رواتب موظفي المصارف الخاصة… كثير من الأموال وكثير من المسؤولية.. رواتب موظفي المصارف العامة كثير من المسؤولية وقليل من المال.. 30 مليون ليرة راتب مدير يقابله 900 ألف ليرة راتب مدير عام مصرف حكومي
| غزل إبراهيم
كغيرهم من العاملين في سورية يعاني الموظفون في المصارف العامة والخاصة تدنياً في رواتبهم بسبب التضخم وضعف القوة الشرائية لليرة السورية، مع اختلاف بسيط أن الرواتب والأجور في القطاع الخاص تزيد بنسبة 100 بالمئة عن العام وبساعات عمل أكثر، كما يمنح الخاص أصحاب الشهادات والخبرات رواتب أعلى بعكس القطاع العام.
وبطبيعة الحال فقد أثر ضعف الرواتب في جودة الأداء والخدمة المصرفية وخاصة في المصارف العامة، التي شهدت انخفاضاً ملحوظاً بعدد العاملين فيها، وسط رغبة من تبقى في تقديم استقالاتهم أو سعيهم للتقاعد المبكر بحثاً عن عمل آخر أفضل.
اختلافات كثيرة
وفي القطاع العام تبقى الأجور محدودة ومرتبطة بالقانون، حيث لا يمكن أن تتجاوز الحد الأعلى لسقف الفئات الوظيفية، أما في الخاص فهي مختلفة حسب طبيعة المهام الموكلة للموظفين، وهذه الاختلافات تنتج عن الفروق في تكاليف التشغيل، والإيرادات، والإقراض وتوظيف الأموال، فمثلا يصل راتب أمين الصندوق في بعض المصارف الخاصة إلى مليون و500 ألف في حين يبلغ 300 ألف في العامة، كما يصل راتب بعض المديرين في المصارف الخاصة إلى 30 مليوناً مقارنة بـ900 ألف قيمة راتب المدير العام في المصارف العامة.
كما أن التقسيمات الوظيفية تختلف بين القطاعين العام والخاص، فمثلاً تحتوي المصارف الخاصة مسؤول عمليات ومشرف محفظة وهذه التقسيمات غير موجودة في المصارف العامة.
وهناك في الخاص ميزة أخرى عن العام وهي «بونص» يحسب على أساس نسبة من أرباح البنك ويوزع على الموظفين، وهذا الأمر غير موجود في العام.
أيضاً المصارف الخاصة تقوم بأعمال لا يستطيع العام في ظل الظروف الراهنة القيام بها بسبب عدم توافر البنية التحتية، فعلى سبيل المثال بعد تعميم المركزي بإلزام جميع المصارف الخاصة بزيادة عدد ساعات الدوام الرسمي حتى الساعة السادسة مساءً والدوام المستمر يوم السبت، لتسريع إجراءات فتح الحسابات المصرفية للمواطنين وتسهيل حصولهم على الدعم النقدي حال إقراره وتطبيقه، زادت ساعات العمل في الخاص، وتولت المصارف الخاصة هذا الأمر بسبب عجز المصارف العامة على القيام بذلك، لعدم توافر مازوت لتشغيل المولدات، وعدم وجود موظفين يخدمون لغياب الحوافز التي تشجعهم على العمل لساعات إضافية.
إضافة لذلك لايمكن لأي موظف في المصارف الخاصة تقاضي أي مبلغ كرشوة لتسهيل وتسريع الإجراءات لأي عمل، في حين هذا الشيء موجود في كل المصارف العامة، كما أن السرية المصرفية في الخاص أفضل بكثير من العام.
وهناك نقطة مهمة أيضاً وهي اختلاف الرواتب بين المصارف الخاصة، فهناك بعض المديرين يتقاضون على سبيل المثال 25 مليوناً، في حين يتقاضى آخرون في بنوك أخرى50 مليون ليرة.
وهنا السرية المصرفية في المصارف الخاصة تمنع التصريح عن رواتب العاملين فيها بشكل دقيق.
أثرت على أداء وجودة العمل
وقد أسهمت الحرب في سورية بشكل عام بزيادة نسبة الفقر قبل الحرب في المجتمع السوري من 10 بالمئة (الفقر الأدنى) و30 بالمئة (الفقر الأعلى)، إلى نسبة وصلت لأكثر من 64 بالمئة بحسب خط الفقر الأعلى، إلا أن مشكلة الفقر ليست ناجمة عن الحرب، أو بسبب ندرة الموارد، بقدر ما هي ناجمة عن التفاوت الكبير في التوزيع للدخل، وعن عدم استغلال ما لدينا من موارد بشكل أفضل، وعملياً إن قلب الهرم الوظيفي للرواتب والأجور لعب دوراً سلبياً في ابتعاد الموظفين في القطاعين العام والخاص عن تقديم كل ما لديهم من خبرة ومهارة في العمل بما يخدم أهداف المؤسسات المصرفية وغيرها، يؤكد الأستاذ الدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق سامر المصطفى.
عقوبة للموظفين
ينتج عن الإدارة الخاطئة للموارد البشرية في المصارف في أي بلد ظهور الفساد وانتشاره بأشكال مختلفة في المجتمع وتعقد هذه الظاهرة وإمكانية تغلغلها في جوانب الحياة كافة، ومنها تدني رواتب وأجور العاملين في القطاعين العام والخاص وارتفاع مستوى المعيشة، ما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.
كما أن المكافآت والحوافز أصبحت تشكل عقوبة للموظف نتيجة ضعف قيمتها الشرائية بدلاً من كونها حافزاً لاستقطاب الموارد البشرية ذات الكفاءة والمحافظة على تلك الموجودة فيها، وتعد المكافآت والـحـوافـز مـن أهـم العوامل المـؤثـرة في مستويات دافعية العاملين والاسـتـمـرار فـي التطور والتقدم وزيادة مستوى الإنتاجية وسعيهم نحو تحقيق الأهداف التنظيمية، فمثلاً تشـير الدراسـات إلـى أن تكلفـة جـذب عميـل جديـد تعـادل فـي المتوسـط خمسـة أضعاف تكلفة الحفاظ على ولاء عميل واحد، ما يتطلب من المصارف السعي لجـذب زبـائن جـدد فقـط، والعمل على المحـافظة علـى العمـلاء الحـاليين لكسـب ولائهـم وفقاً للمصطفى.
آثار خطيرة على الاقتصاد
إنَّ الحرب على العاملين بأجر في المصارف العامة والخاصة والمؤسسات بشكل عام هي ليست حرباً على هؤلاء، بل حرب على النمو في المجتمع التكافلي وعلى رأس المال الاجتماعي والاقتصادي في الأمدين المتوسط والطويل، وحرب على أمن المجتمع السوري، فخفض الأجور التي لا تتناسب مع متطلبات المعيشة السليمة للموظفين لن يؤدي إلى المزيد من الرفاهية للمجتمع بالتأكيد، بل إلى المزيد من الخدمات المصرفية السيئة والبؤس والفساد للأغلبية العظمى من السكان. إضافة إلى ذلك، فإن انخفاض الأجور لم يعد ميزة جاذبة للاستثمار في زمن التطور التكنولوجي السريع، فانخفاض الأجور إلى مستويات متدنية، يعني كفاءة أقل وإنتاجية أقل ومهارات أقل، وبالتالي يعني أرباحاً منخفضة على المستوى الجزئي، ومعدلات نمو أقل على المستوى الاقتصادي على المديين القصير والطويل.
تحسين الرواتب
الاهتمام بقطاع الخدمات المصرفية ازداد، وأصبح يحتل مكانة مهمة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومورداً مهماً للإيرادات بالدولة، وعلاوة على ذلك، أصبح الاهتمام المتنـامي بصـناعة الخـدمات يرتبط أساساً بمستوى معيشة أفراد المجتمع، ففي ظل ارتفاع مستويات المعيشـة تضـاعفت حاجـة الأفـراد إلى مختلـف أنواع الخـدمات المصرفية والتوجه للأعمال الإلكترونية في مختلف أنشطة الحياة اليومية للأفراد والمؤسسات والشركات، ما ساهم في زيادة الدور الذي تلعبـه الخـدمات المصرفية علـى مسـتوى الاقتصــاد الكلـي للـدول، وخاصـة فيمـا يتعلـق بمـدى مساهمتها في إجمالي الناتج الداخلي العام وفي عدد الأفراد العاملين في هذا القطاع.
والمطلوب، العمل على تحسين بيئة وسياسة العمل في المصارف العامة والخاصة من خلال قيام الشركات والمؤسسات المصرفية في القطاع العام والخاص بتحسين أجور العاملين لديها، وتحفيزهم بما ينسجم مع التغيرات في البيئة السوقية ومتطلبات المعيشة وخبراتهم والجهد المبذول من قبلهم، والابتعاد عن ثقافة العمل المفرط التي توفر بيئة من الخوف والشعور بالذنب عند عدم الرغبة في العمل لساعات أطول، واللحاق بوتيرة إنجاز الموظفين الآخرين. والعمل على تحقيق الرفاهية لموظفيها الذين يعملون فيها على حساب احتياجاتهم الشخصية مثل: الهوايات والرعاية الذاتية من خلال منحهم إجازات طويلة المدى بأجور مدفوعة، وتعزيز مكان العمل بالكثير من النباتات من أجل رفع الروح المعنوية لموظفيها داخل المصارف، وتطوير رابطة أقوى بين الموظفين، وزيادة الروح المعنوية والحماس، ومساعدتهم على الشعور بمزيد من الارتباط بالعالم من حولهم، وهذا يسهم في بناء سمعتها كمصارف مسؤولة، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى ميزة تنافسية.