مشاريع التطوير العقاري حبر على ورق!.. خروج التخمين العقاري والإعمار عن القيمة الحقيقية للسوق.. مدير هيئة الاستثمار لـ«الاقتصادية»: يحق للشركة السورية اكتساب الحقوق العينية العقارية اللازمة لتحقيق أغراضها من دون اعتبار لجنسية الشركاء فيها
|بارعة جمعة
بمجرد الحديث عن وجود عشرات شركات التطوير العقاري في سورية، يتبادر لذهن المُتلقي أنها ستعكس أعمالها على أرض الواقع، لتترجم ذلك من خلال روافع ومشاريع عملاقة ومجابل وفريق هندسي وأبنية حديثة وسباق لتنفيذ الأبنية الذكية والتسابق للفوز بالمشاريع العملاقة، إلا أن الواقع ما زال يثبت التمسك بعقلية العمل التقليدية، لتبدو الحقيقة بأن عمل شركات التطوير العقاري دون المأمول منها، كما أنها بعيدة عن المشاريع النوعية التي تفتخر بإنجازها، ليبدو السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم.. متى سنصل إلى سباق المشاريع بدلاً من عديد الشركات المرخصة؟!! وما مدى قدرة استيعاب القوانين لفكرة إيداع المكتتبين بالقطع الأجنبي أسوة بما صدر سابقاً حول دفع البدل الداخلي به؟!!
رؤيةٌ واقعية ربما تحمل الكثير من الحلول لمشاكل تعثر هذه الشركات، التي لا بد أن يتم النظر إليها ضمن خطة الحكومة الجديدة وفق رؤية محلل الأسواق المالية بشركة «غولد ماين» ومحامي الشركات التجارية حيدرة سلامي ضمن حديثه لـ«الاقتصادية» عن أبعاد هذا الاتجاه وانعكاساتها على واقع التطوير العقاري في البلاد.
التخمين العقاري
يأتي اقتراح خطة إيداع مدفوعات المكتتبين بالقطع الأجنبي، كواحدة من مبادرات العمل لدى الحكومة الجديدة، والتي تسعى إلى الحفاظ على قيمة إيداع المكتتبين المتقدمين للمشاريع السكنية بعملتهم الوطنية، فهل التخمين بالقطع الأجنبي يضمن استقرار أسعار سوق العقارات؟!.. من هنا انطلق محلل الأسواق المالية حيدرة سلامي في حديثه عن واقع التخمين العقاري والإعمار، الذي خرج عن القيمة الحقيقية للسوق على مدى السنوات الماضية، والذي بدوره أفرز حالة من الجنوح الواضح في حساب جميع مفردات العمل المتفرقة، من مواد وظروف إدارية وفنية وغيرها برأيه، ومن ثم تحميلها على العملاء مادياً، لتبدو أكثر من قيمتها الحقيقية، مُرجعاً الأمر لما يتم العمل به من قياس عائدات هذه العوامل على المكتتبين بالقطع الأجنبي عادة، وهو السبب الرئيسي في تأجيل تسليم وإكساء أعداد ضخمة من المشاريع السكنية للأفراد.
وبناء عليه، يأتي هذا الاقتراح ضمن مشروع تغذية الخزانة الوطنية من القطع الأجنبي، بما يضمن قدرة المؤسسات الحكومية على دعم قطاع السكن وتوريده بالمواد الإنشائية على مختلف المراحل والظروف التي تمر على خطة العمل الحكومي برأي المحامي العقاري سلامي.
تنويع محفظة العملات
يأتي هذا المقترح وسط المخاوف التقليدية، لدى الأجهزة الحكومية، من قرار السماح التعامل بالقطع الأجنبي في بلادنا عامة، لسبب بديهي وهو اللجوء إلى المضاربة على قيمة العملة الوطنية في السوق المحلية، حيث إن السياسة المالية السائدة في العمل الحكومي عموماً، عادة ما ترفض إدخال القطع الأجنبي إلى السوق المحلية، إلا أننا بتنا نستبصر في الوضع الراهن، رفع العديد من القيود على العمل بالقطع الأجنبي برأي سلامي، ويأتي ذلك في سبيل اعتماد سياسة مالية جديدة منظمة، تعتمد على تنوع المحفظة من العملات الأجنبية والمحلية، حيث إنه لم يعد بإمكان أي عملة في العالم، الحفاظ على قيمتها الشرائية الحقيقية في ظل التضخم العالمي الذي يطرأ على العملة الأكثر استخداماً في العالم وهي الدولار الأميركي.
وإذا ما خضنا في هذا الاتجاه، فسنجد حتماً تبعات لهذا الاقتراح برأي سلامي، وهو مشروع لإحداث سوق وطنية حديثة على غرار الأسواق الأجنبية في الدول المجاورة، لكون هذه الأسواق لا تخشى إدخال عنصر القطع الأجنبي في السوق الوطنية كعامل مدروس، فبينما يتجه التيار الحكومي السائد إلى منح الدعم المطلق للعملة المحلية، وذلك لدراسة مدخلات ومخرجات السوق مع المصرف المركزي، نجد أنه حين يتحد مصدر الأموال مع مخرج الأموال، سنتمكن من صناعة دائرة مالية مغلقة، نكون من خلالها قادرين بالاقتصاد الداخلي وضبط حركته، بما يتناسب مع خطط العمل الحكومي المطروحة.
هنا لا بد من الإشارة إلى أنه وعند دخول مصدر أموال جديد كالقطع الأجنبي على السوق المحلية، سينشأ حالة من الارتباك لدى العمل الحكومي التقليدي وفق توصيف المحامي التجاري حيدرة سلامي، لعدم قدرته على حساب تأثير الأموال الأجنبية التي تدخل السوق المحلية، ما يؤدي بدوره إلى إحداث مضاربة على السوق الوطنية، لنجد أنفسنا أمام النظرة التقليدية فيما يخص اعتماد القطع الأجنبي في المعاملات المحلية.
إلا أن هذه المخاوف غير مقبولة بالاتجاهات الحديثة في إدارة الأسواق وطنية برأي سلامي، التي ترفض الاعتماد على محفظة واحدة في إدارة أعمالها، كما أنه من الممكن تحكم الاتجاه التقليدي في مسألة ضبط حركة الاقتصاد الداخلي، لكنه وفي المقابل، لن يتمكن من ضبط حركة الاقتصاد الخارجي، ليبدو الاتجاه الأسلم في إدارة الأموال، هو تحمل مخاطرة إدخال القطع الأجنبي ضمن سوق العمل الوطنية، بناء على دراسات مالية متكاملة الأداء حسب قراءة سلامي، لأن تنوع العملات الأجنبية يقود إلى تنوع مصادر الدخل وتنوع المعاملات التجارية، الأمر الذي سيضبط قيمة المواد في السوق المحلية بما يناسب الاقتصاد المالي والجزئي للحكومة، أي بما يناسب الاقتصاد العام.
ضبط أسعار العقارات
نعم هو اتجاه جديد، واقتراح لا بد أن يسهم بالسيطرة على جموح سوق العقارات، لدوره بإعطاء تكلفة القطع الأجنبي الحقيقية ويكبح جماحها، فالقيمة المعتمدة للقطع ضمن السوق المحلية، لا يتم تقديرها من قبل الحكومة أو من التجار، بل من الأفراد أنفسهم برأي سلامي، ممن يعتمدون مبدأ تخمين أسعار عقارهم بالقطع الأجنبي، لنجد أن قيمة تخمين القطع الأجنبي هي التي تجنح عن الصواب بالواقع، كما أنه في حال رصدنا عمليات البيع والشراء في السوق المحلية، نلاحظ أن الأفراد يخمنون عقارهم بالقطع وبما يفوق القيمة الحقيقية للقطع الأجنبي ذاته، حيث إن المقارنة بين أداء العملة الأجنبية والمحلية، يدفع الأفراد قيمة إضافية على أسعار عقارهم، وهو ما يمكن أن نطلق عليها قيمة «المضاربة» وفق سلامي، مع إدخال عامل الوقت في جميع عمليات البيع، الأمر الذي ينافي المنطق والتجارة، فإذا كانت القيمة المفترضة للقطع الأجنبي هي عشرة آلاف عملة محلية، فالأفراد يفرضون في معاملات بيعهم سعراً يفوق العشرين ألفاً.
حالة من التحوط، يمارسها الأفراد بحساب سرعة انهيار العملة المحلية مع إضافة عامل المضاربة على الوقت في عمليات البيع والشراء، ما يعد أحد أسباب التضخم أيضاً، لنجد أن رفع القيود عن التعامل بالعملة الأجنبية لن يأتي فقط في سبيل حفظ التضخم الحاصل على سوق العقارات، بل إنه في إطار مكافحة التضخم الحاصل على القطع الأجنبي ذاته برأي سلامي.
القوة الشرائية
قصور في آلية العمل والتمويل، إلى جانب ضعف القدرة الشرائية، هي عوامل تواجه القطاع السكني، لتبدو فكرة إتاحة الفرصة أمام المغتربين للإسهام في القطاع السكني اقتراحاً لمواجهة هذا القصور برأي محلل الأسواق المالية والمحامي التجاري حيدرة سلامي، كما أنه في الوقت الذي يتم فيه تخمين وتقدير الأسعار بالقطع الأجنبي، يستلم معظم الأفراد دخلهم بالقطع المحلي، ما صنع فجوة كبيرة في القوة الشرائية بين العرض والطلب، وبما أن حركة الشراء المحلية ضعيفة فمن الطبيعي غياب المنافسة من السوق، واتجاه الأفراد إلى مؤسسة الإسكان لتأمين السكن الحكومي، أمام الارتفاع الكبير في أسعار العقارات الخاصة.
ولمواجهة كل ما سبق من معوقات، لا بد من التوجه للأفراد القادرين على تحمل هذه التكاليف، القادرين على دعم المكتتبين المحليين بطريقة غير مباشرة، حيث سيشكل هذا الاقتراح عرضاً مغريا للمغتربين برأي سلامي، ممن سيجدون في عملية إدخال أموالهم من القطع الأجنبي إلى المشاريع السكنية العامة، فرصة مناسبة لاستثمار اغترابهم، كما أنها ستكون فرصة مناسبة للجهات الحكومية بإحداث أجهزة مصرفية منظمة قادرة على استقبال تدفق القطع الأجنبي من المغتربين وتنظيم القاعدة المالية لسوق العقارات، وهو الأمر الذي سيصنع فرصاً أعلى في تسريع عملية البناء للمكتتبين المحليين والخارجين، حيث إن توازن القاعدة المالية بين القطع الأجنبي والمحلي سيجلب فرصاً أعلى للمكتتبين المحليين أيضاً في الحصول على سكنهم المؤجل.
أما في حال حساب أسعار العقارات لذوي الملكية الفردية في بلادنا، يجد المحامي التجاري حيدرة سلامي أنها أعلى سعراً من العقارات في بلدان المهجر، ورغم ذلك تبدو فكرة الاستثمار المؤجل على عقود الجمعيات السكنية أكثر اقتصادية حتى من العقارات في بلاد المهجر، فلا يزال القطاع السكني التعاوني السوري في مبدئه الاقتصادي أسلوباً مرغوباً ولافتاً للنظر إن توافرت له عناصر الإنتاج المناسبة، ولذلك سيشكل عرض الاكتتاب أمامهم بالعملة الأجنبية التي يحصلون عليها فرصة جديدة ويسيرة للحصول على سكن في وطنهم، كما أنه وفي الوقت الذي تنتظر فيه بعض الجهات الحكومية عودة المغتربين لإنعاش السوق المحلية، يأتي اقتراح اعتماد القطع الأجنبي في مصلحة لفت الأنظار وعدم الانتظار لمجيئهم، فمن الصعب على شخص أن يعود إلى دياره دون منزل ولكن العودة إلى الوطن ستكون سهلة مع وجود منزل، ولاسيما أن أغلبية المغتربين هم من الفئة الشابة التي يعزى إليها أن تكون الفئة الأكثر طلباً للحصول على العقارات من اليد العامة.
حوافز وتسهيلات
عبر تقديم الحوافز الجمركية الضريبية، إضافة إلى الحوافز والتسهيلات والمزايا الواردة في القانون رقم ١٨ لعام ٢٠٢٣ تضمن القانون رقم ٢ لعام ٢٠٢٣ مجموعة من الحوافز التي تساهم في تحفيز المطورين والمستثمرين العقاريين على تنفيذ المشاريع المقترحة على المناطق المحدثة، هو ما أكدته مديرة هيئة الاستثمار السورية ندى لايقة في حديثها لـ«الاقتصادية» عن عوامل تشجيع مشاريع التطوير العقاري، المتمثلة بإعفاء مستوردات جميع مواد البناء وتجهيزات والإكمال غير المتوافرة محلياً ووسائط النقل الخدمية غير السياحية اللازمة لتنفيذ مشاريع التطوير والاستثمار العقاري للمشاريع الحاصلة على إجازة الاستثمار من جميع الرسوم الجمركية والمالية والرسوم الأخرى، والإضافات غير الجمركية، بنسبة ٥٠ بالمئة من التكاليف الاستثمارية التقديرية للمشاريع ذات الأولوية، ٤٠ بالمئة من التكاليف الاستثمارية التقديرية للمشاريع ذات الأبعاد الاجتماعية، ٣٠ بالمئة من التكاليف الاستثمارية التقديرية لمشاريع مناطق الخدمات الخاصة.
إلى جانب استفادة مشاريع التطوير والاستثمار العقاري حسب تصريح لايقه من تاريخ بدء التشغيل وهو تاريخ إنجاز المشروع ووضعه بالاستثمار الفعلي من حوافز ضريبية، تشمل تخفيضاً ضريبياً بنسبة ٧٥ بالمئة من ضريبة الدخل لمدة ١٠ سنوات لمشاريع المناطق التنموية للتطوير والاستثمار العقاري، وتخفيضاً ضريبياً بنسبة ٥٠ بالمئة من ضريبة الدخل لمدة ١٠ سنوات لمشاريع المناطق التخصصية للتطوير والاستثمار العقاري، مع السماح لفروع الشركات العربية أو الأجنبية شريطة أن يكون ترخيص الشركة الأم على أساس العمل في مجال التطوير والاستثمار العقاري، وأن تملك الشركة الأم خبرة في مجال التطوير والاستثمار العقاري لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وتقديم كفالة مصرفية لمصلحة الهيئة بقيمة ٢٠٠ ألف دولار.
مع الإشارة إلى وصول شركات التطوير والاستثمار العقاري المرخصة بشكل نهائي وفق تصريح مدير هيئة الاستثمار إلى ٧٠ شركة، منها ٦ شركات قطاع عام وفرع واحد فقط لشركة عربية، في حين وصل عدد مناطق التطوير والاستثمار العقاري المحدثة إلى ٢٦ منطقة تطوير واستثمار عقاري.
المستثمرون الأجانب
وفي خطوة منها لاستقطاب الشركات الخارجية الخاصة بالاستثمار في مجال العقارات، عملت الهيئة حسب تأكيدات المديرة العامة ندى لايقة وفق المادة رقم ١٠ من قانون الشركات، على اعتبار كل شركة مرخصة سورية ويحق لها التملك وفق القوانين السورية، بغض النظر عن جنسية المؤسسين، إلا أن هذه الحقوق لا تنتقل إلى الشركاء بل للشركة فقط، وتعتبر جنسية الشركة سورية حكماً رغم كل نص مخالف في عقدها أو نظامها الأساسي إذا تأسست في سورية وتم قيدها في سجل الشركات في الجمهورية العربية السورية ولا تخضع لأحكام هذه المادة الشركات المسجلة في المناطق الحرة في سورية.
كما تتمتع الشركات المؤسسة في سورية بالحقوق الممنوحة للسوريين، إلا ما كان منها ملازماً للشخص الطبيعي أو عند وجود نص تشريعي خاص يحدد الحقوق التي تتمتع بها الشركة، يحق للشركة السورية اكتساب الحقوق العينية العقارية اللازمة لتحقيق أغراض مشروعها دون اعتبار لجنسية الشركاء فيها، إلا أنه لا يجوز نقل هذه الحقوق إلى أسماء الشركاء أو المساهمين غير السوريين فيها عند حل أو تصفية الشركة إلا بعد الحصول على الموافقات المطلوبة قانوناً لتملك غير السوريين لمثل هذه الحقوق.