أيهما أكثر فساداً المرأة أم الرجل؟ شعيبي: سلّم المرأة المنصب وأنت آمن.. و70% من النساء غير مستعدات للفساد
عريج: أسباب تاريخية وذاتية تجعل المرأة أقل فساداً.. ونفي الفساد عند المرأة غير منطقي
| سيلفا رزوق
عنوان مكافحة الفساد الذي شكل على الدوام الحالة الأكثر جاذبية لبرنامج عمل الحكومات السورية المتعاقبة، والأكثر بريقاً إن صح التعبير، تحول في الفترة الماضية إلى هاجس حقيقي يجري الاشتغال عليه بكل ما أوتيت الدولة ومعها المنظمات المجتمعية من قوة، وخصوصاً مع تحول هذا «الملف» شيئاً فشيئاً إلى حصان طروادة الذي سمح بتمرير الكثير من المخططات التي ساهمت في تدمير البلاد خلال فترة الحرب على سورية.
الحديث الشائك عن الفساد لا ييدو أنه سينتهي قريباً والغوص في أسبابه وتداعياته وكيفية معالجته سيحتاج الكثير من الوقت والجهد، فهناك سؤال يبدو من اللافت أن نطرحه ونحن في خضم هذه المعركة التي يبدو أنها تخاض ومؤهلة لأن تكون أكثر شراسة في المرحلة المقبلة .. أيهما أكثر فساداً المرأة أم الرجل؟ وماذا عن واقعنا اليوم وتغير المفاهيم الذي اجتاح مجتمعنا بصورة غير معقولة؟ هل اجتاح هذا التغير طبيعة المرأة وطريقة تفكيرها بالحياة وتفاصيلها؟
«الاقتصادية» طرحت هذا السؤال وحاولت الاستقصاء عن أجوبة له في أروقة العلم والقانون وبين مكاتب الأجهزة الرقابية.
الإدارات بيد الرجل وبامتياز
قبل الخوض في البحث للإجابة عن سؤالنا العريض كان لابد لنا من الحصول على بعض النسب التي تعطينا مشعرات لما تجري عليه الإدارة في سورية اليوم، وكان لابد لنا بالتالي من طرح سؤال جدير بالمتابعة .. وهو الإدارة بيد من؟
الإجابة لا تحتاج كثيراً من العناء ولا انتظار الإحصائيات فالإدارة وعلى الأخص الإدارات التنفيذية والقيادية لا تزال بيد الرجل فمن بين نحو عشر مديريات عامة تابعة لوزارة الإعلام على سبيل المثال كانت نسبة تسلم النساء لمراكز إدارية في الصف الأول شبه معدومة بينما جاءت سيطرتها على الصفوف الثانية والثالثة لا بأس بها، وهذه الحالة يمكن سحبها على باقي قطاعات الإدارة في الدولة، وإن كنا نتباهى على الدوام و(هذا أمر محق) بأن المرأة السورية كانت من أوائل النساء في المنطقة في الحصول على كامل حقوقها.
بالنتيجة فإن البحث في سؤالنا أيهما أكثر فساداً الرجل أم المرأة ينبغي أن يبنى على هذا المعطى الأساسي بكل تأكيد.
بلغة العلم
اعتبر رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية الدكتور عماد فوزي الشعيبي أن هناك أنواعاً مختلفة من النساء البعض لديه استعداد والبعض ليس لديه استعداد، ونحن أمام طيف إن صح التعبير وهذا الطيف إما أن يكون لديه استعداد بنسبة ما أو ليس لديه استعداد، وإن استطعنا تعيين هذه النسب فمن الممكن القول إن نسبة 70 إلى 80 بالمئة المرأة ليس لديها استعداد للفساد المالي والإداري، ولكن هناك نسبة 30 بالمئة من الـ70 بالمئة يعشن حالة مزدوجة ليس لديهن استعداد للفساد لكن الظروف القاهرة تدفعهن لممارسة الفساد المالي تحت وطأة الظروف القاهرة.
شعيبي أكد أنه بالبنى المخية للمرأة فإن المرأة ليس لديها قابلية للفساد بنسبة 70 بالمئة، والمقهورات على الفساد المالي هن 30 من أصل السبعين بالمئة والثلاثين بالمئة درجات فمنهن المحترفات وهن قلة، والمؤتلفات مع الفساد المالي وهن الأكثرية والنتيجة من كل هذه النسب نحن أمام طيف معقد للغاية.
شعيبي أشار إلى أن المرأة عموماً ولأنها لا تريد الدخول بالصراعات فإنها تتجنب الفساد من هذه الزاوية، وبالتعالي تفضل الابتعاد عن الحالة المعيشة وتسلمها للرجل حتى لو كانت امرأة عاملة، حتى لا توقع نفسها بصراعات تؤدي بها لخسارة نوع من أنواع الاستقرار النفسي الداخلي.
أمام هذه الحالة المعقدة يمكن القول إن هناك تصنيفات أنثوية خاصة ضمن قطاعات مختلفة هي تفسح المجال المالي أو لا تفسح المجال، مشدداً على الدور الذي تلعبه الظروف والتي تحكم في كثير من الأحيان قابلية نسب معينة من النساء للانجرار وراء الفساد، علماً أن نسبة 30 بالمئة التي تنجر للفساد لديهن استعداد للتراجع بسرعة ويكون الفساد لديهن على طريقة «القنصات» وليس مهنة وظيفية، أي إنهن لا يملن للعيش على الفساد.
شعيبي يميل للقول إنه بالأغلب المرأة ليست فاسدة مالياً، مشيراً إلى الدراسات التي اشتغل عليها شخصياً لمدة عشرين عاماً والتي مكنته من الوصول إلى هذه النتائج وتحديد نسب تورط النساء بالفساد، ولكن هذه الدراسة ضمن قطاع المتحولات وليست منتهية لأن ظروف السلم غير ظروف الحرب، ففي حالات السلم تصل نسبة النساء اللواتي لا يتجهن نحو الفساد لـ95، لأن النساء لا يفضلن التورط وهن يفضلن الخروج للعمل على الخروج للفساد، لكن في فترات الحرب يمكن القول إن النسب تتغير وهناك نساء يخرجن للفساد.
شعيبي الذي يشتهر بمقولة «سلم المرأة المنصب وأنت آمن» يشدد على أن هذه المقولة تكون صحيحة في أوقات السلم وليس في أوقات الحرب لكن بالتأكيد هي أكثر أماناً من الرجل في هذا المجال.
الدكتور شعيبي شدد على أن مرحلة ما بعد الحرب ستفرض معطيات جديدة ولغة أخرى، لأن النسبة عند النساء أصبحت أعلى من الرجال، وليس لدينا مجال إلا أن يفرض الواقع نفسه، وأغلب الظن فإن الإدارات ستفرض نسبة خمسين بالمئة منها للنساء، والمؤشر الأكثر وضوحاً نسبة الإناث اللواتي يشغلن الجامعات اليوم، متوقعاً أن تتحول الإدارات تدريجياً إلى الإناث وفي لحظة من اللحظات ستتجاوز نسبة سيطرة الإناث على الإدارة أعلى من نسبتهن المجتمعية.
الرجل أجرأ في الفساد
عائدة عريج مقررة لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب والتي عملت سابقاً في قطاع الرقابة الداخلية في وزارة المالية، اعتبرت أن الرجل والمرأة لهما الطبيعة نفسها والبشر عموماً يملكون ذات النوازع السلبية والإيجابية ويمكن استغلال المنصب أو طبيعة العمل لأغراض شخصية والطرفان قابلان للأمر.
عريج أشارت إلى أنه ومن خلال عملها في المجال الرقابي والإداري كان الرجل أكثر فساداً من المرأة بالموقع العام مرجعة الأمر لأسباب تاريخية وأسباب ذاتية موجودة بالمرأة ولأسباب موضوعية متعلقة بالمجتمع.
عريج التي عملت رئيساً لقسم الرقابة الداخلية بمالية السويداء، رأت أن الجرأة على ممارسة الفساد متوافرة لدى الجنسين لكن الرجل يبقى متمرساً أكثر بالعمل بالشأن العام ومن بداية حياته ووجوده بالحياة العامة وهذا أمر طبيعي وعادي، لكن المرأة إذا ما تحدثنا عن سورية فوجودها في الشأن العام عموماً وحتى على المستوى الوظيفي بدأ منذ منتصف الخمسينيات، وتأخر المرأة أو رغبة المرأة في إثبات نفسها في هذا المجال ربما يكون أحد الأسباب التي تدفعها للابتعاد نسبيا عن التورط في الفساد وما شابه ذلك، والعمل باستقامة لطرح نفسها كنموذج جيد في المجتمع وقادر على الاستمرار، وهذا السبب يلقي بظلاله على أداء المرأة وعملها ومازال، وبالتالي تمرس الرجل بالشأن العام يعطيه جرأة أكثر وثقة بالنفس أكثر من اللازم في موضوع الفساد، ولاسيما أن الرجل ومن خلال علاقاته المتشعبة قادر على خلق حلقة فساد من دون أن تلقي بظلالها على جانبه الخاص الأخلاقي .
الانزياح الأخلاقي
عريج وفي حديثها لـ«الاقتصادية»، أشارت إلى حالة الانزياح الأخلاقي التي شهدها مجتمعنا في الآونة الأخيرة والتفسيرات الخاصة التي بات يطلقها على ممارسة الفساد، والتبرير الخطير للفساد، وتقبل الحصول على المال مهما كان مصدره، وهذا الانزياح جرى استغلاله للضغط على سورية وجرى النفاذ من خلاله لاستهدافها مالياً واقتصادياً، كذلك لتحطيم الروابط الإنسانية الموجودة في المجتمع السوري، معتبرة أن هذا الاستهداف نجح إلى حد ما في تغيير ذهنية المجتمع وتغيير نظرته للكثير من القيم التي كانت سائدة، وبالتالي شكل الفساد أحد المنافذ التي عبرت من خلالها المخططات المعادية لسورية، وهذا ما يدفعنا للتأكيد مجدداً على أن أزمتنا هي أخلاقية أولاً وقبل كل شيء.
وعبرت عن اعتقادها بأن نسبة تورط الرجال بالفساد مقارنة بالنساء تبلغ 70 بالمئة مقابل 30 بالمئة، أي إن الرجال يتصدرون وبقوة نسب التورط بالفساد بحسب رأيها وبحسب تجربتها أيضاً، مشددة أن نفي الأمر عن النساء غير منطقي، وحتى عندما نشير إلى تورط الرجال بالفساد فإن الأمر لا يتم إلا بمجموعات وهذه المجموعات تضم في أغلبها نسبة لا بأس بها من النساء.
عريج شددت على الوظيفة التربوية والإنسانية لبناء المجتمع للمرأة والتي تضعها على الدوام بموقع الناصح والمربي والغارس للقيم فالمرأة هي خزان القيم والموروث الحضاري في مجتمعنا، وعندما نضيع البوصلة نتجه نحو المرأة، وبالتالي يمكن أيضاً اعتبار أن هذا الجانب «الوظيفي» إن صح التعبير للمرأة قلل أيضاً من التورط بجو الفساد، حتى لو كانت بحاجة.
مقررة لجنة الموازنة العامة والحسابات في مجلس الشعب وفي ختام حديثها لـ «الاقتصادية» ذكرت أن الرجال بصورة عامة يسيطرون بنسبة أكبر على المفاصل القيادية العليا لكن المفاصل التنفيذية الدنيا حالياً أغلبها من النساء، وإذا عكسنا هذا الأمر كنسبة وتناسب لوجود المرأة في الوظيفة العامة وطبعا في مرحلة ما قبل الأزمة أي بالظروف الطبيعية كانت نسبة وجود المرأة العاملة بسورية بين 24 إلى 26 بالمئة بمعنى أن ما يقرب 73 إلى 74 بالمئة للرجال وهؤلاء سيفرزون بشكل طبيعي قيادات من الرجال، أما في ظروف الحرب فالنسبة الأعلى نسبياً اليوم للنساء، وهذه النسبة ستلقي بظلالها على الإدارة أو العمل الإداري في المرحلة القادمة.
ما حدا أحسن من حدا
البحث الاجتماعي والنفسي والعملاني إن صح التعبير والذي انحاز بالمطلق باتجاه المرأة، لم يكن له أي صدى في أروقة الأجهزة الرقابية التي أصر مصدر في الجهاز المركزي للرقابة المالية على التأكيد بأن المرأة والرجل يقفان على قدم المساواة في مواضيع أو قضايا التورط بالفساد وحتى الاستعداد له.
المصدر استشهد بتعداد القضايا وطبيعة هذه القضايا التي لم تكن فيها المرأة أقل شأناً بالذهاب بعيداً بالتورط في الفساد، معتبراً أن انزياح النسب لمصلحة الرجال ليس بسبب طبيعة الرجال وتقبلهم لممارسة الفساد، وإنما نتيجة ارتفاع نسب شغلهم للوظائف والمناصب الإدارية مقارنة بالنساء.
المصدر وصف فساد بعض النساء بأنه أشد «مكراً ودهاء» من الرجال، بل يجري استخدام أساليب لا يستخدمها الرجال عادة عند تورطهم بهذا الأمر، واعتبر أن الإيحاء بأن الرجال يميلون للفساد أكثر هو أمر مجحف بحقهم، فالنسب متساوية لحد بعيد، وعندما تتوافر الظروف والبيئات والمناخات والمعطيات التي تسود بأي مجتمع، والتي تسمح بممارسة الفساد فإنها ستؤدي لذات النتائج بغض النظر عن جنس الموظف.
المصدر قدم عدداً من الأمثلة بمختلف قطاعات العمل بالدولة، وأكد أن التحقيقات في جميع قضايا الفساد التي أجريت في هذه القطاعات لم تميز بين المرأة والرجل، حتى في القطاعات التي يعتقد البعض بأن المرأة لاتجرؤ على الذهاب بعيداً فيها، مثلاً العمل كأمين مستودع والتي عادة وحتى شعبياً إن صح التعبير يقال إن هذا العمل يشكل بيئة خصبة لفساد الرجل أما الحقيقة فإن المرأة باتت تتورط في قضايا «اختلاس» ومخالفات قانونية، أما الحديث عن الرادع الاجتماعي والأخلاقي لدى الكثير منهن فقد بدأ بالتراجع.
المصدر الذي أصر على إبداء الامتعاض من حالة الانحياز العاطفي نحو المرأة لكونه عمل لفترات طويلة في مجال التحقيق بقضايا فساد وقادر على الاستدلال بعشرات وربما أكثر بكثير من الحالات التي تؤكد تساوي النسب والقابلية بين الجنسين، أشار إلى أن الأمر برمته مرتبط بحالة التغير الأخلاقي بالمجتمع السوري، والتي ينبغي الاشتغال عليها أولاً وقبل كل شيء وهذا الأمر مرتبط بكلا الجنسين أيضاً، والاكتفاء بدعم الأجهزة الرقابية والحديث عن مكافحة الفساد والدعوات لمحاربته ستبقى قاصرة ما لم يتم الاشتغال على الجانب الأخلاقي والتربوي الذي تراجع كثيراً في السنوات الماضية وهذا الأمر لا يختلف عليه الكثيرون.
خلاصة القول
على تعقيد تركيبة المرأة يبدو أن أمر الحصول على إجابة كافية ووافية حول إمكانية دخولها في متاهات الفساد والوصول إلى الخلاصات معقد أيضاً.
لكن المؤكد أن محاربة الفساد باتت الحاجة الأكثر إلحاحاً وأن حماية المرأة والإبقاء عليها بعيدة عن كل أشكاله وآلياته بات الأكثر ضرورة وهو ما يحتاجه مجتمعنا ويحتاجه أبناؤنا أيضاً.. أما عن الكيفية فعلينا البدء من بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا لعل هذا الطريق يبقى الأهم.