كيف فهم الاقتصاديون محرمات «الجلالي» والتفكير خارج الصندوق.. إيجاد الحلول والابتعاد عن الروتين والجرأة في القرار ما المحرمات التي ستسقطها حكومة الجلالي؟.. يجب أن تتحول الحكومة من وصائية إلى تنموية
|أمير حقوق
منذ تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي، تلقى الخطابات والتوجيهات المتضمنة في اجتماعاتها وجلساتها أصداء وتحليلات مختلفة من الأكاديميين والخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي بهدف توصيف عمل الحكومة الجديدة وتحديد مسار عملها خطوة بخطوة، ولتحديد الفوارق بينها وبين سابقاتها من الحكومات، وأبرز هذه التوجيهات التي لاقت أصداء إيجابية هي إشارة الدكتور الجلالي إلى ضرورة الابتعاد عن «المحرمات» في طرح الأفكار والرؤى الحكومية، مشدداً على ضرورة الجرأة الموضوعية في التعامل مع الطروحات كافة.
ولمعرفة المحرمات المقصودة التي سيتم الابتعاد عنها في طرح الأفكار والرؤى، «الاقتصادية» طرحت ملف المحرمات لتحديدها ومعرفة رسمها مسار الخطط الحكومية اللاحقة التي تصب في المسار الاقتصادي بشكل خاص، ولمعرفة المحرمات التي ستسقطها الحكومة الجديدة، وفق رؤية أكاديميين اقتصاديين من خلال قراءة تحليلية اقتصادية.
الابتعاد عن نسف شكل الاقتصاد
«الابتعاد عن المحرمات»، يقصد به الابتعاد عن نسف شكل الاقتصاد الوطني وشكل الثقافة التي بني عليها الحزب القائد حزب البعث العربي الاشتراكي، والابتعاد عن نسف ما يقوم عليه الاقتصاد الوطني بمعنى لا يمكن نسف كل القطاع العام والاعتماد على القطاع الخاص ولا العكس، إذاً الربحية التي تسهم في بناء الاقتصاد الوطني تحكم على المشروعات سواء مشروعات القطاع العام أو مشروعات القطاع الخاص من خلال دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات، وبالتالي عدم إلغاء أي قطاع ولا إلغاء العلاقة التشاركية لأنها أسس في النظام الاقتصادي الموجه وبالتالي تطرح الأفكار والرؤى ضمن هذا الإطار الواسع أو الدائرة الواسعة لعمل لهذه القطاعات، وفقاً لما أشار إليه الأستاذ الجامعي ورئيس فرع نقابة المهن المالية والمحاسبية الدكتور مجدي الجاموس في حواره مع «الاقتصادية».
ألا يتم التطرف بطرح الأفكار لمجرد شعارات، إنما مساحة أوسع لطرح الأفكار بجرأة، والجرأة في الطرح تكون بشكل موضوعي وبناء وذا جدوى اقتصادية وبشكل يحاكي الواقع بتحقيق التنمية الاقتصادية، وهي فكرة ماذا يمثل اقتصادنا الوطني ودعوة بلا الذهاب إلى حالة من التطرف بطرح الأفكار والرؤى، ولكن طرحها بوجودية القطاعين العام والخاص.
ليست مبنية على شعارات
وببند «الابتعاد عن المحرمات» يمثل التفكير خارج الصندوق ضمن إطار واسع، والجرأة في طرح الأفكار، وأيضاً يعطي مساحة أكبر للفكر الخلّاق وللإبداع ولطرح رؤى مبنية على أفكار موضوعية ودراسات جدوى وليست مبنية على شعارات، ويمكن تلخيص توجيه رئيس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي بالابتعاد عن المحرمات بطرح الرؤى كما تروها مناسبة وكما هو إيجاد حل للاقتصاد الوطني لكن ضمن ثوابت ودائرة واسعة لشكل النظام الاقتصادي في سورية، تبعاً لتوصيف الدكتور الجاموس.
الإدارة بالأهداف
وبرأي الدكتور الجاموس، تتميز نقطة «الابتعاد عن المحرمات» التي أشار إليها الدكتور الجلالي بعدة إيجابيات منها: الفكر الخلاق والبحث فعلياً عن إيجاد الحلول والابتعاد عن الروتين والرتابة، والجرأة في اتخاذ القرارات، وهذا بدوره يعطي مساحة لما يسمى الإدارة بالأهداف، أي تنطلق من الأهداف للوصول إلى الأهداف ولديك المسؤولية والجرأة والطرح وتحمل المسؤولية وكيفية الوصول لهذه الأهداف، فهذه الرؤية الجديدة للحكومة تمنح الوزراء مساحة كبيرة باتخاذ القرارات للوصول إلى أهداف موضوعية ويتحملون المسؤولية عن عملية إنجاز هذه الأهداف سواء إيجاباً أو سلباً، والوصول إليها ونتائج الخطة الموضوعة للوصول لهذه الأهداف.
خصخصة القطاع العام الإنتاجي
وعن المحرمات التي ستسقطها الحكومة الجديدة من الثوابت القطاع العام الإنتاجي فأعتقد أنه سيكون بحده الأدنى وستتم خصخصته وطرحه للاستثمار أو إعادة الحوكمة والعمل به بالحد الأدنى، وأيضاً من المحرمات التي ستسقطها الحكومة قطاع التعليم أي سيكون فيه جانب من الخصخصة إلى حد ما، إضافة لقطاع الصحة سيكون فيه خدمات حكومية مدفوعة بمعنى الكلام، وستسقط أي علاقات إذا كانت ممنوعة للبحث عن سبل الحل، مثلاً كالعلاقات السياسية ممكن تؤدي لإيجاد حلول للطاقة، وهذه المرحلة هي مرحلة البحث عن كل السبل بغض النظر عن المحرمات سواء كانت بالعلاقات أو بالأفكار أو بالطرق للوصول إلى بنية تحتية لما يخص موضوع الطاقة، وفق قراءة الدكتور الجاموس التحليلية لـ«الاقتصادية».
الابتعاد عن الشعارات
ليس هناك في الاقتصاد ما يسمى المحرمات، ولكن بالمعنى الشعبي تدعى «ممنوعات»، والابتعاد عن المحرمات في طرح الأفكار والرؤى أي تقديم الرؤى العلمية الاقتصادية ومساهمة كل القطاعات الاقتصادية والفعاليات الاجتماعية، وأن تكون الأهداف الموضوعة واقعية وممكنة التطبيق والابتعاد عن الشعارات، وضرورة خلق سلسلة القيم المضافة وتعظيمها على قاعدة زيادة الربح والربحية لأن الموقع الرابح يقدم خدمات اجتماعية أما الموقع الخاسر فهو عبء على الدولة والحكومة لذلك لابد من التخلص من خسارة الشركات الخاسرة وتحويلها لرابحة، حسب رؤية الأستاذ الجامعي الدكتور حيان سلمان أثناء حديثه مع «الاقتصادية».
تفعيل عمل القطاع الخاص
إن الرؤى تلمس الواقع بكل شفافية ومصداقية واعتماد المؤشرات الرقمية وليس الجمل الإنشائية والتركيز على تفعيل الدورة الاقتصادية من خلال خلق بيئة جاذبة للاستثمارات ومحفزة للإنتاج لدفع عجلة التنمية للأمام وتجاوز الآثار السلبية المتراكمة لبعض السياسات الاقتصادية الموروثة منذ عدة عقود، مثل (ضعف وتذبذب معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وتزامنه مع عدم استقرار أسعار الصرف والمستوى العام للأسعار… الخ)، حيث تجلت الأزمة الاقتصادية بشكل ملموس من خلال ارتفاع معدلات التضخم مترافقاً مع تراجعٍ في الطلب الكلي (الركود التضخمي وعجز الموازنة الكبير وتراجع الأمن الغذائي والأرض الزراعية والعمل لمنع تدهورها وتفعيل عمل القطاع الخاص ومكافحة التهرب الضريبي وتراجع الصادرات)، وهذا يتطلب العمل بسرعة ومن دون تسرع لتحقيق الأهداف المنشودة فالحكومة لا تمتلك متسعاً من الوقت ويجب نقل الأفكار إلى حيز الواقع، والظروف القاسية التي تمر على بلدنا يجب أن تكون عاملاً محفزاً وليس مثبطاً، تبعاً لرؤية الدكتور سلمان.
القطاع الخاص يجب أن يكون حاضراً
وعندما يكون الواقع الاقتصادي رابحاً فإنه يمكن أن يؤدي دوره الاجتماعي المنوط به، والجانب الاجتماعي هو على عاتق القطاعين العام والخاص ، وأن القطاع الخاص يجب أن يكون حاضراً بقوة في بنية وتركيب الاقتصاد الوطني المعاصر إلى جانب القطاع العام، ولهذا يجب تقديم كل الدعم الاقتصادي والقانوني له ولكل القطاعات الأخرى، وفق الدكتور سلمان.
وتجدر الإشارة إلى صعوبة زيادة الرواتب والأجور إلى المستويات التي تلبي رغبات المواطنين، لأن التمويل بالعجز ليس مصدراً آمناً ومستداماً لتمويل التنمية إذا لم تترافق مع معدلات الاستثمار والإنتاج، وللوصول إلى تحسين مستوى المعيشة وزيادة الرواتب والأجور لابد من تفعيل الدورة الاقتصادية وترسيخ الثقافة الإنتاجية وزيادة الكفاءة الاقتصادية أي النسبة بين المخرجات والمدخلات وهنا نقترح ربط زيادة الرواتب والأجور مع زيادة الإنتاجية والمردودية حتى لا نقع في مطبَي التضخم والعجز الموازني.
وهذا يتطلب اعتماد عدد من الإجراءات ومنها: تحديد آلية التعامل معها في ضوء مقارنة الإمكانات المتاحة مقابل المتطلبات التنموية لتحديد الفجوات وصولاً للتعامل معها في متن السياسات والخطط، بالاعتماد على الإدارة المثلى للموارد المتاحة والمحافظة وصون المال العام ومعالجة المشكلات الكبيرة الموروثة في العمل الاقتصادي ومنها: معدلات نمو اقتصادية ضعيفة وخلل هيكلي واضح في مقومات وحوامل النمو الاقتصادي وضعف الموارد وخروج جزء منها من الإنتاج وتراجع مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي الأسعار وارتفاع الأسعار وأسعار الصرف ولكنها استقرت مؤخراً وترافقت مع ارتفاع معدلات التضخم ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية لليرة السورية وتتناسب مع عدالة توزيع الدخل، وأيضاً تراجع عمل قطاعات الطاقة والبنى التحتية، بسبب الارتفاع المتزايد في الطلب عليها مقارنة مع الموارد المتاحة وبالتالي عدم القدرة على تلبيتها وتحسين نوعيتها ولو بالحد الأدنى وهذا أثر في جميع عناصر الإنتاج وتعطيل قسم منها عطالة كامنة زيادة غير مسبوقة في قيمة الدين العام، وتراجع الموارد بسبب احتلال قسم من الأراضي السورية والإجراءاتِ القسرية الأحادية الجانب المفروضةِ على سورية من بعض الدول والمنظمات، وبالتالي ضرورة تفعيل العمل لخلق مناطق اقتصادية خاصة والتدخل الإيجابي الفعال، وتأسيس حاضنات الأعمال وتشجيع عودة الفعاليات الاقتصادية السورية من الخارج وبما يسهم في تحقيق التنمية الإدارية والبشرية الشاملة والمستدامة ووضع حد لتسرب الكفاءات البشرية وتطوير مستوى التعليم من الحضانة وحتى الشهادات العليا، وفقاً للدكتور سلمان.
حوكمة الجهاز الحكومي
ويجب ضرورة الاعتماد على الذات وتفعيل عمل المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كمرتكز لتحقيق النمو الاقتصاد والانتقال إلى اقتصاد منتج، وهذا يتطلب حوكمة الجهاز الحكومي، وتطوير مؤسساته وتعزيز موارده البشرية ومراجعة سياسة الوظيفة العامة بما يحقق الكفاءةَ والفاعلية، والعمل لتعزيز الانتقال إلى اللامركزية الإدارية بالاعتماد على الذات في الوحدات الإدارية وتطوير المنظومتين الاقتصادية والإدارية، ويحقق العدالةَ في توزيع الخدمات والأنشطة بين المحافظات السورية وتخفيض الفجوة التنموية بينها، وحشد التمويل المتوافر لتحقيق الأهداف المنشودة والعودة الكريمة للمهجرين، حسب الدكتور سلمان.
تعتمد على مؤشرات رقمية
وطرح الأفكار والرؤى يحتاج إلى وضع إجراءات وخطط علمية عملية وهي مسؤولية الجميع سواء في القطاع العام أو الخاص أو المشترك، وإن نجاح أي مشروع اقتصادي لا يتوقف على طابع ملكيته وإنما آلية وكيفية إدارته، والدليل هو وجود شركات ومؤسسات رابحة وخاسرة في كل القطاعات وليس قطاعاً بعينه سواء كان عاماً حكومياً أو خاصاً وأن الخصخصة ليست الحل السحري لمواجهة المشكلات الاقتصادية، وإن الحكومة يجب أن تتحول من حكومة وصائية إلى حكومة تنموية تعتمد على مؤشرات رقمية في تقييم نتائج أعمال أي قطاع من القطاعات الاقتصادية أيا كان نوعها، حسبما ختم به الدكتور سلمان حديثه مع «الاقتصادية».