أسهل وظيفة في العالم.. جديد وسطنا التجاري: أعطني اسمك مقابل 150 ألف ليرة شهرياً! … مخلّصون جمركيون يوظّفون فتيات للاستيراد بأسمائهن بدل التجار
الحو: فساد لتحقيق غايات غير مشروعة للتجار كي يبعدوا الشبهة عنهم
| رامز محفوظ
علمت «الاقتصادية» من مصادر حكومية مسؤولة، عن قيام وزارة الاقتصاد باستدعاء امرأتين ورد اسماهما في قوائم المستوردين عدة مرات، وتولّدت شكوك لدى مسؤولين في الوزارة حولهما، فيما إن كانتا تاجرتين بحقّ، أم لا، لكونهما غير معروفتين للوزارة وللتجار.
وخلال الحديث مع «التاجرتين» تبين أنهما غير معنيتين بالتجارة، من قريب، ولا من بعيد، وأن الحقيقة تكمن بأنهما موظفتان لدى أحد المخلصين الجمركيين براتب شهري يصل إلى 150 ألف ليرة سورية، مقابل أن يقوم المخلص بإدراج اسميهما لأغراض الاستيراد بدل أسماء التجار الحقيقيين، الذين هم المستوردون الحقيقيون.
ومن خلال تبادل أطراف الحديث مع المصادر الحكومية، تبين أن هذا الأمر شائع في بلدنا، وعدد ليس قليلاً من كبار التجار المعروفين لا يستوردون بأسمائهم الحقيقية، لعدة أسباب، لعل أبرزها التستر على أحجام أعمالهم الحقيقية، وإيجاد مخارج عند حدوث أي تلاعب أثناء عمليات الاستيراد.. وما إلى ذلك من أسباب يدركها التجار أكثر من غيرهم.
في إطار الحديث عن هذه العملية التي لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني والسمعة التجارية، وما يجري في كواليسها، التقت «الاقتصادية» عدداً من المعنيين في هذا الشأن، بشكل مباشر.
بدايةً، أكد رئيس هيئة المخلصين الجمركيين إبراهيم شطاحي أن من يستورد البضاعة يجب أن يكون مسجلاً لدى غرفة التجارة ولديه سجل تجاري، مبيناً أن هؤلاء المنضويين تحت مسمى «مستورد وهمي» ليسوا موظفين لدى المخلص الجمركي بشكل مباشر، وإنما يحصلون على المال من التاجر الحقيقي، بمعنى إذا كانت قيمة فاتورة الاستيراد 100 ألف دولار، يدفع التاجر الحقيقي مبلغ ليرة سورية عن كل دولار للمستورد الوهمي.
ولفت شطاحي إلى أنه في كل دول العالم مكاتب تسمى مكاتب تجارة «كومسيون» مرخصة ضمن شروط معينة، يستطيع التاجر أن يستورد عبرها من خلال مراسلات تتم عبر هذه المكاتب مع الجهة التي يتم الاستيراد عن طريقها، بمعنى أنه ليس بالضرورة كل من يستورد ان يستورد باسمه.
وشدد شطاحي على أنه من المعيب أن يستورد التاجر باسم وهمي ليس له علاقة بالبضاعة المستوردة، مبيناً أن هدف المستورد الحقيقي من ذلك هو التهرّب الضريبي، لافتاً إلى أن هذه الحالات من الاستيراد يجب أن تنظم، وأن يكون هناك لجنة لمراقبة ذلك من وزارة الاقتصاد ووزارة المالية ومن الجمارك بالإضافة لجمعية المخلصين الجمركيين.
وبحسب شطاحي، فقد درجت العادة أن يخبر المستورد الحقيقي المخلص الجمركي أنه سيتم الاستيراد بغير اسمه الحقيقي، وبأنه سيحصل على إجازة استيراد باسم شخص آخر، ووصل الأمر لدرجة أن يوصي التاجر المخلص الجمركي بتأمين شخص من قبله لتسجيل إجازة الاستيراد باسم هذا الشخص، وبالتالي لكي يستفيد المخلص الجمركي ولا تذهب الإرسالية منه أصبح يقوم بتأمين شخص عن طريقه، مبيناً أن الخلل في هذا الأمر لا يقع على عاتق المخلص الجمركي، وإنما على عاتق التاجر حصراً.
وأوضح أن هدف التاجر الرئيس من اتباع تلك الطريقة الملتوية التهرب من المالية وعدم مراجعتها، مشيراً إلى أن من يدفع الضريبة هو من أدرج اسمه بإجازة الاستيراد أي التاجر الوهمي، ولو كان مبلغ الضريبة والسلة الضريبية مصدرها التاجر الحقيقي.
99 بالمئة من التهريب
بيّن شطاحي أنه في حال كانت البضاعة المستوردة غير نظامية «مضروبة» يتم التنسيق بين التاجر والمخلص الجمركي للتغطية على هذا الأمر، لافتاً إلى أن 99 بالمئة من التهريب في سورية له علاقة بالمخلص الجمركي، وله يد في الموضوع.
وأشار إلى أنه حتى البيان الجمركي الذي يقدم إلى الجمارك ليس باسم من يحمله، ومن يتابعه ومن ينجزه، ويتم ذلك من خلال اتفاق المخلص الجمركي مع شخص ما لشراء البطاقة والبيان الجمركي، موضحاً أن هذه الاساليب الملتوية بات لها ضرر كبير على الاقتصاد السوري وتسهم في خفض موارد خزينة الدولة بسبب عدم ضبط عملية الاستيراد بالشكل الصحيح.
فساد تجاري
عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق وائل الحو بيّن أن من يقم بهذه الأعمال لا يمت بأي صلة لغرفة التجارة، منوهاً بأن غرفة التجارة لا تجري تحقيقاً لأي شخص يريد أن يحصل على سجل تجاري أو يسجل في غرفة التجارة، لافتاً إلى وجود مقومات لأي شخص يرغب في التسجيل في غرفة التجارة، أبرزها أن يكون لديه مقرّ وحاصلاً على سجل تجاري، وبموجب السجل التجاري يتم تسجيله في غرفة التجارة.
وبين الحو أن لجوء بعض التجار للاستيراد بأسماء غير أسمائهم الحقيقية يعتبر حالة من حالات الفساد، ويعود لأن البعض يرغب في الاستيراد لتحقيق غايات وأهداف غير مشروعة، ويحاول هؤلاء عندما يستوردون بطريقة غير مشروعة ألا يكون باسمهم الحقيقي لكي يبعدوا الشبهة عنهم في حال انكشف الأمر.
ولفت إلى أنه تتم محاسبة هؤلاء التجار الوهميين الذين يستوردون بأسماء غير أسمائهم الحقيقية من الجهات الحكومية المختصة، موضحاً أن أحد أهم الشروط الواجب توافرها في المنتسبين إلى غرفة التجارة هي السمعة الحسنة، كاشفاً أنه في حال ثبت تورط أي تاجر في الاستيراد بغير اسمه الحقيقي من الممكن أن يتخذ بحقه إجراءات من الغرفة قد تصل إلى حد تخفيض درجته، لأن الدرجة تعطى حسب السمعة.
تهرّب ضريبي
رأى عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق حسان عزقول أن هذه العملية تنضوي تحت بند التهرّب الضريبي، وأنه اليوم «نشاهد هذه الحالات بشكل متكرر، ونحن كغرفة تجارة قمنا بضبطها من خلال كتاب تعريف عن التاجر بأنه ذو سمعة حسنة ولديه مكتب تجاري ولديه مرجعية كتاجر حقيقي».
ولفت إلى أنه في مثل هذه الحالات تقوم غرفة التجارة بالعمل للقضاء عليها من خلال حصر التاجر الحقيقي في غرف التجارة، مبيناً أن غرفة التجارة تسعى دائماً للأفضل بالرغم من وجود مثل بعض هذه الحالات التي تعتبر شاذة.
وبالنسبة لتلافي لجوء بعض التجارة للاستيراد بأسماء غير أسمائهم الحقيقية رأى عزقول أنه يجب تنظيم الضريبة وإعادة هيكلة الشرائح الضريبية، «بحيث لا نفسح مجالاً للتاجر بأن يستورد برقم مفتوح، لأن بعض التجار يخافون أن يصبحوا من كبار المكلفين، لذلك يسعون إلى تصغير رقمهم من خلال استعمال أسماء وهمية، وهذا ما يسمح للتاجر بالاستيراد بغير اسمه الحقيقي».
وأوضح عزقول أن هناك حالات أخرى يلجأ إليها بعض التجار وهي الاستفادة من الأسماء الوهمية، بحيث إذا كان على هذا التاجر الوهمي ضريبة لا يكون له عنوان ولا أرضية وفي هذه الحالة من الصعب أن تحصّل المالية حقوقها المالية المترتبة على التاجر المستورد، لذلك اتخاذ المالية خطوة دفع السلفة المالية قبل وصول المادة المستوردة للاستهلاك المحلي تعتبر خطوة إيجابية لتحصيل الحقوق المالية والرسوم الضريبية.
حصر التلاعب
بين عزقول أن غرفة التجارة تقوم حالياً بحصر هذه الحالات بحيث لا يكون هناك أي تلاعب من بعض التجار، مبيناً أن غرفة التجارة تبحث عن التاجر الحقيقي وليس الوهمي، وفي حال ثبت تورط أي تاجر باستخدام أسماء وهمية لاستيراد البضائع ينحصر دور غرفة التجارة كمؤسسة حريصة على تجارها وحريصة على المصلحة العامة بالتوعية والتوجيه، لأن هناك جهات حكومية أخرى هي من تحاسب هؤلاء.
وأوضح أنه سابقاً كان أي شخص قادراً على الحصول على سجل تجاري مقابل دفع مبلغ معين، أما اليوم فقد انضبط هذا الأمر من خلال تعليمات وشروط وزارة المالية التي شددت على أن يكون لدى التاجر الراغب في الحصول على سجل تجاري عمال ومنشأة ومحل يزاول فيه المهنة، مشدداً على أن بعض التجار لم تناسبهم هذه الشروط والتعليمات التي كشفت عن حالات كثيرة من التجار المتهربين ضريبياً، لافتاً إلى أنه يجب معاقبة من يقوم بعمليات التلاعب هذه.