الغاب.. غابة من الفرص … اقتراح بإعلان حكومي يعتبر سهل الغاب منطقة استثمارية بميزات خاصة.. أكاديمي يقترح تأسيس شركة مساهمة للاستثمار النباتي والحيواني
| شادية إسبر
بقيت منطقة الغاب القوة الاقتصادية الكامنة التي لم تفجرها الحكومات المتعاقبة، هي حديث الاقتصاديين والتنمويين والفلاحين وجميع السوريين، يؤكد العارفون بتلك التربة الخصبة أنه قلّ مثيلها في العالم، وتذهب أغلبية الباحثين إلى أن استثمارها الأمثل يعني أمناً غذائياً للشعب السوري وأمناً اقتصادياً، كما أنه تنمية مستدامة، والحديث اليوم لماذا لم تُستثمر ولا يجدي نفعاً بقدر ما تجدي الإجابة عن كيف نفتح هذا الخزان الضخم لنروي به شرايين الاقتصاد الجافة؟ هل تنجح الحكومة الحالية في ذلك مع خبر أنها تخطط للقيام بزيارة عمل ميدانية إلى منطقة الغاب قبل نهاية العام لإطلاق سلسلة مشاريع استثمارية لتحريك العجلة التنموية فيها، وفق مخرجات الاجتماع المصغر الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد الجلالي يوم الإثنين 18 تشرين الثاني الجاري؟
الوزارات تحضّر
في الاجتماع الحكومي تمت دراسة أوراق العمل التحضيرية التي قدمتها وزارات الموارد المائية، والزراعة والإصلاح الزراعي، والصناعة، والمالية، ومناقشة المشاريع الاستثمارية المقترحة التي تراوحت بين مشاريع بنية تحتية، بالإضافة إلى عدد من المشاريع الزراعية النباتية والحيوانية، وسلسلة من الصناعات الغذائية والزراعية.
الجلالي طلب من الوزارات المعنية تحضير ملفاتها والعنوان: «نحو مشاريع ذات جدوى اقتصادية واجتماعية، وتضمن الترابطات بين القطاعات الاقتصادية المعنية»، وبدا الخبر بمجمله بصيص أمل يحتاجه السوريون وخاصة الفلاحين في سهل الغاب ليكون حقيقة على أرض الواقع، بما يحسن ظروف عملهم ومستوى معيشتهم، فهل العين الحكومية على الغاب برؤية مختلفة هذه المرة؟ ما آفاق خلق سلسلة إنتاج زراعي وصناعي- زراعي لما يعزز إنتاجية الريف ويؤمن فرص عمل مناسبة لاقتصادات المشاريع الصغيرة والمتوسطة فيه؟ هل يمكن خلق بيئة استثمارية جاذبة؟ ماذا ينتظر الفلاح، تحسن ظروف عمله ودخله أم تكرار للسابق؟
كتلة مالية وازنة
وسط هذه الأسئلة الكثيرة والحاجة الملحة تحت الضغط الاقتصادي المتفاقم «تخطط الحكومة بهدوء وكفاءة» وفق الاجتماع، وفي سهل الغاب ستضخ «كتلة مالية، يُقال إنها كبيرة ووازنة وقادرة على إحداث نقلة نوعية»، هدوء هدفه أن تكون الزيارة المرتقبة نقطة تحول عملية وحقيقية، ليكون الحديث عن الاستثمار على أهميته تقابله ضرورات لا تقل أهمية تتمثل بتقديم الدعم لمستلزمات ومكونات العملية الإنتاجية من محروقات وأسمدة وأدوية زراعية وبذار وشتول وغيرها، والأهم التسويق وفق ما يؤكد فلاحو منطقة الغاب.
ماذا في الغاب من طاقات؟
مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب المهندس أوفى وسوف أوجز في حديث خاص لـ«الاقتصادية» معلومات بالأرقام قائلاً: سهل الغاب عبارة عن حوض زراعي نموذجي غني بموارده الطبيعية، ويؤلف وحدة زراعية اقتصادية بشرية متكاملة، يمتد محاذياً لسلسلة الجبال الساحلية من جهة الشرق بطول 65 كم شاغلاً مساحة 140799هـ، تتوزع أراضٍ قابلة للزراعة 87367 هـ، وأراضٍ غير قابلة للزراعة 13897هـ عبارة عن تجمعات سكنية وتكشفات صخرية، إضافة إلى غابات طبيعية وحراج 37164 هـ، ومروج ومراعٍ 2371 هـ.
وحول الزراعات الأنسب للمنطقة وماذا في الموسم الحالي؟ أكد وسوف أن الغاب يوفر بيئات صالحة لمعظم أنواع الزراعات المحصولية والأشجار المثمرة، وكانت المساحات المخططة لموسم 2023/2024 موزعة على الشكل التالي: قمح 55541هـ، بطاطا ربيعية2200هـ، بقوليات غذائية 2305هـ، خضار شتوية 1950هـ، محاصيل علفية شتوية 2858 هـ، نباتات طبية وعطرية 2500هـ.
الاستثمار في سهل الغاب يحقق جدوى اقتصادية عالية، برأي معاوية جبر المختص بالاقتصاد والتسويق الزراعي ودراسات الجدوى والاستثمار الذي أضاف لـ«الاقتصادية»: أن استثمار سلة سورية الزراعية موضوع قديم تناوله الكثير من الفنيين والاقتصاديين وصانعي السياسات وأصحاب القرار، هناك خصائص ومؤشرات وأرقام تشجع على الاستثمار في هذه الأرض المنبسطة السهلة الممتدة بين ثلاث محافظات، ذات التربة الخصبة جداً والمياه الوفيرة والتنوع في الزراعات من استراتيجية كالقمح والقطن والتبغ إلى الخضار والبقوليات ثم النباتات الطبية والعطرية، إضافة للثروة الحيوانية الجيدة والمتنوعة، لافتاً إلى أن معدل هطل الأمطار السنوي يتراوح بين 512 مم في السقيلبية إلى 1463 مم في شطحة.
متطلبات المرحلة
بشأن أهم وأكثر المشاريع ضرورة وإمكانية للتنفيذ وفق الواقع؟ أجاب وسوف: في الظرف الحالي يجب العمل على تفعيل المنطقة الصناعية – الزراعية التخصصية وتسهيل إجراءات الترخيص فيها وإقامة مجموعة من المشاريع نذكر منها (معمل أعلاف- معمل أجبان وألبان- معمل كونسروة….) بالإضافة إلى إنشاء مزارع لتربية الأبقار الحلوب وتسمين العجول – مزارع لتربية أغنام الحليب وتسمين الأغنام – مزارع لتربية فروج اللحم ومزارع لتربية الدجاج البياض….
وعن أيهما أجدى حالياً المشاريع الصغيرة والمتوسطة أم الكبرى الاستراتيجية؟ رأى أنه في الوقت الحالي وضمن الإمكانات المتاحة يمكن الانطلاق بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتكون نواة لمشاريع كبرى يمكن البناء عليها وتطويرها بما يسهم في تطوير الواقع الزراعي -الاقتصادي -الصناعي في المنطقة أولاً ثم إلى كامل أرجاء البلد.
ورداً على السؤال ذاته رأى جبر المختص بدراسات الجدوى والاستثمار للمشروعات الزراعية أن الاستثمار في سهل الغاب يتطلب خليطاً من تلك المشاريع، كل مشروع حسب احتياجاته المالية والفنية وحسب أهدافه وغاياته الموضوعة، فمثلاً مشاريع البنى التحتية والتصنيع الغذائي تحتاج إلى قيادة الحكومة ورأس مال كبير وشركات استثمارية متخصصة ولا يمكن للأفراد تأمين ذلك، أما المشاريع المتوسطة فيمكن أن تكون على مستوى القرية كزراعة وتجميع النباتات الطبية والعطرية، وتجميع وتسويق الحليب بشكل تعاوني، والتسويق الجماعي للمحاصيل، ويبقى الهدف من المشروع الصغير زيادة دخل الأسر التي تعمل به.
الثروة الحيوانية
في بيانات الثروة الحيوانية قال وسوف: يوجد لدى الهيئة قاعدة بيانات كاملة عن أعداد الثروة الحيوانية وأماكن توزعها في مجال عمل كل قسم حقلي، وهي موزعة (أبقار 27775 رأساً)، (أغنام 241098 رأساً)، (ماعز 95372 رأساً)، (جاموس 640)، إضافة لمزارع دواجن مرخصة عاملة31 مزرعة.
أما عن المشاريع الناجحة في سهل الغاب فقال جبر كما يراها السكان، هناك تأهيل قنوات الري الرئيسية والفرعية ما يسمح بزيادة الأراضي المزروعة.. إلخ، ومصنع لتصنيع مشتقات الحليب الذي سينعكس إيجاباً وبشكل سريع على مربي الثروة الحيوانية، إضافة لإنشاء مصنع للأعلاف لدعم هذا القطاع، وضرورة إنشاء محمية للجاموس المهدد بالانقراض، ومن الأهمية دعم قطاع الثروة السمكية علماً أنه يوجد 300 مزرعة سمك مساحتها 650 هكتاراً.
معوقات استثمار
أهم معوقات عملية الاستثمار لخصها المهندس وسوف أنها بشكل رئيسي وقوع منطقة الغاب ضمن حيزين (الحراج- الأراضي الزراعية) وبالتالي جميع الأراضي في المنطقة هي ضمن تصنيف من 1-4 وهذا الأمر يعوق إقامة مشاريع في المنطقة كون هذا التصنيف لا يسمح بإقامة مشاريع استثمارية عليها، يلي ذلك غياب الزراعات العلفية الرئيسية (فول الصويا – الفصة…..) التي يمكن الاعتماد عليها بالخلطات العلفية، إضافة لغلاء الأعلاف والتصنيع العلفي غير المطابق للمواصفات القياسية في بعض الأحيان ما أرهق الكثير من المربين وأدى لخروجهم من عملية التربية.
عوائق تتعلق بقلة مياه الري أوضحها مدير عام هيئة إدارة وتطوير الغاب أنها بسبب خروج سدود أفاميا – زيزون – قصطون عن الخدمة وبالتالي خروج مساحات كبيرة من الزراعات المروية، والتخريب الذي تعرضت له شبكات الري وخروج بعض الآبار الارتوازية عن الاستثمار أيضاً أدى إلى خروج مساحات من الأراضي المروية.
أولويات
عن الزيارة القادمة للحكومة قال جبر الذي شهد ولادة مشروع المدينة الزراعية (الأغروبولس) عام 2002 وعمل فيه عند كل مرة يتم طرح المشروع: أتمنى أن تختلف الجولة القادمة عن سابقاتها التي لم تفلح في وضع استثمار الغاب كأولوية للأمن الغذائي وزيادة الدخل الفردي والقومي، لسبب واحد برأيي هو عدم وضع إستراتيجية متكاملة للموضوع الذي يحتاج إلى خطة متكاملة تتناسب مع الأهداف التي تضعها الحكومة كل مرة، ثم البدء بالتنفيذ ولو على مراحل، لتشعر المستثمرين بجدية العمل وتشجعهم على وضع أموالهم في المشاريع التي يرونها، إلا أن كل حكومة جديدة تبدأ من الصفر من دون البناء على ما سبق ما يفقد الثقة بأهمية الموضوع وجديته.
في ترتيب الأولويات من وجهة نظر جبر تبدأ بإعلان حكومي يعتبر منطقة سهل الغاب منطقة استثمارية تخضع لقوانين وأنظمة ومميزات خاصة بها زيادة عما يعطيه قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 بما يشجع على جذب الاستثمار المحلي والدولي، والبدء بتنفيذ البنى التحتية والخدمات اللوجستية التي تعتبر ركيزة أساسية للاستثمار.
جبر أضاف: أرى تأسيس شركة مساهمة مشتركة للاستثمار النباتي والحيواني، تكون معظم أسهمها للقطاع الخاص ووفق أحكام القوانين الناظمة، والأهم أن تتوافر لدى الحكومة الإرادة والوسائل اللازمة للتنفيذ والتشاركية الناجحة مع القطاع الخاص.