القطاع الصناعي على موعد مع التغيير الكبير.. الفاسدون يعارضون إصلاحاً حقيقياً للصناعة السورية.. وزير الصناعة: الانسحاب من بعض القطاعات الصناعية خطوة ستكون مربحة
|هني الحمدان
في خطوة وصفت بالإيجابية قد تعكس تشخيصاً حقيقياً بأهمية إصلاح القطاع العام وتطويره ما يخدم المصلحة الوطنية، جاء كلام وزير الصناعة الدكتور محمد سامر الخليل بتأييده لرؤية رئيس مجلس الوزراء حول ضرورة تحديد دور الدولة في القطاع العام بشكل واضح ووضع برامج جادة لتطوير واقع الصناعة… والسعي لاحقاً لوضع برامج تطوير هذا القطاع، ورأى الوزير أن هناك خسارة كبيرة جداً في وزارة الصناعة، وهناك أيضاً معادلة صعبة وخطرة تتمثل بحقيقة خسارة عدد كبير من الشركات والمؤسسات والمعامل التابعة لوزارة الصناعة، وبالتالي خسارة الوزارة وخسارة الخزينة العامة للدولة، مقابل وجود عدد محدود من الرابحين الانتهازيين والفاسدين.
والوزارة « ستقوم بتغيير هذه المعادلة بشكل عاجل غير آجل، وبكل هدوء وأناة ووفق دراسات جدوى اقتصادية لا تستبعد أي خيار كان، فالانسحاب من بعض القطاعات الصناعية قد يكون خطوة إيجابية ومربحة بالنسبة للقطاع العام، ولن تتردد الوزارة بالمبادرة لاعتمادها في سياق التحول من دور التشغيل إلى دور التنظيم المدروس والمخطط».
وقف نزيف الخسائر
يصب هذا التوجه في ضرورة إحياء القطاع العام من خلال معالجة حال واقع الشركات الصناعية المترهل، وإنقاذها من الحالة التي وصلت إليها، علماً أن نزيف المال والوقوع في مستنقع الخسائر بعيد عن تحقيق أي من العوائد الاقتصادية المأمولة، وأن واقعاً كهذا لم يعد مقبولاً، ولا بد من التفكير جدياً في وضع حد ينتشل الشركات الخاسرة من براثن ما وصلت إليه من أوضاع مأساوية إنتاجياً وتسويقياً، والتوجه الذي تحرص عليه الحكومة هو البحث عن مقاربات جادة تقلل من حجم النزيف، وتعيد الحياة ولو بحدود مقبولة لبعض الشركات وفق طرحها للتشارك مع الخاص أو اتباع طرق تكون اقتصادية أفضل من أن تبقى بحال كهذه..!
ولا شك أن التوجه الذي تسعى الحكومة لبرمجته ممثلة بوزارة الصناعة يحمل معه الكثير من الطموحات والتطلعات الإيجابية تجاه إصلاح حقيقي لقطاع الصناعة الخاسر، الذي كبّد الخزينة الملايين بلا فائدة تنعكس على عامليه ولا على القطاع، وهذا التوجه يقلل من مستوى تراكم الخسارة عاماً بعد آخر، ويضع نهاية لقنوات الفساد واستفادة البعض من الإدارات جراء بقاء الوضع الراهن على حاله حسب وصف أحد مديري شركة صناعية فضّل عدم ذكر اسمه….!
قلب المعادلة
وزير الصناعة تقدم بمقاربة اقتصادية حسب ما تم وصفها بأنها تقوم على دراسات جدوى شاملة لواقع الشركات وإمكانية الاستفادة من بعضها وفق صيغ سيتم اعتمادها، كل ذلك يدل على حرص الوزارة وتوجهها لأجل اتخاذ قرارات مدروسة وسليمة، ربما تسهم في قلب المعادلة الحالية التي ألحقت بالشركات الإنتاجية الخسائر، وخرجت من دائرة الربح والعائدية المطلوبة، بل صارت عبئاً كبيراً على الخزينة العامة للدولة، ولا ضير هنا أن يكون الاقتراح المناسب هو الانسحاب من بعض القطاعات الصناعية من خلال إدخال القطاع الخاص لإعادتها إلى الواجهة الإنتاجية بالخطوة الجريئة والأكثر موضوعية، وبهذا التوجه إن تم قد تصل الصناعة إلى جملة فوائد تنعكس على القطاع برمته، والتحويلات ستكون من دون شك وفق مقاربات اقتصادية مدروسة، قد تحقق الخيار الإيجابي الناجح.
فتخلي الدولة عن بعض الأنشطة الصناعية ليس تراجعاً عن مسؤولياتها، بل يأتي في إطار تنظيم النشاط الصناعي والاقتصادي بشكل أكثر كفاءة، حيث تصبح الدولة جهة تنظّم وتوجّه القطاع العام نحو تحقيق أقصى استفادة ممكنة.
من التشغيل إلى التنظيم
جديد التحول حسب مقاربة الخبير الاقتصادي جورج خزام في دور الوزارة، يعكس رؤية إيجابية نحو التحول من نموذج التشغيل المباشر إلى نموذج التنظيم والإشراف الإستراتيجي، وبهذا التحول قد تتعزز كفاءة الأداء ويتاح المجال واسعاً لتطوير قدرات القطاع العام الصناعي حسب خطط واضحة ومدروسة ومؤطرة، وهذا يؤدي إلى منافع تنعكس على الأطراف وقد تصل إلى توازن اقتصادي يسهم في دفع عجلة التنمية والارتقاء بجودة المنتجات.
٢٠٠ مليار قيم مخازين النسيج فقط!
التوجه الصناعي يوحي أن هناك نيات صادقة لإنقاذ القطاع الصناعي بشتى الطرق، وعدم تركه غارقاً، ويأتي هذا التحول من باب الحرص على تحقيق أكبر للمصلحة العامة، فخسارة نشاط وتحولها بمعادلة ما مع الخاص قد تقود لإنقاذ نشاط آخر ويحقق عوائد مالية جديدة.
فقد شهدت السنوات الماضية تزايد أعداد الشركات الخاسرة وتراكم مخازين لمنتجات نمطية تقدر بمئات المليارات، فعلى سبيل المثال فإن قيمة مخازين النسيج أكثر من ٢٠٠ مليار ليرة فقط، وهناك مخازين لمنتجات أخرى بعشرات المليارات، وقد تكون أهم الأسباب التي أدت إلى تلك الخسائر المتراكمة، هي ضعف في الجانب الإداري، وعدم امتلاك مجالس إدارات الشركات لخطط إستراتيجية واضحة تتعامل مع متغيرات السوق وتضع جميع السيناريوهات المحتملة لتجاوز الأزمات، أو ابتكار مبادرات إيجابية وحلول ذكية تغير بوصلة الشركة من طريق الخسائر إلى طريق الربحية والنمو.
لا خيار سوى الخاص
في بلادنا كثير من القطاعات الاقتصادية تحت الإدارة المباشرة للدولة، وتحقيق أعلى درجات الكفاءة والتطوير يتطلب التسريع من وتيرة مشاركة القطاع الخاص في إدارة هذه الكيانات، لتتفرغ الدولة بعدها للتنظيم والإشراف والتشريع والرقابة الفعالة الصارمة، وهذا هو المطلوب، وهذا ما أثبتت كفاءته كل التجارب الدولية، فلا يمكن للدولة أن تشرف وتراقب وتشرّع وتدير كيانات ربحية وغير ربحية في الوقت نفسه، لذلك من الأجدر تولي القطاع الخاص مسؤولية إدارة وتطوير بعض الكيانات الاقتصادية، حتى لو كانت من باب الخصخصة لبعض الأنشطة مثلاً..!
صحيح أن خصخصة بعض الكيانات الاقتصادية العامة وفق دراسات عميقة وجداول زمنية محددة مهم للقطاعين الخاص والعام على حد سواء، وهي لا تتعدى طروحات الآن، لكن يمكن أن يتم اللجوء إليها لاحقاً.
فالخصخصة تدرّ على خزينة الدولة عوائد مجزية من خلال بيع حصصها، بالإضافة إلى ما ستجنيه الدولة من العوائد التي قد يتم فرضها على أرباح ورؤوس أموال الكيانات التي ستخصص، والتي ستزيد مع الوقت بزيادة العوائد المالية لهذه الكيانات بفعل الإدارة الأكفأ للقطاع الخاص لها، كما أنها توفر على الدولة تكاليف التوسع لتلبية احتياجات السوق، إضافة إلى أنها ستوفر على الدولة عبء تكاليف تشغيل هذه الكيانات من رواتب ومصاريف تشغيل وغير ذلك.
القطاع الخاص أقدر على تفهم احتياجات السوق لكل قطاع، كما أنه أسرع في اتخاذ القرارات ومواكبة التطورات التقنية والفنية التي تزيد من فعالية الإنتاج وجودة الخدمة.
والقطاع الخاص أقدر أيضاً على فهم الاحتياجات التمويلية للكيانات الاقتصادية من سندات أو اقتراض مصرفي أو حتى الدخول في شراكات دولية متعددة تضمن نقل التقنية والخبرات، وهو الأقدر على إدارة الموارد البشرية وتطويرها وصقلها وتركيزها وفق احتياجاته، ووفق قدرات كل شخص، والأقدر على مكافأة المجتهد والمبدع وتحفيز الموظف ليكون عطاؤه أكبر.
لا رحمة لضعيف أو خامل..!
مؤسسات القطاع العام غالباً ما تصل إلى مرحلة من الخمول تتطلب إنعاشاً بجرعة تشاركية، أو ربما خصخصة لنشاط ما تضعها في مسار اللاعودة إلى تحميل خسائرها أو بطء أعمالها، حتى لا تكون عبئاً على الموازنات العامة، وفي كثير من الدول تم هذا الاتجاه لأن تلك المؤسسات أصبحت في حالة شيخوخة مبكرة تتطلب معالجات تضعها في حالة حيوية، وذلك لا يحدث إلا إذا وجدت منافسة تجعلها تبحث دوماً عن التطور والبقاء على قيد الحياة لأن قوانين السوق لا ترحم ضعيفاً أو خاملاً.
أسواقنا اليوم بحاجة إلى مؤسسات وطنية نظيرة تجد نفسها في إطار ووضع تنافسي يسهم في تطوير أعمالها، وتجويد خدماتها ومنتجاتها، وهذا ينعكس إيجاباً على اقتصادنا الوطني، لذلك نتطلع إلى تشاركية أو علاقة أقرب لخصخصة منهجية تضعنا على قدم المواساة مع الشركات المماثلة، وهذا في حد ذاته حافز قوي لنمو الاقتصاد والشركات وتمتعها بميزات تنافسية تجعلها تتطور أكثر وتحقق عوائد أكبر.
ويقول الخبير الاقتصادي جورج خزام: هنالك من يقوم بتسويق فكرة أن خصخصة المصانع الحكومية الخاسرة تعني بأن القطاع العام يتم بيعه للقطاع الخاص، وكأن خصخصة المشاريع الخاسرة تعني البيع القطعي للمصانع الحكومية وانسحاب القطاع العام منها.
أن أكثر المعارضين لفكرة خصخصة القطاعات الحكومية الخاسرة هم الفاسدون المستفيدون من بقاء الهدر وقبض العمولات وسرقة المال العام مع استنزاف موارد الخزينة العامة لمصلحة شبكة من المستفيدين المتماسكين مع بعضهم بقوة الانتفاع وجني المال على حساب الدولة والشعب.
كذلك هنالك الكثير من المعارضين لخصخصة المشاريع الخاسرة ممن لديهم أفكار ثبت بطلانها عن الاقتصاد الاشتراكي وإمكاناته الخارقة ببناء وهم المدينة الفاضلة غير الموجودة سوى في قصص الخيال الاقتصادي.
إن دخول شريك من القطاع الخاص لديه الخبرة الإدارية والعلمية والعملية والتجارية والتسويقية هو لمصلحة المصانع الحكومية الخاسرة.
إن سبب إخفاق القطاع العام في إدارة الاقتصاد السوري هو انفصال الملكية عن الإدارة، حيث أن المدير ليس هو المالك، أما بالخصخصة فإن المدير سوف يصبح مالكاً لجزء من المعمل ومعه حسن سير العمل ما يحقق أعلى ربح وأقل تكلفة بأقل فترة زمنية ممكنة.
«إن أفضل شريك للقطاع العام السوري هو الشريك الصيني في حال اتخاذ القرار بالخصخصة، لأن ذلك سوف يمنع التشارك في نهب المال العام في حال لم تكن الأمانة الكافية موجودة».