«التموين» طلاق مع الماضي.. المنجد يعلنها صراحة… التسعير جعل التجار يلجؤون للمخالفة!.. وزير التجارة الداخلية يكشف المستور ويعري الواقع ولا وقت للحلول الترقيعية.. التسعير كان خاطئاً وسيتم احتساب كل الكلف لتكون نشرات الأسعار واقعية
|غزل إبراهيم
رؤى ومحددات جديدة طرحها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لؤي المنجد خلال اجتماعه مع مديري التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتطوير آلية عمل الوزارة بما ينسجم مع التوجهات الحكومية الجديدة، ويحسّن الواقع المعيشي والخدمي.
فاليوم لا مجال للعودة إلى الوراء أو للحلول الترقيعية، والوقت حان للمصارحة والمكاشفة والخروج من قوقعة الروتين والبيروقراطية، والتفكير بشكل أكاديمي لمعالجة المشكلات وإيجاد حلول عملية، والوزارة المعنية بحماية المستهلك آن لها أن تكون على قدر الحمل والمسؤولية في صون حقوق المستهلكين وحمايتهم من الاستغلال.
انتقاد لاذع لآلية التسعير
مكاشفة الوزير جاءت كالصاعقة لكل الأوساط الاقتصادية وللجميع من حيث موضوعية الطرح والواقعية وكشف المستور، وحديثه عن واقع التسعير الخاطئ وضرورة إعادة النظر بالآليات المتبعة لتحديده بما يتناسب مع الواقع الحالي، وأنه يجب احتساب كل الكلف لتكون نشرات الأسعار واقعية وحل بعض الإشكالات فيما يتعلق باختلاف نسب الأرباح المفروضة على النشاط التجاري بين المالية والتموين.
أيضاً أشار المنجد إلى الحاجة الملحة لقانون يحمي ويمنع الغش للمستهلك بشكل فعلي ويحقق عند تطبيق مواده فائدة حقيقية للمستهلك، وليس تحويله إلى حجة لرفع الأسعار وتقاضي أسعار زائدة أو غش في المادة نتيجة دفع غرامات كبيرة من التاجر، وهذا ما نبحث به الآن ونريد من مختلف الفعاليات توسيع الشرائح للوصول إلى أصغر شريحة معنية مستفيدة من تطبيق القانون.
آليات عمل جديدة
كما أكد الوزير أن التوجه الحكومي واضح لإعادة بناء القطاعات، ولم يعد هناك مجال للحلول الترقيعية، بل هناك مراجعة شاملة لكل مفاصل عمل الوزارة بما يتلاءم مع الواقع والظروف الحالية، مبيناً أن بعض القوانين مضى عليها أكثر من خمسين عاماً.
تغيير القوانين
وعليه شدد المنجد على ضرورة العمل على بناء منظومة تجارية واقتصادية جديدة، من خلال مراجعة عامة تشمل جميع القوانين والأنظمة ضمن عمل الوزارة، للاتفاق على رؤى وسياسات تخدم مصلحة الجميع على حد سواء، كاشفاً عن وجود فرق مشكّلة لدراسة تعديل بعض القوانين كقانون الشركات والقانون رقم 8 وقانون الغرف وقانون حماية الملكية الفكرية لتقديم أوراق عمل بالتشارك مع مختلف الجهات المعنية والشرائح في المحافظات وعبر حوار شفاف وبسقف مفتوح بهدف تطوير آلية العمل الرقابي وتغييره، بما يتوافق مع الرؤى والسياسات التي تدرسها الحكومة.
الخطوة الأولى بدأت
وبناء على طروحات الوزير وتوصياته وحسب مصدر مسؤول في الوزارة تم توجيه كتاب من الوزارة إلى الغرف لتحديد أسماء مرشحيهم ليكونوا أعضاء باللجنة المزمع عقدها لدراسة القوانين حيث يكون لكل غرفة عضو منها وخبير اقتصادي يمثلان القطاع الاقتصادي، وبعدها يتم تشكيل اللجنة كاملة والتي تضم أعضاء غرف تجارة وخبراء اختصاصيين ومديري التجارة الداخلية وأعضاء من مجلس الشعب وموظفين قديرين من مديريات التجارة.
وبعدها سيتم عقد الاجتماعات للخروج بطروحات حول القوانين المزمع تعديلها أو تغييرها، وتوضع تلك المقترحات والدراسات لدى اللجنة المركزية في الوزارة ليصار بعدها إلى إعداد ورقة عمل متكاملة من كل المحافظات ترفع إلى رئاسة الحكومة قبل نهاية العام الجاري.
فكر متجدد ورؤية واقعية
وحول تصريح الوزير الذي وصف بـالأكثر موضوعية وتوجهه نحو غرف التجارة لتكون شريكاً حقيقياً للوزارة في صياغة القوانين وتعديلها أكد نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن كلام الوزير صحيح وواقعي وشفاف، مبني على رؤية علمية أكاديمية، فهو لا يريد توصيفا للمشكلات وحلولاً مجتزأة، وإنما حلول متكاملة ناتجة عن عمل وتنسيق تام ومستمر بين كل الوزارات والجهات المعنية، بما ينعكس إيجاباً على المستهلك، بعيداً عن تحقيق المكتسبات والغرامات، الأمر الذي يضع على عاتق غرف التجارة ومجالس غرفة التجارة والصناعة والسياحة والزراعة مسؤولية وثقة كبيرة، يحاول الوزير اليوم زرعها وتقويتها.
من جانبه أبدى نائب رئيس غرفة تجارة دمشق والناطق الإعلامي الدكتور ياسر اكريم إعجابه بطروحات السيد الوزير، وبإحاطته الموضوعية لمشاكل السوق والتجار والوسط التجاري رغم حداثة عهده بالوزارة.
وأكد اكريم أن ما تحدث به الوزير طالبت به الغرفة منذ نحو أربع سنوات، كما طالبنا مرارا وتكرارا بمعالجة الصعوبات التي تواجهنا مع عدد من الوزراء في الماضي وخاصة وزير التجارة الماضي والذي قبله، وكانت مواقفهم غير واضحة وسلبية والآن بعض هؤلاء الوزراء يتكلمون ويعلقون على هذه القوانين.
وتساءل اكريم لماذا لم يتحدث بها هؤلاء الأشخاص عندما كانوا وزراء على رأس عملهم بنفس الجرأة والموضوعية التي يتكلم بها السيد وزير التجارة الحالي.
أخطاء الماضي فتحت الأبواب للتلاعب
ويشير اكريم إلى أن القوانين غير المستقرة والمتضاربة والتي يطالب الوزير حالياً بضرورة تعديلها انعكست سلباً على التجار، وجعلت التاجر المخالف الأول في السوق في حين اعتكف التاجر النظامي العمل أو هاجر، وهنا المشكلة الأساسية لذلك ندعو إلى تنسيق القوانين وأن تكون منسجمة ورابحة تضمن حقوق التجار.
فلا يمكن أن يستقر التاجر بعمله ويتبع النظام وفقاً لاكريم إذا كانت الأنظمة المتبعة نفسها متضاربة أدخلت التجار في دوامة التلاعب والمخالفات والخوف من الغرامات والسجن، وهذا بالضبط ما أشار إليه الوزير عندما تحدث عن سياسة الإصلاح الضريبي وموضوع الربط الإلكتروني والمشاكل الكثيرة التي تواجهنا في هذا المجال، وهنا ضرب السيد الوزير مثالاً على ذلك وهو الاختلافات في تحديد نسب الأرباح بين وزارة وأخرى، فقد يكون هامش الربح 15-20 بالمئة في وزارة المالية في حين تكون وزارة التجارة الداخلية قد حددته بـ5 بالمئة فقط، وهذا يعكس كما أوضح الوزير خللاً بنيوياً وتشوهاً بالمنظومة التسعيرية ويجعل الطبقة الصناعية والتجارية تلجأ للمخالفة في مكان ما، وتصبح محتارة أين تغش هل في فاتورة الجمارك أم في فاتورة المالية أم التجارة الداخلية، فكل قطاع اقتصادي يفتش في المكان الذي يحقق له أقل قدر من الخسائر وهذا يعوق سياسة الإصلاح الضريبي في سورية.
ونحن كغرفة تجارة كما صرح السيد الوزير ليس لدينا أي إشكالية في الربط الضريبي عندما يكون واقعياً وصحيحاً ومتصارحاً مع الواقع لأن فاتورة المصاريف غير الرسمية ستخف بشكل كبير علينا عندئذ، كما أننا ندعو بصراحة إلى تأييد كلام السيد الوزير في أن هذه المشكلة هي أساس تنظيم الاقتصاد وإصلاحه في سورية.
وعلينا البدء بهذا الإصلاح في أسرع وقت ممكن، لتجاوز أخطاء الماضي والتي دفعنا ثمنها غالياً، ومنها القانون رقم 8 لحماية المستهلك، والذي كانت له تداعيات خطيرة على قطاع الأعمال وتسبب في إضعاف هذا القطاع وقتله، وخلق حالات احتكارية خطيرة، من ناحية أنه مسموح للجميع بالعمل، ولكن القادرين عليه أناس معينون فقط، وهذا القانون انتقده الوزير بشدة وأكد ضرورة تعديله.
إستراتيجية متكاملة
وبالنسبة للأستاذ الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سامر المصطفى فإن بناء منظومة تجارية واقتصادية جديدة تتماشى مع توجيهات السيد الوزير يتطلب إستراتيجية وسياسة محددة بما يحقق المنفعة لكل من التاجر أو رجل الأعمال والمستهلك والمجتمع في نفس الوقت، أي الأطراف التي لها علاقة بموضوع السعر والتسعير، لأنه متعلق بعوامل عدة منها المنتجات داخل السوق السوري والمنتجة محلياً، والمنتجات المستوردة، إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه الضرائب وإدارة الجمارك.
نقطة البداية
وهناك نقطة غائبة عن الجميع وعن كلام السيد الوزير وفقاً للدكتور المصطفى وهي مسألة الرواتب والأجور والتي يجب حلها أولاً في سورية بكل القطاعات وكل الوزارات، وإلا فلن يكون هناك حل من داخل الصندوق ولا من خارجه.
ويؤكد المصطفى أنه إذا كانت الحكومة عاجزة عن وضع أجور عادلة بالحد الأدنى لمستوى معيشة المواطن العادي وليس المواطن المرفّه، فلن نصل إلى نتيجة مهما غيرنا بالأشخاص أو السياسات أو الإجراءات، فنقطة البداية هي أعطي العامل أجره على قدر عمله.
وطالب المصطفى بأن تكون الرواتب والأجور للعاملين وفقاً لسعر الصرف الرسمي المعلن بما يضمن الحد الأدنى من القوة الشرائية للمواطن العادي والموظف سواء بالقطاع العام أو الخاص أو المشترك.
محددات لسياسة الوزارة الجديدة
بعد تحسين الرواتب والأجور بشكل عادل يشير المصطفى إلى ضرورة مراعاة محددات أساسية لايمكن للوزارة تجاهلها عند صياغة القوانين والآليات الجديدة التي دعا إليها السيد الوزير وهي تثبيت سعر الصرف عند حد معين مع ترك هامش معين للسوق، ومعالجة موضوع التضخم والسماح للمواطن بالإيداع بحرية مطلقة دون قيود من المركزي، كما يجب على الحكومة أيضاً المحافظة على سعر حوامل الطاقة وفقاً للأسعار العالمية ضمن هامش معين، ومعالجة مشكلة أجور الشحن المرتفعة بين المحافظات وغيرها من التكاليف الثابتة، وبناء على ذلك يتم وضع الإستراتيجيات الصحيحة، بالتعاون والتنسيق بين الوزارات والبنك المركزي وإدارة الجمارك.
وهذه المحددات التي أشار إليها المصطفى تحدَّث عنها أيضاً اكريم، مبيناً أن المصاريف التي تحتسب في وزارة المالية تفوق الأرباح بل تفوق الرأسمال في بعض الأحيان، إضافة إلى التكاليف الثابتة والتي ترهق المنتج كالكهرباء، ومصاريف الطاقة وأجور العمال والتأمينات الاجتماعية والجمارك، والتي أعاقت بمجملها التحرك الصناعي والتجاري والزراعي، واستنزفت قطاع الأعمال، وبالتالي نحن بحاجة لحلول متكاملة وجلسات عصف ذهني، وإلى التفكير خارج الصندوق بطريقة مختلفة نتعرف من خلالها إلى حيثيات الواقع ونحاول تصحيح كل هذه الأخطاء وإيقاف هذا الاستنزاف عن طريق تخفيف هذه الأعباء ومحاربة الفساد.
الطريقة السليمة للتسعير
وتساءل المصطفى عن طريقة التسعير المتبعة حالياً في سورية هل هي بطريقة احتكارية «احتكار القلة»، أم بطريقة هامش ربح أي التكاليف زائد هامش ربح وفق ارتفاع الأسعار بالأسواق نتيجة التضخم. أو بطريقة المنافسين أي المنافسة بين رجال الأعمال والشركات بالسوق السورية.
وبالنسبة للوضع الراهن يرى المصطفى أن الطريقة الأكثر واقعية وملاءمة للظروف الصعبة التي تمر بها سورية هي الموازنة بين التكاليف الكلية والإيرادات الكلية وعلى أساس ذلك تحدد الوزارة نقطة التعادل لأي سلعة تبعاً للتكاليف الكلية والإيرادات الكلية، مع إضافة هامش ربح عليها.
وفي هذا الإطار يطرح الخبير الاقتصادي جورج خزام بعض المقترحات المتمثلة بترك الأسعار بالأسواق تتحدد بالقانون الأزلي لجميع أسواق العالم (العرض والطلب) فقط في جو من المنافسة، حيث تكون مهمة الحكومة هي مكافحة الاحتكار والامتيازات الحصرية، مع السماح للجميع بالاستيراد والتصدير بحرية دون تدخل المصرف المركزي ومن دون تدخل سلبي من التموين بالتسعير بأسعار رخيصة.
لأن التموين وفقاً لخزام مهمته حماية المستهلك فقط بإلزام التاجر بالبيع بأقل تكلفة دون حماية المنتج أو المستورد، مع العلم بأن حماية المستهلك تبدأ من حماية المنتج والمستورد والتاجر لتقديم بضاعة رخيصة بأعلى جودة.
مصلحة الخزينة العامة فوق كل شيء
ويرى خزام أن القرارات التي تصدرها الحكومة هي لتحقيق مصلحة الخزينة العامة فقط دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن من خلال مراعاة مصلحة التاجر والصناعي حتى لا ترتفع التكاليف التي سيدفعها المستهلك الأخير بالسوق.
وبالتالي فإن حماية الوطن والمواطن تكون من خلال تطبيق قواعد اقتصاد السوق الإجتماعي الحر في دول الخليج وأوروبا.
ويؤكد خزام أن إلغاء كل قرارات المصرف المركزي التي كانت السبب بانهيار الاقتصاد الوطني يعد أول خطوة لحماية الوطن والمواطن، وذلك من خلال إلغاء تقييد حركة الأموال والبضائع وإلغاء تقييد حركة بيع وشراء العقارات التي كانت السبب بتحويل الاقتصاد السوري إلى خردة دون التراجع عن هذا الخطأ الجسيم في إدارة الاقتصاد الوطني.
السوق الحر
كما يجب تحرير الأسعار وترك السوق للمنافسة، حسب رؤية اكريم كما هو الحال في جميع دول العالم حيث يحكم السوق نفسه بنفسه، ولهذا تجد الأسعار وخاصة في الدول المجاورة أرخص من أسواقنا.
فالتسعير بدعة لا نعرف من أين أتت، حسب توصيف اكريم، ويمكن تطبيقها فقط للمواد الإستراتيجية مثل القمح والرز ولذلك ندعو إلى تصحيح العمل التجاري لأن التجار في سورية متميزون ونشطون ويتمتعون بأخلاق عالية، وحبهم لبلدهم وللفقراء وكل الذين يغذون الجمعيات الخيرية هم تجار أو اقتصاديون.
ولكن حسب رؤية المصطفى لا يمكننا أن ننتقل فجأة من سوق اجتماعي على مدى سنوات طويلة إلى السوق الحر بشكل مباشر، بل علينا أولاً أن نبدأ بالسلع الأساسية الجوهرية التي من الممكن أن تلعب دوراً كبيراً للانتقال للسوق الحر المنافس عن طريق التسعير وفق المنافسة بالأسواق بين الشركات والمشاريع ضمن السوق المحلية السورية وهذا الأمر يتطلب دراسة كافية.