التأمين التكافلي في سورية «الفرصة الضائعة»
| د. رافـد محمد
يختلف التأمين التكافلي عن «نظيره» التجاري في العديد من أساسيات وتفاصيل العمل التأميني، إلا أن حدّة هذا الاختلاف، تزداد وتنخفض، على أرض الواقع، لتصل في بعض الأحيان إلى عدم إدراكها بوضوح سوى في المصطلحات، وبغض النظر عن مدى تطبيق هذه الفروقات، فهي أمر متفق عليه نظرياً، وتتمثل بشكل أساسي بما يلي:
– إن قسط التأمين يكون بمنزلة تبرع (اشتراك) في صندوق يسهم به جميع المشتركين (حاملي وثائق التأمين) ليتم من خلاله سداد التعويض للمتضررين منهم.
– يتم الفصل فيما بين الحسابات والقوائم المالية لحملة الأسهم (مالكي الشركة) وبين حسابات المشتركين.
– يقوم حملة الأسهم (من خلال إدارتهم للشركة) بإدارة حساب المشتركين وأموالهم واستثمارها (المضاربة) ومقابل ذلك يحصلون على أجر وكالة وحصة من أرباح المضاربة.
في العام 2006 بدأت شركات التأمين الخاصة بالعمل في سورية، وفقاً للمرسوم43 لعام 2005، وقد لحظ المشرّع في هذا المرسوم إمكانية تأسيس شركات تأمين تكافلي إلى جانب شركات التأمين التقليدي «التجاري» ليتم الترخيص لشركتي تأمين تكافلي.
ولا نعتقد بأن الترخيص لشركات التأمين التكافلي في سورية قد كان مجرد استكمال للوحة شركات التأمين بخيارات مختلفة، «أو مجرد استكمال لبريستيج القطاع» في سورية، لا بل من أجل توفير خيار إضافي حقيقي في شراء التأمين، انطلاقاً من تلبية حاجات مختلف شرائح المجتمع وبناءً على معرفة حقيقية بمعتقداته تجاه التأمين، وتكيفاً معها.
نظرياً، من المفترض أن تستحوذ شركتا التأمين التكافلي على نسبة لا تقل عن 20% من السوق، لتنسجم وتتوافق مع عدة عوامل ومعايير، أهمها: رأسمالها، عددها من مجموع الشركات، المؤشرات الإجمالية لسوق التأمين ولباقي الشركات، العوامل الاجتماعية والدينية المؤثرة في ذلك، نمو التأمين التكافلي عالمياً وبنسب أعلى من التأمين التجاري، والجدول التالي يبين بعض هذه المؤشرات عام 2018:
أما الصورة الحقيقية لنشاط التأمين التكافلي في سورية، توضحها المؤشرات التالية (للشركتين معاً) عام 2018:
لم تسهم الشركتان في تحقيق الأرباح الفنية للسوق، بل تكبدتا خسارة فنية (عجز)، لذا تم إيراد نسبتها من هذه الخسارة إلى خسارة السوق.
هذه المؤشرات تبين بأن نشاط التأمين التكافلي لا يرقى إلى المستوى المأمول منه، والمنسجم أيضاً مع الإمكانات المتوافرة لديه، فجميع المؤشرات تنخفض عن نسبة 20% بشكل واضح، لا بل إن شركتي التأمين التكافلي تكبدتا خسارة فنية (عجز) من بين ثلاث شركات تأمين فقط خاسرة فنياً، ويعتبر هذا المؤشر أحد أهم مؤشرات أداء شركات التأمين إذ يعكس نتائج أدائها من الناحية التأمينية فقط (من حيث جودة الاكتتاب بالأخطار، إدارة المطالبات وإعادة التأمين…..).
وفي البحث عن أسباب ضعف نشاط التأمين التكافلي في السوق السورية، فلا يمكن أن نغفل وجود مشكلة في حجم ونشاط سوق التأمين السورية بشكل عام، حيث لا تقتصر المشكلة على سوق التأمين التكافلي، إلا أننا نعتقد بأن التأمين التكافلي بحد ذاته قد أضاع فرصاً كبيرة لنموه واستحواذه نسبة جيدة من السوق، فالتأمين التكافلي ينمو سنوياً على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30%، على حين ينمو التأمين التجاري بين 10 إلى 15% فقط، كما أن كبرى شركات التأمين التجاري في العالم أصبح لديها فروع للتأمين التكافلي، تلبيةً منها للطلب المتزايد على هذه المنتجات، ومنها شركات في دول يمثل المسلمون فيها نسباً ضئيلة من السكان.
فالقصور واضح في تسويق التأمين التكافلي من حيث الفكرة أو المنتجات التي يقدمها، ومما يزيد من صعوبة تحقيق النجاح في هذا الأمر، أن شركتي التأمين التكافلي في سوقنا لم تقدما حتى الآن النتائج التي تُقنع المشتركين فيها (حاملي وثائق التأمين) قبل سواهم، بالفروقات الإيجابية عن التأمين التجاري، فلا توزيع للفائض التأميني طيلة سنوات، ولا مزايا أخرى واضحة تبرز الاختلاف عن التأمين التجاري، لا بل إن النسب العالية لأجر الوكالة وحصة المضاربة، التي يتقاضاها المساهمون من حساب حملة الوثائق، تسهم بشكل واضح في عدم تحقيق فائض تأميني وربح جيد، ما أسهم بانتشار فكرة لدى العامة بعدم وجود ذلك الفارق بين التأمين التجاري والتكافلي.
إن العديد من كبار المشايخ وعلماء الدين الإسلامي في بلدنا، يراقبون عمل هاتين الشركتين من خلال هيئات الرقابة الشرعية في تلك الشركتين وفي هيئة الإشراف على التأمين، وإن مساهمتهم في الضغط على الإدارات التنفيذية للشركات لإيضاح وإيصال فكرة التأمين التكافلي، وتطبيقها بشكلها الصحيح من دون إفراغها من مضامينها، له الأثر المباشر في تنشيط التأمين التكافلي، وانتشاله من موقعه المتأخر في سوق التأمين السورية إلى الموقع المأمول منه حين تم الترخيص لهذا النوع من التأمين، وبما يتوافق مع إمكانياته وخصائص اقتصادنا ومجتمعنا.
ففي مجتمعنا نسبة ليست بالبسيطة ترفض التأمين لاعتقادها بعدم شرعيته، والوصول إليها من خلال التأمين التكافلي ربما يجعل بالإمكان إقناعها بشرعيته، على أن يمثل هذا التأمين حلاً حقيقياً واقعياً لهواجس هذه الشريحة، لا تغييراً في المصطلحات فقط.
كما أن تطوير البيئة التشريعية التي يقوم عليها قطاع التأمين، وبشكل خاص من حيث رفع رؤوس أموال الشركات، وإنهاء العديد من الممارسات التأمينية الخاطئة، والتي تخرق أبسط مبادئ العمل والعلم التأميني، سيكون حجر الأساس في إحداث نقلة نوعية في هذا القطاع، لجهة تحقيق دوره في التنمية الشاملة.