العمال والحكومة..علاقة مفتوحة على كل الاحتمالات.. لا يمكن أن نطلب من عامل الاستمرار وهو يتقاضى راتباً مقداره 300 ألف ليرة لا يكفيه وأسرته ليومين…!.. د.العكام لـ«الاقتصادية»: العلاقة بين العمال والحكومة يجب أن تكون ندية لا تصل إلى صراع
|شادية إسبر
ماذا جرى بين الحكومة كرب عمل واتحاد العمال كتنظيم نقابي يدافع عن حقوق الطبقة العاملة؛ في بلاد تآكلت فيها هذه الطبقة وتراجع أداؤها الاقتصادي ومستوى معيشتها تحت ضغوط الحرب والعقوبات والحصار الهائلة، والتي دفعت ضريبتها الأكبر القوى العاملة وخاصة في القطاع العام؟
ما السياسات التي اتفق على إنتاجها المعنيان بأهم شريحة اقتصادية، في مرحلة نحتاج فيها إلى أي كفاءة في كل مطرح اقتصادي! كيف نحافظ على من تبقى ونجذب الجدد؟ ما مطالب الطبقة العاملة التي حملها تنظيمها إلى طاولة الحكومة؟ ما الأولويات وما الممكن في ضوء الإمكانيات؟ هل ارتفع الصوت النقابي كما يجب؟ وكيف نحمي حقوق العاملين مع مقاربة مختلفة لقطاعات معينة ظهرت بالتزامن مع تحريك أسعار الخدمات وهيكلة الدعم، وتغييرات اقتصادية على مستوى التشريع والتطبيق مع ثبات الأجور والرواتب الذي يعني واقعاً أن هذا الثبات مع ارتفاع الأسعار هو بمنزلة تراجع؟
العلاقة بين الاتحاد والحكومة
«اجتماع برئاسة رئيس مجلس الوزراء مع المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال ناقش واقع القطاع العام وهموم ومطالب الطبقة العاملة»، عنوان تصدر وسائل الإعلام على مختلف أنواعها ومستوياتها يوم 4 تشرين الثاني 2024، كما فتح أبواب الأسئلة عن مخرجات وعد بها المجتمعون بأن تكون ملموسة قريباً، فما الممكن في هذا الظرف الصعب؟
العلاقة بين التنظيم النقابي العمالي والحكومة يجب أن تكون ندية، وعلى اتحاد العمال أن يسعى إلى تحسين أوضاع العاملين ورفع الصوت أكثر مما يقوم به الآن، حسبما أكد أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور محمد خير العكام لـ«الاقتصادية»، وأضاف: أعتقد أن الاتحاد العام يرفع الصوت كثيراً لكن حتى الآن المطالبات بردم الهوة بين الأسعار والأجور لم تجد آذاناً مصغية من الحكومة، وهذا الوضع يجب أن يتغير إذ لا يمكن الاستمرار بعامل يتقاضى راتباً مقداره 300 ألف ليرة لا يكفيه وأسرته ليومين.
حتماً هناك رؤى مشتركة بين التنظيم النقابي وسياسات الحكومة، رأي للخبير الاقتصادي الدكتور شادي أحمد الذي شدد خلال لقاء مع «الاقتصادية» على أنه لا يمكن إطلاقاً أن تنجح سياسات حكومية ما لم تكن طبقة العمال متضامنة مع التوجه لكي نضمن فعالية إنتاجية كبيرة وزيادة في كفاءة العمل، لافتاً إلى أن لدى الكثير من أفراد الطبقة العاملة مخاوف من أي عملية تشاركية حيث تُفهم أنها عملية خصخصة وسوف يفقد العمال مكاسبهم ولو كانت قليلة، لكن بالتأكيد لا توجد خصخصة، ما دام الحامل الأساسي وصلب الطبقة الوسطى التي هي الحامل الاجتماعي والاقتصادي اللازم لأي عملية تنمية.
المتممات حل إسعافي
عندما تحدث رئيس الاتحاد عن متممات الأجر كأنه أقر بأنهم يتفهمون ظروف الحكومة بأنه من الصعوبة منح رواتب بدء تعيين وزيادات رواتب تردم الهوة، وإلى الآن لا يوجد على طاولة الحكومة قوانين جاهزة، فعلى الأقل يجب القيام بتعديلات إسعافية لمتممات الأجر كتعويضات العمل الإضافي والمسؤولية والاختصاص والانتقال والتعويض العائلي، حسبما قال الدكتور العكام، وأضاف: كل التعويضات الملحقة بالأجر تحتاج لإعادة النظر لتواكب المتغيرات، والأمر سهل يمكن أن يحدث بسرعة إذ يوجد سابقاً مشروع قانون بهذا الخصوص عندما كان الملف في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تم إنجازه عام 2017 لكن الملف انتقل إلى وزارة التنمية الإدارية التي وعدت بإنجاز قوانين سريعة ومضى على الوعد 7 سنوات، لا المشروع الذي كان في الشؤون رأى النور ولا القوانين التي وعدت بها التنمية رأت النور، وهذا هضم لحقوق الموظفين.
تحريك أسعار وثبات رواتب!
كيف نحمي الطبقة العاملة من أثر تحريك أسعار الخدمات؟ من وجهة نظر الاقتصادي أحمد أن هذا هو السؤال الصعب والاستحقاق الأكبر والأهم، ولاسيما بعد رفع الدعم عن الكثير من المواطنين، وأضاف: رفع الدعم انعكس على الأسعار بحيث ارتفع معظمها وقلت الخدمات، ونحن نرى ذلك من خلال الذهاب إلى المشافي وتكاليف المدارس والنقل المرتفعة، أعتقد أنه بعد عملية التحرير الجزئي للدعم يجب أن يكون لدينا بديل والبديل هو شبكة أمان اجتماعي.
توفر ما نسميه سلة الخدمات والسلع الأساسية اللازمة للعمال من أجل سد النقص والفاقد وارتفاع الأسعار الذي حدث من خلال عملية رفع الدعم والتضخم الكبير الذي يحدث.
برأي الدكتور العكام أن لموضوع تحريك أسعار الخدمات مقاربتين، رئيس مجلس الوزراء تكلم أنه لم تعد الدولة قادرة بوضعها الحالي على تقديم خدمات مجانية وشبه مجانية، إذا لا بد من رفع مقابل الخدمات المجانية وهذا بالتأكيد أمر مقبول ويحسن من ريعية وجودة الخدمة ويجب أن يكون هناك أنظمة مالية تضمن أن يذهب جزء من هذه التعويضات إلى العاملين الذين يقومون بتقديم الخدمات، وهذا يحتاج إلى أنظمة لتوزيعها ووزارة التنمية الإدارية فشلت أيضاً في موضوع الحوافز ما أضاع كثيراً من حقوق العاملين.
وشدد العكام على أن تحويل الدعم من سلعي إلى نقدي سيوفر على الدولة مبالغ كبيرة كانت تذهب إلى غير مستحقيها ويجب أن تنعكس هذه الكتلة النقدية على العاملين، ما يتطلب إنتاج قوانين لتنظم علاقات العمل في القطاعين العام والخاص تتناسب مع الواقع وتأخذ بعين الاعتبار طبيعة عمل كل فئة من العاملين المتماثلين، فوضع كل علاقات العمل في القطاع العام تحت قواعد موحدة خلل استمر وتتحمل مسؤوليته وزارة التنمية الإدارية، كما أن قانون العمل يحتاج للمراجعة وإعادة النظر بقانون التأمينات، وكل هذا يأتي في إطار ما تحدث عنه رئيس الوزراء حول إنتاج سياسات.
قطاعات عبء على الدولة
عن تغيير مقاربة القطاع العام الصناعي والإنتاجي، أشار الخبير الاقتصادي أحمد إلى أن هذا القطاع تضرر كثيراً نتيجة الحرب، وقال: نحن نفتقد الإدارات التي تستطيع العمل بحرية وبكفاءة عالية، بعضها يتعلق بالإدارة ذاتها وكيفية انتقائها وخبرتها، والبعض يتعلق بالقوانين التي تربك عمل هذه الإدارات، هذا الأمر جعل مساهمة القطاع الصناعي والإنتاجي ضعيفة ما يقتضي أن تكون هناك مقاربة مختلفة، ما الدور الجديد له؟ كيف يمكن أن يعمل بكفاءة عالية؟
أحمد أضاف: تميل النيات والاتجاهات نحو أن يكون لدينا شكل من أشكال التشاركية يتم فيها التعاون بين القطاعين العام والخاص بحيث إن القطاع الخاص يملك مرونة في الحركة وخبرة في الإدارة، والقطاع العام لديه بنى إنتاجية، صحيح أن معظمها متآكل، لكنه على الأقل لديه انتشار وبعد اجتماعي، وبالتالي يجب الحفاظ على سياسة الدولة بحيث يكون لدينا جذب وامتصاص للعمالة وتجفيف للبطالة من خلال التوظيف والتشغيل، وفي الوقت ذاته يجب أن تعمل هذه المنشآت بكفاءة عالية وربحية، والدور الاقتصادي لا يقل أهمية عن الدور الاجتماعي.
عن الموضوع ذاته، بمنظور أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق الدكتور العكام أن هذه القطاعات اليوم عبء على الدولة، والقصد من هذا الطرح أن يتم توقيف سياسات التوظيف الاجتماعي لأنها تسببت بفائض عمالة غير ماهرة، وما زاد الأمر سوءاً هو هروب العمالة الماهرة من القطاع العام نتيجة تدني الأجور وهذا تسبب بكتلة كبيرة من العمالة غير الماهرة وغير الضرورية أصلاً، ففي القطاعين الإنشائي والصناعي يجب أن يكون التشغيل على أساس الريعية الإنتاجية.
من التشغيل إلى التنظيم
الحديث عن الانتقال من التشغيل إلى التنظيم يعني إيجاد حلول للشركات الخاسرة أو المخسَّرة وتوقيف عملية التشغيل الاجتماعي، وإيجاد حلول مرضية للعاملين الموجودين حالياً، وهذا يحتاج إلى حلول جريئة، فوظيفة براتب متدنٍ ومهارة متدنية تؤثر سلباً على مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة، شدد الدكتور العكام وأوضح أنه إذا وجدنا في مكان معين أن تدخل الدولة المباشر غير مجد فلنترك ذلك للقطاع الخاص وتكون الدولة مشرفاً لتنظيم الخدمة.
من جانبه الخبير الاقتصادي أحمد بيّن أن المقصود مما تم التداول به في الاجتماع ألا تكون الدولة فقط في إطار التشغيل أي الإنتاج والإشراف عليه من أدق التفاصيل إلى إنتاج كل شيء إلى تغطية الأسواق، بل أن تعمل الكفاءات والفعالات الاقتصادية بشكل ربحي وإنتاجي اقتصادي على حين تقوم الدولة بتنظيم السياسات العامة في الاقتصاد من حيث التأثير على البيئات الأربع، التشريعية بمعنى وضع وتنفيذ القوانين التي تشمل تنشيط الحركة الاقتصادية، والتنظيمية بمعنى أن يكون لديها تلك المؤسسات القائمة على الرقابة لكن ليست رقابة تدخلية، والبيئة الثالثة هي التمويلية بأن تقوم الدولة بتوفير منافذ التمويل من خلال المصارف والموازنة والصناديق التي يمكن تأسيسها لأغراض متعددة، أما الرابعة فهي التشغيلية بفتح مجال التشاركية بشكل كبير وهذا الأمر يؤدي إلى تطور القطاعين العام والخاص.