العناوين الرئيسيةشؤون محلية

أملاك الدولة في العين الاستثمارية.. المال مهدور والحاجة ملحّة..! رقم خطير… 62 بالمئة من مساحة سورية أملاك دولة! … حاووط لـ«الاقتصادية»: عقود استثمارات مجزية أبرم منها 7 مقلعية وأخرى زراعية وتريث لاستكمال قاعدة البيانات

| شادية إسبر

لا يغيب استثمار ثرواتنا عن طاولات اجتماعاتنا الرسمية وغير الرسمية، فالأوضاع الاقتصادية تزداد تردياً والحاجة للبحث عن أي مصدر إيراد يزداد إلحاحاً، لكن وضع المخططات شيء، والمأمول شيء آخر، والغريب غير المستغرب أن الواقع دائماً في عالم بعيد، فأين وصل استثمار أملاك الدولة والحاجة إليها ملحّة؟

قوانين عدة مهمة صدرت، وقرارات حكومية تنظم آليات العمل الاقتصادي والاستثمار وتشجعه، كما تمنح المستثمرين مزايا جاذبة، في إطار تكوين بنية قانونية للعملية الاقتصادية بأسس علمية سليمة تنظم عمل مؤسساتها وشركاتها العامة والخاصة أيضاً، ليبقى التنفيذ أساس تحقيق النتائج وفق الأهداف، وهنا تكمن أغلبية مشاكلنا الاقتصادية، حيث لا يختلف الاقتصاديون والمسؤولون حول أهمية الإدارة الكفؤة لأملاك الدولة مثلاً، فهذا المال المهدور فيه الكثير من الفرص الاستثمارية التنموية ؛ يجب العمل على تحسين عائداتها بكل السبل كحامل اقتصادي لا يحتمل التأخير أكثر.

إيرادات منخفضة

بأرقام الموازنات العامة للسنوات المالية إيرادات الدولة من أملاكها ضعيفة جداً، فأين تكمن المشكلة؟

المشكلة كما يراها الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور مظهر يوسف تكمن أساساً في الفترات السابقة في انخفاض بدلات الاستثمار، موضحاً لــ «الاقتصادية» أنه يتم حالياً إعادة النظر كل فترة بهذه البدلات لتتناسب مع الأسعار الرائجة، وأن هناك مشكلة التعدي على أملاك الدولة الخاصة، واقتطاع أجزاء من عقارات عائدة لأملاك الدولة ما يحرمها من عائداتها.

مدير أملاك الدولة في وزارة الزراعة حسان حاووط

تبلغ مساحة الجمهورية العربية السورية نحو 18,5 مليون هكتار، تشكل أرضي أملاك الدولة نسبة 62 بالمئة منها، كما أن 32,8 بالمئة من مساحة القطر هي أراضٍ زراعية أي تقريباً 6ملايين هكتار (أملاك دولة وأملاك خاصة)، وفق بيانات قدمها مدير أملاك الدولة في وزارة الزراعة حسان حاووط خلال لقاء مع «الاقتصادية».

الأمر لا يتوقف عند أراض زراعية بل هناك منشآت إنتاج حيواني وأراضي البادية أيضاً، عقارات تمتلكها جهات عامة بالاستملاك أو بالشراء تديرها كل جهة بذاتها، وهي متنوعة، وغيرها الكثير مما هو مصنّف وموصّف بالقانون، وبالنظر إلى هذا الرقم نجد كم مهم ما سيحققه من مردود اقتصادي؟

وعن أملاك الدولة غير الأراضي الزراعية أوضح حاووط أن القانون رقم 26 لعام 2023 تضمن أن تتولى وزارة المالية إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة عدا الأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي، وأنه بموجب هذا القانون يتم العمل على تسليم الأملاك المشمولة بأحكامه إلى وزارة المالية، حيث تقوم باستثمار الأبنية والمنشآت وأسهم الشركات، وتقوم وزارة الزراعة باستثمار الأراضي الزراعية.

حول المتوقع أن يحققه الاستثمار الأمثل يقول الدكتور يوسف: 62 بالمئة من مساحة القطر، لا يعني أنها كلها صالحة للاستثمار، وخاصة أنه يدخل ضمنها المناطق الصحراوية، الجبلية… إلخ، والتركيز هنا يجب أن يتم على الاستفادة من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا يمكن تقدير عائدات استثمارها لأنه لا يوجد بيانات إجمالية عن كل أملاك الدولة التي يمكن استثمارها.

صعوبات الحصر.. الاتساع وتعدد الجهات

منذ أكثر من ستة أشهر صدر القانون رقم 43 لعام 2023 القاضي بإحداث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى «الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة» بهدف حماية وإدارة أملاك الدولة الخاصة وصيانتها واستثمارها على الوجه الأمثل، ما يحقق موارد ثابتة ودائمة للخزينة العامة للدولة، فأين وصل العمل؟

حاووط أكد أن استثمار أملاك الدولة بالشكل الأمثل هو هدف وهاجس وخاصة في ظل الظروف الحالية، وقال: إن الغاية الأساسية لهذا القانون هي تحويل وظيفة أملاك الدولة من خدمية بحتة إلى اقتصادية تركز على حجم المردودية والاستثمار الأمثل إضافة إلى الدور الخدمي والاجتماعي الحالي، وهناك تحديات كبيرة تم بحثها خلال ورشة عمل أبرزها كثرة التشريعات والقرارات والتشابكات القائمة في البيئة الناظمة لعمل الجهات المختلفة المعنية، وعدم وجود نظام ودليل إجرائي واضح يربط بينها، إضافة إلى الفجوة بين القانون والتطبيق وصعوبات إنفاذ القوانين والقرارات المتعلقة بالتجاوزات على أملاك الدولة الخاصة، مع وجود استخدامات مغايرة للغاية، والتأخير الزمني الكبير للاستثمارات، كما أن من التحديات، الملكيات على الشيوع، وضعف الإمكانات اللوجستية لبناء قواعد البيانات والحصر الشامل.

من جانبه أكد الدكتور يوسف أن الأهمية الأساسية لهذا القانون أنه أعطى تعريفاً لأملاك الدولة كما أنه بموجب هذا القانون أصبح هناك إدارة مركزية لإدارة الملف حيث كانت تتعدد الجهات التي تدير أملاك الدولة.

وأوضح الصعوبات التي تعترض ظهور مخرجاتِ عمل بقوله: المشكلة الأساسية في الملف هو اتساع أملاك الدولة وخاصة الزراعية منها، وتعدد الجهات التابعة: وزارة السياحة، وزارة النفط (مقالع…) محافظة، بلدية… الخ، أيضاً هناك العقارات التي هي عبارة عن مرافق عامة (مطاعم- مقاه – مخابز- محلات تجارية وصناعية – شقق سكنية) وبالتالي إجراء مسح دقيق لما تملكه الدولة يحتاج إلى تنسيق مع هذه الجهات وزمن طويل، كما أن الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة المحدثة هي في الأساس جديدة وتضم جميع العاملين الدائمين لدى مديرية ودوائر أملاك الدولة والإصلاح الزراعي وقسم أملاك الدولة في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، وبالتالي كل خبرتها السابقة تشمل ما يتعلق بقطاع الزراعة، ومن المرجح أنها بحاجة لوقت إضافي لتضم عاملين وخبراء من بقية الجهات التي لديها أملاك، كما أن بعض أملاك الدولة وخاصة السياحية، والمقالع والمحاجر… إلخ تحتاج إلى كادر متخصص وخبرة في هذا المجال قد لا تكون متوافرة في الهيئة المحدثة.

إدارة لكل نوع استثمار

كلمة السر تكمن في عقلية وطريقة الإدارة كجزء أساسي لتحقيق الربحية في المشروعات الاقتصادية، فعدم تحقيق أملاك الدولة إيرادات جيدة لم تكن في القوانين بحد ذاتها بل يرى الدكتور يوسف أن المشكلة كانت في طريقة تطبيق هذه القوانين، من حيث إجراءات الإعلان، طريقة التعاقد، تمديد العقود، البدلات…. والتي كان يشوبها الكثير من الفساد، موضحاً أن عملية استثمار أملاك الدولة كانت تُدار من خلال التعاقد بين المستثمر والجهة المعنية المالكة بغض النظر عن آلية التعاقد.

وأكد أن إدارة كفؤة لأملاك الدولة تحتاج أولاً لإجراء مسح لكل أملاك الدولة القابلة للاستثمار، وعلى هذا الأساس يمكن تشكيل إدارات مختلفة لكل نوع من الاستثمار، معتبراً أنه يجب التركيز في البداية على المشاريع السياحية، الأنشطة التجارية والاستثمارات التي يمكن أن تحقق عائداً فورياً لكل الأطراف.

في السياق ذاته أضاف حاووط من جانبه: حتى نستطيع إدارة أملاك الدولة واستثمارها يجب أن نلم بما نملك إضافة إلى التبدلات الطارئة عليها وأنواعها حتى نتمكن من الاستثمار بحسب طبيعة كل عقار، ويتم العمل حالياً على منصة إلكترونية ستكون اللبنة الأساسية وهي تحتاج إلى تطوير، وسيتم إدخال كل تبديل أو تعديل على أراضي أملاك الدولة إليها.

في التشاركية مخاطر كامنة

عن استثمار أملاك الدولة بالتشاركية مع القطاع الخاص وفاعليته، أوضح الدكتور يوسف أن التشاركية لا يمكن أن تنجح في جميع المجالات وخاصة أملاك الدولة الزراعية، يمكن أن تنجح التشاركية في المشاريع المتعثرة، المتوقفة،…. الخ، لكن في كل الأحوال سيكون الأثر محدوداً جداً على إيرادات الدولة بسبب ضآلة الإيرادات المتحققة بشكل عام مقارنة بإيرادات الدولة العامة، حيث أشارت بيانات وزارة المالية في عام 2021 مثلاً إلى أن بدلات الخدمات وإيرادات أملاك الدولة شكلت ما نسبته 0,32 بالمئة من الإيرادات العامة فقط.

تريث واستثمارات زراعية ومقلعية

مدير أملاك الدولة كشف عن وجود تعليمات من رئاسة مجلس الوزراء نهاية آب الماضي للتريث بعرض أي أملاك دولة للاستثمار أو التأجير أو التخصيص أو البيع، أو أي عملية، والهدف إنجاز المنصة، مع ملاحظة أن التعليمات شملت أنه في حالة الضرورة هناك إمكانية للعودة إلى رئاسة مجلس الوزراء، وقد تم توقيع عدة عقود بعد موافقة الرئاسة عليها.

وعن العقود التي تم توقيعها، ذكر حاووط أنه تم توقيع عقد لإقامة مجفف ذرة صفراء في محافظة حلب وهو مشروع مهم جداً وله حاجة اقتصادية، كما تم توقيع عقد مع شركة جذور للزراعة وتربية الحيوان بمساحة 5 آلاف هكتار بمحافظي الرقة وحلب، إضافة إلى عدد من المشاريع في مجال المقالع، حيث تم توقيع عدد من المشاريع في تدمر (ملاحة تدمر)، بعد موافقة رئاسة مجلس الوزراء والمؤسسة العامة للجيولوجيا حيث بلغ عدد العقود الموقعة حتى الآن نحو 7 عقود وهي استثمارات مهمة وعوائدها مجزية، والعمل المقلعي متكامل بين وزارة الزراعة والمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.

وعن أجور أراضي أملاك الدولة، أوضح حاووط أنها محددة ببلاغات ناظمة موافق عليها من رئاسة مجلس الوزراء بناء على توصية اللجنة الاقتصادية، والأجور تمثل الحد الأدنى، وتراعي طبيعة الأرض، والأسعار الرائجة في المنطقة التي يوجد فيها مكان الاستثمار.

الاستثمار الممنهج يدعم التنمية

وبشأن الآثار السلبية أو المخاطرة الكامنة في التشاركية بأملاك الدولة، قال الدكتور يوسف إن المشكلة الأساسية في مشاريع التشاركية أن القطاع الخاص يبحث عن المشاريع التي تحقق له أعلى عائد في وقت سريع وبتكاليف إعادة تأهيل في الحد الأدنى، وقد لا يتناسب هذا الفكر مع توجه الدولة في سعيها لاستثمار كل أملاكها.

وأضاف: إن تأجير أراضي أملاك الدولة عن طريق المشاركة، سيؤدي إلى تأثر صغار الفلاحين وعدم تمكنهم من الحصول على أراضي أملاك الدولة لتنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخاصة مشاريع الإنتاج الحيواني والصناعات الزراعية، وبالتالي لا يجب تطبق مبدأ التشاركية على أملاك الدولة كافة.

من جانبه أوضح مدير أملاك الدولة أنه بالنسبة للمشاريع أو الاستخدامات الزراعية تُراعى طبعاً حاجة البلد للمنتجات، وطبيعة الأرض، ونوع المستثمر، وملاءته، فعندما نقوم بتأجير فلاح يختلف الأمر عن تأجير مستثمر، وهناك تأجير بموجب بحث اجتماعي وهنا تكون الأجور غير متوافقة مع الأسعار الرائجة أي هي أقل، لكون الهدف هو اجتماعي خدمي وتثبيت الفلاح بالأرض والحصول على المحاصيل الإستراتيجية.

وفي سياق متصل أشار حاووط إلى القانون رقم 4 لعام 2024 الذي تضمن إعفاء المكلفين برسوم الري عن الفترة الممتدة من عام 2012 ولغاية عام 2023 من تسديد الغرامات والفوائد المترتبة عليهم في حال قيامهم بتسديد رسوم الري المستحقة خلال سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون، كما تضمن إعفاء شاغلي عقارات أملاك الدولة سواء أكان بموجب عقود إيجار أم استثمار أو أجر مثل عن الفترة نفسها (2012ــ 2023) من تسديد الغرامات والفوائد، كما أعفي المكلفون من تسديد أقساط تكاليف واستصلاح الأراضي الزراعية المنصوص عليها في المرسوم 29 لعام 2021، ما ينعكس على تحسين الواقع الزراعي ودعمه.

موضحاً بالأرقام أن الغرامات المترتبة على هذه الأجور والرسوم قد تتجاوز المبلغ الأصلي لكونها تراكمية ولسنوات، وبالتالي المبالغ التي أعفي منها الفلاحون ليست قليلة، كاشفاً أن وفق الاحصائية المتوافرة لغاية 2019 فقد بلغت المبالغ المستحقة 29 ملياراً و265 مليوناً و153 ألف ليرة سورية، سُدد منها لغاية تاريخ 18/12/2019 فقط 855 مليوناً و197 ألف ليرة سورية، مبيناً أنه بإضافة المبالغ المترتبة بعد 2019 وهي عن خمس سنوات فإن المبلغ أكبر بكثير مما ذُكر سالفاً.

وفيما يخص دور الدولة التنموي الاجتماعي وكيف تحققه من خلال استثمار أملاكها، عبّر الدكتور يوسف عن وجهة نظره بأنه يمكن تطبيق هذه الفكرة في القطاع الزراعي، حيث يمكن استثمار مساحات كبيرة من أراضي الدولة عن طريق تأجيرها للفلاحين، في حين أشار إلى موضوع العلاقة بين استثمار أملاك الدولة والتخطيط الإقليمي وأن غاية التخطيط الإقليمي هو الاستفادة المثلى من الموارد الموجودة في كل إقليم، وبالتالي يمكن استثمار أملاك الدولة بشكل ممنهج وبما يتناسب مع كل إقليم لكونه يدعم التنمية الشاملة على مستوى القطر.

وحسب «الزراعة» فإن إجمالي مبالغ التحققات المالية من تأجير أراض الدولة خلال عام 2023 لا يتجاوز الـ 55 مليار ليرة بعام واحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى