تجار مواد أم تجار أزمات؟!.. أسواق دمشق تشتعل من جديد.. والمواطن خارج الحسابات.. خبير لـ«الاقتصادية»: رغم انسيابية السلع في الأسواق وصلت نسبة ارتفاع أسعار السلع بين 30-٤٠ بالمئة خلال أسبوع واحد
|بارعة جمعة
«هؤلاء هم تجارنا.. لم ولن يتغيروا.. ومن يطالب بتعديل القانون رقم ٨ لحمايتهم.. فليكف عن المطالبة»، لسان حال المواطن السوري بكل فئاته ومستوياته، الغني منه والفقير، نداء مستعجل لمواجهة حرب من نوع آخر، يقوده التاجر بنفسه، والغاية هنا لاتبرر الوسيلة، أمام سيناريوهات الحرب العسكرية، التي غدت بوابة لجشع التجار وفجورهم، ولاسيما أمام الواقع الإنساني الصعب لمن هم تحت النار ومن هم خارجها.
رصد ميداني
واقع لم يعد خافياً على أحد، كما أن أسواق العاصمة دمشق تثبته يومياً، التي سجلت في معظم السلع الأساسية للمواطن ارتفاعا ملحوظاً، بلغ ٣٥-٤٠ بالمئة عما سبق، حيث إنه ومن خلال جولتنا في منطقة ركن الدين، سجل سعر كل من كيلو السكر ٢٢ ألف ليرة أي بفارق كبير عن السابق، أما الزيت النباتي فسجل سعر ١٦٠ ألف ليرة لكمية ٤ كيلوات، أي إن الفارق بالسعر بلغ قرابة ٦٠ بالمئة عما كان عليه، أما الأرز فقد شهد ارتفاعاً بين ٤٠٠٠- ٦٠٠٠ ليرة سورية حسب النوع.
وفي جولة أخرى ضمن أسواق دمشق القديمة، سجل كيلو الأرز المصري ١٣٥٠٠ ليرة، والأرز غولدن: ٣٢٠٠٠ ليرة، أما الأرز بسمتي ٣٠٠٠٠ ليرة، والقمح المقشور ١٢٠٠٠ ليرة، والسميد ١٥٠٠٠ ليرة، أما سعر كيلو الفاصولياء الحب فبلغ ٣٣٠٠٠ ليرة، والبرغل ١٢٠٠٠ ليرة، الحمص الحب ٢٥٠٠٠ ليرة، وسعر كيلو الفول ١٣٠٠٠ ليرة، أما الطحين (الفرط) فسجل الكيلو الواحد منه ٧٥٠٠ ليرة.
السهل الممتنع
لم يخف تجار أسواق دمشق القديمة مشكلة السوق، ولاسيما في فترات التوتر التي يعيشها، بين ارتفاع وانخفاض، تداول غير منتظم لسعر الصرف، الذي لاشك أنه المؤثر الأول بعملية البيع والشراء، حيث أكد أحد تجار محال بيع الجملة والمفرق في دمشق القديمة أثناء حديثه مع «الاقتصادية» – رفض ذكر اسمه-، أن الأمر يعدّ معقداً وسهلاً في الوقت ذاته، حيث إنه لا يمكن لأحد أن يجبر التاجر على فعل أمر لا يريده، شارحا مبدأ التعويض بالتجارة، القائم بالأساس على العمل المتواصل، ووضع نسب ربحية متباينة حسب الظرف، أي أنه في حال تم البيع بمبلغ ١٠٠٠ ليرة، يجب أن يكون التعويض قرابة ٩٥٠ ليرة على سبيل المثال، أما في حال معرفة التاجر فإنه لن يعوض بمبلغ ٩٥٠ ليرة، لكون البضاعة مفقودة، سيضطر للبيع بمبلغ ١٢٠٠ ليرة، والمبرر هو أنها فترة الانقطاع الى جانب وجود مصاريف وأعباء لديه ووو.. الخ.
بالطبع، هذه المعادلة لا تتحقق في حال توفر البضائع ووجود تنافسية حقيقية بحسب تأكيدات التاجر، في حين ما نعيشه الآن هو ضمن الحد الأدنى ودون وجود مخازين إستراتيجية كبيرة، علما بأن مفهوم المخازين الحالية يختلف عن مفهوم المخازين الاستراتيجية.
وهنا يعود التاجر للتأكيد على أن التنافسية والوفرة واستقرار التشريعات والأمان النفسي هو أساس انخفاض الأسعار وتوازنها مع الكلفة.
سيناريو مكرر
حالة من تكرار المشهد ذاته، بدءاً من حرب أوكرانيا مع روسيا ومروراً بكارثة الزلزال، وصولا إلى دخول الإرهابيين مدينة حلب، الذي يترافق دوماً بحالة خوف من القادم، وبالتالي، انعكاس ذلك على السلوكيات الشرائية والاستهلاكية للتاجر والفرد بآن معاً.
أما اليوم، فما تشهده أسواقنا المحلية من تحرك مفاجئ في الأسعار، يشبه إلى حد كبير ما حدث بالتزامن مع اندلاع الحرب الأوكرانية مع روسيا وفق توصيف الخبير الاقتصادي عبد الرزاق حبزة للواقع، مبيناً خلال حديثه مع «الاقتصادية» الأثر النفسي لدخول الإرهابيين مدينة حلب، الذي تبين انعكاسه الأكبر على الوضع المادي ككل، مسجلاً ارتفاعات بأسعار المواد الأساسية للمواطن.
غير مبرر
وهنا يؤكد الخبير حبزة بصفته أحد أعضاء لجنة التسعير المركزية في وزارة التموين، أنه وخلال الاجتماع الأسبوع – يوم الثلاثاء – لم يلحظ أي اختلاف بالكميات المستوردة للتجار، وذلك ضمن ٣٠ – ٤٠ إجازة استيراد لمواد أساسية مثل: (الرز، السكر، الزيت، الشاي، الطون السردين)، حيث إنها لم تسجل أي فروقات بالأسعار أو نقص بالكميات المستوردة لها، كما أن إجازات استيرادها مستمرة بالعمل، بالتزامن مع إصدار الصكوك السعرية للمواد بشكل منتظم، وهو إن دل على شيء، فهو أن البضائع لازالت موجودة ضمن المستودعات.
أما عن ظاهرة الاحتكار التي تلازم كل نشاط تجاري ضمن الأزمات، فيعود الخبير عبد الرزاق حبزة ليؤكد بأن منشأه نفسي بالنسبة للتاجر، نتيجة الخوف من ارتفاع الدولار، الذي شهد إقبالاً كثيراً عليه على حد تعبيره، ما انعكس اختلافاً بالأسعار.
وبالمقابل، يجد حبزة أن المواطن شريك أيضاً في حدوث الارتفاع وقت الأزمات، عبر إقدام البعض- نسبة قليلة- بشراء مواد إضافية خوفا من فقدانها، ممن لديه قدرة شرائية، ما يسهم أيضاً برفع سعر السلعة نتيجة الإقبال عليها فقط.
أما اليوم، ومع تحديد انسيابية المادة نتيجة الخوف من الغد، إلى جانب توافر السلع، فيؤكد حبزة أن ارتفاع الأسعار غير مبرر، داعياً لمراقبة الأسواق عبر حملات رقابية، لكون هذه المواد التي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً ليست منتجة بمدينة حلب بالأساس، لكن العامل النفسي يحكم السوق اليوم.
مَنْ المسؤول
وفي العودة للسؤال الأهم.. من المسؤول عن ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية؟!!
يتساءل الخبير الاقتصادي جورج خزام: ماذا يعني أن يكون سعر صرف الدولار في حلب هو 25,000 ليرة سورية، حسب صفحات الفيسبوك المجهولة المصدر؟
بالطبع هو مؤشر لانهيار الإنتاج والارتفاع الكبير بالأسعار في حلب وزيادة الكساد، حيث إن تكاليف الإنتاج سيتم تقويمها وفق سعر صرف أعلى بكثير من جميع المحافظات الأخرى، إلى جانب تحول حلب من الإنتاج إلى الاستهلاك، أي من سوق إنتاج البضاعة الوطنية إلى سوق تصريف للبضائع التركية، بالإضافة لتحول حلب إلى سوق لجني الأرباح بملايين الدولارات بفترة قصيرة، وذلك من خلال شراء الدولار من باقي المحافظات وتصريفها في حلب للاستفادة من فارق 40 بالمئة.
أما عن حال باقي المحافظات، فيتوقع الخبير خزام أنه سيتم اعتبار سعر الصرف في حلب هو السعر الحقيقي ويجب اللحاق به، ما يؤدي لزيادة الطلب على الدولار في باقي المحافظات، أي إن البضائع في باقي المحافظات سيتم بيعها بسعر أعلى بكثير من السعر المتداول، على اعتبار أن هنالك ارتفاع سريع وقريب بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء.
وهنا يعود الخبير جورج خزام للتأكيد بأن سعر صرف الدولار في السوق السوداء هو سعر وهمي، لعدم وجود منصة رسمية لمعرفة سعر التوازن الحسابي الحقيقي بين العرض والطلب بالمركزي بالسعر المنخفض وفي السوق السوداء السعر مرتفع.
تخبط وضبابية
حالة من عدم الاستقرار، أكدها المراقبون لعمليات البيع والشراء والاستيراد والتصدير، وسط البطء الشديد بعمل المنصة وزيادة تكاليف الاستيراد بنسبة ٣٥ بالمئة بالحد الأدنى، حيث إنه ووفق مراقبين لعمل المنصة مؤخراً، فإن جميع البضائع في سورية هي أعلى بكثير من كل دول العالم، يرافق ذلك تراجعاً بكمية البضائع المعروضة للبيع مقارنة بحجم الطلب ومعه الارتفاع الحتمي بالأسعار.
ليبدو هنا بأن إلغاء منصة تمويل المستوردات وتحرير الأسواق، هو الشرط الأول لتحريك العجلة الاقتصادية وزيادة الطلب والاستهلاك والإنتاج لتخفيض الأسعار بزيادة العرض، ولتلبية كل طلبات الشراء، بعيداً عن المنصة.
ما ذكر آنفا، دفع بالكثير من الخبراء الاقتصاديين لمطالبة مصرف سورية المركزي السماح للمستوردين بتمويل مستورداتهم من أي مصدر، وإيقاف إلزامهم بالمنصة ولو مؤقتاً، لعدم قدرتها بالوقت الحالي على تلبية ارتفاع الطلب على الدولار، بسبب تراجع التصدير الناتج عن خروج مصانع حلب من السوق الاقتصادي السوري، إضافة لسد النقص الذي سيحصل بالمنتجات التي كانت تنتجها تلك المصانع، ما سيرفع الحاجة لكتلة نقدية من القطع الأجنبي لتغطية استيراد تلك المنتجات.
يضاف لذلك، وضع ضوابط لهذا الإجراء، ما سيؤدي إلى تخفيف الضغط على الأسعار وعلى القوة الشرائية لليرة السورية، كما أنه سيوفر الاحتياجات بأقصر مدة ممكنة.