العناوين الرئيسيةشؤون محلية

الوزراء السابقون.. تنظير أم خلاصة تجربة ؟!.. الإصلاح الاقتصادي يبدأ من بوابة الانفتاح وإزالة العوائق أمام الإنتاج وزيادة مساهمة القطاع الخاص.. د. عاصي لـ«الاقتصادية»: هناك من يعارض الإصلاح للاستفادة من الوضع الراهن.. وعلينا بالمسار المزدوج

|أمير حقوق

يطالب العديد من الاقتصاديين بالإصلاح الاقتصادي لإسعاف الواقع وللنهوض بالاقتصاد الوطني وتحريك عجلة دورانه، من خلال عدة إجراءات وسياسات معينة ومدروسة، وبناءً على أهمية الإصلاح الاقتصادي في الفترة الحالية، ألقت وزيرة الاقتصاد الأسبق الدكتورة لمياء عاصي محاضرة بعنوان: «خريطة طريق للإصلاح الاقتصادي في سورية» برعاية جمعية أصدقاء دمشق في المركز الثقافي بأبو رمانة الاثنين الماضي.

ملامح الاقتصاد السوري
تطرقت د. عاصي في بداية المحاضرة إلى إعطاء لمحة سريعة عن أهم الأحداث خلال الفترة من 2005- 2024، خلال عشرين عاماً، والتي شكلت أهم ملامح الاقتصاد السوري الحالي، المرحلة الأولى: الاقتصاد السوري من 2005-2011، حيث تضمنت أحداثاً وتغييرات كبرى أهمها: الجفاف الذي ضرب المناطق الشرقية والشمالية خلال الأعوام 2006، 2009، المشكلة الأساسية أن الجفاف ترافق مع أولى خطوات الحكومة لتحرير المشتقات البترولية، وقد سبب هجرة نحو 1,5 مليون ونصف المليون عامل من قراهم إلى المدن لإيجاد عمل، وتبني الحكومة السورية لاقتصاد السوق الاجتماعي واعتماد الخطة الخمسية العاشرة للتحول إلى النهج الاقتصادي الجديد، إذ حصل بشكل مجتزأ ومشوه اقتصر على التحرير التجاري الواسع، والنتيجة:عدم توازن تنموي بين المحافظات، وبين المدن والأرياف وانخفاض في الإيرادات العامة للدولة.
المرحلة الثانية، الفترة من «2012- 2019، الحرب» وتضمنت خروج الرساميل الوطنية من سورية، إلى دول مثل الإمارات، الأردن، مصر، تركيا، وانتهجت الحكومة والسلطة النقدية سياسة «الدفاع عن سعر الصرف»، حتى لو كان على حساب سياسات التحوط للحفاظ على الاحتياطيات في المصرف المركزي من العملات الأجنبية، مثل قيام البنك المركزي في عام 2011 ببيع مبلغ عشرة آلاف دولار، والتمويل بالعجز والاستدانة من المصرف المركزي، ما أدى إلى رفع معدل التضخم، ومزيد من التدني في سعر الليرة السورية، والنتيجة: التصرف بالاحتياطيات النقدية بالعملات الأجنبية، الاحتياطيات التي كانت بحدود 20 مليار دولار، وبدأ معدل التضخم بالارتفاع الكبير.
المرحلة الثالثة، الفترة 2020 -2024، وضمت استمرار الحكومة بسياسة التمويل بالعجز وهذا سبب ارتفاع معدل التضخم وتدني قيمة الليرة السورية، واستمرار سياسة الدفاع عن سعر الصرف، فقد تم إصدار قرارات مثل: تمويل المستوردات عبر المنصة وتقييد السحب النقدي من المصارف، وكلها لها أثار سلبية على الحياة الاقتصادية، كأزمة وباء كورونا، وما سببته من إغلاقات أدت إلى خلل في سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار ومعدل التضخم، قانون قيصر والعقوبات الغربية المفروضة على سورية، ارتفاع تكاليف المستوردات وسبب ذلك ارتفاع الأسعار، اهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي لعدة أسباب، والنتيجة: ارتفاع كبير في سعر الصرف رافقه تدنٍ شديد في قيمة الليرة السورية، تزامن مع انخفاض في معدلات الإنتاج نتيجة ضعف حجم الاستهلاك العام.

الإصلاح الاقتصادي
وشرحت د. عاصي أن الإصلاح الاقتصادي هو مجموع الإجراءات الهادفة إلى معالجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الوطني، وبنتيجة ذلك يتم الانتقال إلى نظام مفتوح يقوم على أساس تحرير السوق وتوسيع قاعدة التنمية، ويشمل الإصلاحات البنيوية والاستقرار الاقتصادي الكلي، حيث الإصلاحات البنيوية تعمل على جانب العرض من الاقتصاد، ومعالجة العقبات التي تحول دون الإنتاج الفعال والعادل للسلع والخدمات، أما الاستقرار الاقتصادي الكلي فهو يتضمن معدل التضخم والعجز المالي وميزان المدفوعات والسياسة المالية وسعر الصرف، حيث يتميز الإصلاح الاقتصادي بالانفتاح وإزالة العوائق أمام الإنتاج وسهولة تأسيس المنشآت وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي والحد من التشوهات في الاقتصاد الوطني.

مكوناته
وتشمل مكونات الإصلاح الاقتصادي إصلاح القطاع العام والاندماج في الاقتصاد العالمي والتحرير الذي يشمل التجارة والتسعير، وأخيراً إصلاح البنية التحتية للمالية العامة.

معالجة أزمات اقتصادية
وأردفت د. عاصي: نحتاج إلى الإصلاح الاقتصادي للخروج من أزمات اقتصادية عديدة كالعجز التوءمي أي العجز المالي في الموازنة العامة للدولة والعجز في ميزان المدفوعات، وارتفاع معدل التضخم ونقص في الاحتياطات من العملات الأجنبية والأداء الضعيف لشركات القطاع العام والفعالية المنخفضة لأداء الإدارة في المؤسسات الحكومية، إضافة لعبء هائل للديون الداخلية والخارجية وتقييد الدولة من الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية.
معوقات
ومعوقات النهوض الاقتصادي تتمثل في العوامل السياسية، وانتهاج سياسة الدفاع عن سعر الصرف كسياسة أساسية ومهيمنة على باقي السياسات الاقتصادية، ووجود سياسات مجتزأة كتخفيض عجز الموازنة من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية بغض النظر عن تأثير ذلك في ارتفاع معدل التضخم، وأيضاً التناقض في السياسات وعدم معالجة ملفات مهمة مثل أملاك الدولة من العقارات والأراضي وغيرها، ولجوء الحكومة لتخفيض الإنفاق الجاري والاستثماري إلى أقصى محدود وسياسات التسعير للمحاصيل الإستراتيجية، وسياسة تشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي وغيره وتراجع الإيرادات العامة بشكل كبير، حسب ما أشارت إليه د. عاصي.
أما أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادي فتتحدد في البوصلة في تحديد الأولويات في أجندة الإصلاح، حيث الأولوية تكون للإجراءات التي ينجم عن تطبيقها إيرادات ترفد خزينة الدولة أو وقف لخسائر كبيرة تتكبدها الخزينة العامة، وخفض معدلات التضخم المرتفعة وهو التحدي الأكثر إلحاحاً.

خطوات سابقة
وبرأيها، الخطوات التي تسبق الإصلاح الاقتصادي هي إنشاء صندوق الاستثمار الوطني الذي يعتبر ذراعاً استثمارية للحكومة وصندوقاً سيادياً، حيث يحدد التشريع آلية وطريقة تعبئة صندوق الاستثمار، وتكمن المهمة الأساسية للصندوق في القيام بتحويل الشركات المملوكة للدولة إلى شركات مساهمة وإدراجها في سوق الأوراق المالية الجديدة، والخطوة الثانية هي إنشاء صندوق التقاعد لتطوير مؤسسة التأمينات الاجتماعية ومنحها الصلاحيات وإمكانيات الاستثمار، وتشكيل مجلس إصلاح اقتصادي يهدف لإصلاح طريقة اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، إذ يتكون من قوى سياسية وممثلين عن مجلس الشعب وأساتذة جامعيين وخبراء اقتصاديين وممثلين عن النقابات والغرف ووزراء اللجنة الاقتصادية.
وأهم المهام المنوطة بمجلس الإصلاح الاقتصادي التي ذكرتها د عاصي، هي مناقشة مخطط الإصلاح الاقتصادي الشامل، واقتراح أولويات أجندة الإصلاح، ومراجعة الإطار التشريعي والقانوني للقرارات الاقتصادية، واقتراح مخطط لإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، واقتراح التغييرات المناسبة للبنية التحتية المالية العامة مثل الانتقال إلى نظام ضريبي جديد.
السياسات الاقتصادية المساندة لنجاح الإصلاح الاقتصادي هي سياسات خاصة بتشجيع الإنتاج بجميع أنواعه، وإعادة النظر بسياسات التسعير وخصوصاً للسلع الأساسية، وتسهيل إجراءات منح التراخيص الصناعية وتفعيل دور المجالس المحلية، وإصلاح الوظيفة العامة ومعالجة أوضاع المشاريع في القطاع غير الرسمي أو اقتصاد الظل.

خريطة طريق مقترحة
ووفق توصيفها، خريطة الطريق المقترحة هي تطوير نموذج الإصلاح وتحديد مؤسسات التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتقييم، وتطوير البنية المؤسسية أي مراجعة بنية كل مؤسسة وتشابكاتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية، واعتماد فكرة البؤر الإيجابية في تطوير المؤسسات، حيث التطوير الجوهري هو إعادة هندسة الإجراء الحكومي والاعتماد بشكل كامل على تكنولوجيا المعلومات والشبكات، وإصلاح البنية التحتية للمالية العامة، وتطويب نظام ضريبي جديد والانتقال من موازنة البنود لموازنة البرامج، وإعادة دراسة أسعار الفائدة لتكون مرتبطة بمعدل التضخم، وإقرار سياسة لسعر الصرف قائمة على موارد البلد من العملات الصعبة واحتياجاتها.

التحدي الأكبر للحكومة
وبيّنت د. عاصي أن إصلاح القطاع العام يشكل التحدي الأكبر للحكومة لكونه يشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد وله جانب اجتماعي لا يمكن إغفاله، وإصلاحه عملية معقدة لكنها ممكنة، ويعتبر خطوة مهمة للتخفيف من الأعباء والضغوط المالية ويؤدي لتعزيز التنافسية كما ستتحسن الإنتاجية والكفاءة والحد من تدخل الدولة سيؤثر إيجابياً في تخفيض مستوى الاحتكار، حيث متطلبات إصلاح القطاع العام تكمن في إعادة هيكلة المؤسسات والشركات المملوكة للدولة ويتطلب تبني معايير المحاسبة الدولية، وتدقيق وتقييم أداء المؤسسات العامة وقابليتها للاستمرار، وتطوير الإطار التنظيمي والتشريعي لتنفيذ عمليات البيع والإدراج العام للمؤسسات المملوكة للدولة كجزء من تطوير سوق رأس المال.

تحرير التجارة
وأشارت إلى أن تحرير التجارة يقصد به تقليل أو إزالة الحواجز التي تعترض التجارة الدولية مثل التعريفات الجمركية والحصص والقيود الأخرى، ويهدف بشكل رئيسي لتعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز الكفاءة وتحسين الرفاهية العامة، ويجب أن يكون التحرير التجاري ضمن إطار زمني محدد.
الاقتصاد العالمي يجب الاندماج به من خلال اعتماد معايير ومقاييس الجودة العالمية، والدخول إلى المنظمات العالمية للتجارة، والدخول إلى تحالفات محايدة من حيث الأجندة السياسية، وإحياء شعار «التوجه شرقاً» الذي أطلق في بداية الألفية.
وتبعاً لرؤيتها، لنجاح عملية الإصلاح يجب ضمان عاملين: نحسين المناخ الاستثماري، الإداري والقضائي، والذي يشتمل على سهولة إجراءات الاستثمار، ومعالجة مواضيع البيروقراطية وتخفيض الزمن اللازم لتأسيس الأعمال، وتحسين تنافسية الاقتصاد، والعمل على التقليل من مؤشرات الفساد.
وحتى تحقق الإصلاحات ما تعد به من رفع لمعدل النمو وتحسن في المستوى المعيشي لعموم المواطنين، لا بد من ضمان حد معقول من العدالة الاجتماعية، وإعادة الطبقة الوسطى التي اختفت منذ ما يقارب عقد من الزمان، وتعزيز وتمكين شبكات الأمان الاجتماعي، وتعزيز وتمكين مجالس ومؤسسات الإدارة المحلية.

معارضة عملية الإصلاح
وفي حوار خاص مع «الاقتصادية» أكدت الدكتورة لمياء عاصي أن الصعوبات التي تواجه عملية الإصلاح كثيرة جداً، أولها، معارضة عملية الإصلاح من قبل الكثيرين من المستفيدين من الوضع الحالي أو ممن يخافون التغيير، الصعوبات أيضاً تنشأ عموماً من نموذج الإصلاح المتبع، على حين أن النموذج السريع أو العلاج بالصدمة، تنشأ عنه أعداد كبيرة من الناس العاطلين عن العمل وكوارث اجتماعية هناك نموذج آخر للإصلاح الاقتصادي، هو المسار المزدوج للإصلاح، واتبع في دول عدة، ويكون مدروساً وتتبع فيه سياسات وإجراءات تحد من أعداد الخاسرين، وتجعل الإصلاح ضمن مراحل ويستغرق وقتاً أطول ولكن النتائج أكثر ضماناً وأماناً.

تدريجي أم صدمة
وتعقيباً عن معارضة البعض في المحاضرة فكرة أن يكون الإصلاح الاقتصادي تدريجياً، كشفت أن معارضة الإصلاح الاقتصادي تواجه كل الدول، وتنجم عن الخوف من نتائج الإصلاح وانعكاسه على أعداد كبيرة من الناس وتعجز الدولة عن احتواء هذه الآثار، وكما هو معروف بأن الصلاح قد يتسبب في فقدان الوظائف والأعمال لعدد كبير من الناس، كما أنه سيرفع معدل التضخم نتيجة التغيير الذي حصل في بنية الاقتصاد وهذا سيسبب الكثير من الغلاء وتدني القدرة الشرائية للعملة المحلية، وهناك أيضاً بعض المستفيدين من الوضع الحالي ولا يريدون أي إصلاح وبسبب ما سيجلبه الإصلاح من تطبيق لأسس ومبادئ الحوكمة مثل الشفافية والمساءلة والمحاسبة.
واعتقدت في حوارها مع «الاقتصادية» أن الإصلاح الاقتصادي هو المسار الوحيد الذي يؤدي بالاقتصادي السوري إلى الخروج من عنق الزجاجة، لا حل لنا سوى بالإصلاح الاقتصادي الشامل، الذي يتضمن القطاع العام والبنية التحتية للمالية العامة التي تشمل كل الموارد كمصادر مهمة للموازنة العامة وآليات الإنفاق، إضافة للتحرير التجاري المتدرج وأخيراً الاندماج بالاقتصاد العالمي، بغير ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة تتفاقم مشاكلنا وتزيد الحالة الاقتصادية التي نعيشها بؤساً.
من جانبه، الدكتور خالد خرطبيل رأى أن أبرز الأسباب التي تستوجب الإصلاح الاقتصادي في سورية هي الحالة السيئة للاقتصاد ومستوى دخل الفرد بأدنى مستوياته، وأيضاً الناتج القومي، ويعتبر علاجاً ناجحاً وفورياً للاقتصاد السوري.
يرى أن الاقتصاد ليس كتلة واحدة فقط بل عبارة عن قطاعات مختلفة متباينة الأداء والظروف والنتائج، فمثلاً قطاع الطاقة غير قطاع الاتصالات وغيرها، والتعميم بأن يكون الإصلاح الاقتصادي صدمة وليس تدريجياً لغة غير ناجحة، فبعض القطاعات تستوجب أن يكون الإصلاح صدمة وبعضها تدريجي وبعضها عقود، أي حسب القطاع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى