خطوة باتجاه تمويل أكبر للمشاريع الصناعية والاستثمارية ودعم الإنتاجية … مدير عام المصرف الصناعي لـ«الاقتصادية»: تحول من الخسارة للربح و٢٥٠ ملياراً ودائعه الآن … دراسة لرفع رأس المال كخطوة باتجاه تمويل أكبر للمشاريع الاستثمارية ودعم الإنتاجية منها على رأس الأولويات
| بارعة جمعة
اليوم وفي الفترة التي لطالما أخذت نصيبها من العمل المتواصل، القائم على خطط مُسبقة وتفكير متوازن من القائمين على تنفيذها، يبدو أمامنا نموذج المصرف الصناعي، كإحدى الأدوات الفعالة والذراع الأكثر قدرة على المتابعة بقوة في سياساته المصرفية تحت لواء المصرف المركزي، وضمن نهج حكومي يتطلع لدعم المشاريع الإنتاجية والاستثمارية، لقاءٌ ليس بالتقليدي، حمل معه رؤىً وأفكاراً إيجابية، تنمّ عن حب النهوض بقطاع الصناعة والأخذ به إلى بر الأمان، ولاسيما أن بوصلته الحقيقية هي صغار المنتجين، ممن اختاروا المضي بمشاريع متدرجة بين المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والكبيرة، سعياً منهم لأخذ دورهم الحقيقي في اقتصاد ما بعد الحرب، الذي لم يعد بالسهولة توقع نتائجه، ضمن بيئة عمل غير مستقرة نسبياً، وتحمل من المخاطر ما جعل من عمل المصرف الصناعي ممثلاً بمديره العام وجيه بيطار، خطوة جريئة بنتائج تحتسب له ضمن مدة زمنية وخطط عمل مدروسة، أخذت بالمصرف إلى بر الأمان، الذي أكدته نتائج أعمال المصرف ومؤشراته المتصاعدة، التي لم يبخل بيطار بالبوح بها، إيماناً منه بضرورة الحوار بشفافية وموضوعية ووضع المواطن بصورة كل إنجاز يُحتسب للجميع، ليبقى الحكم والفيصل اليوم ضمن حوارنا الغني ضمن تفاصيل مهمة تضمنت إجابات لكل الأسئلة التي من الممكن لأي متابع للشأن الاقتصادي ولاسيما المصرفي منه، والتي سنوردها تباعاً ضمن تفاصيلها وأرقامها الدقيقة أيضاً.
في البداية.. ما آلية العمل لدى المصرف الصناعي؟ وما القطاعات التي يرعاها مالياً؟
تأسس المصرف الصناعي وفق القانون الصادر عام 1958 برأسمال 12,5 مليون ليرة، ومن ثم صدرت عدة تعديلات على قوانين الإحداث، ليتحول بعدها من شركة مساهمة مغفلة إلى شركة مؤممَة، ليصدر فيما بعد آخر قانون إحداث له عام 2010، برأسمال 10 مليارات ليرة، وتمت زيادته إلى 14 مليار ليرة سورية في عام /2021/، حيث انتقل من التخصص المصرفي في تمويل القطاعات الصناعية والحرفية فقط إلى تمويل كل القطاعات الاستثمارية الاقتصادية، كما احتفظ بميزات خاصة به، حيث أنه لا يُموّل قطاعات عقارية أو قروضاً استهلاكية أو قروضاً شخصية، في حين شملت تسهيلاته قطاعات صناعية استثمارية وإنتاجية.
أما اليوم، وفي مراجعة لواقع البنوك العامة، بدأت وزارة المالية دراسة واقع المصارف، بما فيها المصرف الصناعي، لرفع رأسماله بما يعطيه المرونة الأكبر برفع سقف التسهيلات الائتمانية المباشرة وغير المباشرة وتمويل القطاعات الاستثمارية والإنتاجية.
القروض والتمويل
كم موّل الصناعي خلال فترة الحرب؟ وما قيمة التمويل الحالية؟
منذ دخول عام 2011 ولغاية عام 2018، توقفت عمليات الإقراض لدى المصارف، كما تأثرت الودائع والتوظيفات والمحفظة التي سجلت انخفاضاً كبيراً، وبالتالي تراكم الخسائر، وبعد استئناف منح التوظيفات انطلق المصرف الصناعي بباقة من القروض مستهدفاً المشاريع الصناعية والاستثمارية الإنتاجية وترميم المتضررة منها، لتبلغ محفظته المنتجة المباشرة مبلغ 82 مليار ليرة سورية وتسهيلات غير مباشرة بما يقارب /74/ مليار ليرة سورية، والتحول من خسارة إلى ربح، وزيادة التوظيفات بمنحنى تصاعدي، تزامناً مع زيادة متصاعدة في الودائع لتبلغ 250 مليار ليرة سورية حالياً.
وبعد الموافقة على إعادة منح التسهيلات من المصارف نهاية عام 2018، استأنف المصرف قروضه بسياسة متحفظة وبمعايير إقراض حذرة، والسبب هو إيقاف الإقراض منذ عام 2011، حتى أواخر عام 2018، وبعد مضي عام من منح القروض والاستقرار الذي بدأ يشهده القطاع المصرفي عدل المصرف الصناعي تعليمات منح القروض في خطوة جريئة ضمن توجهاته لدعم إعادة الإعمار وترميم القطاع الصناعي وإعادة إحياء المشاريع الصناعية لتتسم التعليمات الجديدة وتعديلاتها خلال عام 2022 بالمرونة وتبسيط إجراءات الحصول على التمويل تزامناً مع زيادة ملحوظة في طلبات القروض وحجم المحفظة الائتمانية، وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، خلال أعوام 2021و2022 و2023، حيث أنه ولغاية تاريخ 30/6 من العام الماضي كان سقف التمويل لجميع المصارف 500 مليون ل.س فقط للمشروع الواحد بموجب قرارات مصرف سورية المركزي، ولم يشمل المشاريع الكبيرة، ومع بداية انتعاش الاقتصاد السوري والإقبال من أصحاب الفعاليات الاقتصادية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وحاجة المشاريع الكبيرة للحصول على حصتها من التمويل المصرفي، وانطلاق المنافسة بين المصارف الخاصة والعامة، لزيادة أرباحها وتوسيع قاعدة الشرائح المستهدفة من العملاء، أصبحت الحاجة ملحة لرفع السقوف التمويلية ورفع رأسمال المصارف، حيث صدر قرار مجلس النقد والتسليف رقم 204 لعام 2023 وفتح سقوف التمويل بما لا يتجاوز سقف الإقراض نسبة 25 بالمئة من صافي الأموال الخاصة لكل المصارف العامة والخاصة.
مؤشرات إيجابية
ما واقع المصرف اليوم؟ وماذا عن الخطط لدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر؟
تتصاعد مؤشرات أرباح المصرف خلال الأعوام الثلاثة الماضية، حيث بلغت 2,7 مليار ل.س عام 2021 و/5,3/ مليارات ليرة سورية في عام 2022، وتجاوزت العام الماضي 9 مليارات ل.س، لتبدو نسبة الزيادة في الأرباح بين عامي 2022و2023 ما يقارب 71 بالمئة، وهو مؤشر للأداء التصاعدي في العمل وتحقيق الأرباح.
كما ارتفعت مؤشرات المحفظة المنتجة، لتسجل في عام 2021 قيمة 18 مليار ل.س، وفي عام 2022 قيمة 42,6 مليار ل.س، وفي العام الماضي 66,6 مليار ليرة سورية، كما بلغت بتاريخ 6/6/2024 /82/ مليار ليرة، مسجلة نسبة زيادة بين عامي 2022و2023 ما يقارب 56 بالمئة، مع الإشارة إلى أن أغلبية المشاريع الممولة من فروع المصرف هي مشاريع صناعية وحرفية، حيث بلغت القروض الممنوحة خلال النصف الأول من العام الحالي/ 20,6/ مليار ليرة، ضمن مشاريع متنوعة سجلت المتناهية الصغر منها 17مشروعاً بقيمة إقراض 1,14 مليار ليرة سورية، أما المشاريع الصغيرة فبلغت 87 مشروعاً بقيمة إقراض 10,8 مليارات ليرة، والمشاريع المتوسطة /10/ مشاريع بقيمة إقراض 5,8 مليارات ليرة، أما الكبيرة فبلغت ثلاثة مشاريع فقط بقيمة إقراض 2,9 مليار ليرة سورية، وبالتالي فإن مجموع المشاريع المنفذة خلال العام الحالي هي/117/ مشروعاً بقيمة/ 20,6/ مليار ليرة، في حين سجل عدد المشاريع المنفذة ضمن عامي 2022 و2023 عدد 961 مشروعاً بقيمة إقراض 54,5 مليار ليرة سورية، حيث بلغت 65 بالمئة من المحفظة المنتجة المباشرة هي للقطاعات /الإنتاجية/، أما النسبة المتبقية أي 35 بالمئة فهي لمشاريع أخرى (تجارية، خدمية، سياحية، مهن علمية….)، وتشير التوقعات إلى أنه وحتى نهاية العام سترتفع نسب تمويل القطاعات الإنتاجية ضمن المحفظة، لما سيحمله النصف الثاني من العام من تحسن بنسب الأداء والخدمات المقدمة ورفع السقوف التمويلية، والذي يثبت سير المصرف الصناعي ضمن توجهات الحكومة بتوجيه التوظيفات للقطاعات الإنتاجية.
زمن قياسي
ما المدة الزمنية التي استغرقتها هذه الأرقام؟
خلال الأعوام الثلاثة الماضية تمت معالجة ملف الديون المتعثرة وتحصيل النسبة الأكبر من هذه الديون بالتوازي مع زيادة التوظيفات وزيادة رأس مال المصرف المدفوع كانت ثمارها تحسن مؤشرات أداء المصرف وزيادة أرباحه وتحسن جودة المحفظة الائتمانية وكفاية رأس ماله، وبالتالي إثبات وجودنا في السوق المصرفية خلال 3سنوات فقط.
دعم المنشآت بالطاقة البديلة
كيف يتم التعامل مع قروض الطاقة؟ وكيف يتم تأمين الطاقة للمنشآت الصناعية؟
تم توقيع اتفاقية تعاون مع صندوق الطاقات المتجددة، لدعم منشآت القطاعات الاستثمارية والصناعية والحرفية بقروض مدعومة الفائدة لغايات الاستفادة من منظومات الطاقة المتجددة، التي يدعمها الصندوق بفائدة تصل إلى نسبة /15 بالمئة/ متناقصة.
ويعمل المصرف حالياً بالتنسيق مع المركز الوطني لبحوث الطاقة على طرح منتج مصرفي جديد بعد استكمال الموافقات اللازمة بتقديم قروض خاصة للمشاريع الصناعية والاستثمارية لتمويل منظومات استخدام الطاقة المتجددة للمشاريع التي تتجاوز استطاعاتها /20/ كيلوواطاً ساعياً، ما يخفض من تكاليف الإنتاج، وينعكس إيجاباً على القدرة التنافسية للمنتج المحلي لهذه المشاريع وإمكانية زيادة إنتاجيتها وكفاءتها.
دعم المقاولين
ما الخدمات المخصصة للمقاولين وأعمال البناء لديكم؟
يتم منح المقاولين تسهيلات غير مباشرة عبر منحهم كفالات وصل حجمها عام 2021 إلى قيمة 25 مليار ل.س، وفي عام 2022 قيمة 38 مليار ل.س، أما العام الماضي 2023 فوصلت قيمتها إلى 74 مليار ليرة سورية، بنسبة زيادة بين عامي 2022 و2023 وصلت إلى 94 بالمئة، وبالتالي الاستحواذ على قسم كبير من السوق المصرفية واستهداف شريحة واسعة من المقاولين على اختلاف تصنيفاتهم.
البيئة التقنية
ماذا عن التحول الرقمي؟ أين وصلتم به؟ وما الخطوات المنجزة لديكم؟
منذ سنتين ونصف السنة اتبعنا إجراءات عدة ضمن مراحل مدروسة لتحديث «قاعد البيانات»، من حيث التجهيزات والبرامج، عبر استقدام أجهزة حديثة ومخدمات جديدة، كما تمت عملية ربط الفروع مع الإدارة العامة عبر خطوط اتصال ضوئية.
وفي خطوة جديدة، قمنا بتعديل البرامج والربط مع شركة «بترامونيتكس»، وهي شركة دفع، حيث تم إنهاء الاختبارات وبانتظار مصرف سورية المركزي للموافقة على المباشرة، كما قام المصرف بربط النظام المصرفي مع الشركة السورية للمدفوعات بداية الشهر الثاني من العام الحالي، حيث حققت عمليات الدفع الإلكتروني خلال مدة خمسة أشهر ما يزيد على 6 مليارات ليرة سورية، ليأتي بعدها إنهاء اختبارات «تطبيق الموبايل»، مع السورية للمدفوعات والهيئة الناظمة لخدمة تقانة المعلومات، ومن ثم أخذ الاعتمادية لدى الهيئة الناظمة للاتصالات، وبالتالي خدمات جديدة ومميزة للمتعاملين مع المصرف سوف نطلقها قريباً.
توجد عقود لتوريد نقاط بيع /Pos/، وهي بمرحلة التعاقد والتصديق، ليكون العمل بعد إطلاق المباشرة مع شركة (بترامونيتكس) حيث تم تأمين البنية التحتية خلال عامين من العمل المتواصل، بدأنا من الصفر وصولاً لتعديل الرؤية البصرية للمصرف أيضاً، ضمن خطة متكاملة وكل مرحلة مكملة للأخرى، حيث كانت الاختبارات دقيقة، ما جعل منحنى العمل يسير بشكل تصاعدي، كما يوجد لدينا خطط مستقبلية نتكلم عنها في حينه.
إعادة الإعمار
ماذا عن مشاريع إعادة الإعمار؟ كيف تنظرون لها؟ وما تجهيزاتكم لها؟
إعادة الإعمار كلمة كبيرة، تشمل القطاع الخاص والعام بكل مؤسساته، وما قام به قطاع المصارف من دخول للسوق والعمل من جديد كانت بمنزلة إعادة إعمار له، واليوم يشارك بإعادة إعمار القطاعات الإنتاجية والصناعية والحرفية.
في مرحلة تخصص البنوك سابقاً، كانت المشاريع الصناعية قد تأسست بقروض من المصرف الصناعي، وبالتالي هو شريك للصناعيين وله تاريخ كبير معهم، وبعد العودة للعمل اشتدت المنافسة بين البنوك، لكن استطاع المصرف الصناعي إثبات حضوره بقوة في السوق المصرفية باستهداف شريحة واسعة من الصناعيين والمقاولين والتجار، بخطا ثابتة وجادة ضمن توجهات وزارة المالية والحكومة وقد منح المصرف قروضاً لمنشآت ومعامل استثمارية إستراتيجية مثل (أسمدة، قرميد، أدوية، معقمات، أعلاف، خيوط ونسيج، جرش البرغل والحبوب، المنظفات، ومنشآت الطباعة……….)، ضمن ضوابط مصرف سورية المركزي ولغايات محددة.
ويمكن القول: حضورٌ لافت سجله المصرف الصناعي هذا العام، والذي ترجمه في خوضه تجربة التحول التقني بنجاح، عبر مشاركته في الحدث الأهم في هذا العام، وهو «المؤتمر العلمي الدولي للتحول الرقمي وانعكاسات على التنمية المستدامة»، الذي أقيم في نهاية الشهر الخامس، ناقش من خلاله محاور تتعلق بالاقتصاد الرقمي وتأثيره في تعزيز النمو الاقتصادي، ودور الإدارة الإلكترونية في تحقيق التنمية المستدامة، ودور الرقمنة كخيار إستراتيجي في دعم الشمول المالي، وأهمية النمذجة والقياس في التحول الرقمي، إضافة للتحديات التي تواجه كلاً من المحاسبة والمراجعة في ظل التحول الرقمي.
رافق ذلك مناقشات حول واقع التحول الرقمي وإستراتيجية تنفيذه في القطاع الحكومي بسورية، والتجارب العربية والأجنبية، كل ذلك انعكس واقعاً ملموساً في التوجه الجديد للمصرف، من تقديم خدمات بجودة عالية وسرعة أكبر للزبون، الذي بات يميل للخدمات الإلكترونية الأميز.
كما تأتي خطوات المصرف الصناعي في تنفيذه اتفاقيات مع الاتحاد العام للحرفيين واتحاد الحرفيين في حلب، وإدارة منطقة جبرين الصناعية في بحلب، عبر استقبال طلبات القروض لتمويل حرفيي صيانة السيارات، بهدف تأسيس وبناء وتأهيل المقاسم المخصصة لهم من مجلس المدينة، كتطبيق فعلي لدعم القطاعات الإنتاجية والاستثمارية، والخوض في عملية إعادة الإعمار للمدينة، كل ذلك ضمن مسار وتوجيهات الحكومة.