الحسكة تعيش واقعاً صعباً.. لكن إرادة وعمل لا يتوقف.. بالتعاون مع المنظمات الدولية… مشاريع ترميم وتوسيع في قطاعي التعليم والصحة.. محافظ الحسكة لـ«الاقتصادية»: لدينا قمح يكفي لعامين قادمين وسننقل الكميات الزائدة إلى محافظات أخرى
|شادية إسبر
بون شاسع بين واقع محافظة الحسكة اليوم وما كانت عليه قبل الحرب، المحافظة المعروفة باسم «سلة سورية الغذائية» وخزانها النفطي، كانت ركيزة اقتصادية للاكتفاء الذاتي غذاءً وطاقة وللتصدير أيضاً، خسر بعض خيراتها الشعب السوري بفعل الاستهداف الممنهج والاحتلال المباشر، فكيف يعمل القائمون على المحافظة وسط هذه الظروف الاستثنائية المعقدة المتشابكة، والصعوبات الهائلة في كل تفصيل بدءاً من أساسيات الحياة وصولاً إلى تسويق المحاصيل وتخزينها ونقلها؟ وما الرؤى الاقتصادية المستقبلية؟
رغم حجم ما تعرضت له ورغم كل الصعاب والتحديات، لا يزال العمل قائماً بالقدر المستطاع في كل القطاعات والسعي الدؤوب للمزيد، من الحفاظ على التعليم ترميماً وتوسيعاً وإنشاء لما تبقى من مدارس ضمن السيطرة بلغت 164 فقط من أصل 2285 مدرسة، الأمر ذاته ينسحب على القطاعات الصحية والخدمية، ليتصدر موضوع القمح ودعم الفلاحين قائمة الأولويات لما له من أهمية اقتصادية، إذ بلغت الكميات المسوقة حتى نهاية آب نحو 162 ألف طن بما يغطي حاجة المحافظة لعامين قادمين وزيادة سيتم نقلها إلى محافظات أخرى.
تفاصيل أوفى حول هذه المحاور وغيرها تضمنها حوار موسع أجرته «الاقتصادية» مع محافظ الحسكة الدكتور لؤي صيوح الذي يدير جميع الملفات بمسؤولية وطنية مضاعفة تحت ظروف استثنائية وتحديات أمنية وصعوبات لوجستية.
على خريطة البلاد الجغرافية تقع محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي، وعلى مساحة (23,33) ألف كيلومتر مربع تنبسط حقول الخير التي أطعمت قمحاً وألبست قطناً لأبناء سورية والمنطقة ودول عدة من العالم، وحقول النفط التي رفدت الاقتصاد الوطني اكتفاء وتصديراً، قبل أن تصبح هدفاً مباشرة لأعداء البلاد وتقع في براثن الإرهاب والميليشيات والاحتلالات، فما الواقع اليوم في المحافظة الأبعد جغرافياً والأقرب إلى قلوب السوريين وسط تحديات متشابكة على جميع الصعد؟
تقسم المحافظة إدارياً إلى 5 مناطق، وتضم 6 مدن و19 ناحية و15 بلدية و1195 قرية و1606 مزارع، معظمها خارج السيطرة، ما جعل الصعوبات هائلة في كل تفصيل بدءاً من أساسيات الحياة وصولاً إلى تسويق المحاصيل وتخزينها ونقلها، فمن أصل 2285 مدرسة بقيت فقط 164 مدرسة ضمن السيطرة، ما تسبب بأزمة كبيرة، يعمل القائمون على المحافظة لمواجهتها عبر ترميم وتوسيع وإنشاء، كما يجري الترميم والتوسيع بالقطاع الصحي في مستشفيي الوطني واللؤلؤة بتكلفة 107 مليارات ليرة، في حين تتواصل جهود تخفيف الآثار الكارثية لاستيلاء الاحتلال التركي على محطة مياه علوك بحلول إسعافية تمثلت بإقامة 20 محطة تحلية وأكثر من 500 خزان، ليتصدر موضوع القمح ودعم الفلاحين قائمة الأهمية، إذ بلغت الكميات المسوقة هذا العام نهاية آب نحو 162 ألف طن، بما يغطي حاجة المحافظة لعامين قادمين وزيادة سيتم نقلها إلى محافظات أخرى.
تفاصيل أوفى حول هذه المحاور والأرقام وغيرها تضمنها حوار موسع أجرته «الاقتصادية» مع محافظ الحسكة الدكتور لؤي صيوح، الذي يدير جميع الملفات بمسؤولية تحت ظروف استثنائية وتحديات أمنية وصعوبات لوجستية.
التعليم جيد وتحت المتابعة
بداية من القطاع الخدمي لأهميته في حياة المواطنين اليومية، ما الواقع؟
بشكل عام الخدمات التي نقدمها للمواطنين في الحسكة مقبولة، ففي قطاع النقل نحاول قدر الإمكان تأمين سهولة انتقال المواطنين من المناطق البعيدة والقريبة وإليها، بالتأكيد هناك صعوبات لكن الأمور تسير بشكل جيد حتى تاريخه، النقل مؤمن ولا يوجد أي انقطاع وكل خطوط المدينة والمحافظة عموماً تعمل بشكل فعال.
التعليم بمستوياته كافة في حالة إيجابية، ونحن لا نجمل الصورة بالمحافظة على الإطلاق، حقيقة التعليم بمراحله الأساسي والإعدادي والثانوي في تحسن لافت نتيجة المتابعة المستمرة؛ رغم قلة عدد المدارس، نحن نتحدث الآن عن 164مدرسة ضمن السيطرة، يتوجه إليها قرابة 150 ألف طالب وتلميذ، من أصل 2285 مدرسة في كامل المحافظة، الباقي خرج عن الخدمة، لكونه في مناطق خارج سيطرة الدولة، إلا أن تفاني عدد كبير من المدرسين الذين يقومون بواجبهم على أكمل وجه وبمتابعة مستمرة نحاول ضبط العملية التعليمة بمستوى جيد، هناك مدارس قيد الإنشاء، ونتوقع إنجاز أكثر من 15 مدرسة بمساعدة المنظمات وبجهود حكومية، وستوضع مدرسة خربة جاموس في الخدمة خلال الأيام القليلة القادمة لاستيعاب أكثر من 600 طالب من القرى المحيطة بالريف الجنوبي، وبتكلفة مليار و350 مليون ليرة سورية، هذه المدرسة بناء جديد بالكامل، كما نلجأ إلى إقامة الغرف مسبقة الصنع في الساحات بمساعدة المنظمات الدولية (اليونيسيف) لحل مشكلات الاكتظاظ، وجرى تعهيد مدرستي أدوار إيواس والعذراء لمؤسسة الإسكان العسكري، وشددنا على الإسراع بالإنجاز، مع ملاحظة أن هاتين المدرستين بالخدمة حالياً، لكن يتم إضافة غرف صفية وطوابق جديدة بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب، وستكون الإضافات بالخدمة بداية العام القادم.
صعوبة في إيصال الأدوية
في مجال الصحة نحاول تأمين الدواء واستجراره بشكل دائم من دمشق بجهود حكومية حيثية، وخاصة الأنواع التي تستخدم لمعالجة الأمراض المزمنة، إذ توجد صعوبات كبيرة في إيصال الأدوية إلى محافظة الحسكة براً نظراً لبعد المسافة، وعدم توافر مواصفات خاصة في السيارات الناقلة، ما يضطرنا لنقلها جواً أو عن طريق برادات تابعة لمنظمة الصحة العالمية.
تم إنجاز مشروعين حيويين، أولهما إعادة تأهيل وصيانة المستشفى الوطني في مدينة القامشلي. والثاني هو تحويل مركز اللؤلؤة الطبي الوحيد في مركز المدينة إلى مستشفى وطني يخدم مساحة جغرافية كبيرة، وبلغت تكلفة المشفى الوطني نحو 90 مليار ليرة سورية، واللؤلؤة الوطني نحو 17 ملياراً حتى تاريخه، والأمور تسير نحو الأفضل، المشفى الوطني يعمل على مدار الساعة، وتجهيز الطابق الثالث لمشفى اللؤلؤة جارٍ بمساعدة اليونيسيف لزيادة قدرته الاستيعابية.
20 محطة تحلية و500 خزان..
حلول إسعافية لمياه الشرب
مشكلة مياه الشرب لا تزال من أعقد المشكلات في الحسكة، ما الحلول الإسعافية والإستراتيجية؟
في هذا الموضوع حلولنا دائماً إسعافية، إذ لا توجد قدرة أن تكون إستراتيجية على الإطلاق في الوقت الراهن، الحل الإستراتيجي الوحيد هو محطة مياه علوك، وهي تحت سيطرة الاحتلال التركي وأعوانه في المنطقة، لذا فالموضوع أكبر من محافظة الحسكة كمحافظة، نحن نعمل وفق توجيهات عليا، بأن نؤمن حاجة المواطنين من المياه الصالحة للشرب بأي ثمن، والحكومة ترفدنا بسيولة مالية من أجل تأمين مياه الشرب لأبناء المحافظة، ونحن نتكلف ثمن الصهاريج والمحروقات وخلافه بمبالغ هائلة تصل إلى مئات الملايين أحياناً، للتخفيف من معاناة المواطنين جراء نقص المياه، واللجنة المشكلة من مياه الحسكة ومجلس المدينة والمحافظة تتعاون لتأمين أكبر قدر ممكن من خزانات مياه الشرب المجانية، كما جرى السماح بفتح آبار سطحية ضمن المدينة للاستخدامات المنزلية، وهي تخفف الضغط عن مياه الشرب.
ما المشاريع التي جرى العمل عليها كحلول إسعافية لمشكلة المياه؟
لدينا 20 محطة تحلية تعمل على مدار الساعة، اثنتان من الحجم الكبير يصل إنتاجها إلى أكثر من 20 متراً مكعباً بالساعة، وخزان إستراتيجي بسعة 95 متراً مكعباً في حديقة البلابل، ونحن بصدد إنشاء خزان ضخم جديد يؤمن كمية من مياه الشرب ليلاً، إذ نضطر أحياناً لتخفيف الضغط عن محطات التحلية وتشغيلها بالتناوب كي لا تجف الآبار، ولدينا أكثر من 500 خزان بسعة 5 أمتار مكعبة منتشرة بكامل أرجاء المحافظة، ويتم فحص المياه القادمة بالصهاريج مخبرياً بشكل دوري حرصاً على صحة المواطنين.
تأهيل عنفتين بمحطة السويدية
والثالثة قريباً
ما واقع الكهرباء اليوم؟
كان واقع الكهرباء أفضل قبل العدوان الأخير الذي شنه الاحتلال التركي بتنسيق ممنهج مع الاحتلال الأميركي لتدمير البنية التحتية، العدوان استهدف محطات الكهرباء والبنية التحتية لهذا القطاع بشكل واسع، وأخرج محطة السويدية بالكامل عن الخدمة ومحطات تحويل القامشلي والقحطانية وعامودا والدرباسية، قمنا بالتنسيق مع وزارة الكهرباء والمنظمات الدولية والإدارة العامة للكهرباء في الحسكة، واستطعنا تأمين بعض المواد اللازمة لإعادة تأهيل هذه المحطات والدخول مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبجهود موظفي الإدارة العامة للكهرباء من عمال محطة السويدية، أعيد تأهيل عنفتين، وسيتم وضع الثالثة بالخدمة قريباً.
106 أطنان طحين يومياً
في موضوع تأمين مادة الخبز، ما عدد الأفران العاملة وما الحاجة اليومية من الطحين؟
لدينا فرنان حكوميان وثلاثة أخرى موضوعة تحت الإشراف، ونحو 19 فرناً خاصاً، يتم استهلاك بين 105- 106 أطنان من الطحين يومياً، وهذه الكمية أقل من المطلوب بقليل، لكن هذه الأفران تؤمن حاجة الموظفين والعاملين القائمين على رأس عملهم في مؤسسات الدولة كافة، إضافة للأجهزة الشرطية وقوات الجيش العاملة في المحافظة، ونحاول التركيز على جودة ووزن الرغيف، وتأمينه لمستحقيه، ففي الحسكة لا يتم العمل بالبطاقة الذكية، ونوزع الخبز لأسر الشهداء والجرحى بالدرجة الأولى وللأسر الفقيرة والمتضررة والنازحة، وتوجد لجنة مشكّلة لهذا الأمر.
نحو 162 ألف طن قمح مسوقة بنهاية آب
في القطاع الزراعي ما الوضع الراهن؟ وكيف يتم دعم الفلاحين في المحافظة؟
محافظة الحسكة زراعية بامتياز، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع، نعقد اجتماعات دورية ومتتابعة، آخرها كان منذ أيام باللجنة الفلاحية، ولمسنا من كل القائمين من مديرية الزراعة إلى اتحاد الفلاحين وغرف الزراعة وإكثار البذار والموارد المائية إجماعاً على تنشيط الفلاحين. جميع وحداتنا الإرشادية والمصالح الزراعية المنتشرة في كل محافظة الحسكة من دون استثناء قائمة على رأس عملها، وتنفذ توجيهات وتعليمات وزارة الزراعة، نتمنى أيضاً تنشيط التعاون من قبل الفلاحين، وكان لافتاً العام الجاري وما قبله التعاون الكبير من الجمعيات الفلاحية، لكننا بحاجة لتعاون أكبر، نحن قادرون على دعم الفلاحين بالشكل الأمثل، لكن يوجد أحياناً بعض الإشكالات، منها عدم تسديد المبالغ المالية من قبل الكثير من الجمعيات الفلاحية والتعاونية والفلاحين للمصرف الزراعي خلال الفترة الماضية، هذا العام جرى تسديد مبالغ للمصرف من قبلهم ما خلق حافزاً أكبر وقدرة أعلى لتحصيل مكاسب للإخوة الفلاحين، ونعمل لتأمين مادة المازوت الضرورية لعملهم بكميات معقولة، كما نعمل على تأمين البذار بالتنسيق مع وزارة الزراعة ورئاسة الحكومة.
كم بلغت الكميات المسوقة من الأقماح لهذا الموسم؟
آخر إحصائية في 30 آب بلغت الكميات المسوقة إلى مديرية الحبوب نحو 162 ألف طن قمح، ويمكننا القول إنها جيدة، حاجتنا في المحافظة تقريباً 55 ألف طن فقط خلال العام، لدينا حاجتنا للعام الجاري ولعامين قادمين، وسنعمل على نقل الكميات الزائدة إلى محافظات أخرى، فقد أُبرمت عقود عبر مناقصة على مستوى الوزارة والهيئة العامة للحبوب بهذا الخصوص، ما يساعدنا للقيام بإجراءات دعم الفلاحين للموسم القادم وزيادة المساحات التي ستتم زراعتها بالقمح، لأن السعر هذا العام كان مجزياً، والفلاحون حاولوا بكل طاقتهم التحرر من القيود المفروضة عليهم، وأن يسوقوا إنتاجهم للدولة.
لا تقديرات لموسم القطن
ماذا عن محصول القطن؟ هل توجد مراكز تسويق لهذه المادة الإستراتيجية؟ وما الكميات المتوقعة لهذا الموسم؟
حتى تاريخه لا توجد أي تقديرات نهائية للعام الجاري، وتقديرات مديرية الزراعة كانت للعام الماضي نحو 10 آلاف طن، ونعتقد أنها أقل هذا العام، وإلى الآن لم يتم اتخاذ أي قرار من قبل اللجنة الزراعية العليا بخصوص القطن وتسويقه، وعندما نستلم أي كمية من القطن يجب ضمان وصولها إلى أماكن آمنة بطريقة سليمة.
وفيما يتعلق بالمنشآت الصناعية والحرفية في الحسكة؟
لنكون دقيقين، في الحسكة لا وجود لصناعيين بالمعنى العام للكلمة، لكن هناك حرفيون بمشروعات صغيرة نحاول مساعدتهم وتشجيعهم ومنحهم تراخيص إدارية، كما نحاول قدر الإمكان التشجيع على افتتاح مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، هذه المشاريع تحقق الاكتفاء الذاتي للعائلة وللقرية وللمدينة، وبالتالي اكتفاء ذاتي للبلاد، وهذا محور توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد، هدف هذه المشاريع أيضاً الاعتماد على الذات، وأن يكون كل مواطن منتجاً، مع ملاحظة أنها تصحح الخلل في مفهوم الحقوق والواجبات، وخاصة لدى شريحة الشباب.
مشروعات مع المنظمات
أبرز المشروعات التي تنفذها المحافظة بالتعاون مع المنظمات الدولية؟
العلاقة مع المنظمات تحكمها العلاقة القانونية، وهي قائمة على أساس تأمين محافظة الحسكة بمشاريع تنموية وخدمية، يوجد بعض المنظمات تعمل بشكل إيجابي، وأخرى نقدم بعض الملاحظات على أدائها بشكل علني وشفاف بحضور وسائل الإعلام، منظمة اليونيسيف على سبيل المثال تعمل إيجابياً من خلال مشاريع خدمية وتنموية كمدارس مسبقة الصنع، غرف صفية، تدريب اليافعين والشباب، تمكين المرأة، تمكين الأسر الريفية، كما تعمل منظمة الصحة العالمية في تجهيز المشافي والمستوصفات وتأمين غرف طبابة شرعية، على حين تعمل باقي المنظمات كاللجنة الدولية للصليب الأحمر على تأمين كميات من مياه الشرب، والمنظمة السامية لشؤون اللاجئين بموضوع الأحوال المدنية والهجرة والجوازات، ومن أولوياتنا الإستراتيجية تنفيذ مشاريع مهمة تقدم خدمة حيوية، وقدمنا دراسات في خطة مستقبلية لمشاريع المنظمات، وقريباً ستكون النتائج جيدة.