«الصحة»: لا صحة لوجود دواء غير فعّال!.. لو لم يكن فعّالاً لما تم تصديره لعشرات الدول.. وهناك طلبات من دول عربية لشراء أدوية «تاميكو».. عميد كلية الصيدلة: نقد فعالية الأدوية الوطنية تشويش إعلامي
|غزل إبراهيم
رغم سنوات الحرب والحصار الاقتصادي الجائر حافظت الصناعات الدوائية السورية فيها على نجاحها وبقيت حاضرة بقوة في السوق الدوائية، وحاليا تشكل هذه الصناعات قوة اقتصادية مهمة وقطاعا حيويا في تحقيق السياسة الصحية، ما يتطلب العمل على تطوير هذه الصناعة ودعمها لتعود كما كانت قبل الأزمة إذ تمكنت من تغطية السوق المحلية بنسبة تجاوزت 85 بالمئة، إضافة إلى العائدات الاقتصادية المحققة منها حيث وصل حجم التصدير الدوائي في عام 2010 على سبيل المثال إلى 220 مليون دولار ما يعكس ثقة المستهلكين بها وبفعاليتها العالية التي استطاعت فرضها بقوة في الأسواق الخارجية.
ولكن في الآونة الأخيرة أثيرت تساؤلات كثيرة حول فعالية الدواء السوري ومدى مطابقته للمواصفات القياسية، مع تزايد نصائح الأطباء للمرضى بالدواء الأجنبي، رغم أن إقرار فعالية الدواء من عدمها أو حتى انخفاض الفعالية يتطلب مقاييس علمية معتمدة، ولا يمكن لأحد أن يقرر فعالية الدواء من عدمها من دون الاستناد إلى أي دليل علمي مثبت بالوقائع والبراهين.
وهذا ما حاولنا معرفته والتأكد منه من خلال التواصل مع وزارة الصحة ومع أحد المعامل الدوائية، إضافة إلى الأخذ برأي أهل الخبرة والعمل في هذا المجال، حيث التقت «الاقتصادية» بعضاً من الأكاديميين وأساتذة الجامعة في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، في حين امتنعت نقابة الصيادلة عن الإدلاء بأي تصريح صحفي من دون تحديد الأسباب..!!
ما حقيقة تراجع فعالية الأدوية السورية؟
لتبنّي فرضية تراجع نسبة المادة الفعالة في الدواء المحلي يجب الاستناد إلى معايير وإثباتات علمية دقيقة، حسبما أكدت للاقتصادية عميد كلية الصيدلة في جامعة دمشق الأستاذة الدكتورة لمى يوسف، التي تساءلت عن الأجندات والجهات التي تبنت هذه الفرضية، لكون الدواء بشكل عام يمر بمراحل تطويرية عديدة، سواء للمواد الفعالة أم للشكل الصيدلاني «مضغوطة أو رذاذية عن طريق الرئتين أو حقنية».
فالحديث والنقد عن فعالية الأدوية الوطنية برأي يوسف يحتاج إلى مقاربة موضوعية وعلمية لا تعتمد على التشويش الإعلامي أو مجرد شكوى للمواطن، رغم أهمية هذه الشكوى، ولكن يجب التأكد ودحض الاتهامات باختبارات علمية دقيقة تؤكد الجودة أو تشير إلى موقع الخلل.
درجة عالية من الموثوقية
فالجهة الوصائية المسؤولة عن أمننا الدوائي هي وزارة الصحة، وهناك مديرية متخصصة للرقابة الدوائية في الوزارة وهي مديرية مخابر الرقابة الدوائية، ووفقاً لتوصيف يوسف وزيارتها الشخصية لهذه المديرية فهي على درجة عالية من الجودة والدقة، وتحتوي على أجهزة حديثة جداً وتجهيزاتها عالية، وكل صنف دوائي لا يصدّر للسوق إلا بعد التحقق منه عن طريق مجموعة من الاختبارات.
وحتى بعد طرح الأصناف الدوائية للسوق هناك فحص عشوائي ومن ثم هناك عملية «اعتيان» أي أخذ عينات عشوائية من الدواء من الصيدليات للتأكد من تحقيقها للمواصفات، وهنا لا تنكر يوسف وجود بعض احتمالات الخطأ ولكن بنسب قليلة جداً.
وتلفت يوسف الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أن الرقابة الدوائية ليست فقط للمادة الفعالة وإنما تكون أيضاً للسواغات ولزمن التحرر والتفتت وغيرها، فأحياناً المادة الفعالة تكون ممتازة ولكن المواد الأخرى قد لا تسمح بتحررها.
للصيدلي في صيدليته أيضاً دور مهم وحساس للغاية، لكونه يقدم المعلومة الصحيحة لطريقة تناول الدواء حسبما أكدت يوسف، فعدم إعطاء المريض الطريقة الصحيحة لأخذ الدواء قد تفقده فعاليته، وقد تؤدي طريقة تناول الدواء بشكل خاطئ لظهور تأثيرات ضارة، وهناك استخدام عشوائي للصادات الحيوية والمضادات الفطرية، قد يكون له آثار ضارة، فعلى سبيل المثال يمنع منعاً باتاً تناول الستاتينات مع عصير الكريفون.
ونظرا لأهمية الدور الذي يقوم به الصيدلي، وفي الوقت الذي يجب فيه على معامل الأدوية الاعتماد على الأكاديميين، تؤكد يوسف، أن هذه المعامل لا تعتمد بشكل كبير عليهم، وعدد الصيادلة محدود فيها وهذا يعاب على المعامل.
قد تكون نفسية
إضافة إلى ماسبق فإن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في كثير من الأحيان، وفقاً ليوسف، فبعض المرضى بمجرد ارتياحهم لشكل الدواء أو اسمه يدون استجابة جيدة له، حتى لو أعطيتهم حبة نشاء لاتحتوي على أي مادة فعالة، ولهذا أثر نفسي يسمى بتأثير الغفل البلاسيبو (plasebo effect).
وهنا رأي المريض يقدر بحسب ما أشارت إليه يوسف، ولكن هناك اختبارات، فعلى سبيل المثال عند علاج مريض سكري يحتاج الطبيب لاختبار موضوعي للتأكد من مستويات الجلوكوز وخضاب الدم السكري (الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي) لمعرفة مدى استجابة المريض للدواء، وهذه الاختبارات توضح بالحقائق العلمية الدقيقة مدى فعالية الأدوية التي يستخدمها المريض في علاجه من عدمه.
جميع المستحضرات تخضع للرقابة
كلام عميد كلية الصيدلة أكدته وزارة الصحة للاقتصادية، مبيّنة أن جميع المستحضرات تخضع للتحاليل الدوائية وفق القوانين والأنظمة ضمن المواصفات المقبولة دستورياً، ولا صحة لوجود دواء غير فعال، كما أن دوائر الرقابة الدوائية في مديريات الصحة في المحافظات تقوم بالرقابة العشوائية وبشكل دوري على السوق المحلية للتأكد من مطابقة الأدوية للمعايير المتبعة، وفي حال وجود أي خلل يتم إصدار تعاميم بسحب الأدوية وإتلافها.
بموضوعية
الآراء السابقة خالفها ما تحدث به للاقتصادية الدكتور الصيدلاني في جامعة دمشق وسام عازر، الذي أوضح أن هناك مسألة مهمة يجب ألا نغفل عنها، وهي أن نسبة من الأطباء أصبحت تلحظ ضعفاً في فعالية الأدوية المحلية عند المرضى، والبعض منهم يضطر إلى تغيير بروتوكولات العلاج ومضاعفة الجرعات، لاعتقادهم بأن الأرقام الموجودة على العبوات ليست حقيقية. هذا أمر موجود فعلاً على أرض الواقع، وينبغي أن يُعتد به أيضاً وينظر في أسبابه.
رقابة ولكن..!
ويضيف عازر إنه من المفترض أن تقوم مديرية مخابر الرقابة الدوائية في وزارة الصحة، بمراقبة الأدوية الموجودة في السوق بشكل دوري منتظم من خلال أخذ العينات وإجراء الاختبارات اللازمة عليها، ولكن عمل هذه المديرية ليس بأفضل الأحوال وخصوصاً إبان الحرب، فهي تعاني مثل معظم المؤسسات الحكومية مشاكل كثيرة، منها ما يتعلق بشح الموارد والإمكانات، وضعف تأهيل الكوادر، والترهل والفساد وغيرها، لذلك من الطبيعي أن تطفو إلى السطح مشاكل تتعلق بجودة الدواء المحلي وسمعته.
وبرأي عازر فإن الرقابة الدوائية في المعامل أصبحت حالياً مرتبطة بحسابات مختلفة، رغم أن المعمل هو المسؤول عن رقابة أدويته داخلياً، وخاصة في ظل وجود قناعة والتزام لدى إدارة الجودة في المعمل بأهمية إجراء هذه الاختبارات، انطلاقاً من كون الدواء هو منتج يتعلق بصحة الإنسان، وهذا التزام أخلاقي إنساني أولاً، وإلزامي قانوني ثانياً.
رقابة مشددة
ما أورده سابقاً عازر عن ضعف الرقابة في معامل الأدوية، نفته الشركة الطبية العربية «تاميكو»، مبينة أن التصنيع في الشركة يتم وفق الدساتير الدوائية النظامية، وهذا بدوره يحقق الفعالية للدواء المنتج، وأن المراقبة تتم لكل مراحل التصنيع، بدءاً من قبول المواد الأولية النظامية وإدخالها للمستودعات ثم تخزينها بشكل نظامي، ومراقبة عملية التصنيع باستمرار من خلال قطف عينات وتحليلها أثناء مراحل الإنتاج، وبعد الحصول على المنتج النهائي يتم إرسال عينات لمخابر وزارة الصحة ليتم فحصها والتصديق عليها وبعد ذلك يتم طرحها في الأسواق.
من دون تحديد الأسباب
وفي الوقت الذي حاولنا فيه الأخذ برأي جميع الأطراف والتواصل معهم، امتنعت نقابة الصيادلة عن الإدلاء بأي تصريح، سواء من جانب نقيب الصيادلة في سورية الدكتورة وفاء كيشي أم نقيب الصيادلة في دمشق الدكتور حسن ديروان، أو رئيس فرع النقابة في ريف دمشق الدكتور ألبير فرح، من دون تحديد أسباب موضوعية لرفض التواصل معنا بشكل نهائي، مع أنها الجهة المؤتمنة على الموضوع ورفضها التصريح يثير الريبة والشكوك حول قضايا عدة.
الأدوية المصدّرة للخارج والمسوّقة محلياً
التشكيك برقابتنا الدوائية وأنها أقل من الرقابة في باقي البلدان، أمر غير مقبول حسب يوسف، فنحن نثق بوزارة الصحة ومديرياتها، لأن صحة المواطن أمانة بأعناقنا، والفارق بين الدواء المسوق محليا والمصدر للخارج فقط في التسعير، وربما في شكل العبوة الخارجي، ولا يمكن أن يكون مواطننا يأخذ دواء أقل جودة.
فيما يرى عازر أنه لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال بشكل موضوعي وعلمي ودقيق ما لم يقم باختبارات الجودة على تلك الأدوية، وبالتالي هذه مسألة تقع في باب التكهنات، وتحتمل الصواب أو الخطأ.
التصدير متوقف حالياً
السؤال ذاته أجابت عنه الشركة الطبية العربية تاميكو، موضحة أن الفعالية واحدة سواء للمخصصة للاستخدام المحلي أو للتصدير، ووفقا للشركة فإن التصدير للخارج متوقف حالياً والإنتاج كله يذهب للاستخدام المحلي، ولكن هناك عروض للتصدير من اليمن والعراق والسودان.
وبالنسبة للكميات المنتجة، فقد كشفت الشركة للاقتصادية أن هذه الكميات بلغت منذ بداية العام ولغاية الـ16 من شهر تشرين الأول بالنسبة للكبسول 44,7 مليون كبسولة مقابل 40,7 مليوناً خلال 2023، في حين بلغت بالنسبة للأقراص80,9 مليوناً خلال 2023 مقابل 103,9 ملايين لغاية الـ16 من الشهر الجاري.
كما بلغت قيمة الإنتاج للكبسول 16,7 مليار ل.س خلال 2023 مقابل 54,7 مليار ل.س لغاية الـ16 من تشرين الأول للعام الجاري.
و للأقراص وصلت قيمة الإنتاج إلى 11,5 مليار ل. س خلال 2023 مقابل 25,7 مليار ل.س حتى الـ16 من تشرين لهذا العام.
وبالنسبة لمبيعات الشركة للقطاعين العام والخاص فقد كانت خلال 2023 بحدود 40 مليار ل.س، في حين حققنا مبيعات وصلت لغاية الـ16 من تشرين الأول لهذا العام إلى 86مليار ل.س.
ليس كل فرنجي برنجياً
في الوقت الذي تنفق فيه الدولة مبالغ ضخمة لاستيراد بعض أنواع الأدوية الباهظة الثمن كأدوية أمراض المناعة، والتي يجب أن تكون موثوقة المصدر، ومنها الأضداد وحيدة النسيلة والبروتينات الناشبة، دعت يوسف إلى ضرورة الاهتمام بتصنيع هذه الأدوية محلياً، لكونها تنمو بشدة على حساب الأدوية ذات الطبيعة التقليدية.
وبرأي يوسف يجب مساعدة وتشجيع منتجات التقانة الحيوية، هذه من الأضداد وحيدة النسيلة والأدوية البيولوجية، وألا يقتصر الدعم على الجانب المادي فقط، بل يجب توفير بيئة تشريعية مناسبة، وهذا الأمر يقع على عاتق وزارة الصحة، التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنه ليس كل فرنجي برنجياً.
وفي هذا الاتجاه تؤكد يوسف ضرورة دعم الجامعة وكليات الصيدلة لتصنيع هذه الأدوية، بداية من تصنيع مقلدات لها Biosimilars، باعتبار الجامعة وأساتذتها وعديد طلاب الدراسات فيها مركز الأبحاث الأهم، مهما تعددت مراكز وهيئات البحث الأخرى، ويجب دعمها لأن أي مشروع بحثي مهما علت ميزانية دعمه، سيكون منتجة في النهاية لمصلحة مواطنينا وصناعتنا الدوائية المحلية.
كما يجب التشبيك بين كل الخبراء والباحثين الموجودين في سورية والذين هم حسب يوسف ليسوا بالعدد الكبير، في من أجل تطوير هذه الصناعة الرائدة على مستوى العالم، ومتابعة الدعم بعد الانتهاء من الأبحاث وعدم وضع العراقيل أمامها من أي جهة كانت.
الأدوية المزوّرة
فرضت الحرب والحصار الاقتصادي الظالم على سورية، واقعاً سيئاً تجلى فيما يتعلق بقطاع الدواء، بضعف السيطرة على الحدود، وضعف الرقابة والتفتيش، وفقاً لقراءة عازر، كما حدّت هذه الظروف بشكل كبير من استيراد بعض المواد الفعالة، وبالتالي تم فقدان أدوية من السوق إما بسبب صعوبة الاستيراد أو بسبب تسعيرة وزارة الصحة، وكل هذا ساهم بشكل كبير جداً في انتشار الأدوية المهربة بنوعيها المزورة والأصلية.
ويشير عازر إلى أن للأدوية المزورة آثارها الضارة الكثيرة، فهي تهز ثقة المواطنين بالنظام الصحي في الدولة، أما صحياً فخطورة الأدوية المزورة تتراوح بين عدم معالجة المرض أو مفاقمته، أو إحداث مرض آخر، حيث تكون ظروف تصنيع الدواء المزور غير متوافقة مع الممارسات التصنيعية الجيدة، وقد تحتوي على شوائب خطرة، وأحياناً تتسبب هذه الأدوية بموت المريض، إذا كانت حالته مهددة للحياة.
أما من الناحية الاقتصادية فإن الأدوية المهربة (ومنها المزورة) تحرم الخزينة العامة من إيرادات، يفترض أن تدخلها لو تم استيراد الدواء بشكل نظامي، يرى عازر، إضافة إلى التأثير السلبي في الصناعة المحلية ومحاربة المنتج المحلي والإساءة إليه ومحاربة توافر فرص العمل للأيدي العاملة وتضييق ظروف الاستثمار والتهرب الضريبي.
مخاطر أمنية
من جانبها أشارت يوسف إلى أن المنتجات الدوائية والصحية المتواجدة في السوق بشكل غير نظامي «المهربة»، هي أدوية مجهولة المصدر وبالتالي لا يمكن ضمان الجودة ومتابعة المحاسبة والرقابة.
ووفقا ليوسف فهي أدوية خطيرة جداً ليس فقط من الناحية الصحية ( فقد لا تحتوي هذه الأدوية على المادة الفعالة، وقد تحتوي على مواد مضرة تظهر آثارها على المدى البعيد)، وإنما أيضاً من الناحية الأمنية، وخاصة قد علمنا مؤخراً أن العدو الإسرائيلي قادر على اختراق حلقات التوريد لأي منتج.
وتشير يوسف إلى وجود عدد من المنافذ الحدودية التي لا تخضع لسيطرة الدولة السورية، وبالتالي تدخل هذه الأدوية منها بكل سهولة من دون حسيب أو رقيب، وهذا خطر كبير جداً على مواطنينا، ويجب ألا نكون مستلبين لهذا الحد، ونتبع الحس النفسي بأنه دواء أجنبي فهو جيد وأفضل من الوطني.
وتشير يوسف هنا إلى أن أغلبية الصيدليات لا يوجد فيها أدوية مهربة، والصيدليات التي تحتوي هذا النوع معروفة في كل محافظة، كما أن الدواء الأجنبي المرخص في سورية «فارمكس» معروف أيضاً وهو خاضع لرقابة وزارة الصحة.