العناوين الرئيسيةشؤون محلية

نواة انطلاقة المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.. خريجو التعليم المهني رواد أعمال بلا عمل!…أي بلد من دون تعليم مهني هو بلا مستقبل.. فالمستقبل اليوم بيد الفنيين…معاون وزير التربية لشؤون التقانة لـ«الاقتصادية»: شاركنا بوضع قانون جديد لتأسيس شركات صغيرة ومتناهية الصغر وهو قيد الصدور

|بارعة جمعة

م.محمود بني المرجة
م.محمود بني المرجة

تبدأ عادة برأس مال وموارد محدودة، وتمكّن الأفراد من بدء أعمالهم الخاصة، وقد تكون مشاريع جانبية للأفراد أو الطلاب، كما تتجه الأنظار اليوم نحو وضع خطط للتنمية المُستدامة وتمكين الأفراد من النهوض بمشاريع استثمارية صغيرة ومُتناهية الصغر، ترفد الاقتصاد المحلي، وتدمج الكفاءات البشرية بواقع العمل ضمن هيكلية التشاركية والتشبيك، ليبرز دور خريجي التعليم المهني، بما يحملونه من تخصصات ومهارات وخبرات يحتاجها سوق العمل، حلقة مهمة فيها.
واليوم، ضمن أُفق العمل القائم بشكل رئيس على مهنٍ باتت الأكثر إلحاحاً في الطلب من سوق العمل، كانت الدعوة للقيام بمشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، محور اهتمام وحديث سيادة الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير أمام أعضاء مجلس الشعب، ليبدو الأمر المتعلق بخريجي التعليم المهني، الحلقة الأكثر جدلاً من الممولين، في مسألة تقديم الضمانات، التي عدها معاون وزير التربية لشؤون التقانة الدكتور المهندس محمود بني المرجة في حواره مع «الاقتصادية»، أكبر العوائق في دفع هؤلاء الشبان، وجعلهم أداة تنمية اقتصادية بخبرات محلية، ومرحلة أولى للتوسع بمشاريع كُبرى، قدّم رؤى واقتراحات عصرية ضمن أفق المشكلة والحل.

خبرات محلية
بدايةً.. ما التوجه الحديث لديكم ضمن تخصص التعليم المهني؟
يعد التعليم المهني بأنه جناح مهم من أجنحة وزارة التربية، من خلال تدريب تقني عالي المستوى، عبر كوادر مختصة مجتمعة بالثانوية المهنية والمعهد التقاني.
لدى الطلبة ثلاث فرص، هي الثانوية المهنية، المعهد التقاني، والكليات التطبيقية بتخصصاتها الخمسة، (ميكاترونيكس، حواسيب، شبكات، نظم طاقة بديلة)، إلى جانب بعض الكليات التي تتوزع في المحافظات الأخرى، تقوم بتدريس اختصاص ميكاترونيكس وتقنيات الإعداد الزراعي.
هنا يبرز دوره في تحريك قاطرة النمو بالبلد، فكل بلد من دون تعليم مهني هو بلد بلا مستقبل، فالمستقبل بيد الفنيين، لأنهم الأقدر على تنفيذ أعمال الصيانة والتطوير والتوسع بكل المنشآت الصناعية والحرف والمهن.
كما بذلت الوزارة جهداً كبيراً، من خلال تأمين فرص عمل كبيرة للخريجين، وذلك بالاتفاق مع غرف التجارة ضمن نظام التعليم المزدوج، لرعاية الطلبة عبر شركات صناعية وتجارية رائدة، تشارك ضمن مجلس الإدارة أيضاً، ليغدوا شركاء حقيقيين في صنع القرار، ليبدو القطاع الخاص الأكثر سرعة ومرونة ضمن هذا المجال.
وجود مثل هذه الشركات يسمح بدخول الطلبة والمشاركة بالعمل وفق خطط إنتاج ومعدات حديثة بشكل أكبر، كما من الممكن اختيار المتميزين منهم والاحتفاظ بهم ضمنها.

استقطاب الخريجين
ما فرص الخريج داخل البلاد؟ وهل من خطط للاحتفاظ بهم؟
محاولات عدة من أصحاب المعامل خارج البلاد لاستقطاب الخريجين، ما يعد فرصة ثمينة لهم، وخسارة للوطن، حيث إن الالتزام من قبلهم أكبر، بتوفير ضمانات عمل، ورواتب عالية، ما يشكل عامل جذب لهم.

من ناحية فرص أخرى
قامت الوزارة بالتشاركية مع بعض الشركات الرائدة بتأمين ورشات تدريب مشتركة، عبر التعليم المزدوج لمهن الأحذية والألبسة وصناعة الخزانات، بما يضمن فرصة عمل لدى الطلاب، وفق منظور احتياجات السوق المحلية.
وما لمسناه ضمن خطاب سيادة الرئيس بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب هو التركيز على المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، بتشكيلها فترة نمو لتحريك الاقتصاد مستقبلاً، لكونها لا تحتاج رأسمال كبيراً، كما أن الخبرات المحلية متوافرة، وهو ما قامت بترجمته الحكومة عبر تقديم بعض القروض، كما أنها فرص جديدة وفق مفهوم الشركات المتعددة والشركات الأسرية أو التابعة لعدة أشخاص، نظراً لأنه في حال نجاح أي شركة، ستتوسع وتنجح أكثر، والأمثلة كثيرة.

التشبيك مع الجهات الأخرى
هل تم التواصل والتعاون بين الوزارة والجهات التابعة لهذه المشاريع؟
الموضوع لا يرتبط بوزارة التربية وحدها، فاليوم نتكلم عن تمويل يرتبط بوزارتي الاقتصاد والمالية، كما أن الاتصالات متبادلة بين هذه الوزارات، إضافة إلى اجتماعات شبه دورية مع الجهات الوصائية، وقد جرى منذ فترة القيام بتوصيف للشركات الصغيرة ومتناهية الصغر ووضع (كود) سوري لها، ساهمت به وزارة التربية بشكل فعال، وقريباً سيتم إصدار قانون بهذا الخصوص تحت مسمى (قانون تأسيس شركات صغيرة ومتناهية الصغر).
يضمن هذا القانون وضعاً قانونياً جيداً لهذه الشركات، كما أنه ينظم العلاقة بين الشركاء أنفسهم، وبين الشركاء والجهات المُقرضة، كما أن الأولوية بهذه المشاريع لخريجي التعليم المهني، طالما أن المشروع إنتاجي يتعلق بإحدى المهن، كما أن شرط الترخيص للمشروع أن يكون الخريج حائزاً شهادة تعليم مهني (ثانوية صناعية أو معهد صناعي أو جامعة).
هذا النوع من التخصص، يساهم ببناء شركات ذات سمعة جيدة ومنتجات بجودة عالية، حيث إن ضمان الجودة، يضمن استمرارية العمل، كما أن المنافسة اليوم ليس بالسعر، فليس كل شيء رخيصاً قابلاً للشراء.
هنا فقط، وضمن هذا القانون، سيتم التركيز دوماً على إظهار شركات ذات مصداقية، هذا العرف وهذا الهدف يتم ضبطه وضمانه عبر تقديم مصداقية واضحة، وقد قدمت وزارة الاقتصاد بالتعاون مع جهات وصائية هذا الأمر، لإصدار القانون وهو قيد الصدور، وبانتظار الموافقات اللازمة له.

دور الدولة
كانت وما زالت الدولة الداعم المطلق للتعليم المهني، واليوم تتوجه الأغلبية إليه، ما يضطر صاحب الشهادات العليا أحياناً تعلم مهنة، وانتظار فرصة عمل في القطاع الخاص (صناعة وتجارة).
دعم الحكومة عزز مصداقية التعليم المهني، واليوم نعمل على رفد كوادرنا من الفنيين والتقنيين، لكون هذا النوع من التدريس يتطلب مهارات خاصة، لا تتوافر لدى أصحاب الشهادات، تتوافر لدى خريج معهد، لذا نعمل على جذبهم بزيادة الرواتب وفرص العمل الإنتاجية، كما ساعد صدور القانون رقم 38 عام 2021 ومن ثم صدور اللائحة التنفيذية له بعد عام، بإتاحة الفرصة لتحويل الثانويات المهنية والمعاهد التقنية إلى مراكز إنتاجية.

الأكثر حاجة
كيف يجري رصد توجهات سوق العمل من قبلكم؟
جرى التنسيق مع مرصد سوق العمل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لتحديد المهن المطلوبة، كما يتم التنسيق مع غرف التجارة والصناعة، التي تعلن عن فرص عمل عبر صفحاتها، لعدم وجود تعليم مهني خاص واقتصاره على العام، ما يدفعنا للتخطيط بتوجيه التخصص واستحداثها وفق المهن المطلوبة لسوق العمل.
وتتركز المهن المطلوبة اليوم حول (الحاسبات، البرمجة، مهن ميكاترونيكس، صيانة تجهيزات طبية، مهن نجارة، مكنات cnc وآليات cnc، ومهن صناعة الألبسة).

تتوسع بشكل دائم ودوري
هل من خطط لتوسيع مروحة التخصصات من قبلكم؟
افتتحنا العام الماضي صناعة الجلديات، وهذا العام تم إدخال مهنة الطاقة الشمسية ضمن ستة مراكز بتقنيات الطاقة الشمسية، إضافة لإدخال مهنة التقنيات الكهريائية في الصف الحادي عشر، وتوجه الكثير من الطلاب لدراسة نظم الطاقة الشمسية.
كما تشمل دراسة تقنيات الطاقة البديلة (طاقة الرياح، الأمواج، الحرارة الجوفية والكتلة الحيوية)، أما مهنة الطاقة الكهربائية، فتشمل نظم الطاقة الشمسية (ألواح الفوتوفولتيك، وتحديد نوعية البطاريات وتركيبها) فقط، إلى جانب إحداث مهنة صناعة البلاستيك هذا العام أيضاً بالتشاركية مع شركة (البشير) الرائدة، التي قدمت بدورها تجهيزات كبيرة (مكنات حقن ونفخ وفرامات)، فأصبح لدينا خط إنتاج، والمنتجات سيتم استخدامها في تطوير ودعم المعهد الثاني بحمص لصناعة المنظفات، بتوفير العبوات البلاستيكية للمعهد، التي كانت تعوق تطوره سابقاً، في وقت لم ينجح اختصاص (شيف شرقي)، الذي تم إحداثه العام الماضي، لضعف التعاون من وزارة السياحة، على حين البحث جارٍ عن المهن الأخرى.

دور رجال الأعمال
يتم التواصل من رجال أعمال مع الوزارة، لمعرفتهم الخبرات الموجودة لدينا، يطلبون مساعدة من الفنيين بالنجارة والكهرباء والإلكترون، ما يؤكد لنا أن المشكلة اليوم ليست بالخطط والتمويل، بل بنقص اليد العاملة.
كما تبرز أمامنا عدة خيارات في المجال التجاري، عبر دورات ريادة أعمال، واستضافة خبراء من غرف التجارة والصناعة لتدريبهم وفق دورات (TOT) بمجال الريادة، ونقطة الانطلاق بإنشاء مشروع جديد والبحث عن فكرة جديدة وتسويقها أيضاً، وهذا الأمر ينسحب على محافظات أخرى ونعمل على استمرارية توسيعه.

دور البنوك
هل من خطوات جادة تقوم بها الوزارة لتقليل تعثر قيام الخريجين بهذه المشاريع؟
ينتهي دور التربية عند تخرج الطالب، ليبرز هنا دور البنوك، التي ما زالت تطالب الخريج بضمانات عقارية وغيرها، ما يؤدي لنزوح الخريجين، وهو أن دل على شيء فهو ضعف التفكير البعيد المدى من قبلهم.
كما أن قرض بمبلغ 15 مليوناً لا يفتح مشروعاً، أما مبلغ 100 مليون فهو رقم كبير بالنسبة للبنك، لكون هذه الأموال هي ودائع للمتعاملين معه، هنا يأتي دور الدولة بصفتها الضامن الوحيد للخريج، ومساعدته على البدء بمشروعه، وفي حال تعثره، تقوم الدولة ببيع المشروع لمستثمر أكثر خبرة، يديره عبر مجالس إدارة تضمن نجاحه، ويساهم بذلك مكاتب وشركات متخصصة ومندوبون من غرف التجارة والصناعة.
الغاية ليس ترميم الفشل، بل النهوض بمشروع وإنتاج جيد، ما يتطلب من وزارة الصناعة تأسيس جهات جديدة لدعم هذه المشاريع، ومناقشة احتمالات الفشل، التي قد تكون نتيجة ضعف المواد الأولية، مع النظر لواقع الضرائب، التي يجب أن يعفى منها المشروع لمدة 5 سنوات فترة التأسيس والتسديد للبنك.
هنا تكون المسؤولية مشتركة بين وزارات الصناعة والتجارة والتعليم العالي والمالية والتربية والبنوك بشكل رئيس، لكونها المسؤولة عن التمويل، ولا تزال كل العروض بما فيها مصرف التمويل الأصغر، تشترط ضمانات عقارية.
كما أن تصميم منشأة متناهية الصغر يتطلب رأسمال، فلمَ لا نلجأ لتجزئة العمل بين عدة شركات، وفتح المجال لها للعمل، من بينها شركة تسويق للمنتح إضافة لشركة ضمانة الجودة، تكون مدعومة من مراكز اختبارات صناعية من كل الوزارات المعنية.

أسباب التعثر
حتى يومنا هذا، نعاني من التعثر بربط الخريجين بمشاريع صغيرة ومتناهية الصغر، لفقداننا التشاركية والعمل بعقلية «الأنا»، لذا يجب على المسؤولين العمل بعقلية التشاركية، وما نسعى إليه بات متداولاً في العالم منذ زمن طويل، لكن لدينا من يحاول إدخاله للسوق بعقلية المستثمر الخارجي للأسف.

تطبيق التشاركية
كيف تنظرون لمفهوم التشاركية في قطاع التعليم المهني؟
التشاركية والمصداقية بين جميع الجهات أساس نهوض هذه المشاريع، كما تسقط التشاركية عند مسألة الضرائب والرسوم، فالجميع يخشى مناقشة الأمر، والجميع يتحمل مسؤولية عدم نقاشه، كما أن الثقة معدومة بين القطاع الصناعي الخاص والقطاع الضريبي، ولا يوجد نظام ضريبي واضح حتى اليوم، ما يعرقل قيام المشاريع، وبالتالي هروب الكثير من الصناعيين لدول أخرى، لعدم وضوح العلاقة بين الجهات الضريبية والصناعية لدينا، كما أن الصناعي الذي سافر، وجد المصداقية والوثوقية بالقوانين الخاصة بالعمل خارجاً، ولاسيما مسألة الضرائب.

دور المجتمع المحلي
هل من مبادرات تذكر من المجالس المحلية لدعم خريجي التعليم المهني بتأسيس هذه المشاريع؟
على المجتمع اعتبار كل خريج بمنزلة ابنه بداية، لأنه طالما أن العامل لم يشعر باستقرار لن تتطور الإنتاجية، وعدم سرقة الخريج في العمل من اليوم الأول، عبر توقيع عقد معه وتقديم ضمانات للتأمين الصحي له وإعطائه حقه كاملاً.
أما عن دور مجالس الإدارة المحلية، فهي لم تبادر حتى اللحظة، كما أنها وفي محاولة سابقة بإحدى المحافظات، تم التواصل بين أحد المجالس ومدرسة للتعليم المهني، لتخديم الحديقة بسور، إلا أنهم تهربوا من إسناد مهمة تصنيع المقاعد، بإعطائها لمستثمر آخر، لوجود منافع متبادلة بينهم.
كما تمثل الإدارة المحلية جهة أساسية لنجاح أو إخفاق أي مشروع، وما زلنا حتى اليوم نعاني من الترخيص لأي منشأة، فهو أمر صعب للغاية، عدا تحديدها لمناطق معينة لوجود المنشأة، قد تكون غير مخدمة وبعيدة وتحمل الخريج نفقات كبيرة ليس بوسعه تحملها.
والمطلوب اليوم تخديم المنطقة المحددة لمشروع صغير أو متناهي الصغر، فلا يجوز وضعها بالمدن الصناعية، بل يجب أن تكون بين الناس والأسواق، كما يجب على الإدارة المحلية أن تؤسس مناطق تخدم المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، التي يتطلب قيامها مناطق قابلة للحياة، في حين لا تزال الإدارة المحلية تفكر بمشاريع تحقق لها أرباحاً فورية، ولا تفكر بعيداً للمستقبل، ما حوّل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي بدائي بدلاً من إنتاجي.

تدعيم التخصصات
ما الخطوات المتقدمة بمجال التعليم المهني لديكم؟
ما قمنا به هو إدخال التعليم المهني ضمن مسابقة الأولمبياد الوطني السوري للروبوتية، كما أسسنا قرابة 22 مركز روبوتيك، إلى جانب استقدام 22 مخبر روبوتيك، لتخديم الطلاب بمجال تقانات الحاسوب المعلوماتية، إضافة إلى تدريب مجموعة من الأساتذة بدورات تخصصية في هيئة التميز والإبداع.
كما أنه ليس بالضرورة أن تنتج هذه المشروعات سلسلة متكاملة من الإنتاج، فمثلاً بالصين يشترك 27 شركة أسرية بمنتج واحد، وهنا علينا تطبيق النظرية الصينية المتمثلة بالمشاريع الأسرية، لتنفيذ هذه المشاريع، لأنها أكثر نجاعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى