع أسلوب من نوع آخر، وأنه حان الوقت مجدداً ليمارس كل وزير ومسؤول ومدير ومواطن دوره بكل شفافية وإخلاص، وهذا مرده لتوجهات الحكومة التي باتت تدرك اليوم أنها مطالبة بأسلوب جديد تدير بها أمور الدولة، وزارة التموين يجب أن تعود إلى دورها وحجمها الطبيعي بعيداً عن طموحات وأمجاد شخصية لمن كان عليها ويسعى للهيمنة على قطاعات أخرى وإصدار قرارات ثقيلة وغير موضوعية، كان مضراً وسيئاً ومعطلاً للأعمال وإنجازها…!
النهج الجديد أسلوب جديد ومريح ومطمئن، ومن المفرح أن توجد سابقة إدارية جديدة في طرح وزارة التموين للتعاطي الموضوعي مع كل المسائل السوقية وعلاقتها بالأسعار والموردين والتجار وغير ذلك من القضايا التي تصب في ضبط إيقاع دورها وتدخلها بالأسواق وبالعملية التجارية، والمرحلة الراهنة بحاجة إلى المسؤولين الأكثر موضوعية وإخلاصاً، عكس مراحل سابقة.
هناك مسؤولون تعبد أعمالهم ونجاحاتهم طريق كلماتهم ووعودهم، وهناك من يعجبك قوله في المؤتمرات والمنتديات والمنصات وتعلو بآمالك وتطلعاتك وتوقعاتك وعوده، ثم تجده قولاً بلا عمل وحراكاً بلا إنتاج.!
سورية تمر بظروف تنموية صعبة، انخفاض في الإيرادات، وإنفاقات مرتفعة لمواكبة النمو والتطور، ولذلك لا نحتاج فقط لرفع كفاءة الأعمال، بل لتغيير جذري لنحصد مخرجات توازي ما تحصده الدول المتقدمة، وهذا ما يجعل الأمر صعباً بالآليات والمنظومات نفسها التي تعمل للانتقال إلى القمة… لكن لا مستحيل، ولكن النيات والعزيمة والحكمة ليست كافية لتحقيق التطلعات، نحن بحاجة إلى دماء جديدة ومخلصة قادرة على تخطي الصعوبات وتجاوز التحديات، وخطط استراتيجية تحقق الأهداف المرجوة.