قطاع المعلوماتية استثمارٌ مربح ومقومات خصبة.. إن استطعنا استقطاب الشباب للعمل في البرمجيات سنحصل ويحصلون على دخل أكثر من السفر.. المنجد: أقترح إنشاء شركة حكومية لتوظيف خريجي المعلوماتية أثناء فترة خدمة العلم
|بارعة جمعة
توجه جديد في رؤية الصناعة الحديثة، يهدف إلى إيجاد بيئة اقتصادية تتلاءم مع عصر الثورة التكنولوجية التي يشهدها العصر، التي لم تعد تخفى على أحد أهميتها لجهة تحقيق قفزة كبيرة في المعرفة بأثرها في النمو عامة، وبرسم الدول إستراتيجياتها التنموية، وفق أُسس علمية، ترتكز بالدرجة الأولى على المعرفة المعلوماتية، يفتح باب الوصول إلى اقتصاد معرفي وآفاق الفرص الاقتصادية الواعدة والمجالات الرحبة من الاختصاصات التي باتت ضرورة وحاجة في يومنا هذا.
إن للتنمية التكنولوجية عوامل أهمها الإبداع والابتكار والذكاء، التي تعد رأس المال الحقيقي لها، والأرضية الصلبة لتأسيس اقتصاد المعرفة، الذي وفق توصيف خبراء التكنولوجيا الحديثة ضمن حديثهم لـ«الاقتصادية» بوابة العبور إلى تنمية واعدة برأس مال متوافر وغير مُكلف، ليبقى السؤال الأهم في أفق الاستثمارات الواعدة اليوم.. ما آفاق الاستثمار في قطاع المعلوماتية!! وما السبل الكفيلة لإنجاحه؟
اتجاه حديث
ترسم الدول إستراتيجيات التنمية بالارتكاز على المعرفة المعلوماتية، لتبدو هذه التقنية أبعد من كونها رفاهية أو كمالية بل ضرورة ملحة، تقوم على استثمار العنصر البشري، من هنا انطلق رئيس مجلس إدارة منتدى شركات المعلوماتية السورية في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية محمد كمال المنجد في حديثه مع «الاقتصادية» عن أهمية هذا الاتجاه الحديث، ولاسيما مع تزايد استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية، حيث أصبح الاعتماد على الحلول الرقمية ضرورة في مختلف القطاعات مثل التعليم، الصحة، والتجارة، بموازاة بدء السوق السورية بزيادة الطلب على البرمجيات من جميع النواحي، فبدت الحاجة ملحة لوجود برمجيات تلبي الطلب المتزايد من جميع القطاعات.
كما أن التوجه الحكومي نحو التحول الرقمي وعمليات الدفع الإلكتروني وعمليات الأتمتة المطلوبة في المرحلة القادمة، جعلت القطاع العام والخاص في حالة من الطلب المتزايد على تحويل العمليات والإجراءات إلى إجراءات سريعة ومؤتمتة ومنظمة، ما يعني وجوب وجود شركات تقدم خدمات التحول الرقمي والأتمتة برأي المنجد، عبر خدمات كثيرة ومتنوعة، بدءاً من برمجة التطبيقات وبرمجة المواقع وتطبيقات الجوال، وصولاً إلى الأمن السيبراني وحماية البيانات وتشفيرها وخدمات ما بعد البيع وعمليات التدريب والتطوير وهندسة العمليات والإجراءات، التي لا بد أن تغير سلوك المستهلك والميل نحو استخدام التجهيزات، ليتم بعدها فتح المجال أمام الشركات لتطوير حلول مبتكرة وسهلة ومريحة، تساعد على الوصول إلى التسارع المتزايد للأتمتة والتحول الرقمي.
واقع أفرز حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن مصير البشرية بات معلقاً- ولأول مرة- بعناصر غير محسوسة منها بيانات ومعلومات ونظم ونماذج وأفكار، التي وفق حديث مدير فرع الجمهورية العربية السورية (تحت التأسيس) للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي الدكتور عمار دلول باتت متسعة، لتشمل عناصر وتكلفة لا مادية من قبيل عائد الاستثمار في التعليم والتدريب، عائد المحافظة على البيئة الزراعية، وغيرها مما سيتم التعامل معها بصعوبة لكونها غير محسوسة.
نتائج ملموسة
أما اليوم، وفي أفق نمو اقتصاد المعرفة، بدأ السوريون يلمسون النتائج الخاصة بالتحول الرقمي والتعرف على التسهيلات التي يقدمها هذا التحول، على الرغم أنه في بداياته برأي د. كمال المنجد، إلا أنه بدأ يضع لمساته في سلوك المواطن، كما بدأت الشركات العامة والخاصة بزيادة الطلب على البرمجيات المتخصصة، التي تلبي احتياجات الشركات، ما سينعكس إيجاباً في إتاحة فرص كبيرة للمطورين، وتزايد الطلب على الحلول السُحابية، التي تدعم العمل عن بعد، كما زاد الطلب على الخدمات الرقمية مثل التجارة الإلكترونية والخدمات المالية الرقمية في القطاعات المصرفية وقطاع التأمين ومكاتب الصرافة والتحويل.
بالمقابل، تبين أنه ومع وجود الجامعات المتخصصة في سورية، التي تخرج العاملين في قطاع المعلوماتية سنوياً نجد أننا ضحية خسارة الكثيرين منهم، ممن وجدوا في الخارج فرصاً للعمل، وسط الظروف الاقتصادية التي تمر بها بلادنا، وهنا يتساءل المنجد.. كيف يمكن للنمو التكنولوجي أن يكون محركاً رئيسياً لفرص الاستثمار في قطاع المعلوماتية. •وسط هذه الخسارات الكبيرة في العقول البشرية؟!
لتبدو الحلول من وجهة نظره بالتعاون مع الجامعات، عبر إنشاء شراكات مع المؤسسات التعليمية، من الممكن أن تسهم بتطوير المهارات وتعزيز الابتكار، إلى جانب الشراكات الدولية، عبر الاستعانة بشركات عالمية، بإمكانها أن تجلب الخبرات والتقنيات الحديثة، مع التأكيد من قبل المنجد على دور المبادرات الحكومية، بدعم الحكومات لقيام مشاريع التكنولوجيا، التي ستسهم بدورها في تحفيز الاستثمار وتعزيز النمو ضمن هذا القطاع، بما يحقق مفهوم الاستدامة، القائم على التركيز في مسألة تطوير حلول تكنولوجية مُستدامة، بإمكانها أن تفتح مجالات جديدة للاستثمار والنمو.
صناعة رابحة
مؤشرات تأخذ بكل متتبع لحيثيات التحول الرقمي إلى نتيجة واحدة مفادها أن الواقع اليوم فرض صناعة حديثة للبرمجة الرقمية، تقود إلى أرباح مجزية تسهم بالنمو الاقتصادي العادي، لكونه من أهم الاستثمارات التي من الواجب طرحها، لعدم حاجتها إلى رأسمال عالٍ برأي د. عمار دلول، بل فكر متطور، يرتبط بوجود الأشخاص، وضمن هذا المبدأ، ستغدو صناعة البرمجيات والتحول الرقمي مصدر قيم الشركات العالية جداً لوجود مؤشر اسمه HCI أي في حال استطعنا استقطاب الشباب للعمل في برمجيات التحول الرقمي ضمن حاضنات للمبدعين، سنجلب أرباحاً مهولة بدل السفر، لكون العائد الاستثماري مهماً جداً ويساعد بنمو التجارة الخارجية، إلى جانب رفد الاستثمار بالتكنولوجيا الرقمية مجالات الاقتصاد والتجارة كافة ومساعدتها للنمو، لتبدو الحالة تكاملية برأي دلول، داعياً إلى الاستثمار بهذا الاتجاه في سورية، لأهميته ولوجود محفزات كثيرة للعمل به، أبرزها أن القوانين والتشريعات الناظمة للاتصالات هي مساعدة، كما أنها تقدم الكثير من التسهيلات له، عدا إعلان وزارة الاتصالات عن إنشاء المدينة التكنولوجية بالديماس، التي تعد خطوة مهمة من قبلها.
نعم، هي صناعة إستراتيجية مهمة، شأنها شأن الصناعات العملاقة الأخرى الكيميائية، الكهربائية والميكانيكية، وبالرغم من هذا التميز فهي مرتبطة بتقنية الحاسوب مقابل عدم حاجتها لأي مواد أولية برأي د. عمار دلول، فهي قائمة بشكل رئيس على الجهود الفكرية، ما يجعلها سلعاً غير استهلاكية كبقية السلع من الصناعات الأخرى، التي تندثر بتأثر عوامل الزمن، كما أنها تحتاج إلى الكثير من المطاولة والصبر برأيه، تبدأ بفكرة إبداعية وعلى ضوئها تتم دراسة الجدوى للوصول إلى عمل برمجي موثوق، ما جعل هذه الصناعة تحجز مكانة لها بين الصناعات، والدليل هو كمية الأرباح المأمولة منها برأي دلول، آخذاً من الاختلاف في تركيبة الإدارة الخاصة، في حال أرادت الشركة السيطرة على سوق البرمجيات كما هو حال شركة «مايكروسوفت»، باحتكارها نظام التشغيل الخاص بها، الذي يعد أحد أهم أسرار نجاحها.
محددات العمل
هي كثيرة، كما أنها تلعب دوراً حاسماً في تشكيل بيئة الاستثمار في قطاع المعلوماتية في سورية، برأي رئيس مجلس إدارة منتدى شركات المعلوماتية السورية في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية كمال المنجد، مؤكداً أهمية الاستقرار السياسي على جذب الاستثمارات وعدم تردد المستثمرين، مع التركيز على البنية التحتية مثل: شبكات الإنترنت والكهرباء، التي تبدو اليوم ضعيفة وتعوق نمو القطاع، كما تؤثر في حد كبير على الاستثمار في هذا المجال، الذي يحتاج إلى التنظيم برأيه، نظراً لوجود أغلبية الشركات تعمل في اقتصاد الظل، والتي بلغت برقم تقريبي أكثر من 300 شركة في وقت بلغ عدد الشركات المرخصة 150 شركة مرخصة، لتبدو الأسباب وراء ذلك عدم وجود قوانين تساعدها على النمو والتطوير، وعلى رأسها مسألة الإعفاء الضريبي للشركات الناشئة برأيه، الذي سيساعدها على الظهور للعلن وعلى استلام المشاريع المهمة ومساعدة الدولة في جميع القطاعات على التحول الرقمي والتطور التكنولوجي.
يضاف إلى ذلك، مفهوم الإطار القانوني المتمثل بوجود قوانين وتشريعات واضحة تدعم حقوق الملكية الفكرية، وحماية البيانات ضرورية لجذب الاستثمارات، إلى جانب الموارد البشرية، عبر الاحتفاظ بكل الكفاءات التي تتخرج في المعاهد والجامعات، وتسهم في الدخل القومي للدول الأخرى، وهنا يطالب المنجد بوضع نظام لها لمساعدتها على المساهمة في الاستثمار لدى قطاع تكنولوجيا المعلومات، مع الإشارة إلى مشكلة نقص المهارات التي تمثل عائقاً أيضاً، مع التأكيد مجدداً على أهمية الدعم الحكومي عبر برامج حكومية لدعم الابتكار وريادة الأعمال، ما يعزز من فرص الاستثمار في قطاع التكنولوجيا.
وهنا يبرز السؤال الأهم: هل من الممكن الاعتماد في هذا المجال بالذات على إمكانياتنا بالداخل فقط؟
يُجيب د. كمال المنجد، مؤكداً أهمية تطوير الكفاءات المحلية والحفاظ عليها وإعطاءها الإعفاءات الضريبية للشركات الموجودة، التي تعمل ضمن القطاعات والشركات الناشئة، مشيداً بالوقت ذاته بالخبرات والشركات المحلية، التي استطاعت تطوير جميع البرمجيات في سورية مطورة على الرغم من الصعوبات الموجودة.
ويضيف المنجد شارحاً الخطوات المقترحة من المنتدى بقوله: نحاول ضمن المنتدى ضم وتنظيم الشركات، إلا أن الخوف لديهم من الضرائب والمالية، يعوق فكرة ظهورهم للعلن، لعدم وجود نسب ضرائب واضحة، وهو ما يمنعهم عن الإعلان عن العقود المبرمة وعن الأرباح أو أي شيء، ما يجعل هذا القطاع مبهماً ومجهولاً»، كل ذلك يقود برأيه لأمر مهم هو الإعفاء المالي والضريبي أو وضوح الضرائب والرسوم للشركات التي تدفع الكثير من الرواتب والأجور للمبرمجين، إضافة إلى تكاليف التطوير، وهي مصاريف لا يتم الاعتراف بها، أمام اعتماد نسب أرباح الشركات بمعدل 45 بالمئة من مبيعاتها، وهو رقم كبير جداً برأيه، لجهة الشركات، كما تعد مشاريع البرمجة مشاريع طويلة الأجل لغاية اليوم، ولاسيما المشاريع الحكومية والتحول الرقمي، التي قد تستغرق أحياناً 3 سنوات من العمل.
هنا يستذكر المنجد، الاقتراح المقدم من قبله للمعنيين، بإنشاء شركة قطاع عام، للقيام بتوظيف خريجي المعلوماتية في أثناء فترة خدمة العلم، بهدف تشغيلهم في التحول الرقمي بأجور مناسبة جداً لهم، هذا الاقتراح في حال تطبيقه، سيسهم بتشغيل كل الخريجين بشكل عام، ممن يبلغون قرابة 700 مهندس معلوماتية على الأقل، نخسر منهم 60 بالمئة بسبب الهجرة، مع الإشارة إلى أن مهندسي المعلوماتية في سورية مبدعون، وفي حال وضعهم ضمن مؤسسة تتكفل بإجراءات التحول الرقمي في سورية وضمنها خدمة العلم لهم، سنبني جيلاً كاملاً من المهندسين، من الممكن تطويرهم ضمن هذه المؤسسة، ومن ثم رفد السوق بهم بعد تسريحهم، برتبة مهندسين متطورين، بمعدل 700 مبرمج متدرب ومطور، بإمكان الجهات المعنية الاستفادة منهم ضمن المستويات الإدارية المختلفة.