مبادرات وأفكار من خارج الصندوق.. ما الذي ينقصنا من أجل التحوّل من النمطية إلى الابتكار؟.. دلول لـ «الاقتصادية»: الخروج عن نمطية الإنتاج يتطلب قيام شراكة بين القطاعين العام والخاص
|بارعة جمعة
تطور كبير في قطاع التكنولوجيا عامة والصناعة خاصة، أفرز متطلبات عمل جديدة لدى قطاع الصناعة، وأخذ بدوره الصناعيين لضرورة التفكير بمواكبة الحداثة، والعمل ضمن أفق السرعة الكبيرة في تغير متطلبات السوق، هذه المؤشرات أخذت بقطاع الصناعة الخاص لطرح أفكار ورؤى جديدة، تعنى بقيام شراكات مع نظيره القطاع الصناعي العام، لما يعانيه من تعثر بالإنتاج ضمن العديد من شركاته.
هي حالة من التماهي على واقع فرض نفسه، بمنتجات جديدة لم تجد طريقها إلى السوق بعد، إما لصعوبة قيام صناعات بها، أو لتأخر هذه الخطوة من المعنيين، ممن لم يدركوا حتى اليوم خطورة استمرار العمل بهذه الصيغة التي تجلب خسارات مركبة، بدءاً بالإنتاج وانتهاء بالتسويق، ليبرز السؤال الأهم اليوم.. ما الغاية من الاستمرار بإنتاج منتجات غير رائجة بالسوق المحلية ؟ وما العائق أمام الشركات المتعثرة لاستبدال منتجاتها بأصناف أكثر ربحية ؟ ولاسيما التقنية منها.
مسألة حيوية
تساؤلات لقيت محط اهتمام من صناعيي القطاع الخاص، ممن وصفوا الموضوع بالحيوي والحساس لجهة شركات صناعية كثيرة، كان أبرزها شركتي سيرونيكس وبردى اللتين كانتا محط اهتمام ونقاش رئيس لجنة الصناعات الغذائية في غرفة صناعة حلب أسامة عجوم، كاشفاً بالوقت ذاته عن عروض قام بتقديمها إلى القطاع العام، للعمل وفق فكرة التشاركية ضمن نص المرسوم التشريعي الجديد، لكون هذا الأمر يمس الشركات العامة، ومن المفترض الخروج من قبلها بإجراء يتماشى مع السوق، وإن اضطر الأمر لتغيير المنتج برأيه.
خطوة جريئة تحمل معها خطوات مهمة في مجال الطاقات البديلة أيضاً، وعلى سبيل المثال، يعرض عجوم ضمن حديثه مع «الاقتصادية» ما تلقاه من طلبات لقيام غرفة الصناعة في حلب بدورات لتعليم طرق تصنيع ألواح الطاقة البديلة، التي من الواجب أن تمثل أولوية حكومية، برأيه، عبر تحويل أحد المعامل العامة المتعثرة إلى إنتاج ألواح للطاقة البديلة.
حيث إن الكثير من مشاريع الغرفة، مثل الألبسة، البرادات والتبريد، ومعظم المعامل التابعة لها، استطاعت التحول لهذه المنظومة ومن ثم تطوير نفسها، ليغدو نهج الاستبدال للمنتج اليوم بات حتمياً، فالكثير من المنتجات يصعب تسويقها.
خسائر متكررة
إلا أنه وبالرغم من هذه المحاولات، نجد أنه ما زالت حتى اليوم بعض الشركات العامة تصر على منتجات تؤدي إلى خسارة حتمية، لقلة الطلب عليها، ليبدو أمامنا خياران، الأول: لجوء الصناعي إلى استبدال خط الإنتاج الذي قد يحتاج لرأسمال كبير أحياناً، وهنا تكمن المشكلة، والثاني عليه أن يتماشى مع الفكرة الجديدة، بلجوئه إلى خط بديل أو مستعمل، واستبدال المنتج.
وأمام هذه الخيارات، يعود عجوم ليؤكد الصعوبات التي تواجه الصناعات الغذائية، ولاسيما التي يعتمد منها على الأقماح المستوردة من روسيا، حيث إنه لا يمكن لأحد تأمينها، بينما لا تزال الصناعات التي تعتمد على القطاع الحكومي أكثر نشاطاً، وبالرغم من ذلك، فإن الطلب عليها محدود جداً.
بدائل حتمية
قد تتحمل الشركات المتعثرة فترة أقصاها سنة ومن بعدها سيكون الدمار حتمياً، تحذير حمله رئيس لجنة الصناعات الغذائية بحلب أسامة عجوم، عكس عمق المشكلة التي تواجه القطاع الصناعي، ليبدو البديل برأيه هو تغيير المنتج لشيء أقرب من المنتج نفسه وبخطوط الإنتاج نفسها، أو التوقف عن العمل، وهنا سيكون التوقف النهائي» حكمة « برأيه، كما أن الاستثمار بالأرض من خلال تأجيرها يعد أمراً أفضل للصناعي، والدليل أن الكثير من الصناعيين تخلوا عن خطوط إنتاجهم، مثل الصناعات المعدنية، وقاموا باستقدام خطوط صغيرة، ما يضمن الحصول على مصروف المعمل بالحد الأدنى.
إلى جانب خيارات أخرى، كما فعل الكثير من أصحاب خطوط إنتاج «البلوك»، التي تعرف بالبياضة، تنتج عدداً من الدقائق يتراوح بين 12 و 24 بلوكة، ما اضطر أصحابها لجلب مكبس بلوك وتشغيل العمال تفادياً لخسارة اليد العاملة.
كما هو حال صاحب مطحنة في حلب، قام بإدخال خط جديد وهو المعكرونة وجرش العدس، بعد صعوبة تأمين القمح، اتجه لتنويع وتغيير الإنتاج، وبالتالي تنوعت الإنتاجية وتماشت مع أكثر من سوق مع الاحتفاظ بالعمالة لديه، وكذلك معمل السكاكر والمصاص، عبر إدخال خط جديد لإنتاج (المرشميلو) و (الويفر) لكونه الأكثر طلباً بالسوق.
كما أن الكثير من معامل البرادات والأدوات المنزلية، تم تطوير الإنتاج فيها، ولاسيما اتجاه المحركات الكهربائية بالتحول إلى محرك «الإنفلتر»، وبالتالي توفير الكهرباء والإقلاع المنخفض بسحب الأمبير.
فيما اتجهت بعض المعامل لمواكبة حاجة السوق، بتغيير الإنتاج لديها بشكل كلي، كما حصل في أحد معامل المفروشات المعدنية، حيث تم تغيير الخط إلى «بروفيلات» خاصة لتركيب «سيب» ألواح الطاقة الشمسية، نظراً للطلب الكبير عليها.
بدائل تكنولوجية
هي اتجاهات فرضت نفسها، كما هي حال تكنولوجيا المعلومات التي باتت واقعاً لابد من النظر إليه بجدية، لارتباط كل مكونات الحياة اليومية بها، والذي لن يكتب لها النجاح بعيداً عن فكرة التشاركية مع القطاع الخاص وفق حديث مدير فرع السورية (تحت التأسيس) للاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي د. عمار دلول «للاقتصادية»، لكون التطور السريع ضمن هذا المجال، أسرع من تطبيق نظام العقود والمشتريات المتبع لدى قطاع الدولة، والذي بات لا يواكب التطور الحاصل به.
إلا أن لاتجاه التشاركية هنا شرطاً أساسياً برأي دلول، وهو أن يتم منح القطاع الخاص عملية قيادة الإدارة، فهو أكثر مرونة من القطاع العام، أو عن طريق تأسيس شركة مشتركة مع القطاع الخاص وفق قانون الشركة لا العقود.
واليوم بالنظر لما وصلت إليه التكنولوجيا بمجال الاتصالات وأجهزة الخليوي، وبسبب وجود خطوط (Gg)، سيضطر المستخدم للجهاز النهائي، أن تكون عملية شرائه للجهاز من شركة «سيريتيل» نفسها، إلا أن العقوبات تمنع عملية الشراء هذه من شركات «أبل» «وهواوي»، وهو ما يفرض علينا التفكير بالانتقال لتصنيعه محلياً، كما عملت بعض الدول عبر الاتفاق على تصنيع موبايل محلي بتقنيات عالية وبنسخة» أندرويد» مفتوحة، وبالتالي يمكننا استخدام (5G) وتوطين التكنولوجيا لدينا.
نعم، هي من أهم الصناعات التي من الواجب التركيز عليها، ولا تحتاج لموارد أو رأسمال ولا حتى الهروب من العقوبات برأي د. دلول، لأن صناعة البرمجيات تقوم على استثمار عقول الشباب كما تجلب أموالاً كبيرة، عدا عن كوننا قادرين على القيام بصناعة رابحة وبدون استثمارات كبيرة، لامتلاكنا أكبر خزان بشري متميز بالعالم، كما أن المهندس والمبرمج السوري معروف بذكائه، لذا ما علينا سوى منحه إعفاءات تشمل خدمة العلم وغيرها الكثير، ليبادر للعمل بنفسه.
كل ذلك، في سبيل تحقيق قفزة نوعية بمجال تكنولوجيا المعلومات بصناعة البرمجيات، ومن ثم تصديرها وتأمين القطع الأجنبي من خلالها، بعيداً عن أي استثمار كبير بالمدخلات.
نمطية الإدارة
بالطبع لهذا التوجه أسبابه، العائدة بشكل رئيس إلى أننا حتى اليوم لا إمكانية بالسماح لنا بتصنيع منتج تكنولوجي من الألف إلى الياء، حتى إن منتجات شركة «سيرونيكس»، كانت بمعظمها تعتمد علي تجميع القطع المستوردة، وفق رؤية الصناعي عصام تيزيني، الذي أشار في حديثه مع «الاقتصادية»، إلى أن النمط المُتبع في صناعتنا التقنية هو تجميعي، ولا يمكن تطويرها إلا بصناعة مكوناتها الأساسية من قبلنا، حيث إن الشاشات كانت مستوردة أيضاً، ويتم تطبيقها كصندوق هنا ومن ثم يتم إعطاؤها شكلاً مختلفاً، داعياً إلى اتباع فكر غير نمطي، وتأمين العقارات والآلات لهذه الصناعة، ما يضمن تطابقها مع متطلبات السوق المحلية.
إلا أن الموضوع معقد وصعب برأي تيزيني، لعدم توافر إمكانية تصنيع الشاشات الحديثة (البلازمأ) التي تتطلب خطوط إنتاج جديدة، ناهيك عن أن الخطوط الموجودة غير مؤهلة للصناعة الحديثة، التي تتطور بسرعة ولاسيما في مجال الأجهزة الخليوية، لذا يبدو لدينا الموضوع شائكاً، كما أنه ينسحب على مؤسسات كثيرة، هندسية وغيرها.
آخذاً من توقف معامل الجرارات بمحافظة حمص، والمعاهد التدريبية التي أكل الصدأ آلاتها، مثالاً على عدم وجود استعداد لتغيير نمطية الإدارة في سبيل تغيير نمطية الإنتاج، ما يؤكد وجهة نظره بصعوبة التغيير من الناحية التكنولوجية، لذا يبدو الحل برأيه هو باستثمار المصانع لإنتاج منتج للغرض نفسه، حيث إنه بحدود 60 ل70 بالمئة من التجهيزات في المصانع قادرة على تلبية حاجة المنتج الجديد، شرط توافر العقل الإداري المدبر غير النمطي، الذي يبحث عن حلول تفتح الأفق وتسهم بدوران العجلة الإنتاجية، حيث تواكب العصر بكل تقنياته، داعياً لاتباع نهج القطاع الخاص، الذي يبحث دائماً عن حلول، تضمن التطور والإنتاج.