هل زراعتنا بخير؟… تأسيس العديد من الشركات المتخصصة بتطوير واستثمار الإنتاج… السلوم: تعزيز الاستثمار في الزراعة ليس فقط ضرورة اقتصادية بل خطوة نحو تحقيق الأمن الغذائي
| الاقتصادية
تواجه الزراعة السورية اليوم تحديات كبيرة، مع تغيرات في الظروف الاقتصادية والبيئية، وازدياد الاعتماد على أساليب تقليدية في الزراعة أدت إلى تراجع الإنتاج. في هذا السياق، يبرز الباحث والمحلل الاقتصادي محمد السلوم، ليتناول هذه القضايا ويقدم رؤى وحلولاً لتطوير هذا القطاع الحيوي.
الزراعة بين الإهمال والتحديات
وفقاً لسلوم، هناك نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية التي لا تستغل بالشكل الكافي. «أقل من خمسين بالمئة من ملاك الأراضي يزرعون أراضيهم بشكل مباشر»، وهو يعكس بذلك واقعاً يواجه الفلاح السوري اليوم. «نحو عشرة بالمئة من الأراضي الزراعية معطلة، بالإضافة إلى نسبة خمسة بالمئة كنسبة اهتلاك وضياع من الأراضي المزروعة بسبب غياب الخبرة والتكنولوجيا الزراعية المتقدمة».
هذه الأرقام تضع أمامنا صورة مقلقة عن واقع الزراعة في سورية، حيث تتراجع كفاءة استغلال الأراضي، وتتزايد الخسائر بسبب نقص الخبرات والأدوات الحديثة. وهنا فإن الحلول لا تقتصر على إعادة استصلاح هذه الأراضي فقط كما كان معتمداً من الشركة العامة لاستصلاح الأراضي سابقاً، بل تتطلب أيضاً تحولاً جذرياً في أساليب الزراعة والاستثمار فيها.
الحاجة إلى شركات استثمار
وتطوير زراعي
يؤكد السلوم أن الحل يكمن في تأسيس شركات تطوير واستثمار زراعي. «لقد أصبح من الضروري جداً تأسيس العديد من شركات تطوير واستثمار زراعية المتخصصة لتحسين الإنتاج من حيث الوفرة والنوعية»، وهنا على هذه الشركات ألا تسهم فقط في زيادة الإنتاج، بل توفر أيضاً فرص عمل حقيقية ومنظمة.
إحدى الفوائد الرئيسية التي يمكن أن تحققها هذه الشركات هي إدخال التكنولوجيا الحديثة التي تزيد من كفاءة الزراعة، على سبيل المثال، يمكن استخدام أنظمة ري متطورة لتوفير نحو 50 بالمئة من مياه الري، وهذا أمر بالغ الأهمية في ظل شح الموارد المائية. كما تساهم هذه الشركات في رفع وتحسين نوعية الإنتاج بنسبة تتراوح بين 30 بالمئة و50 بالمئة، ما يعزز من قدرة المنتجات الزراعية السورية على المنافسة في الأسواق المحلية والدولية.
أنواع الاستثمار الزراعي
يتطرق السلوم إلى تصنيف الاستثمار الزراعي إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
المشاريع قصيرة الأجل
وهي تشمل زراعة المحاصيل الموسمية على اختلاف أنواعها وأهمها القمح.
تتميز هذه المشروعات بسرعة العائد المالي، ولكنها تتطلب تخطيطاً دقيقاً لضمان استمراريتها بأصناف متعددة وبجودة عالية.
المشاريع متوسطة الأجل
كزراعة النباتات التي تعمر بين ثلاثة إلى خمسة أعوام مثل القطن المصري أو الاستثمار في البيوت المحمية كزراعة الفراولة مثلاً، هذه المشاريع تحتاج إلى مستوى معين من الخبرة والرعاية، لكنها تقدم عوائد مجزية على المدى المتوسط.
المشاريع طويلة الأجل
وهي تشمل زراعة الأشجار المثمرة مثل الزيتون، اللوز، الفستق الحلبي، والعنب. تتطلب هذه المشروعات استثمارات كبيرة في البداية، لكنها تقدم عوائد ثابتة ومستدامة على مدى عقود.
هذا التنوع في أنواع الاستثمار يتيح للمزارعين والمستثمرين اختيار الأنسب وفقاً لإمكاناتهم وطموحاتهم.
تكاليف الزراعة والتحديات التمويلية
«الزراعة مثل أي مشروع آخر تحتاج إلى تكاليف تأسيس في بداية العمل»، مع الإشارة إلى أن هذه التكاليف تتضمن المعدات، البنية التحتية، وأجور العاملين. ثم تأتي بعد ذلك التكاليف التشغيلية التي تشمل المواد الأولية والموارد البشرية، وهي متطلبات تتزايد صعوبتها في ظل نقص اليد العاملة المؤهلة والارتفاع الكبير في أسعار المواد.
مع ذلك، لا يزال التمويل يمثل مشكلة رئيسية. «لم تعد مؤسسات التمويل الحكومية تعطي القدر الكافي من التمويل للمزارعين لتنفيذ مشاريعهم الزراعية». كما أن الكثيرين يخلطون بين الدعم الحكومي والتمويل، مشيراً إلى أن الدعم أو التمويل الذي يحصل عليه المزارعون حالياً لا يكفي لتغطية احتياجاتهم!
دور الشركات الاستثمارية
في تمويل الزراعة
في ظل ضعف التمويل، يطرح السلوم دور شركات الاستثمار الزراعي كمصدر بديل وفعال للتمويل التقليدي. «ما الجدوى من طرق الاستثمار بوساطة شركات الاستثمار والتمويل»؟ ثم يجيب موضحاً أن هذه الشركات يمكن أن تساهم بشكل كبير في استدامة الزراعة عبر إدخال التكنولوجيا الحديثة وتحسين كفاءة الإنتاج، ما يؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة الأرباح.
فرص جديدة في الزراعة
والثروة الحيوانية
هناك فرص غنية بمجال الثروة أيضاً ووجود مثل هذه الفرص تعد تربة خصبة ومقومات هائلة للاستثمار في مجال الثروة الحيوانية بالتوازي مع المشروعات الزراعية، حيث أن «هناك العديد من المشروعات الاستثمارية في الثروة الحيوانية التي يمكن أن تكون مرافقة للمشاريع الزراعية، وتساهم في تقليص فترة استرداد رأس المال المدفوع إلى نحو نصف المدة الزمنية. «هذه المشروعات، مثل تربية المواشي، الدواجن، الأسماك، توافر عوائد إضافية للمستثمرين من الاستثمار ذاته، وتسهم في تعزيز الأمن الغذائي.
الدور الحكومي في تعزيز الاستثمار
لا يمكن إغفال الدور الحكومي في هذا الصدد، حيث على الحكومة أن تلعب دوراً رئيسياً في تشجيع الاستثمار الزراعي. و»سيقع على عاتق الحكومة تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي من خلال تقديم تسهيلات في الترخيص، وإعفاءات ضريبية تشمل ملاك الأراضي والشركات المستثمرة على حد سواء».
كما يجب على الحكومة المساهمة في تأمين الخدمات اللوجستية وإعادة تأهيل البنية التحتية. يضيف السلوم: «الدور الحكومي يجب أن يشمل أيضاً المشاركة الفعالة في تسويق المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية والدولية».
في نهاية المطاف، إن الحلول لتطوير القطاع الزراعي في سورية تبدأ من الاستثمار في التقنيات الزراعية الحديثة، والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وتوفير الدعم المالي والتقني للمزارعين. كما أن تعزيز الاستثمار في الزراعة ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل هو أيضاً خطوة نحو تحقيق الأمن الغذائي وخلق فرص عمل جديدة، ما يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكل عام.