الإصلاح يحتاج إلى إصلاح.. إفلاس إداري إذا بقيت الأجور والرواتب على حالها! «التنمية البشرية».. لجنة وزارية تدرس وتقترح خلال شهر.. لا بد من إعادة مراجعة دور وزارة التنمية الإدارية
|شادية إسبر
مجموعة من اللجان في مجلس الوزراء أعلن عن أسماء رؤسائها الثلاثاء 1 تشرين الأول الجاري، بينما كان لافتاً اسم «لجنة التنمية البشرية» التي خصها المجلس لتكون بصدارة خبر ما دار خلال جلسته الأسبوعية المنعقدة بالتاريخ ذاته، ما يعني أن الحكومة الجديدة تولي الإصلاح الإداري أهميته كأحد مكونات الإصلاح الاقتصادي، حيث الحاجة للمراجعة تزداد إلحاحاً.
اللجنة برئاسة وزير التربية «بهدف مراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات، وتمديد الخدمة… وغير ذلك»، إضافة إلى آلية تلبية احتياجات الجهات العامة، التي أثبتت أغلبية الآليات السابقة فشلها في تحقيق المطلوب، حيث ساد الانتقاد في الأوساط الوظيفية وسوق العمل لأغلبية القرارات التي أظهر تطبيقها مكامن ضعف ومشكلات وتعقيدات في ابتعاد عن الواقع وانحراف عن الهدف، ما استوجب التقييم للتقويم.
المسار الزمني إشكالي
المشكلة الأساسية في بعض الوظائف الإدارية العليا أنها غير محددة الصلاحيات، وفق رأي وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي في تصريح لـ«الاقتصادية»: مثلاً معاون الوزير يستمد مهام عمله وصلاحياته مما يكلفه به الوزير من مهام وأعمال وما يفوضه به من صلاحيات، أما المدير العام فصلاحياته أوسع وأكثر تحديداً، وما يعوق عمله في كثير من الحالات الارتباط بأكثر من جهة، يضاف إلى ذلك تطبيق مبدأ المسار الزمني، وهذه المشاكل تؤثر فيهم بشكل سلبي وتعوق تقديم أفضل خبراتهم في مجال عملهم.
وعن سلبيات وإيجابيات تحديد مسارات زمنية، أوضحت عاصي أن الموضوع إشكالي، فمن جهة يسمح ببناء قدرات وتأهيل الصف الثاني في الوظيفة العامة؛ ويساهم بألا يكون المنصب حكراً على أناس دون آخرين، ومن أخرى لا يجوز تعميمه على كل الحالات والمناصب التي تحتاج إلى خبرات معينة، وعبّرت عن اعتقادها بأن الوقت الآن ليس المناسب لتطبيق مبدأ المسار الزمني حيث تعاني المؤسسات الحكومية من قلة الكوادر الخبيرة والكفؤة.
من جانبه وفي تصريح مماثل قال الخبير الاستشاري الإداري الدكتور عبد الرحمن تيشوري بوضوح: أنا مع وضع ولاية إدارية أو مسار زمني كما يسمى لا يتجاوز أربع سنوات غير قابلة للتجديد، على أن يتم تقييم ربع سنوي ونصف سنوي وفي نهاية العام أيضاً، فإذا لم يكن منجزاً وفعالاً يتم إعفاؤه فوراً وليس تركه حتى نهاية مساره، هذه مسألة مهمة جداً يجب حسمها في الوظيفة العامة.
من وجهة نظر تيشوري، فإن أغلب السوريين لم يكونوا راضين عن القرارات والصكوك الناظمة التي صدرت خلال السنوات الأربع الأخيرة فيما يتعلق بعمل معاون الوزير والمدير العام وأمين عام المحافظة، وأضاف: حتى منصب المحافظ والوزير، رغم أنه منصب سياسي، يمكن أن نضع له بعض المعايير والشروط والقيود، بحيث يكون كل منهما قائداً إدارياً حقيقياً، ما ينعكس إيجاباً على الأداء وبالتالي مصلحة المجتمع والاقتصاد، داعياً إلى التدقيق في كل الإصلاح الإداري وقرارات التعيين والصكوك التي صدرت، لأن فيها الكثير من العشوائية والفوضى، وعدم مراعاة مصلحة السوريين، وإبعاد الكفاءات.
خفض سن التقاعد أم رفعه؟
تتسم الظروف الحالية بهجرة الكوادر من الكفاءات وتفتقر اليوم معظم المؤسسات إلى الكوادر الخبيرة في مجالات عملها، فلا يمكن والحال هكذا تخفيض سن التقاعد، بالعكس تماماً، الاحتفاظ ببعض العاملين بالتمديد لهم أكثر أماناً للمؤسسات الحكومية، وفق عاصي.
ورأت حول تأثير تمديد الخدمة على ضخ دماء جديدة واللحاق بالتكنولوجيا، أنه لا يمكننا الحديث عن ذلك في ظل الواقع الحالي للوظيفة العامة التي تواجه تحديات أولها ضعف القدرة الشرائية للرواتب والأجور والتي تؤثر سلباً في القدرة على اجتذاب الكفؤين من العاملين.
بالنسبة للدكتور تيشوري الأمر يحتاج لتشخيص وتحليل بنية الوظيفة العامة، حيث أظهر بحث علمي تطبيقي أعده أن نسب موظفي الفئة الأولى ومن يحملون شهادات الدراسات العليا الماجستير والدكتوراه لا تتجاوز 14- 15 بالمئة من مجموع العمالة الحكومية التي تصل لنحو مليونين، على عكس الدول الأخرى، حيث ترتفع النسب إلى 50 بالمئة في اقتصادات الدول الأوروبية، لذا تمديد خدمة العاملين يجب أن تكون للفئة الأولى من اختصاصات محددة في الفترة الراهنة، وخاصة خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة، ومتبعي دورة الجدارة القيادية، وكل من يحمل شهادة دكتوراه أو ماجستير في تخصص إداري أو اقتصاد.
أضاف: يمكن تخفيض سن التقاعد للفئات الثانية والثالثة والرابعة لأن 70-75 بالمئة من هذه العمالة تأهيلهم ثانوية وأقل، ولا يمكن أن يكونوا عقل الوظيفة العامة بعصر الإنترنت والمعلوماتية وقواعد البيانات وما شابه، لافتاً إلى أن القطاع العام يعاني من تسرب الكفاءات تحديداً، ومحذراً من خطورة بقاء الأجور سيئة على هذا الوضع، حيث سيؤدي ذلك إلى إفلاس إداري حقيقي في المؤسسات.
ذوو القربى
بشأن الضوابط الخاصة بذوي القربى رأى الخبير الإداري تيشوري أنه موضوع يجب عدم البحث فيه وألا يشغل الحكومة، فمادام الشخص يحقق الشروط المطلوبة والكفاءة وهو منتج ومنجز في عمله، لا يهم إن كان الأب وأولاده الخمسة في إدارة واحدة أو وزارة واحدة أو شركة واحدة، هذه ليست مشكلة على الإطلاق.
بالاتجاه ذاته كان رأي الدكتورة عاصي التي قالت: العلاقة الوظيفية المباشرة لموظفين تربطهم درجة قرابة معينة يتأثر بنوع الوظائف التي يشغلونها، لا يمكن تطبيق مبدأ واحد على كل أنواع الوظائف، ويفضل أن يترك للجهات.
المسابقة المركزية مملوءة بالعيوب
لم ندرك المبررات الجوهرية لإجراء مسابقة مركزية لكل الوزارات والمؤسسات في كل المحافظات، فالعالم يتجه أكثر نحو اللامركزية، وفق توصيف عاصي، التي أضافت: لا يوجد ما يبرر إجراء مسابقة مركزية واحدة على مستوى البلاد التي جرت، ولم تستطع تلبية متطلبات العمل في المؤسسات، في الوقت الذي تتطور فيه أساليب التعيين وإجراء المقابلات لاختيار الأكفأ والأفضل، يجب أن يترك الموضوع للوزارات والمؤسسات بأن تجري مسابقات لترميم حاجتها من الكوادر البشرية.
بينما قال تيشوري إن المسابقة المركزية التي جرت لمرة واحدة كان فيها الكثير من العيوب، ولم تكن مضبوطة والأسئلة لم تكن مناسبة، ولإجراء مسابقة مركزية يجب ضبطها بشكل جيد، وألا تكون عشوائية في يوم واحد لجميع الوزارات.
قرارات تحت مجهر المراجعة
عن أبرز القرارات والصكوك التي صدرت عن التنمية الإدارية وتحتاج إلى المراجعة، أجابت عاصي بذكر بعضها مثل: إجراءات التعيين والاستخدام المؤقت لدى الجهات العامة التي زادت التعقيد والإرباك والتدخل من دون تقديم إضافات إيجابية، كذلك قانون الحوافز التشجيعية الذي بدأ وفيه مكامن ضعف بعد فترة طويلة من الإعداد له وجهود كبيرة بذلت من أجل تطبيقه، ثم ظهرت المشاكل الناجمة عنه، فتم التريث دون إيضاحات كافية، إضافة إلى خضوع بعض الكوادر الكفؤة والخبيرة في الوزارات والمؤسسات لمقابلات مع موظفين جدد من التنمية الإدارية لتحديد مستوى كفاءتهم في العمل الذي يمارسونه منذ عشرات السنين، ما خلق جواً من الاستياء وعدم الشعور بجدوى العملية، أما موضوع المسار الزمني فيعتبر من المواضيع التي يمكن أن تحمل نواحي إيجابية من حيث تدريب وتهيئة كوادر أخرى لاستلام مواقع متقدمة، أما بالواقع بعد انتهاء المسار الزمني فحُرمت المؤسسات من خبرات مهمة في وقت تعاني شح الكفاءات والخبرات، أخيراً برنامج الجدارة القيادية، فالقدرات القيادية لدى الأشخاص معقدة، لا يمكن اختزالها في برنامج تدريبي.
من جانبه رأى تيشوري ضرورة إعادة النظر في كل القرارات والصكوك التي صدرت فيما يتعلق بمشروع الإصلاح الإداري، لأن فيها الكثير من العشوائية والفوضى وعدم الكفاءة، كما اقترح إعادة النظر بتجربة المعهد الوطني للإدارة لجهة الإفادة من الخريجين وتعزيز الحافز المادي للتجربة والاستفادة من الجميع في عملية الإصلاح، لأن هناك أكثر من 500 – 600 خريج هم الآن في مواقع هامشية، يتم إقصاؤهم وفق تعبيره.
مقترحات إصلاح
الإصلاح الإداري يجري ضمن الإصلاح الاقتصادي الشامل ويعتبر أحد مكوناته، بتأكيد الدكتورة عاصي التي قالت: لا يمكن الحديث عن إصلاح إداري بشكل منعزل عن إصلاح بنى وعلاقات المؤسسات الحكومية وأدوارها المناطة بها، كما لا يمكن تلخيص الإصلاح الإداري بزيادة تدخل وزارة معينة وهنا (وزارة التنمية الإدارية) بباقي الوزارات وإرباك عملها، وأضافت: لا بد من إعادة دراسة ومراجعة دور وزارة التنمية الإدارية، وأن تكون مهام الوزارة هو إقرار السياسات في مجال تطوير الوظيفة الحكومية والتدريب وبناء القدرات المعرفية والمهارات اللازمة لكل مؤسسة أو وزارة حسب طبيعة عملها، والحد من تدخل الوزارة في عمل كل وزارات ومؤسسات الدولة.
وشددت عاصي على أن الإصلاح الإداري بشكل عام، عملية مستمرة وطويلة تشتمل على عدد من المكونات، أهمها تطبيق أسس ومبادئ الحوكمة، كالشفافية والمساءلة والمشاركة ما يمكن المؤسسات من رفع كفاءة وفعالية العاملين، كما أن المكون المرتبط بشكل وثيق بالإصلاح الإداري هو إصلاح سلم الرواتب والأجور للعاملين، لأن اتساع الفجوة بين الرواتب والأجور وقدرتها الشرائية على تلبية المتطلبات
الأساسية والضرورية يؤدي إلى علاقة غير متوازنة بين العاملين ومؤسساتهم كما يشجع الممارسات غير المشروعة، ولا بد من إقرار نظام التحفيز الوظيفي بما يشجع الموظفين إضافة إلى تحسين بيئة العمل، وتطوير الكفاءات والمهارات من خلال برامج تدريبية مستمرة ومتنوعة.