العناوين الرئيسيةشؤون محلية

كيف نجعل من الاقتصاد السوري اليوم اقتصاداً حيوياً؟…توفير البنى التحتية اللازمة وأولها الاتصالات وشفافية التعاملات ومكافحة الفساد…أكاديميون لـ«الاقتصادية»: البدء من الإنتاج الزراعي والصناعي وتحديد هوية الاقتصاد

|أمير حقوق

لا شك أن الاقتصاد يعتبر عصب الدولة وشريانها المغذي، وهو الوجه الأساسي والمكمل للسياسة، لذلك تتجه الدول المتقدمة والمتطورة لإنعاش اقتصادها وتحسينه لتحقيق الريادة الاقتصادية وتحقيق قفزات اقتصادية عظيمة الأهمية، الأمر الذي يتيح لها التحكم بالسياسات التي تريدها.
وفي سورية، منذ اندلاع الأزمة تراجعت مستويات ومؤشرات الاقتصاد بشكل مضاعف، وأصبح الأزمات الاقتصادية المتتابعة تسهم في شل عجلة دورانه، الأمر الذي يتطلب اليوم الأخذ على محمل الجد رسم خريطة اقتصادية تساهم بتعافيه وتحسنه، ليصبح اقتصاداً حيوياً مهماً يساهم بإعادة دوران عجلة الاقتصاد بكل قطاعاته وفئاته وأهمها الإنتاج.
قراءة اقتصادية

عند الحديث عن الاقتصاد السوري اليوم وتوصيفه، يجب أن نأخذ بالحسبان نقطتين أساسيتين، النقطة الأولى هي واقع الاقتصاد السوري من عام ٢٠٠١ وحتى عام ٢٠١١، والنقطة الثانية هي واقع الاقتصاد بعد الحرب على سورية، فضمن هذا الإطار الذي يعتمد منهج المقارنة يتبين أن الاقتصاد السوري حقق قفزات نوعية في مجال المؤشرات الاقتصادية قبل الحرب على سورية ومعدل النمو في الخطتين الخمسية التاسعة والعاشرة كان بشكل متوسط، ومعدل التضخم في سورية كان من أدنى المعدلات في العالم وكذلك معدل البطالة، وسعر الصرف كان ثابتاً ويقدر بـ٤٧ ليرة سورية، وحققت الاكتفاء الذاتي في الكثير من المنتجات الزراعية والصناعية، والعديد من المنظمات حينها قالت إن سورية ستنطلق من الاقتصادات النامية إلى الاقتصادات الناشئة، وجميع المؤشرات كانت إيجابية ومتطورة ولم تكن هناك فجوة تسويقية عبر المحروقات وغيرها، أما بعد الحرب، فجميع المؤشرات تحولت لمؤشرات سلبية وبالتالي ارتفع معدل البطالة وأيضاً معدل التضخم، وزادت كمية المستوردات، وتَولد عجز كبير في الموازنة، وفق توصيف الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين والخبير الاقتصادي الدكتور حيان سلمان، أثناء حواره مع «الاقتصادية».
النهج الأفضل

الدكتور حيان سلمان
الدكتور حيان سلمان

وحسب الدكتور سلمان: في العام ٢٠٠٥ اختير نهج اقتصاد السوق الاجتماعي والحقيقة أنه النهج الأفضل، وهو النهج الذي نستطيع أن نلخصه في عدة كلمات وهي: «حرية الأسواق مع توفر العدالة الاجتماعية»، والعدالة هنا لا تعني المساواة على الإطلاق، لذلك إذا أردنا أن نوصف اقتصاد السوق الحالي فهو «اقتصاد حرب» والاعتداءات تكون دائماً على المواقع الاقتصادية والاجتماعية في سورية، وهذا يكلف كثيراً الموازنة السورية إضافة إلى محاولات تعديل الحكومة بعض القرارات مثل إلغاء الدعم ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ونأمل من الحكومة الجديدة أن تقدم حلولاً تربط بين الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي وفي بدايتها البحث عن المزايا المتاحة وتحويلها لمزايا تنافسية وخاصة لأن سورية تمتلك مقومات كبيرة في مجال الزراعة والصناعة، وأن نرفع شعاراً هو تحسين رؤوس المربع الاقتصادي، وأقصد بها أولاً زيادة الناتج المحلي الإجمالي من خلال تحويل الموارد إلى إيرادات عبر الكفاءة الاقتصادية وتحسين الاستغلال لها، وثانياً بشكل تلقائي ينتج زيادة معدل متوسط دخل الفرد، وعندما يتحقق هذان الأمران نصل إلى مؤشرين آخرين هما نقص معدل البطالة ونقص معدل التضخم، وكل هذه الأمور يجب أن تترجم بخرائط اقتصادية، والآن يجب أن ننطلق من باب زيادة الكفاءة، والكفاءة تتجلى في أربع كلمات وهي: «الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة».

حيوية الاقتصاد تبدأ من الإنتاج
في الحقيقة إن حيوية الاقتصاد السوري تعتمد على تفعيل الدورة الاقتصادية، والدورة الاقتصادية تبدأ بالإنتاج، وبهذا فإن القضية الأساسية هي تفعيل مواقع الإنتاج وهنا يجب أن يكون المقترح هو أن تكون مخرجات الزراعة مدخلات للصناعة، نقوم بتصنيعها، وكما معروف إن القيمة المضافة والربحية الوطنية والخاصة تتحقق في المراحل الأخيرة من العملية الإنتاجية، ومن ثم تتحول مخرجات الصناعة من أسمدة ومبيدات ومحركات وجرارات مدخلات للزراعة، وهذا يتمحور حول التشبيك بين قطاعي الزراعة والصناعة وتقوية العلاقات بينهما سواء كانت علاقات عمودية أم علاقات أفقية، وبالتالي القيمة المضافة هي التي تحسن النوعية والتي تزيد من قدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، بحسب الدكتور سلمان.

تتحول لحكومة تنموية
وتابع شارحاً: قبل الحرب، كانت سورية تنتج ٣٨٥ ألف برميل نفط، وبعد الحرب تحولت لـ٢٠ ألف برميل نفط، وإنتاج القمح كان أكثر من ٤.٥ ملايين طن أما الآن فتراجع لحدود مليون طن أو أقل، وبالتالي لا بد لنا من الاعتماد على الموارد، هذا يتطلب وضع خرائط استثمارية توضع من كل مكونات الشعب السوري بقطاعيه الحكومي والخاص، وأن تتحول الحكومة القادمة لحكومة تنموية بدلاً من أنها حكومة وصائية، وأن نتعامل بمنظومة من التحليل الاقتصادي ودراسة العلاقة بين القطاعات الاقتصادية لتكون الرؤية واضحة ومن ثم نختار المنهج الاقتصادي الذي يناسبنا.
آثار حيوية الاقتصاد
واعتبر الدكتور سلمان أنه عندما نصل إلى الاقتصاد الحيوي، هذا سيؤدي إلى تحسين البنية الاقتصادية من خلال تقليل الآفات الاجتماعية كالبطالة والتضخم، وعندها بشكل تلقائي سيتحسن المستوى المعيشي وستقل الفجوة التسويقية بين العرض الكلي، والطلب الكلي والدليل على ذلك لم نشهد قبل الحرب الطوابير الكبيرة على محطات الوقود والأفران، لذلك يجب أن تكون الرؤية واقعية، وحين ينخفض معدل البطالة سيقل معدل الإعانة وبالتالي يتحسن المستوى المعيشي ويزداد متوسط الدخل للفرد، وبهذا يتم التحكم أو المرونة في خلق الكتلة النقدية، وبانخفاض معدل التضخم ستتراجع الأسعار، وتتراجع كمية المستوردات، وهذا يتطلب تحسين مناخ الاستثمار لنكون قادرين على عودة المستثمرين السوريين من الخارج، وهذه الطريقة اعتمدت في كثير من الدول ومازالت تعتمد في الصين وروسيا، وبالتالي كل المؤشرات ستتحسن وتصبح إيجابية عند تحقيق حيوية الاقتصاد السوري من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وفي مقدمتها الموارد البشرية التي تعرضت لكثير من التهميش من خلال الإجراءات التي قد تكون خاطئة، وبالتالي الإبداع لا يتوقف عند سن معين، فيجب التشبيك بين الخبرة المنضمة إلى السوق من جهة وبين الخبرة التي تعتبر خميرة التطور.

الدكتور علي ميا
الدكتور علي ميا

من بلد منتج لبلد مستورد
بدوره، أوضح عميد كلية الاقتصاد بجامعة تشرين سابقاً الدكتور علي ميا لـ«الاقتصادية» أن الاقتصاد السوري يعد اقتصاداً متنوعاً ومتعدد الموارد، وهو اقتصاد تعددي يعمل فيه القطاع الخاص والمشترك جنباً إلى جنب وبالمزايا والتسهيلات نفسها مع القطاع العام، وقد شهد الاقتصاد السوري منذ فترة التسعينيات وحتى عام ٢٠١١ نمواً كبيراً، وبعد ذلك لم تتوفر حتى الآن أي معلومات رسمية دقيقة عن الناتج القومي المحلي، ولكن بعد اندلاع الحرب الكونية الإرهابية التي مازالت تشن علينا منذ عام ٢٠١١ وحتى تاريخه تأثر الاقتصاد السوري بشدة نتيجة العقوبات الاقتصادية والأعمال التخريبية الإرهابية، فقد دمرت معظم البنية التحتية للاقتصاد الوطني، وهدمت قدراتنا الإنتاجية في الزراعة والصناعة والسياحة والنفط والغاز وبالتالي تحولت سورية من بلد منتج إلى بلد مستورد، فقد مزايا إستراتيجية من بينها الاكتفاء الذاتي من القمح، ونتيجة لذلك أصبح الاقتصاد في حالة ركود وانكماش وساد ركود تضخمي كبير من أهم أسبابه تراجع الإنتاج وانهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات الصعبة، وتحول الاقتصاد من اقتصاد اشتراكي موجه إلى اقتصاد احتكاري مشوه تسوده الفوضى والتخبط وفلتان الأسعار وهذا هو أمر طبيعي يحدث في معظم الاقتصادات العالمية أثناء الحروب والأزمات.

متطلبات اقتصاد اليوم
وما دام الاقتصاد السوري اقتصاداً متعدداً ومتنوعاً نسبياً فإنه من الممكن تعافيه وخاصة بعد بدء الأزمة بالانحسار رويداً رويداً، من خلال قيام المعنيين وأصحاب القرار بوضع خطط وإستراتيجيات جديدة واتباع سياسات واضحة في تحديد هوية الاقتصاد السوري الأمر الذي يشكل ارتياحاً كبيراً لدى المستثمرين المحليين والأجانب، ولاسيما أن اقتصادنا الوطني يمتلك فرصاً استثمارية ضخمة في كل المجالات والقطاعات، وبغية إعادة تنشيط الاقتصاد ينبغي القيام بالإجراءات الآتية لإعادة الأموال المهاجرة وتنمية الاقتصاد، وتتمثل في: تحديد هوية الاقتصاد السوري وتحريره من كل قيود حركة الأموال والبضائع، والكشف عن مصدر الأموال واعتماده في العمل على آليات السوق الموجه لمصلحة كفاءة الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين وحمايتهم من الفقر، ولاسيما أن ٨٠ بالمئة من المواطنين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، ثانياً: تبسيط الإجراءات الحكومية والإدارية لتوفير مناخ استثماري مناسب ومستقر لأنه هو الأهم في حسابات أي مستثمر محلي أو اجنبي، ثالثاً: إلغاء قرار تجريم التعامل بالدولار وإلغاء الاحتكار في إجازات الاستيراد والتصدير وتخفيض أسعار حوامل الطاقة ومنح المستثمرين التسهيلات والامتيازات والاعفاءات من الضرائب والرسوم.. إلخ، وأخيراً: توفير البنى التحتية اللازمة للاقتصاد الحيوي الجديد مثل تطوير قطاع الاتصالات والنت وغيرها، وتوفير الشفافية في التعاملات التجارية والمالية ومكافحة الاحتكار وكل أشكال الفساد لأنه يضعف مصداقية الدولة، وفقاً للدكتور ميا.

آلية التحول لاقتصاد حيوي
وبما أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد متعدد ومتنوع ويتكون ناتجه القومي الإجمالي من قطاعات كثيرة من أبرزها الزراعة والصناعات التحويلية والاستخراجية الواعدة في مجالات النفط والغاز والفوسفات والكروم… إلخ، بالإضافة إلى السياحة والتجارة والبناء والتأمين والاتصالات وغيرها، ولتحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حيوي ينبغي القيام بما يلي، بداية: توفير البنى التحتية اللازمة للاقتصاد الحيوي الجديد، مثل تطوير قطاع الاتصالات والطرق وتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية المناسبة لتشجيع الإبداع والابتكار في العلوم البيولوجية لخلق النشاط والمنفعة وتحسين مستوى دخل الأفراد، ثانياً: الاهتمام بالزراعة والصناعة وتأمين مستلزمات الإنتاج وتصنيع مدخلاتهما ومخرجاتهما لتحقيق القيمة المضافة وزيادة الإنتاج وتأمين الأمن الغذائي والاجتماعي، ثالثاً: تشجيع الاستثمارات الإنتاجية والتكنولوجية وضمان الاستثمار الأمثل الثروات الوطنية المكتشفة حديثاً، وتحقيق التنمية المستدامة، وأخيراً: وضع إستراتيجية لتطوير ممارسات الاقتصاد الحيوي ودمجه بالتكنولوجيا لضمان خلق فرص استثمارية جديدة للسكان من خلال الاستثمار بالطبيعة الكلاسيكية وضمان الحفاظ على البيئة النظيفة والتكنولوجيا المتطورة، حسب رؤية الدكتور ميا.

آثار ونتائج
ويرى الدكتور ميا أن تحقيق الاقتصاد الحيوي يخلق فرص عمل جديدة تسهم في امتصاص جزء كبير من البطالة الناجمة عن مخلفات الأزمة، والاستثمار الأمثل للموارد الوطنية الجديدة من خلال الاعتماد على الذات بإدارة وطنية قطاع عام وخاص ومشترك، الأمر الذي يساهم في زيادة الناتج القومي وتنمية الصادرات والإقلال من الواردات ما يسهم في تقوية الاقتصاد الوطني، ويسهم في استثمار المواد المتعطلة وغير المستثمرة، الأمر الذي يسهم زيادة الإنتاج وتحسين المستوى المعيشي لأفراد المجتمع من خلال إيجادها للكثير من فرص العمل الجديدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى