حوافز لتشجيع قنوات الاستثمار.. تعديلات استثمارية تطول كلاً من قطاعي العقارات والنقل.. مدير هيئة الاستثمار السورية لـ«الاقتصادية»: الهدف من التسهيلات إسهام القطاع الخاص إلى جانب العام بزيادة الطاقة النقلية المتاحة بالشراكة
| بارعة جمعة
من باب الحرص على دعم ما تبقى من مبادرات محلية، وفي سياق الخروج بأفكار جديدة من خارج الصندوق، التي دعا إليها رئيس الحكومة في اجتماعاته الأخيرة، وفي محاولة لتعديل نمط العمل الاستثماري في البلاد، والتوجه إلى القطاعات الأكثر تأثيراً في نشاط الدورة الاقتصادية، واستكمالاً لما جرى طرحه سابقاً في مجال التطوير العقاري، جرى اعتماد تعديلات وزارية ضمن أفق الاستثمار العقاري في البلاد، ضمن قاعدة فتح الأبواب للاقتراحات التي جرت مناقشتها سابقاً.
وانطلاقاً من اعتماد مبدأ المرونة في التعامل مع المستثمرين، وتلبية تطلعاتهم في قطاعات محورية، تشكل عصب الحياة والاستقرار للفرد، والداعم الأكبر لزيادة الإنتاجية في القطاعات القائمة بشكل رئيس على توافر النقل والعقار لكل من يرغب البدء بأي نشاط اقتصادي.
نقاط عدة خرجت بها هيئة الاستثمار، أكدت من خلالها مديرة الهيئة ندى لايقة عبر لقاء خاص مع «الاقتصادية» أهميتها لجهة التشاركية بين القطاعين العام والخاص بالنهوض في هذين القطاعين، كما وجد بها الخبراء عبر حديثهم مع «الاقتصادية» انعكاسات إيجابية على المجتمع كله.
تحقيق المرونة وتعزيز التشاركية
حالة من التطوير لمحددات المشاريع في قطاع التطوير والاستثمار العقاري، بحيث تصبح أكثر مرونة وتلبي تطلعات المستثمر أولاً واحتياجات هذا القطاع ثانياً، من هنا انطلقت مديرة هيئة الاستثمار ندى لايقة في حديثها مع «الاقتصادية» عن الغاية الأساسية لهذه التعديلات، من خلال الفصل بين إجراءات تأسيس الشركات والحد الأدنى من رأسمال هذه المشاريع، بما يضمن استفادتها من حوافز ومزايا القانون 18 لعام 2021 وتعديلاته، إلى جانب الاحتفاظ بما تبقى من الحدود الدنيا لتأسيس شركات التطوير والاستثمار العقاري وفق قانون الشركات.
كما تقوم هيئة الاستثمار السورية وفق تأكيدات لايقة بالتعاون مع الجهات العامة المعنية بوضع محددات لرأسمال المشاريع، ومن ثم عرضه لاحقاً لدراسة إقراره، مع عدم إلزام الشركات المرخصة سابقاً بموجب القانون 15 لعام 2008 برفع الحد الأدنى من رأسمالها وإبقائه وفق ما رخصت عليه في السابق.
كما أنه وفي إطار السعي لحل مشكلات وتحديات النقل والمواصلات التي تواجه المواطنين والعاملين في شتى القطاعات الاقتصادية، تم إدراج قطاع النقل الداخلي ضمن الأنشطة المستفيدة من قانون الاستثمار 18 لعام 2021 بحد أدنى من رأس المال ومقداره 20 مليار ليرة سورية، و10 باصات كحد أدنى، والهدف هنا وفق تصريح مدير هيئة الاستثمار، هو إسهام القطاع الخاص بزيادة الطاقة النقلية المتاحة، وذلك ضمن أفق الشراكة مع القطاع العام.
زيادة الإنتاجية
لقيت هذه المزايا الكثير من الترحيب لدى قطاع الأعمال، ولاسيما قطاع النقل، الذي وجد عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن في إعطاء مزايا تفضيلية لكل من يرغب الاستثمار به انعكاسات كبيرة علينا جميعاً، أي المجتمع الأهلي، وسط إدراك الجميع كمية الاهتلاكات الحاصلة في الآليات لديه، الخاصة منها والعامة، ناهيك عن أن تكلفة إصلاحها أو استبدالها عالية جداً.
وفي حال انطلقنا من فكرة استخدام آليات قادمة من الخارج مستهلكة لمدة سنة أو سنتين، لكون الاستهلاك في الخارج يتم بعناية أكبر من بلادنا برأي الحلاق، حيث إنه بإمكاننا استخدام هذه الآليات مدة تصل إلى عشر سنوات من دون تعرضها للاهتلاك أو الإرهاق، وهو ما يعد استثماراً إيجابياً برأيه، ينعكس بالضرورة على المجتمع، من حيث تخفيف أعباء النقل بتوفير وسائل نقل جماعي، وبالتالي زيادة الإنتاجية لكون أغلب وقت الإنتاج يضيع بسبب أزمة المواصلات والنقل وزيادة أعباء الصيانة لمن يملك وسيلة نقل خاصة به أيضاً، مؤكداً بالوقت ذاته أن هذه التعديلات تعد حافزاً لكل من يريد الاستثمار بقطاع النقل، لكونه قطاعاً رابحاً وأكثر استدامة من غيره، لوجود الزبون وضمان الأرباح.
منحة منتظرة
تعتبر هذه التعديلات الجديدة على قانون الاستثمار، بمنزلة المنحة المنتظرة لعشرات الآلاف من المستثمرين المحليين الصغار، ممن كانوا ينتظرون الفرصة الذهبية للدخول إلى سوق العمل العقاري في سورية، بهذا التوصيف افتتح المحامي التجاري حيدرة سلامي، حديثه عن أهمية التعديلات بقطاع التطوير العقاري، لكونه يمثل مصدر دخل أساسياً لفئة كبيرة جداً من أصحاب العمالة الخاصة في بلادنا، ويمثل شريحة كبيرة من حجم الأعمال الحرة.
ويذكر سلامي أن من بين هؤلاء الأفراد العاملين ضمن منظومة الأعمال الخاصة، الكثير من الطموحين في إنشاء شركاتهم الخاصة، ومنحهم الاسم التجاري والشخصية الاعتبارية اللازمة للدخول في مشاريع التطوير العقاري الحكومية، كالمناقصات وعقود التعهد المشتركة بين الدولة والمواطن، واليوم جاءت هذه التسهيلات الإدارية والمالية، أحد أهم روافد قطاع التطوير العقاري المرتقبة برأيه.
نمط استثماري جديد
كما أنه وفي حال جرى دعم هذا التطور والسير به في مراحل لاحقة، سيكون بمنزلة «عرف جديد» للذين يمتهنون التطوير العقاري في بلادنا، بابتعادهم عن العمل الفني غير المنظم، وما ينجم عنه من مخالفات بنائية ومالية، وعودتهم لتنظيم سوقهم الشعبية، بحيث تدخل ضمن منظومة الأسواق الحديثة برأي سلامي.
ويضيف سلامي شارحاً الإيجابية المنتظرة لدى الحكومة من هذه التعديلات: تؤمن الحكومة اليد العاملة المطلوبة من أصحاب الخبرة الفنية والصناعية الممتازة، كما تكسب الفئة العاملة الوطنية مزايا ترخيص أعمالها، ودخولها السوق الوطنية من بابها الواسع، عوضاً عن دخولهم تحت أسماء أشخاص وسجلات مرخصة، تضاربهم على قيمة العمل، من دون توافر الحماية القانونية والمالية لهم».
ما ذكر آنفاً، يؤكد أنه ومن الواضح أن التيار التقليدي في الاستثمار الذي يعتمد على قدوم المستثمرين الكبار والعمل تحت رايتهم، لم يعد هو الهدف المنتظر من الجانب الحكومي برأي المحامي حيدرة سلامي، أي إنه من الممكن وبسهولة الاعتماد ودعم المبادرات المحلية والوطنية في المرحلة الأولى، والسير على النهج المرتقب لتطوير هذه الأعمال في المراحل اللاحقة.
إذ إنه لا يمكن الاكتفاء بهذه التسهيلات وحدها، بل لا بد من السير في خطة عمل متكاملة على عدة مراحل، لدعم هذه المشاريع الخاصة، بحيث تحصل على حصتها ونصيبها في إدارة الأعمال العامة.
هذه المبادرة ليست الأولى من نوعها في العالم برأي سلامي، بل إن التوجه الحالي يسير باتجاه تحويل قسم كبير من الخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص وبأشكاله كافة، (المتوسطة والصغيرة والكبيرة)، كما أنه وبالنظر لعمل الشركات في العالم، يجد سلامي أنه لم يعد حكراً على الشركات الضخمة، بل جرى اتباع سياسة الكمية وليس النوعية، في تأمين متطلبات العمل للأسواق الوطنية والعالمية، وهو ما رأيناه بشكل واضح في «الصين» الشعبية و«دول الخليج»، ممن ابتعدت عن تيار التعامل مع الشركات الكبرى، وأتاحت الفرصة لجميع رجال الأعمال الصغار، بتشكيل شركاتهم محدودة المسؤولية أو المساهمة أو التضأمنية، كما أنه حان الوقت برأي المحامي حيدرة سلامي، لظهور منافسة جديدة، سواء ضمن السوق المحلية الشعبية أم السوق الوطني الكبير، لكون بقاء المنافسة التجارية لأشخاص معينين، يؤدي بها دائماً لحالة من الركود، كما تصل مصالح الشركات في السوق عادة إلى مرحلة من التوازن الاستراتيجي، فيمتنع أي منهم عن التحرك، وهو ما أيقظ العالم ضرورة دعم الخبرات الفنية البسيطة، والوعي بضرورة إسباغ الصفة القانونية عليها أيضاً.
وحيث إن القطاع الخاص بدأ يتسلم مقاليد إدارة المرافق العامة للشركات الخاصة أو للأفراد، فنحن نرى أن الوقت قد حان للتغيير، وحان لإدخال الواجبات الأساسية للدولة من تأمين حق سكن وأمن وغذاء وغيره، تحت مظلة التخصيص، ولاسيما في قطاع السكن.
تنظيم الاستثمارات
كما أن مما لا شك فيه، أن القانون رقم 18 يتسم بالمرونة، كما أنه أعطى أجواء إيجابية للعمل، وهو ما ترجمته كمية المشاريع الاستثمارية بالمصانع وبالقطاعات كافة ضمن نسب عالية، بهذا التوصيف لأهمية القانون وتعديلاته انطلق الخبير في قطاع النقل عامر ديب في حديثه مع «الاقتصادية»، لافتاً إلى الإقبال الكبير على المشاريع الصناعية والسياحية والخدمية لدينا.
واليوم، بالنظر لحال قطاع التطوير العقاري، نجد أن الأولوية فيه لبناء مساكن تلبي تطلعات المواطن بامتلاكه منزلاً يتناسب مع دخله المحدود برأي ديب، إذ إنه لا يمكن اعتبار المشاريع الموجهة لطبقة محددة كالأغنياء بأنها موجهة للتنمية المستدامة، التي تتحقق فقط بمشاريع موجهة إلى الطبقة الوسطى، عبر تدخل بنكي ميسر، يأخذ رهن العقار، لحين سداد كامل المبلغ.
نعم، لصدور هذه المزايا أهميتها برأي ديب، لكون واقع العقارات اليوم هو غير صحي، كما أن قاعدة العرض والطلب في السوق غير منطقية، وما يحتاجه هو تنظيم الإدارة وإيجاد حل للمكاتب والوسطاء، لكون طبيعة عمل شركات التطوير العقاري الحالية، تشبه إلى حد كبير المكاتب العقارية، لذا يجب تنظيمها ضمن آلية عمل محددة، والحصول منها على جدوى اقتصادية خلال 5 سنوات مثلاً، كي لا تتحول الشركات مع مرور الوقت إلى مكاتب عقارية.
توجه حكومي
أما عن قطاع النقل، فنجد أن للقانون رقم 18 ميزات كثيرة، كما أن رئيس الحكومة توجه باجتماعاته الأخيرة لاقتراح وسائط النقل الكهربائية، والبعد عن وسائل النقل الملوثة للبيئة.
أما اليوم، فبات التوجه ضرورياً إلى قطاعات الزراعة والصناعة والنقل برأي الخبير الاقتصادي عامر ديب، لضمان وصول آمن وطرح شركات استثمارية كبيرة بهذا المجال، بعد فتح باب الاستيراد ضمنه، بهدف التحول إلى النقل الأخضر، واصفاً الخطوة بالمهمة لجهة تفادي مسألة العقوبات وحظر توريد المشتقات النفطية للبلاد.
أما عن الجزئية المتعلقة في تخصيص 20 مليار ليرة لتوريد 10 باصات، اعتبر ديب أن ذلك يصنف ضمن المشاريع المتوسطة وليس الكبيرة التي تحتاج 65 باصاً مثلاً، لذا يجب تصنيف المشاريع حسب السعة وكمية الاستيراد للباصات.
مؤكداً بالوقت ذاته، أن الاستثمار بالقطاع الأخضر هو الأكثر جذباً اليوم، لكون الحديث عن التحول بالنقل يشمل جميع القطاعات، كما يدعمها لوجستياً، لأن التركيز الأكبر اليوم هو على حل مشكلة النقل، وتحقيق معدلات استثمارية معينة خلال سنوات، الذي سينعكس نمواً بالمبيعات والقدرة على صناعة آليات النقل الأخضر لدينا.
نعم، هو التوجه الأهم اليوم برأي ديب، فتأمين النقل يعني حل المشكلات ضمن القطاع التجاري والزراعي التي تشكل أزمة النقل فيها بين 40 -50 بالمئة، في حين تزيد على ذلك ضمن قطاع النقل الفردي والجماعي للمواطن لتصل نحو 60-70 بالمئة، وفي حال تم الوصول لحلول، ستنخفض التكاليف على الجميع، إذ إن قطاع النقل يعد أهم حلقات الدورة الاقتصادية للبلاد.