فيروس الفساد ينتشر في كثير من القطاعات العامة والخاصة.. الفضائح الأخيرة المتعلقة بالتلاعب بنتائج الامتحانات دليل على استفحال الفساد.. السلوم لـ«الاقتصادية»: مكافحته السبيل الوحيد لإعادة بناء الثقة وتوفير بيئة آمنة للمستثمرين المحليين والأجانب
|هني الحمدان
الفساد في سورية لم يعد مجرد قضية تثير الجدل، بل أصبح أزمة مؤثرة في كل مفصل من مفاصل الحياة السورية، من الاقتصاد إلى المجتمع، مروراً بثقة المواطن بمؤسسات دولته.
إن معالجة الفساد هي خطوة ضرورية لاستعادة الثقة، وتهيئة بيئة اقتصادية جاذبة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
مصدر للأزمات
في بلد يواجه تحديات اقتصادية حادة، لا يكفي الحديث عن التضخم وارتفاع الأسعار من دون مواجهة الحقيقة الأكثر إيلاماً.
الفساد هذا المرض لم يقف فقط عند إضعاف مؤسسات الدولة، بل أدى إلى تراجع فرص الاستثمار، وساهم في تهجير العقول والكفاءات.
اليوم، يعاني الاقتصاد السوري من ضعف الإنتاجية وانخفاض معدلات الاستثمار، ليس لأن سورية تفتقر إلى المواهب أو الموارد، بل لأن شبكة الفساد والمحسوبية تعطل كفاءات البلد وتمنع تطور البنى التحتية والخدمات حسب الباحث الاقتصادي محمد السلوم لـ«الاقتصادية».
استنزاف العقول وهجرة رؤوس الأموال
في ظل غياب المحاسبة حسب قول الباحث الاقتصادي السلوم، وسيطرة الفساد على المؤسسات، يجد الشباب المؤهلون والكفاءات المهنية ورؤوس الأموال في سورية أنفسهم أمام خيار صعب، وخاصة الاستمرار في بيئة لا تحترم قدراتهم أو البحث عن فرص جديدة خارج الوطن.
هذا النزف المستمر للعقول ورؤوس الأموال لا يعني فقط خسارة البلاد لأهم مواردها، بل يضاعف من التحديات الاقتصادية ويعرقل مساعي الدولة في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، لذا فإن مكافحة الفساد هي السبيل لإعادة بناء الثقة وتوفير بيئة آمنة للمستثمرين المحليين والأجانب، وضمان مناخ يدعم الإنتاجية ويوفر فرصاً حقيقية للمواطنين.
تأثير الفساد
في العلاقة بين المواطن والدولة
إن الفساد الذي يعم المؤسسات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، هو العامل الرئيسي الذي أدى إلى تآكل الثقة بين المواطنين والدولة، فعندما يرى المواطنون أن من يمارسون السلطة لا يواجهون المساءلة، تتلاشى الثقة وتتراكم مشاعر الإحباط.
إن ضمان الشفافية والمساءلة في التعامل مع الفساد هو الشرط الأساسي لاستعادة هذه الثقة وتعزيز الروابط بين المواطن ومؤسسات الدولة.
ضرورة إعادة الاعتبار لكرامة أصحاب الحقوق ودماء النبلاء
من المؤلم أن يكون الفساد سبباً في تهميش من ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل الوطن.
وأضاف السلوم: إن تكريم دماء الشهداء يبدأ من تكريس قيم العدالة ومكافحة الفساد، وضمان حقوق المتضررين من التجاوزات، فلا يمكن لأي دولة أن تدعي احترام تضحيات مواطنيها ما لم تعمل بجد لمحاسبة المفسدين الذين تسببوا في أزمات تفاقم من معاناة الشعب.
دور المسؤولين في تحقيق
وعود مكافحة الفساد
إن المسؤولية هنا تبدأ من قمة الهرم في جميع المؤسسات؛ إذ لا يمكن أن تستمر حالة التساهل مع المفسدين أو الالتفاف حول الوعود الانتخابية.
المسؤول الذي يتحدث عن مكافحة الفساد عليه أن يثبت هذه الجدية من خلال أفعال حقيقية، وليس وعوداً عابرة.
إن تنصل المسؤولين من هذه الالتزامات أو التعامل معها بسطحية، يضعهم في موقع الاتهام ويؤكد أن الفساد ليس فقط في الأفعال، بل حتى في الكلمات التي لا تلتزم بما تعِد به.
أهمية تعزيز قوة وفاعلية المؤسسات الرقابية والقضائية
ونوه السلوم بأنه لا يمكن لمكافحة الفساد أن تحقق نجاحاً من دون بناء مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على أداء دورها الرقابي والقضائي وتنفيذه بجدية. تحتاج سورية إلى مؤسسات فعّالة تكون عين الشعب وصوت العدالة، وتتمتع بآليات تسمح بالكشف عن التجاوزات ومحاسبة مرتكبيها، بغض النظر عن مواقعهم أو انتماءاتهم وبناء هذه المؤسسات وتعزيز صلاحياتها يبعث برسالة واضحة لكل من تسول له نفسه ارتكاب فساد.
إشراك المجتمع في محاربة الفساد
إن مسؤولية مكافحة الفساد ليست محصورة بالمؤسسات الحكومية فقط، بل تتطلب أيضاً دوراً نشطاً من المجتمع المدني والأفراد، فيجب على الدولة أن تعزز دور المواطنين عبر حملات توعية وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي تجاوزات بشكل آمن.
كما أن تفعيل دور الإعلام في هذا الجانب يعد أمراً جوهرياً لتسليط الضوء على مكامن الفساد ونقل صوت الناس، ما يخلق مناخاً من الشفافية ويعزز المشاركة الشعبية في مواجهة هذه الآفة.
إن مكافحة الفساد ليست خياراً، بل هي الطريق الوحيد لإنقاذ سورية من أزماتها، وإعادة بنائها على أسس من النزاهة والعدالة.
إن بناء وطن قوي ومستقر يبدأ من إنهاء الفساد وتحقيق العدالة لجميع المواطنين. إن المسؤولية الآن على كل فرد في هذه البلاد، ليقف في وجه الفساد ويعمل من أجل مستقبل أفضل، يحترم حقوق الشعب وتضحياته، ويضمن بيئة آمنة ومستقرة لكل مواطن.
تعقيباً على جهود وزارة التربية
رغم ما تم تداوله سابقاً من تشكيك في تقييمات الجهات والمؤسسات الدولية المعنية بالجودة والتقييم، للتعليم في سورية، واتهام تلك التقارير بالتحيّز السياسي لتصنيف المنظومة التعليمية السورية بمستوى متدنٍ، إلا أن الأحداث والحقائق التي تكشّفت مؤخراً تدحض هذا الادعاء. فقد أظهرت التسريبات المتكررة في الامتحانات وحوادث العنف وضعف الرقابة داخل المدارس السورية، وتدهور البنية التعليمية بشكل عام، أن التقارير الدولية المعنية بالجودة والتقييم كانت بالفعل تعكس واقعاً حقيقياً من التراجع في الجودة التعليمية.
إن تكرار الفضائح التي كشفتها وزارة التربية نفسها، بما فيها حالات التلاعب بالنتائج وعدم القدرة على توفير بيئة آمنة للطلاب، يؤكد أن التحديات في القطاع التعليمي السوري أكبر من مجرد ادعاءات مسيسة؛ فهي جزء من منظومة فساد أوسع أثرت سلباً في التعليم ورفعت من مستوى الانفصال بين مؤسسات التعليم والمجتمع، حيث تعتبر الفضائح الأخيرة المتعلقة بالتلاعب في نتائج الامتحانات من قبل موظفين في وزارة التربية دليلاً مؤلماً على مدى استفحال الفساد حتى في القطاع التعليمي، حيث كشف وزير التربية عامر المارديني عن تورط موظفات في التلاعب بنتائج العديد من الطلاب في امتحانات الشهادة الثانوية، والذي أظهر هشاشة وثغرات في أنظمة الرقابة داخل الوزارة، وألقى الضوء على عمق الفساد داخل أروقة منظومة التربية والتعليم، إضافةً إلى ذلك، فقد وقعت سابقاً عدة حوادث تسريب لأسئلة الامتحانات، ما جعل نزاهة العملية التعليمية موضع تساؤل خطير، ودفعت الشكوك حول الإجراءات الرقابية، لتؤكد الحاجة الماسة لإصلاح جذري في الوزارة وهذا ما يتوقع أن يقوم به الوزير المارديني.
تُظهر هذه الفضائح حجم الفجوة المتزايدة بين المواطن والمؤسسات، حيث إن ضعف الرقابة المركزية والداخلية سمح بوقوع حالات مأساوية مثل حادثة الطالبة تسنيم التي تعرضت لاعتداء عنيف داخل المدرسة، حيث تزداد حالات التنمر والعنف، ما يعكس ضعفاً واضحاً في إشراف المدارس وضمان بيئة آمنة للتلاميذ.
تتراكم مشاعر الإحباط لدى المواطنين عندما يرون أن الحوادث تتكرر من دون إصلاحات جذرية، وهذا ينطبق على قطاع التعليم كما هو الحال في قطاعات أخرى. في هذا السياق، تصبح محاربة الفساد ضرورة ملحة، لضمان بيئة آمنة وشاملة، تعيد بناء ثقة المواطنين بمؤسساتهم.