حكومة إلكترونية بحاجة إلى مواطن إلكتروني.. كيف الوصول إلى المواطن الإلكتروني..؟.. تامر: منصة مركزية للربط بين بيانات جهات الحكومة عبر الشركة الآمنة المعزولة عن الإنترنت
| غزل إبراهيم
مع توجه العالم نحو التحول الرقمي والأتمتة، أصبح الولوج إليه في سورية أمراً واقعاً لا مفر منه، حتى لا نجد أنفسنا متأخرين عن هذه التطورات العالمية الحتمية، وهذا ما شهدناه من خلال إقرار استراتيجية التحول الرقمي للخدمات الحكومية في سورية عام 2021 لرفع مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الشفافية والمساهمة في مكافحة الفساد.
وفي هذا الاتجاه تتابع وزارة الاتصالات والتقانة أعمالها لإتمام مشاريع استراتيجية التحول الرقمي للخدمات الحكومية سواء من حيث بناء البنى التحتية اللازمة للتحول الرقمي أم تنفيذ الناقل الحكومي الإلكتروني أو تأمين مستلزمات الربط الإلكتروني بين الوزارات، بالإضافة إلى توريد وتركيب بوابات الإنترنت.
الاقتصاد الرقمي في سورية
وفي تصريح خاص لـ«الاقتصادية» أوضح مدير التطوير التقاني في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات الدكتور أنس ذهبية أن التحوّل الرقمي يعد خياراً استراتيجياً في ظل الانتقال نحو الاقتصاد الرقمي في سورية، لأن الاقتصاد الرقمي والتحوّل الرقمي مترابطان بشكل وثيق، حيث يعد التحوّل الرقمي محركاً أساسياً لنمو الاقتصاد الرقمي، كما أن اعتماد التكنولوجيا الرقمية يمكّن المؤسسات من تحسين أدائها وزيادة إنتاجيتها، بالإضافة إلى تقديم خدمات جديدة تعزز النمو الاقتصادي الشامل.
وأضاف الدكتور ذهبية إن الاقتصاد الرقمي يعتمد على التقنيات الرقمية مثل الإنترنت وتقانة المعلومات والاتصالات، ويشمل التجارة الإلكترونية، والخدمات الرقمية مثل التعليم الإلكتروني والبث المباشر والخدمات المالية عبر الإنترنت، وتعد البيانات والتحليل جزءاً مهماً في تحسين اتخاذ القرارات وتطوير المنتجات والخدمات.
وفي سياق حديثه، أوضح أن التحوّل الرقمي يتضمن استخدام التكنولوجيا الرقمية لتغيير الطريقة التي تعمل بها المؤسسات وتقديم خدماتها، مشيراً إلى أهمية تطوير العمليات وتعزيز الثقافة المؤسسية والابتكار، بالإضافة إلى تحسين تجربة العملاء واستخدام البيانات لتحسين الأداء واتخاذ القرارات.
وبحسب الدكتور ذهبية فإن مشاريع التحوّل الرقمي تعزّز الاقتصاد الرقمي وتسهم في قوة الاقتصاد الوطني من خلال تحسين الكفاءة وتطوير المنتجات وزيادة الوصول إلى الأسواق وتحفيز الابتكار وتعزيز المهارات، وبيّن أن التحوّل الرقمي يسهم في بناء بنية تحتية رقمية تدعم نمو الاقتصاد الرقمي وتسريع الابتكار وتحسين تجربة العملاء وتطوير المهارات الرقمية.
الاستثمار في المعلوماتية
كما أشار الدكتور ذهبية إلى أهمية الاستثمار في مجال المعلوماتية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، إذ تسهم أتمتة العمليات وتحليل البيانات في تحسين الكفاءة والإنتاجية وتطوير الخدمات والمنتجات وزيادة الوصول إلى الأسواق، حيث تسهم البيئة الداعمة للابتكار في تشجيع الابتكار والتعاون بين القطاعات، وهذا يمكن حدوثه وتعزيزه عن طريق التشاركية بين القطاعين العام والخاص.
وأكد الدكتور ذهبية أهمية تعزيز المهارات الرقمية من خلال تدريب القوى العاملة وتطوير التعليم الرقمي، مشيراً إلى أن التحوّل الرقمي يسهم في تحسين الأداء الحكومي من خلال خدمات حكومية رقمية وتعزيز الشفافية والمساءلة، كما شدد على أهمية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والأمن السيبراني لدعم جميع جوانب التحوّل الرقمي وتحقيق اقتصاد مستدام من خلال تحسين الكفاءة البيئية.
مشاريع التحول الرقمي
من جهته، تحدث مدير التحول الرقمي في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات المهندس تامر تامر لـ«الاقتصادية»، عن مشاريع التحول الرقمي التي تشكل البنية التحتية الرقمية المطلوبة للعمل الحكومي في سورية، حيث نفذت الوزارة العديد من المشاريع المهمة التي تتيح للوزارات تطوير خدماتها الرقمية بسهولة.
وأوضح المهندس تامر أن من أهم مشاريع الوزارة هي منظومة التوقيع الرقمي التي تم تشغيلها بالخدمة، التي تسهم في تسهيل وتسريع تبادل المعلومات بين الجهات العامة وتمكينها من تقديم خدمات رقمية موثوقة.
وبخصوص ناقل البيانات الحكومي، أشار المهندس تامر إلى إنجاز المرحلة الأولى منه، وسيتم البدء بتنفيذ المرحلة الثانية بداية عام 2025، ويعتبر الناقل منصة مركزية للتكامل والترابط بين بيانات الجهات الحكومية لتقديم الخدمات الحكومية إلكترونياً عبر الشبكة الحكومية الآمنة المعزولة عن الإنترنت.
أما بالنسبة لمركز الحوسبة السحابية، أوضح المهندس تامر أنه يتم تشغيل السحابة الحكومية من الهيئة الوطنية لخدمات تقانة المعلومات، وهذا المشروع يسهم في استضافة جميع الخدمات الحكومية وتوفير تكلفة شراء التجهيزات وتحديثها، وضمان توافرية الخدمات وموثوقيتها.
كما نفذت الهيئة الوطنية لخدمات تقانة المعلومات وفقا لتامر نظام إدارة الأحداث وأمن المعلومات (SIEM)، وحاليا انتهت الوزارة من تدريب العاملين على هذا النظام الذي يهدف لمراقبة 100 أصل معلوماتي، وفي المرحلة الثانية، ستنفذ الهيئة مركز عمليات الأمان (SOC) في عام 2025، بهدف تعزيز الحماية الأمنية المعلوماتية من مخاطر الهجمات السيبرانية الداخلية والخارجية.
وأكد المهندس تامر أن مشاريع التحول الرقمي وفقاً للاستراتيجية الوطنية تشمل مشاريع خطة عام 2022، وتتضمن السجل الصحي الوطني، السجل الصناعي، إدارة التصريح الإلكتروني لنقل البضائع، إدارة عمليات المركبات التجارية، السجل التجاري، نظام الإدارة الضريبية المتكامل، ومنصة المستثمرين.
منظومة المشتريات الحكومية
تعتبر منظومة المشتريات الحكومية، منصة رقمية على الإنترنت تتيح تقديم طرق تأمين احتياجات الجهات العامة وتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص وإدارة المال العام، ويتكون المشروع من خمس مراحل، وتم تنفيذ الأربع الأولى ويتم حالياً التشغيل التجريبي للمرحلة الخامسة وفقاً لتامر.
في حين تشمل مشاريع خطة عام 2023 تذكرة السفر الإلكترونية، منظومة الفوترة الإلكترونية، منظومة تتبع تنفيذ المشاريع، وأتمتة إجازة الاستيراد.
وفيما يتعلق بمشاريع عام 2024، أوضح تامر أنها تشمل مشروع منظومة التوافق البيني الذي يهدف إلى تحقيق منظومات متفاعلة ومتوافقة في بياناتها عن طريق منظومة بينية قابلة للتوسعة متكاملة مع الناقل الحكومي، كما تشمل مشروع منظومة الوثائق الرقمية الذي يهدف إلى إصدار الوثائق الرسمية بشكل رقمي للتحقق من صحتها وسلامتها باستخدام التوقيع الرقمي والتشفير، والمتوقع انتهاء المنظومة خلال الشهر العاشر من عام 2025.
وأكد المهندس تامر تامر أن هذه المشاريع تسهم في تعزيز التحول الرقمي وتطوير البنية التحتية الرقمية في سورية، ما يتيح تقديم خدمات حكومية متميزة وموثوقة، وتحقيق التنمية المستدامة.
تحديات ومعوقات كبيرة
ولكن مشروع التحول الرقمي يصطدم بمعوقات عديدة تتمثل في ضعف البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء والاتصالات والربط الإلكتروني، وغياب الخدمة المصرفية المتكاملة، وجهل وعدم مواكبة شريحة كبيرة من المواطنين بثقافة التعاملات الإلكترونية.
فبالنسبة للبنية التحتية فإنها تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء، وجميعنا يعاني واقع التقنين الصعب، كما أن القطاع المصرفي والاتصالات يعاني ضعف البنية التحتية من نقص الصرافات وأجهزة الخدمة الذاتية، ما يتطلب العمل على زيادة عدد الصرافات وأجهزة الخدمة الذاتية والالتفاف على العقوبات المفروضة عن طريق استيرادها من دول صديقة كالصين مثلا، ودعم هذه الصرافات بمنظومات الطاقة البديلة في جميع المصارف.
أما المشكلات المتعلقة بثقافة المواطن الإلكترونية فتتمثل بضعف التدريب والتأهيل في مجال تكنولوجيا المعلومات لدى المواطنين والعاملين بالموارد البشرية في القطاع العام وغلاء أسعار أجهزة الهاتف والكمبيوتر المحمول، وعدم وجود الحوافز المالية الكافية.
فالمواطن الإلكتروني هو في الحقيقة مواطن عادي، ولكن زوّد بمهارات تمكنه من استخدام الخدمات الإلكترونية المتاحة في بوابة حكومته الإلكترونية، وعلى الحكومة إعداد مواطنيها وتدريبهم وتعريفهم على الخدمات المتاحة والتعرف على الخدمات التي يحتاجونها، تماماً مثلما تقوم بإعداد موظفيها، هدفها في ذلك زيادة عدد مواطنيها على الانترنت، وجعلهم شركاء حقيقيين عن طريق الاستبيانات، وأدوات قياس الرأي العام التي يجب أن تتضمنها البوابة، والعمل على زيادة الخدمات المتاحة وتحسينها، وهذا يتضمن التعليم والمساعدة والتدريب وتبسيط الإجراءات، ما يوفر على كلا الطرفين الجهد والوقت، ويؤمن مصادر البيانات المناسبة في صنع أي قرار مستقبلي يؤثر بشكل إيجابي في سبيل تحقيق الأهداف والسياسات التي تضعها الحكومة، عن طريق إعادة هندسة جميع الإجراءات الحكومية المتعلقة بالمواطن، ويجب تقريب الحكومة للمواطن من خلال توفير إمكانية الوصول للخدمات الحكومية في أي وقت وفي أي مكان وبتكلفة ميسرة.
وفي كل الأحوال فإن المواطن العادي لا يمكن له أن يتحول إلى مواطن إلكتروني إلا من خلال توافر مجموعة من الحقوق والامتيازات التي يمكن أن تسهم إيجاباً في زيادة إقبال المواطن على خدمات الحكومة الإلكترونية من خلال زيادة الرواتب، وارتفاع مستوى التعليم وارتفاع مستوى المعرفة بالحاسوب والانترنت وارتفاع مستوى المعرفة بمتطلبات الحكومة الإلكترونية وتوافر الثقة لدى المواطنين في هذه الخدمات.