الصناعات الهندسية… التشاركية وفق مبدأ «لا غالب ولا مغلوب».. عروض متعددة لإقامة شراكات مع جهات لتأهيل بعض المعامل.. مدير عام المؤسسة لـ«الاقتصادية»: الشراكة بين القطاعين «العام والخاص» نجاح للفريقين
|بارعة جمعة
لم يكن الحديث يوماً عن واقع الصناعات المحلية في ميدان العمل الحكومي بمنأى عن الظروف المحيطة به، لما يرافق هذه الصناعات من صعوبات تشغيلية، تقع في مرمى الخسائر المتلاحقة إثر الحرب الأخيرة، التي ما زالت مستمرة بتبعاتها الاقتصادية على الميادين كافة، بما في ذلك الصناعات الهندسية، إلى جانب ضرورة إعادة النظر في أداء المؤسسات العامة الإنتاجية.
والمسألة اليوم لا تتعلق فقط بحجم المبيعات أو نسبة التنفيذ، بل تمتد إلى مدى مساهمة هذه المؤسسات في دعم الاقتصاد الوطني، الذي لا بد من التفكير باستثمار جميع الموارد المتاحة اليوم لخدمته، بدعم المنتج المحلي والتقليل من الاعتماد على الاستيراد، مع البحث عن طرق لتطوير المؤسسات الإنتاجية التحويلية واستغلال المواد الأولية المحلية.
كل ذلك، إلى جانب ضرورة الاعتماد على مؤسساتنا الوطنية لتكون داعمة لعملية التصدير، كان محور لقاء «الاقتصادية» مع مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الهندسية عبد اللـه النعمة.
واقع المؤسسة
ما الشركات القائمة بالعمل حالياً ضمن مؤسستكم؟
تضم المؤسسة العامة للصناعات الهندسية عدة شركات موزعة على المحافظات، في حلب ثلاث شركات هي شركة (الكابلات – الجرارات – والبطاريات)، وفي حماة شركة (الحديد)، وفي ريف دمشق شركة (المحارم – كنار، سيرونيكس، بردى، والإنشاءات المعدنية)، أما في العاصمة دمشق فتوجد شركة (كابلات دمشق) وشركة (الكبريت) في المليحة المتوقفة عن الإنتاج قبل الأزمة، فيما محرك العمل كان ضمن ثلاث شركات أساسية هي: (كابلات ريف دمشق في حوش بلاس، كابلات حلب وحديد حماة).
هنا لا بد من الإشارة إلى أن السبب الرئيس في بقاء هذه الشركات ضمن العمل حتى اللحظة هو إرادة العمال وسواعدهم، التي عملت بكل قوتها من أجل عودة خطوط الإنتاج.
مؤشرات العمل
واقع الصناعات الهندسية يشير إلى تراجع بالإنتاج بسبب تدمير المعامل بالحرب.. ما توصيفك لحال المؤسسة اليوم؟
كما يبدو للأغلبية، ما مرت به سورية من دمار إثر الحرب التي أثرت بشكل مباشر على الصناعات عامة، واليوم رغم الظروف والتحديات ما زلنا نعمل ونجني الأرباح، التي سجلت ٦٠ مليار ليرة على مستوى الشركات، حتى نهاية شهر ٨ من العام الحالي، في حين سجلت قيم الإنتاج بالفترة ذاتها على مستوى الشركات كافة ٣٨٦ مليار ليرة، موزعة بين شركة كابلات دمشق بقيمة ١٩٣ مليار ليرة، أما شركة كابلات حلب فقد وصلت لـ ٤١ مليار ليرة، وشركة الإنشاءات قرابة المليار و٣٠٠ مليون ليرة، في حين شركة (سيرونيكس) وصلت إلى مليارين ونصف المليار ليرة، كما هو حال شركة البطاريات التحويلية، مقابل قيمة المبيعات التي بلغت ٤٠٩ مليارات ليرة.
صعوبات العمل
غالباً ما تتركز شكاوى الصناعيين حول النقص بحوامل الطاقة.. ما واقع المؤسسة أمام هذا العائق؟
ما نعانيه اليوم بالفعل قلة وانخفاض حوامل الطاقة، لكون الطلبات التي يتم تخصيصها ومن ثم إيصالها إلى الشركات خجولة، كما أنها تقل في مثل هذه الفترة من السنة، مع بداية موسم الشتاء، نظراً لتقديم مسألة توفير مازوت التدفئة أمام أي شيء آخر ضمن منطق الأولويات بالعمل.
هذا الأمر كان من أبرز ما تناولته الحكومة الجديدة ضمن جلستها الأولى بتأكيد مبدأ عدالة توزيع حوامل الطاقة بين الشركات وبين المواطنين، وهو ما يدفعنا للتفاؤل، بأن نرفع طاقة الأفران في شركة الحديد، حيث نصل لإنتاج يفوق ٣٥ ألف طن سنوياً، والوصول لإنتاج ٢٨٨ ألف طن، الذي يحتاج إلى توافر للكهرباء والمازوت.
إلا أنه بالمتابعة الدائمة والتنسيق بين المؤسسة والشركة والوزارة والجهات المعنية، وصلت الشركة لأرباح بقيمة ٥ مليارات ونصف المليار ليرة، حتى نهاية الشهر الثامن من العام الحالي.
كما تشكل العقوبات إحدى أبرز الصعوبات بعمل مؤسستنا، حيث إنه وللإعلان عن أي مستلزمات إنتاج أو مواد أولية، أو حتى ضمن الخطة الاستثمارية، ما زلنا نواجه ارتفاعاً بالأسعار، والأمر يعود لارتفاع تكاليف الشحن، واستغراق رحلة وصول المواد زمنا طويلاً، لحاجتها إلى المرور بأكثر من مكان، تفادياً لمواجهة أي عرقلة تكون سبباً في أن يطول مسارها إثر قانون « قيصر»، وبالتالي هذا الالتفاف ينعكس ارتفاعاً على سعر المنتج النهائي.
وفي النظر إلى حال المواد الأولية من الألمنيوم والنحاس لدى شركة كابلات دمشق، سنجد أنه عندما كان يتم تخصيص القطع الأجنبي، كان يتقدم للشركة جهات عارضة أكثر، وبالمحصلة تزيد المنافسة وتتحقق مصلحة الشركة.
ونحن ندرك أن تخصيص القطع اليوم يتم وفق أولويات تلامس حاجات المواطن بالدرجة الأولى، مثل الأفران والمشافي والأدوية والغذاء.
اليد العاملة
ما حال العمالة لديكم وسط التسرّب الوظيفي الكبير من القطاع العام؟
البعض يقول يوجد فائض بالعمالة، لكن بعض الشركات تحتاج إلى نوع محدد من العمالة الخبيرة، ولا أحد ينكر وجود التسرّب بين صفوف العمالة، من المؤسسة للخارج وإلى القطاع الخاص، وما نأمله اليوم أن يتم إصدار نظام الحوافز بشكل سريع، الذي وجّه فيه مجلس الوزراء في اجتماعه الوزاري الأول للحكومة الجديدة.
واقع لا يلغي حقيقة تمتّع العامل السوري بالانتماء الشديد لمؤسسته، وهو ما شهدناه ضمن شركة الإنشاءات المعدنية، التي تعرضت للدمار بمقرها الكائن في «عدرا» لتنتقل بعدها بكوادرها العاملة للعمل في باب شرقي، ومن ثم العودة لبنائها من جديد والعمل مجدداً ومن ثم تحقيق أرباح كبيرة لها.
هذه الحالة من الانتماء نجسدها بالعمل أيضاً ضمن فريق المؤسسة، نتشاور مع الجميع لتطوير الشركة، تجسيداً لما أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التوجيهية أمام الحكومة الجديدة، وسابقاً أمام مجلس الشعب المنتَخب، والذي أكد من خلالها على إلا نضع أهدافاً خيالية مستندة إلى الأحلام، بل أن يكون العمل على وضع رؤى وسياسات قابلة للتطبيق.
أما اليوم، ونحن نمثل شركات عملاقة، استحوذت باسمها ومكانتها المهمة على أذهان الناس (سيرونيكس- بردى)، ما يحمّلنا مهمة الاحتفاظ بها، فما زلنا نعمل ضمن خططنا بتطوير واستبدال وتجديد خطوط الإنتاج، للحفاظ على الجودة والسعر المناسبين، وخير دليل على ذلك هو جودة الإنتاج في جميع الشركات.
الآلات
ما وضع الآلات لديكم؟ هل تحقق المواصفات اللازمة للعمل؟
إنها قديمة وفي كل عام يتم استبدالها وتجديدها ضمن الخطط الاستثمارية، بغية الحصول على مواصفات، ليس بهدف المنافسة مع القطاع الخاص بل من أجل العمل معه جنباً إلى جنب كفريق يكمل بعضه، ومن ثم المنافسة في السوق الخارجي، وضمان تغطية السوق المحلي أيضاً، كما أن لدينا مجموعة من المعامل دمّرت بالكامل.
أما عن توريد خطوط الإنتاج، فسيتم ضمن دراسات جدوى اقتصادية، أي دراسة الأموال وحجم الاستثمار والأصول المقدمة من قبلنا، وهي نوعان (مادية ومعنوية)، والمسألة بالنسبة لنا هي نسبة وتناسب وتوزيع للحصص، كما سيتم العمل ضمن هذا الأفق، وفق سياسة ضمان أرباح الخاص، حتى أن القانون رقم (٢) بيّن أن مؤسسات وشركات القطاع العام هي بمنزلة التاجر بعلاقاتها مع غيرها، ضمن الطابع الاقتصادي لها، ما نقوله دائماً: نحن مستعدون لتنظيم عقد الشراكة بناء على دراسة جدوى اقتصادية وفنية، لأنه ليس من مصلحة الطرفين العمل بخسارة.
الشراكة بين القطاعات
ما زالت مسألة التشاركية بين قطاعات العمل تثير هواجس عدة.. هل من خطط للتشاركية بين المؤسسة والقطاع الخاص بما يخدم المنتج الوطني؟ وما شروطكم لها؟
يتبادر لذهن البعض، أن وجود القطاع الخاص مع نظيره العام هو بهدف إلحاق العجز بالقطاع العام، وهو مفهوم خاطئ، فلا يوجد غالب ولا مغلوب هنا، لأن الشراكة هي عامل نجاح للفريقين.
كما أن وزارة الصناعة ليست المسؤولة عن القطاع العام وحده، بل لها من الاهتمام ذاته بالخاص أيضاً، كما أن فكرة التكامل بين القطاعين، باتت واجبة وضرورة ملحة، ويجب العمل عليها، وقد تم طرح فكرة التشارك بين القطاعين بأكثر من مجال، من خلال عروض للشراكة بمجال شركة تجميع وإنتاج اللواقط الكهروضوئية، وتتم دراسة العروض لها ضمن القنوات الرسمية، لقيام الشراكة القانونية بشكلها الصحيح، ما يحقق أهداف المشروع لمصلحة حفظ حقوق الطرفين (عام وخاص)، كما أن هناك شركات خارجية من الدول الصديقة تسعى للشراكة أيضاً.
تهدف الشراكة في هذا المجال لتوطين صناعات جديدة وتأمينها بالسوق المحلي، بغية الاستغناء عن استيرادها والاعتماد على المنتج الوطني وتأمينه بسعر منافس وجودة عالية، وسيتم العمل عليها مع الحفاظ على حقوق القطاع العام، ضمن ثوابت المحافظة على الملكية والعمال، التي تعد أولوية في أي عقد، من أجل الحفاظ على حقوق العمال وضمان تدريبهم وتمكينهم.
بالمقابل، فقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد القانون رقم (3) الذي تحدث في جزء منه عن تنظيم شركات القطاع العام ووضع محددات لكيفية قيام الشراكة القانونية، وكيفية تحويلها لشركات قابضة أو مساهمة وغيره، وبغض النظر عن الشركاء، نحن مستمرون بالعمل مع عمالنا، ليس اليوم فقط بل من قبل، وضمن الحرب استمر العمل واستطعنا الحفاظ على الآلات والمعدات، ولدينا شركات تعمل بشكل كامل وبعضها بشكل جزئي ومنها معامل دمّرت بالكامل.
اليوم وبالنظر لما سبق، نؤكد بأن لدى المؤسسة رؤية خاصة، تتعلق بوجود العديد من المعامل التابعة لها تم تدميرها من العصابات الإرهابية، وقد قامت المؤسسة وبالتعاون مع وزارة الصناعة، بعرضٍ عن هذه الشركات المدمرة على القطاع الخاص والدول الصديقة، من أجل إقامة شراكة حقيقية تهدف لتحقيق مصلحة كل من طرفي التعاقد، أما بالنسبة للنشاط الأساسي للشركة أو أي نشاط آخر بديل، فعليه أن يحقق الجدوى الاقتصادية ويؤمّن الإنتاج لدى السوق المحلي، ما يضمن التخفيف من عمليات الاستيراد، التي باتت تستنزف القطع الأجنبي.
كما أن لدى المؤسسة عروضاً متعددة تتم دراستها حالياً بأكثر من مجال في الصناعات الهندسية.
السوق الخارجي
برأيكم.. هل المنتج السوري المصنّع محلياً منافس في الخارج؟
حقيقة واقعية وليست فرضية، وبالنسبة لدينا، ينافس منتجنا الوطني بقوة في الخارج، كما شكّل معرض (إكسبو) نقلة قوية ومنصة لموضوع التصدير لدى شركات جاءت من الخارج، اطلعت على المنتجات، إلا أن الصناعات الهندسية ليست معدة للتصدير حالياً، وما يميز منتجاتنا كلها، الجودة والقدرة على المنافسة بالخارج.
إلا أنه مع تطوير خطوط الإنتاج والشراكات مع القطاع الخاص، سيكون الهدف هو تلبية السوق المحلي فيما الفائض هو للتصدير، الذي يهدف إلى المنافسة بالجودة والأسعار، وبالتالي رفد خزينة الدولة بالقطع الأجنبي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وفق تقديراتنا، ستتجاوز أرباح مؤسستنا الـ٦٠ ملياراً وصولاً إلى 100 مليار ليرة حتى نهاية العام، وما نطمح له هو تنمية الأرباح.
التطور التكنولوجي
كيف يتم توظيف هذا الاتجاه ضمن العمل لديكم ضمن منظور شركات صناعية في القطاع العام؟
هو أحد العناوين المطروحة عالمياً، ولنكن واقعيين، يمكن تطبيق هذا التوجه ضمن مجال الصناعات الإلكترونية، الذي كانت الصين المثال الأبرز له في إنتاج ألواح الطاقة الشمسية، ما يعني أن وجودنا مع الشريك الخاص المواكب مع الدول الخارجية، سيدفعنا لمواكبة التطور التكنولوجي، ومن الطبيعي مواكبته ضمن خطوط الإنتاج ما يضمن بقاء الإنتاج مسوّقاً، وإلا فإنه سيخرج من السوق، كما أن ما سيتم طرحه ضمن مفهوم الشراكة بين القطاعات، هو التدريب للمهندسين والفنيين والعاملين على كل ما هو جديد، لأنه في حال انتهاء الشراكة بين الطرفين ضمن شروط طاقة إنتاجية بنسبة ٨٠ بالمئة، يجب أن نضمن أن يكون العامل قادراً على الاستمرار للعمل في شركته، واستمرارية الشركة أيضاً، والحفاظ على هيكلية العمل بالمؤسسات التابعة لوزارة الصناعة.