الأمين العام للجالية السورية في مصر عمار الصباغ لـ «الاقتصادية»: استثمارات رجال الأعمال السوريين في مصر تجاوزت 10 مليارات دولار
عودة الصناعة المهاجرة.. لجنة تحاور الصناعيين السوريين لإعادة تشغيل مصانعهم في سورية - الشهابي: استقطبنا مستثمرين من مصر لكنهم غادروا لعدم وجود جوّ استثماري حقيقي
علي نزار الآغا
في خطوة، ليست جديدة من حيث المضمون، عاودت الحكومة الحديث عن عودة رجال الأعمال السوريين في الخارج، للاستثمار في بلدهم الأم سورية، وذلك من خلال تشكيل لجنة معنية بهذا الخصوص، يترأسها رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس الشهابي ورئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس ورئيس غرفة صناعة حمص لبيب الإخوان.
تأتي هذه اللجنة بعد أكثر من ثمانية أشهر من زيارة لوفد رجال أعمال سوريين في مصر، أجروا لقاءات موسعة مع الحكومة في سورية، وحمّلوا بوعود كثيرة لدعم إعادة استثماراتهم في سورية وإقلاع معاملهم المتوقفة.
تعليقاً على موضوع اللجنة، صرّح رئيسها فارس الشهابي لـ «الاقتصادية» بأنه قبل تشكيل اللجنة «استقطبنا العديد من المستثمرين من مصر، لكنهم غادروا مجدداً بسبب الظروف وبسبب عدم وجود جوٍّ استثماري حقيقي داعم للتعافي والتشغيل»، مبيناً أن هدف اللجنة اليوم باستقطاب رجال الأعمال السوريين في الخارج لا يحتاج إلى زيارات واجتماعات بقدر ما يحتاج لخطوات حقيقية عملية «تذلل العقبات وترعى الإنتاج وتشجعه وتحميه من الفساد ومن العراقيل المختلفة».
وأضاف الشهابي: «لقد بدأت الحكومة مشكورة باتخاذ خطوات كهذه ورعت المؤتمر الصناعي الثالث في حلب، وقدمت بعض التسهيلات، ونحن مازلنا بانتظار تقديم تسهيلات أكبر كإعفاءات من الغرامات والفوائد للمناطق المتضررة وتخفيض تكاليف الإقراض وقانون الاستثمار الجديد والاستمرار بمكافحة التهريب والأتاوات، وإعادة فتح مطار حلب الدولي وطريق حلب دمشق الدولي، وحلّ مشكلات حوامل الطاقة وغيرها من الأمور التي تسهم في خلق جو إيجابي مشجع للعمل والاستثمار، وإلا فسوف تفشل جهودنا وسوف نفقد مصداقيتنا للأبد».
وتابع قائلاً: «مع ذلك لن ننتظر تحقيق كل ذلك، وبدأنا بتكليف أحد أعضاء اللجنة بفتح مكتب تواصل للاتحاد في القاهرة لمتابعة كل مشكلات الإخوة هناك لمساعدتهم على متابعة أعمالهم في سورية».
وختم الشهابي تصريحه بالقول: «إن الإسراع في تنفيذ توصيات المؤتمر الصناعي الثالث هو أفضل طريقة لاستقطاب رؤوس الأموال المهاجرة، وإقناعها بالاستثمار في الوطن، وهي لا تحتاج أصلاً إلى دعوة من أحد لتزور بلدها».
من القاهرة
للتوسع حول الأمر تواصلت «الاقتصادية» مع الأمين العام للجالية السورية بمصر وهو رجل الأعمال عمار الصباغ الذي ترأس الوفد الذي زار دمشق في أواخر شهر حزيران العام الماضي (2018)، وقد أكد تنفيذ بعض الوعود التي قدمت لهم أثناء لقاءاتهم مع رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزارء والمسؤولين، لكن هناك جزءاً مهماً من تلك الوعود لم يصدر فيها قرارات أو قوانين حتى تاريخه، منوهاً بأن استثمارات رجال الأعمال بمصر وحدها تجاوزت 10 مليارات دولار أميركي بكثير، وفي حال تم تنفيذ كامل الوعود لعاد 10 بالمئة من المعامل المتوقفة والمتضررة في سورية.
وذكر الصباغ أن رئيس مجلس الوزراء أبدى هتماماً كبيراً وشخصياً إضافة إلى اهتمام الوزراء بإعادة تنشیط الاستثمارات وتذلیل العقبات لترسیخ أهمیة الصناعة والتجارة والسیاحة السوریة واستعادة بریقها من جدید، مؤكداً أن ذلك الاهتمام كان له وقع إیجابي بین المستثمرین السوریین في مصر، ونشره «عبر البلدان التي نمتد إلیها وذلك عن طریق تنشیط أعمالنا القائمة في سوریة لتكون الرائدة في العودة، والتي بدأت فعلاً من خلال خمسة من كبرى المصانع في سوریة، یملكها خمسة من المستثمرین الذین شاركوا بالوفد، والتي أعادت التشغیل، وتسعى مع آخرین لاستعادة عافیتها، من خلال دعم الحكومة الذي تجسد في مجموعة من القرارات والإجراءات التي أعلمنا بها الوزراء في حينها»، لكن ذلك لم يستمر بزخم، إذ بقي العديد من الوعود من دون تحقيق، متمنياً على اللجنة المشكلة حديثاً لهذا الخصوص أن تتعامل بهدوء وبفعالية مع الموضوع، لأنه حسّاس جداً.
وبين الصبّاغ أن أول خطوة يجب أن تركز عليها اللجنة في عملها هو حلّ إشكالية منع السفر التي تلاحق رجال الأعمال، في أغلب الأحيان؛ لأسباب لا تستوجب ذلك فعلياً، ومن أجل ديون أو مستحقات بمبالغ زهيدة أحياناً من رتبة عشرات الآلاف، من دون تجاهل أهمية منع السفر في الحالات التي تستحق ذلك، وهي حالات يجب أن تكون خاصة، وذلك إلى جانب معالجة الإشكاليات الضريبية لمن سوف يعيد إقلاع منشأته، وتأمين قروض بفائدة مدعومة لأصحاب المعامل المدمرة جزئياً، وهنا أكد الصباغ أنهم حصلوا على وعود بتأمين قروض بفائدة 6 بالمئة أثناء زيارتهم قبل ثمانية أشهر، ومن وقتها حتى تاريخه لم يتمكن من التقدم إلى قرض للحصول عليه بهذه الفائدة، نظراً للتعقيدات في الإجراءات، والروتين.
ولفت إلى أنه في مصر يحصل أي صاحب مشروع، ومنهم السوريون، على قروض تمول حتى 75 بالمئة من قيمة المشروع بفائدة 5 بالمئة متناقصة، أي يمكنها أن تصل إلى 3.5 بالمئة، لدعم الإنتاج، على حين ننتظر قروضاً بفائدة 6 بالمئة لدعم إقلاع العمل بالمنشآت المتضررة بإجراءات ميسّرة.
وشدّد الصباغ على ضرورة توطيد الثقة بين رجال الأعمال في الخارج والحكومة، ومن أهم الخطوات في هذا السياق تأمين الطاقة من كهرباء وفيول ومازوت وبنزين لرجال الأعمال، منوهاً بأن وسط رجال الأعمال السوريين في الخارج قلقون من موضوع التهريب المنتشر في الأسواق السورية والذي يؤثر في الإنتاج الوطني، مبيناً أن دعم الإنتاج المحلي هو الطريقة المثلى للحدّ منه، ومحاربته، لافتاً إلى أن الخلافات بين رجال الأعمال في سورية حول قضايا الاستيراد، بين منعه والسماح به، هي إحدى القضايا الحساسة أيضاً، ويجب حسمها، لافتاً إلى ضرورة منع استيراد ما ينتج محلياً لحماية الصناعة الوطنية كهدف رئيس للاقتصاد الوطني، وضرب مثالاً بأن الحرامات المهربة تغزو أسواقنا على حين أن معامل حرامات محلية ذات جودة عالية تضاهي المهربة لا تعمل بأكثر من 10 بالمئة من طاقتها الإنتاجية، لذا فالمطلوب دعم سلسلة من عمليات الدعم، لا تقف عند الطاقة والقروض والضرائب، بل تتجاوزها إلى المواد الأولية لتمكين الصناعة المحلية للمنتجات ذات الأولوية، من تغطية الطلب المحلي، إضافة إلى تعديل المرسوم التشريعي رقم 26 الخاص بتسوية القروض المتعثرة قيد العمل حالياً والذي يسمح للمتعثر بسحب قرض جديد لإعادة إقلاع العمل بمنشأته المتضررة.
وأشار إلى أن دور اللجنة وغرف الصناعة حالياً يجب أن يتركز على إجراء مسح ميداني للمشاريع والمنشآت المتوقفة عن العمل والمتضررة والتواصل مع أصحابها في الخارج، وحتى الداخل، لتأمين مقومات إعادة إقلاعها مجدداً، وخاصة التمويل المدعوم.
وعند تحسن ظروف الإنتاج يمكن الحديث عن معاملة جديدة للقطاع الإنتاجي تناسب المرحلة الجديدة وتضمن استمرارية العمل لدعم النمو الاقتصادي، لكن الأولوية اليوم هي لإعادة الإقلاع بالعمل، وهذا يتطلب إجراءات استثنائية، تلخصها وعود الحكومة في الزيارة قبل ثمانية أشهر.
تكليف أحد أعضاء اللجنة فتح مكتب تواصل لاتحاد غرف الصناعة في القاهرة لمتابعة كل المشكلات
الوعود بالتفصيل
ذكر الصباغ أن الوعود الحكومية خلال الزيارة في حزيران الماضي كانت متنوعة وشاملة وتلبي احتياجات دعم الإنتاج المحلي وإعادة إقلاع المعامل والمشروعات المتوقفة والمتضررة، في مختلف المجالات، ففي الصناعة مثلاً، أعربت وزارة الصناعة عن جاهزيتها لعمل صیغ تشاركیة بین المستثمرین من القطاع الخاص والقطاع العام، ودعم التصدیر من سوریة إلى مصر من خلال الوصول إلى سعر غزول منافس وكذلك أسعار منتجات القطاع العام عموماً، والسماح باستیراد الآلات المستعملة من دون جمارك وفق القانون الحالي، ما یسمح باستعادة الآلات المسروقة من المصانع السوریة إلى تركیا والتي لیست من منشأ تركي، مؤكدة مساندة وزارة الصناعة للصناعیین لتحدید كمیات المستوردات من بنود جمركیة معینة خاصة بالمصانع، بحیث یكون من السهل على وزارة الاقتصاد السماح باستیرادها من خلال مخصصات.
أما وزارة المالية فقد تلخصت رؤیتها بخلق نظام ضریبي وتسهيلات حقیقیة تساعد رجال الأعمال في إعادة تشغیل استثماراتهم والبدء باستثمارات جدیدة من خلال إعفاء المكلفین من ضرائب الدخل فترة الأزمة في المناطق المدمرة وخارج السیطرة، ومنح فترة سماح للمكلفین لمباشرة دفع الضرائب المترتبة علیهم قبل الأزمة من خلال جدولة، والمساعدة في إلغاء منع المغادرة بحق المكلفین لتسهيل قدومهم وتسویة أوضاعهم.
إضافة إلى منح قروض بفائدة مخفضة ٦ بالمئة للمشاریع والمصانع المتضررة والمشاریع الجدیدة التنمویة، إذ تم تخصیص ملیاري لیرة سوریة لدعم الحرف من خلال قروض للمشاریع الصغیرة والمتناهیة الصغر، وتفعیل مؤسسة ضمان مخاطر القروض الصغیرة والمتوسطة، وإلغاء ضریبة الرواتب والأجور للمنشآت المتوقفة والمتضررة بتقریر المحافظة، والمساعدة في تسویة القروض المتعثرة من خلال لجنة على مستوى رئاسة الوزراء لدراسة كل مكلف على حدة، وإقراض المتعثرین من خلال تعدیل القانون ٢٦ لمنحهم قروضاً جدیدة تساعد في تعافيهم لسداد التزاماتهم، وصياغة قانون استثمار جدید یمنح إعفاءات ضریبیة للمستثمرین.
أما وعود وزارة الاقتصاد فقد تلخصت بالمساندة من خلال دعم الصادرات ودعم تكالیف الشحن أسوة بتجربة معرض دمشق الدولي، بالإضافة إلى دعم الصادرات دعماً نقدياً أسوة بالألبسة وبعض المنتجات الزراعیة، ومخصصات محدودة لاستیراد المواد الأولیة الخاصة بالصناعة ولمدة محدودة، وإیجاد تغطیة للقطع الأجنبي الصناعي والتجاري.
على حين، أعربت وزارة السياحة عن استعدادها لدعم ترمیم المشاریع السیاحیة ذات الطابع التاریخي والأثري، وتفعیل الخريطة السیاحیة الاستثماریة من خلال مشاركات بین القطاع الخاص ووزارة السیاحة فیها الأفضلیة للمستثمرین السوریین.
وزارة الشؤون الاجتماعیة والعمل أكدت للوفد أن أولویة استعادة المستثمرین السوریین تتم من خلال حزمة من الإجراءات المتفهمة لوضعهم الاستثنائي من خلال عدم تحملهم غرامات بسبب تعطل أعمالهم غیر الإرادي، وبالتالي فإن التأمينات الاجتماعیة لن تطالب باشتراكات العمال للمصانع المتوقفة فعلاً، ولن یترتب علیهم اشتراكات أو غرامات.
إضافة إلى تأكيدها أن قانون العمل الجدید سوف یخدم الحالة الاجتماعیة ولیس حال العامل فقط من خلال تفعیل الصندوق الصحي وصندوق البطالة إضافة إلى صندوق إصابات العمل، إلى جانب دعم المناطق الصناعیة الصغیرة لتسریع التعافي، والمساعدة في تأمین العمالة من خلال مكتب التوظیف في الوزارة الذي وعد تأمین العمالة وتسهيل تدريبهم.
كما أعلنت محافظة حلب عن دعم إعادة تشغیل المشاریع بقوة من خلال تأمين الخدمات، إضافة إلى دعمها المطلق لمشروع إعادة تأهيل المناطق الصناعیة المتضررة من خلال تعدیل النظام العمراني لهذه المناطق والمساعدة في إنهاء تطویرها بأقصى سرعة.
بناءً على ما سبق، تمت مخاطبة رجال الأعمال السوريين في مصر وغيرها أيضاً، بأن أبواب الحكومة مفتوحة لمساعدة المستثمرین على استعادة نشاطهم بأقصى سرعة، «ولن یتوانى المسؤولون السوریون عن خدمة المستثمر لما فیه مصلحة وطننا بأي شكل من الأشكال، وإننا نعرب عن امتناننا وتقدیرنا لاهتمام الحكومة السوریة بمشكلات المستثمرین وإیجاد حلول سریعة لها».
ونوّه الصباغ بأن ذلك تم بموجب كتاب أرسل إلى عدد كبير من المستثمرين السوريين في الخارج تضمن أيضاً تفصيل تلك الوعود، تم التأكد خلاله «بأننا وجدنا ما توقعناه من اهتمام وإدراك للواقع ولحجم الأزمة التي لن یصعب على السوریین تجاوزها، ونأمل أن نكون معاً منبراً لنشر هذا التوجه الحكومي لدى الإخوة السوریین المستثمرین في البلدان التي نصل إليها، بحیث نساهم في إعادة إحیاء مشاریعنا القائمة في سوریة، والتي تعافت مناطقها، وأصبح من الممكن العودة إلى تشغیلها، آملین أن نكون قد ساهمنا في تذلیل بعض العقبات أمامكم، وساهمنا في تشجیعكم من خلال ما قمنا بإعادة تشغیله من مشاریعنا في سوریة لنكون معكم رائدین في إعادة تحریك عجلة الاقتصاد».
وختم الصباغ بأن العديد من تلك الوعود لم تنفذ بعد أكثر من ثمانية أشهر من إطلاقها، وهذا ما قد يؤثر في عامل الثقة بين رجال الأعمال والحكومة، مبدياً تفهمهم لواقع الحرب وظروفها، وتنفيذ الحكومة مشكورة للعديد من الوعود رغم ذلك، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة الاستعداد للمعركة الاقتصادية، حيث الإنتاج أقوى سلاح فيها.