نهب معلن لأملاك الدولة.. فجوة بين القانون والتطبيق تتمثل بقرار نزع اليد وتحصيل الاستحقاقات.. حاووط لـ«الاقتصادية»: تحصيل 5 مليارات ليرة فقط لاغير من أصل 55 ملياراً العام الماضي
|شادية إسبر
في جلسته الثلاثاء 22/10/2024 ناقش مجلس الوزراء «مشروع الصك التشريعي الخاص بتعديل بعض مواد القانون رقم 43 لعام 2023 المتعلق بإحداث الهيئة العامة لإدارة وحماية أملاك الدولة، وذلك ضمن التوجه الحكومي نحو الإصلاح الزراعي والاستفادة المثلى من أملاك الدولة الخاصة بما يخدم متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة، حيث تم التأكيد على أهمية الآلية التنفيذية وتوضيح الأدوار بشكل دقيق بين مختلف الجهات ذات العلاقة، بما يسهم في الوصول إلى الغاية والهدف من إحداث الهيئة».
صك الاستثمار المستدام
وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي أوضحت أن الهيئة معنية بإدارة أملاك الدولة بموجب القانون رقم 252 الخاص بأملاك الدولة والقانون 61 الخاص بالإصلاح الزراعي، وهذه الأملاك مختلفة الأنواع ولديها انتشار كبير، وتعد قضية إدارتها واستثمارها وحمايتها من أي أشكال التعديات مسؤولية وطنية تحقق استثمارات ضخمة، وتعود بالفائدة على الدولة وتعزيز مواردها من أجل تنفيذ خطط التنمية، وأنه عند صدور الصك التشريعي سيمكن الوزارة وهيئة أملاك الدولة من تشكيل مجلس إدارتها ووضع رؤية، حيث يمكن هذا الصك الهيئة من إدارة الأملاك بشكل سليم واستثمارها بشكل مستدام، فهل سترى الهيئة النور في المنظور؟ وماذا ينتظر الهيئة من عقبات في طريق تحقيق أهدافها؟
قبل الجلسة بعشرة أيام وتحديداً في 10 تشرين الأول الجاري قال وزير المالية الدكتور رياض عبد الرؤوف في تصريح للصحفيين عقب اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي: «الإيرادات المحلية ستموّل حوالي 80 بالمئة من هذا الإنفاق، ولدينا خطة طموحة لتعزيز الإيرادات ولاسيما من خلال تعزيز العائد من إدارة أملاك الدولة».
فإلى أين وصل العمل على أرض الواقع وعلى الأملاك كل هذا التعويل الحكومي الطموح لتعزيز الإيرادات؟ وما المعوقات والتشابكات القانونية والإجرائية التي أثرت في تحقيق هذه الأملاك إيراداتها المثلى؟
من الواقع إلى أين؟
الاستثمار الامثل لأملاك الدولة مرهون حالياً بالهيئة ولهذا صدرت تعليمات من رئاسة مجلس الوزراء بالتريث منذ عام ونيف (31 آب العام الماضي)، ولجنة القرار 1340 للعام 2023 أنهت أعمالها ما يعني أننا بانتظار تشكيل الهيئة لينطلق الاستثمار بالشكل الذي يراد له، واللجنة عملت على مراجعة القانون بحيث يتم توسيع مجلس إدارة الهيئة ليشمل أكبر عدد من الجهات العامة المعنية وتوضيح وتحديد المهام، وفق ما أكد مدير أملاك الدولة في وزارة الزراعة حسان حاووط خلال لقاء موسع مع «الاقتصادية»، وأوضح أنه مع تعليمات التريث كان هناك إمكانية للعودة إلى مجلس الوزراء في حال الضرورة للمشاريع الحيوية والمهمة، إذ يجب أن تدار الأملاك وفق منظور الهيئة التي لم تشكل بعد.
مشاريع مستثناة
ما المشاريع التي عدتم فيها للمجلس مؤخراً؟
أخذنا موافقة من رئاسة مجلس الوزراء لمشاريع الطاقات المتجددة باعتبارها استراتيجية وطنية لوزارة الكهرباء حتى عام 2030 وموضوع الطاقة حساس جداً وله الأولوية، ونحن نقوم بتخصيص وزارة الكهرباء بأراض من أملاك الدولة لإقامة هذه المشاريع عن طريق عرضها على المستثمرين.
وفق البلاغ رقم 17/15/ب لعام 2022 المتعلق بتعديل تعليمات استخدامات الأراضي، حصرنا العقارات المخصصة للكهرباء وغير المستخدمة والتي تتوافق مع أحكام البلاغ ووفقها تمت الخريطة الاستثمارية لمشاريع الطاقة المتجددة.
نحن كمديرية نقوم بإبرام العقود التي زودتنا بها وزارة الكهرباء لما يخص أراضي أملاك الدولة، ومن ضمن شروط العقد المستثمر ملزم ببيع الكهرباء إلى وزارة الكهرباء، في السنة الأولى نأخذ منه أجور الأرض وفق الأسعار الرائجة، بعدها يكون مشروعه قد انطلق فتقوم وزارة الكهرباء باقتطاع 1 بالمئة من قيمة الكهرباء المنتجة وتحولها إلى الخزينة كأجور أراضي أملاك الدولة.
استثمار موسمي زراعي
ماذا عن الأراضي الزراعية؟
كما أخذنا موافقة للاستثمار الموسمي الزراعي لموسم 2024- 2025 صيفي وشتوي، حيث يبدأ العقد ببداية الموسم وينتهي بجني المحصول، وتسديد أجور الأرض يتم قبل أن نقوم بتسليمها، حيث يتم إبرام العقود إما عن طريق المزاد وإما بالتراضي حسب كل حالة وفق أسعار الأراضي المجاورة، وتم توقيع عشرات العقود في هذا المجال وتحصيل عشرات الملايين إيرادات للخزينة العامة تم استيفاؤها فورا، حيث تركزت أغلب العقود في حماة وحلب وحمص.
المقالع بين الزراعة والجيولوجيا
ما الجديد بخصوص المقالع وهذا القطاع الحيوي ولزوم إعادة الإعمار؟
المقالع لها تفصيل خاص أن إدارة أملاك الدولة تملك الأرض والجيولوجيا لها المواد فوق الأرض وتحت الأرض، بما أن المقالع حيوية جداً ولزوم إعادة الاعمار وتوافر قطع أجنبي، هي الحالة الثالثة التي أخذنا فيها موافقة رئاسة مجلس الوزراء على استثمار ملاحة تدمر المقدر إنتاجها السنوي بـ 250 ألف طن، وتوقيف استثمارها يعني حرمان البلاد من 250 ألف طن ملح سنوياً سواء بتصدير هذه المادة أم لكفاية السوق المحلية.
وعن عدد العقود المبرمة فيها، أوضح أنه بالتنسيق مع الجيولوجيا بلغت حوالي 11 عقداً بسعر 300 ألف ليرة للدونم الواحد، بمساحات شاسعة تقدر بآلاف الدونمات، حيث مساحة ملاحة تدمر تبلغ 112 ألف دونم صالحة لاستخراج الملح منها، وهناك مساحات كبيرة لم تؤجر بعد بانتظار المستثمرين الراغبين.
من مواد الصك
بالعودة إلى الهيئة، علمت «الاقتصادية» أن الجهات في الوزارات المعنية درست مشروع الصك التشريعي ووضعت ملاحظاتها، وعن الجديد في هذا الصك التشريعي؟
أجاب حاووط أنه تم تعديل المادة رقم 4 بإضافة فقرة أنه من مهام الهيئة أيضاً إعداد نظام إدارة وحماية واستثمار أملاك الدولة الخاصة، ونحن في مديرية أملاك الدولة نعمل حالياً على إعداد النظام وهو الآن بمنزلة مسودة وعندما تنطلق الهيئة سيعرض هذا النظام على المجلس لإقراره أو تعديله.
وأضاف: من مهام الهيئة دراسة طلبات الجهات العامة لتخصيصها بعقارات أملاك الدولة الخاصة، وطبعاً التخصص أحد أشكال إدارة أملاك الدولة فهو من نظام الإدارة، لكنهم أفردوا التخصيص بحقل أو نظام مستقل، وتم إعداد منصة إلكترونية تشمل أملاك الدولة الخاصة، تسجل فيها تفصيلات العقارات والوقوعات الطارئة عليها، وهي حالياً في رئاسة مجلس الوزراء، وأهم ما فيها أنه يتم تعديلها وتحديثها وفق الوقوعات، كما من المهام إعداد خريطة وطنية لأملاك الدولة تبين تموضعها ومساحاتها وصفاتها التنظيمية، بما يمكن من الاستفادة المثلى منها.
الملف الأكبر التعديات
الملف الأكبر هو اتخاذ الإجراءات القانونية بحق واضعي اليد على أملاك الدولة بمعنى التعديات، وتحصيل الاستحقاقات المالية المترتبة على الشاغلين بوجه غير قانوني، رأي شدد عليه مدير أملاك الدولة، وأوضحه بالقول: هذه المهام نقوم بها كمديرية أملاك دولة، وإزالة التجاوزات واجب وطني تتحمل مسؤوليته عدة جهات تابعة للزراعة والداخلية والإدارة المحلية، فالزراعة تصدر القرار، وقيادة الشرطة تقوم بتنفيذه بشكل فعلي بتبليغ المتجاوز ضرورة إخلاء الأرض، إذ يجب تسليمها بشكل فعلي إلى مندوب أملاك الدولة وهذا لا يتم في أغلب الأحيان، إذ تكتفي الدورية بتبليغ المتجاوز مضمون القرار وأخذ تعهد منه بالإخلاء.
كيف يحصل هذا الخلل؟
فجوة بين القانون والتطبيق تتمثل بقرار نزع اليد، حيث تؤخذ كل الإجراءات القانونية لكن لا يتم التنفيذ كاملاً، أكد حاووط وأوضح: الموضوع بحاجة إلى تنسيق وتعاون وتضافر الجهود بين الداخلية والإدارة المحلية والزراعة لتنفيذ قرار نزع اليد بشكل فعلي.
برأي مدير أملاك الدولة فإن ملف التجاوزات هو من أضخم الملفات التي تواجه عمل الهيئة مستقبلاً، ولفت إلى أنه في المادة العاشرة لقانون إحداث الهيئة تشكيل ضابطة عدلية لإزالة التجاوزات، بمعنى ستصدر وزارة الزراعة القرار وتنفذه ويمكنها الاستعانة بقوات الشرطة، معتبرا أن الضابطة تحمّل الهيئة مسؤولية إضافية.
تحصيل 5 مليارات من أصل 55 ملياراً بعد فجوة قرار نزع اليد، فجوة ثانية بين القانون والتطبيق، وفق حاووط تتمثل بتحصيل الإيرادات، فالمبلغ المحصل مثلاً عام 2023 بلغ نحو 5 مليارات ليرة والمبلغ واجب التحصيل 55 ملياراً، الذي أكد أن المسؤولية مشتركة على مديرية أملاك الدولة وعلى المالية التي تقوم بالتحصيل وفق قانون الجباية العامة، وتم التنسيق خلال الأشهر الماضية مع المعنيين في وزارة المالية لمعالجة هذا الخلل وتزويدها بالبيانات المفصلة للمكلفين لتسهيل قيامها بواجب التحصيل، ونحن نقوم في الربع الأول من كل عام برفع سندات التحقق إلى الدوائر المالية لتحصيلها أصولاً.
القانون 4 أعفى 29 مليارا كأجور متراكمة من الغرامات
عن القانون رقم 4 للعام 2024 الذي منح إعفاءات من غرامات رسوم (الري وبدلات إشغال أملاك الدولة وأقساط استصلاح الأراضي الزراعية) شدد حاووط على أن القانون مهم جداً، حيث أعفى الفلاحين من الغرامات وليس من أصول بدلات إيجار أراضي أملاك الدولة المتراكمة، ويوجد الكثير من الفلاحين نتيجة الأحداث خرجوا من أراضيهم ولم يتمكنوا من استثمارها، ولم يتم إلغاء عقودهم ما أدى لتراكم بدلات الإيجار، والإعفاء من بدلات الايجار لا يمكن إلا في حالتين، حكم قضائي أو بنص تشريعي، وعندما يثبت الفلاح أن قوة قاهرة منعته من استثمار الأرض يحصل على حكم قضائي، لكن الكثيرين لا يعرفون التفاصيل القانونية في هذا الجانب لذا تتراكم عليهم بدلات الإيجار لسنوات، وبما أن الغرامات تصاعدية مركبة قد تكون أكبر من البدلات المتراكمة، ونتيجة فروقات الأسعار فإن المبلغ الواجب الدفع من الفلاح كبدلات هو زهيد جداً لأننا لا نأخذ وفق تقلبات الأسعار بل كما هو المبلغ الأول، داعياً الفلاحين للاستفادة من مزايا هذا المرسوم وتسديد الأجور المتراكمة عليهم والعودة إلى أراضيهم لاستثمارها، ومؤكداً أن الزراعة مستعدة لتقديم كامل الدعم والعون لهم، إذ من واجب الروابط والجمعيات الفلاحية شرح الموضوع للفلاحين لأن الكثيرين منهم لا يعرفون مزايا هذا المرسوم.
وعن إجمالي المبالغ قال حاووط: الأجور المتراكمة بحدود 29 ملياراً تقريباً والإعفاء من الغرامات يعطي فرصة جيدة لتسديدها.
العقارات ضمن المخططات
عائدية العقارات من أملاك الدولة الواقعة ضمن المخططات التنظيمية، شرحه حاووط بأن العقارات التي تدخل المخططات التنظيمية تبقى أملاك دولة خاصة تتولى إدارتها واستثمارها وزارة الزراعة ما لم تطلب البلدية نقلها إلى أملاكها، وهناك بعض البلديات يعتقد أن دخول عقارات أملاك الدولة ضمن المخططات التنظيمية، يصبح حق إدارتها للبلدية وهذا غير صحيح، البلدية لا تمتلك حق الإدارة إلا بتسجيل هذه الأراضي باسمها في السجل العقاري عندها فقط يصبح العقار ملك البلدية ويعود ريعه إلى صندوق البلديات وليس إلى الخزينة، لافتاً إلى أن هناك بلديات قامت بهذا الإجراء وأخرى لم تفعل.