ما مستقبل الجهاز المركزي للرقابة المالية؟.. إدارات لا تعمل بشفافية ولا تفصح عن أوراقها ومعلوماتها المطلوبة للمدققين الماليين ..نقاش في الأوساط الاقتصادية يدعو ليتبع الجهاز لمؤسسة الرئاسة أو مجلس الشعب د. كدالم: لم يتمكن الجهاز من محاسبة مسؤولين فاسدين ومن على رأس عملهم بسبب الضغوطات الممارسة عليه
|غزل إبراهيم
يأتي اجتماع رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد الجلالي مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية كخطوة إيجابية نحو تعزيز الشفافية والمساءلة في المرافق الحكومية لتحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة وضمان تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين فمن الضروري أن تقوم الحكومة والجهاز المركزي بدورهما ومسؤولياتهما باتخاذ إجراءات قانونية صارمة لمحاسبة المديرين المخالفين لضمان عدم إفلاتهم من العقاب ووضع آليات واضحة لتحسين مستوى أداء المكاتب، ما يعزز من الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد والثقة بين المواطنين والجهات الحكومية.
ونأمل أن تتمكن الحكومة والجهاز المركزي من تقديم نتائج ملموسة في محاربة الفساد ومعالجة الاختلالات لعكس جديتهم في أداء عملهم، من خلال الرقابة على أموال الدولة في ظل تحديات كبيرة تواجه سورية.
وأن يكون الاجتماع بداية لتعزيز دور الرقابة وترسيخها وتوفير مقومات نجاحها، وهذا صلب ما أكده الدكتور الجلالي، الذي أشار إلى أن نجاح العمل الرقابي المالي يتطلب بذل جهد مشترك من الجهات الرقابية من جهة والجهات العامة المعنية من جهة أخرى، مبيناً أن هذا العمل مسؤولية وطنية يجب أن يُحاسب أي مُقصر فيها.
كما أكد الجلالي أهمية أن يبادر الجهاز المركزي للرقابة المالية إلى التفكير الإبداعي في العمل الرقابي المالي وعدم تقييد التفكير بحرفية النصوص المكتوبة، فالأوضاع الصعبة التي عاشتها الجهات العامة تتطلب اجتراح حلول موضوعية وعلمية، تضمن في أن معاً إنجاز الحسابات المالية للجهات العامة وإنجاز القوائم المالية من جهة، وضمان عدم استغلال الظروف الاستثنائية لتمرير أي سلوكيات أو انحرافات تترافق بفساد أو بشبهات فساد تضر بالمال العام.
تصحيح المسار
وتعليقاً على مخرجات الاجتماع أوضح عضو مجلس الشعب السابق زهير تيناوي لـ»الاقتصادية»، أن الحكومة أدركت أهمية الرقابة المسبقة على موارد وواردات وصرفيات مؤسساتها وشركاتها ووزاراتها، ومن هذا المنطلق جاء الاجتماع النوعي لرئيس مجلس الوزراء مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية، لذلك لا بد من تفعيل دور أجهزة الرقابة وإعادة النظر بآلية عملها لتكون حصناً حصيناً للعاملين في القطاع العام، فالرقابة ليست أداة للبطش، بل هي أداة لتصحيح المسار وتصحيح الأداء، والتسليم بذلك يبعد القطاع الاقتصادي والمالي عن أي انحراف أو خلل يمكن الوقوع به.
التفكير الإبداعي
وأوضح تيناوي أن تركيز رئيس الحكومة على التفكير الإبداعي في العمل الرقابي للجهاز بعيداً عن النصوص والآليات المتبعة حالياً في تدقيق الواردات والصرفيات مهم جداً، ولا بد من إيجاد آلية جديدة في العمل الرقابي تقي العاملين في المؤسسة أوفي الشركة أو في الوزارة من المطبات التي يمكن أن يقعوا فيها، وخصوصاً في ظل الظروف الاستثنائية الحالية.
فقضية مكافحة الفساد الإداري وفقاً لتيناوي من أهم القضايا المعقدة على الصعيد الداخلي لأي دولة، نتيجة عدم قيام الإدارات أو القائمين عليها أو بعض القائمين عليها بتطبيق القانون بالشكل الصحيح أو الجهل بمواد القانون في بعض الأحيان وعدم إفصاح الإدارات عن الإجراءات أو الأسباب التي أدت إلى صدور تلك القرارات، التي لا تتمتع بالسرية، وتؤدي إلى عدم تطبيق الشفافية لكونها لا تسمح لأصحاب الإدارات العليا أو للمدققين بالحصول على المعلومات الضرورية التي لها علاقة بعمل تلك الإدارات.
أكد عليها الدستور
من جهته أكد لـ«الاقتصادية» مدير المعهد التقاني للعلوم المالية والمصرفية بدمشق الدكتور محمود كدالم، أن الرقابة المالية تكشف عن مواطن الخلل والضعف وتساعد في تصحيحها، كما أنها تساعد في التنبؤ بالمشكلات التي ستحدث قبل وقوعها، وهي عبارة عن منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والمالية والمحاسبية والإدارية بغية المحافظة على المال العام ورفع كفاءة استخدامها وتحقيق أعلى درجة من الفعالية في تحقيق النتائج، لذلك تعتبر الرقابة وسيلة وأداة أساسية في معالجة الترهل في الجهات العامة فيما لو جرى إعطاؤها الصلاحيات الكافية لذلك.
ويؤكد كدالم أن الرقابة المالية على عكس باقي الرقابات وردت في الدستور السوري، وهي أداة من الأدوات التي أكد عليها سابقاً.
صعوبات ومعوقات
رغم أهمية الرقابة ودورها المحوري في تقويم العمل وتصحيحه، إلا أن هناك عوائق عدة تقف أمامها، ومن أهم عوائق ممارسة الجهاز المركزي للرقابة المالية لدوره بالشكل الصحيح وفقا لكدالم «النص التشريعي الناظم لعملها»، فهو بحاجة إلى إعادة النظر فيه بطريقة شاملة، ولاسيما فيما يتعلق بالتبعية، حيث نجد أن الجهاز المركزي للرقابة المالية يرتبط برئيس الحكومة، (أي جهة رقابية ترتبط في عملها بجهة تنفيذية)، في حين يُفترض أن تكون الرقابة، سواء أكانت مالية أم إدارية أو قانونية، من صلب اختصاصات السلطة التشريعية أو مناطة بالقيادات المشرفة على السلطة التنفيذية كالقيادة السياسية أو رئاسة الجمهورية، ولو كان الجهاز يتبع لرئيس الجمهورية أو لمجلس الشعب، لما كان هناك من حدود لصلاحياته وخاصة القضايا التي تخصّ المناصب العليا.
ولذلك نجد حسب كدالم أن هناك مسؤولين سابقين تظهر حالات الفساد الكثيرة والكبيرة لهم بعد إنهاء تكليفهم، نتيجة عجز الجهاز المركزي عن ممارسة عمله ومحاسبتهم خلال وجود هؤلاء المسؤولين الفاسدين على رأس عملهم بسبب الضغوطات الكثيرة التي تمارس عليه.
وأكبر دليل على ذلك هو وجود مواد قانونية ضمن مرسوم الجهاز المركزي تجبر الجهاز على قبول معاملات معينة ومن وجهة نظره بأنها خاطئة في حال وافق رئيس الحكومة على تنفيذها وهنا نقصد (معاملات التأشير).
دمج أم فصل؟ الجهاز
أمام خيارين أحلاهما مر
ويوضح كدالم أن من الصعوبات الأخرى التي تواجه عمل الجهاز المركزي أيضاً عدم الاستقرار الذي يعانيه، إذ نسمع أقاويل كثيرة عن دمج الجهاز المركزي بالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو عن سحب صلاحيات التحقيق من الجهاز وضمه للهيئة، وهذا الأمر لو حصل تكون الرصاصة الأخيرة في حياة الجهاز المركزي، إذ إن عمل الجهتين ليس متضارباً، ولا يمكن القبول بدمج الجهتين لمصلحة الهيئة المركزية، فوجود الجهاز المركزي حقيقة أزلية قديمة في جميع بلدان العالم المتطورة والمتقدمة، وحتى دول العالم الثالث، حيث نجد أن اسمه في بعض البلدان (ديوان المحاسبات) وفي بلدان أخرى (المحكمة المالية العليا) أو (الجهاز المركزي للرقابة المالية…)، والأفضل هو أن يجري العمل على تقوية الجهاز المركزي للرقابة المالية، بدلاً من إضعافه، إذ أن الجهاز في قانونه يعمل بالرقابة المالية والإدارية( الرقابة السابقة واللاحقة والآتية).
مقترحات وتوصيات
ولعلاج أوجه القصور وتطوير العمل الرقابي في سورية اقترح الدكتور
كدالم مجموعة من التوصيات منها:
1_ تغيير التشريع الناظم لعمله بما ينسجم مع المعايير الدولية المعتمدة للانتوساي وإعادة النظر بموضوع التبعية.
2_ إعادة النظر بالحالة المادية للمفتشين وسقف الرواتب والتعويضات.
3_ إحداث محكمة مالية مختصة، وذلك بالشراكة بين القضاء والجهاز المركزي وعدم ترك قضايا الفساد المكتشفة بعهدة القضاء بشكل كامل، إنما يتم البت في هذه القضايا من قبل المحكمة المحدثة والتي يكون قضاتها (ماليين مختصين من الجهاز المركزي وحقوقيين مختصين)، وتكون تبعية هذه المحكمة للجهاز وتشرف عليها بشكل غير مباشر وزارة العدل.
4_ إعطاء المفتشين الحصانة اللازمة والكافية وبشكل فعلي وحقيقي حتى يتمكن المفتش من أداء عمله بشكل أفضل، والحصانة أيضاً تشمل حصانة فعلية داخل الجهاز أيضاً، وليس في الجهات العامة فقط.
5_ ضرورة تبني رئاسة الحكومة ملفاً مهماً جداً، وهو العمل على تغيير ثقافة الفساد المنتشرة حالياً، حيث أصبح الفساد عبارة عن ثقافة، وهذا يتطلب تضافر جهود (وزارة التربية ووزارة الأوقاف ووزارة التعليم مع الأجهزة الرقابية المختلفة) لمعالجة هذه الثقافة المنتشرة.
6_ تأمين برامج التدريب اللازمة للمفتشين (تدريب داخلي وخارجي) وبشكل غير تقليدي حتى يتمكنوا من مواكبة التطور في مجال العمل الرقابي.
تجنب التراكمات والتأجيل
من جانبه أكد تيناوي أن هناك جهوداً كبيرة تبذل في قطع حسابات المؤسسات والشركات، وهذا إنجاز كبير ومهم يسجل للعاملين في الجهاز المركزي ووزارة المالية، ولكن يجب إنجاز الأعمال بشكل سريع ودائم، لأن التراكم يؤدي إلى مزيد من الفساد وإلى إخفاء ما يمكن إخفاؤه من عمليات صرف غير صحيحة وغير دقيقة، ويعرقل عمل الجهات التي تقوم بوضع الخطط السنوية.
وفي هذا الاتجاه اقترح تيناوي أن تكون الرقابة بشكل دائم ويومي، لنحصن العامل، ولنصل بالمعلومات إلى صاحب القرار بشكل دقيق وصحيح، فالرقيب هو الحافظ الذي يجب ألا يغيب عنه شيء، ويجب أن يتأكد من مدى تحقق الأهداف بكفاية وفاعلية بالوقت المحدد.