هل القطاع الخاص سيعطي قبلة الإنعاش للقطاع العام؟.. مقترحات لمنح الإدارة لشركات خاصة لمدة خمس سنوات لمعامل القطاع العام.. التشاركية بين القطاعين… خطوة في طريق النهوض بالقطاع العام حتى ينجح الزواج بين القطاع العام والخاص يجب مكافحة خيانة الفساد
|أمير حقوق
تعتبر التشاركية بين القطاعين العام والخاص صيغة اقتصادية جديدة يشهدها الواقع الاقتصادي، وتبعاً لأهمية القطاع الخاص وما يمثله من روافد اقتصادية، كان من ضمن اهتمامات الحكومة الجديدة وفق ما أعلنت، الأمر الذي اعتبره الخبراء خطوة إيجابية للنهوض بالقطاع العام وتطويره ولتحسين واقع العمال الأمر الذي يشير إلى أهمية التشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص في الإدارات العامة لتغيير الرؤى والخطط الموضوعة ولإحداث تجديد ملحوظ ولإقلاع الشركات والمؤسسات حسب المطلوب وأكثر.
«الاقتصادية» طرحت عنوان التشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص في الإدارات العامة لمعرفة الرؤى التي تحملها وللتطرق إلى النتائج والمنعكسات على واقع الشركات والمؤسسات بشكل عام وعلى الواقع الاقتصادي بشكل خاص.
حل جيد
يرى الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن الاقتصادي أن التشاركية بين القطاعين العام والخاص في تشغيل وإدارة المؤسسات الإنتاجية الحكومية الخاسرة أو تلك المهددة بالإيقاف حل جيد، وذلك في ظل عدم مقدرة بعض الإدارات الحكومية على إنعاش هذه الشركات، وتصريحات الكثير من المديرين حول سوء الأوضاع في شركاتهم والصعوبات التي تواجه العمل وتأمين المواد الأولية، فما إمكانية تطبيق هذا الحل؟ وما الآلية التي يجب القيام بها لتشجيع القطاع الخاص على الخوض في هذه التجربة؟، وفق ما أشار إليه الأستاذ في قسم إدارة الأعمال بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور زكوان قريط أثناء حواره مع «الاقتصادية».
مراقبة التشغيل
يجب على الحكومة في ظل الأوضاع الحالية القيام بهذه التجربة، خاصة إن لم تكن قادرة على تشغيل بعض شركاتها، وفق رؤية الدكتور قريط، متابعاً: فمن الممكن توقيع عقود تشاركية مع القطاع الخاص وفق قانون التشاركية لعام 2016، وأن يتضمن العقد تشغيل المنشأة لمدة 5 سنوات على سبيل المثال، على أن يتم تسليمها بعد مرور هذه الفترة بشرط تحقيق إيرادات وأرباح جيدة، إضافة إلى مراقبة التشغيل خلال سنوات العقد من الحكومة، وذلك وفقاً لنظام BOT أي البناء والتشغيل والتحويل.
الحكومة قد لا تلجأ إلى تعميم هذه التجربة والتوسع بها، لأن البعض قد يعتبر أنها تحمل نوعاً من المساس بالسيادة الوطنية، أو يظن أن الحكومة باعت شركاتها للقطاع الخاص، لذا فإن الأمر يحتاج قبل تطبيقه إلى المزيد من الوعي بما يحقق مصلحة الطرفين، فالحكومة من ناحية لديها الكثير من الشركات الإنتاجية وخاصة في وزارة الصناعة متوقفة وخاسرة، ومن المجدي تسليمها للقطاع الخاص لفترة ما وفق شروط معينة مع تقديم بعض التسهيلات لتشجيعه، كالإعفاء الضريبي مثلاً أو بعض التسهيلات المتعلقة بالاستيراد، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من الخبرة الإدارية لدى القطاع الخاص والعقلية الخاصة التي يمتلكها، تبعاً لمقترحات الدكتور قريط.
خصخصة الإدارة لا الملكية
يجب التمييز بأننا نقصد خصخصة الإدارة وليس خصخصة الملكية، فالملكية تعود حتماً للحكومة، لكن تشغيل المنشآت وتحقيق الأرباح يحتاجان إلى إدارة خاصة تفكر بأسلوب يختلف عن التفكير الحكومي، فالقطاع الخاص يحرص على التخفيف من نسب الهدر ويسعى بشكل دائم إلى الربح والإنتاجية العالية، لذا من مصلحته تشغيل المنشأة بأقصى طاقة واستغلال كل الموارد المتاحة والاستفادة من الحسومات والإعفاءات للحصول على نسبة من الأرباح، حسب قراءة الدكتور قريط.
دراسة دقيقة وشاملة
وجود الكثير من التشابك بين مؤسسات القطاع العام، فمثلاً هناك شركات مديونة لمؤسستي الكهرباء والمياه بمليارات الليرات منذ عشر سنوات تقريباً، وهذا قد لا يشجع القطاع الخاص على التشاركية، لذا فإن الأمر يحتاج إلى دراسة دقيقة وشاملة من رئاسة مجلس الوزراء، مع التركيز على الشركات الآيلة للتصفية، وإعادة هيكلتها بتعهيدها إلى قطاع خاص لتشغيلها ووضعها على عجلة الإنتاج، وفقاً لتحليل الدكتور قريط.
إعادة دوران عجلة الإنتاج
وفي ختام حديثه مع «الاقتصادية»، رأى الدكتور قريط أن هذه التجربة تعود بالفائدة على الاقتصاد السوري كله، من خلال إعادة دوران عجلة الإنتاج بدلاً من انتظار تمكن القطاع العام للقيام بذلك، وخاصة بوجود الكثير من الشركات الحكومية التي أنهكها الفساد والمحسوبيات، لافتاً إلى أن صدى هذه التجربة قد لا يكون فورياً، فقد تطول فترة انعكاس ذلك لمدة ثلاثة أعوام.
جذب وتنشيط الاستثمارات
شراكة القطاع العام والخاص(PPP)، هي اتفاق بين القطاعين العام والخاص، عادة ما تكون الشراكة طويلة المدى، ويشمل هذا النوع من الشراكة عادةً تمويلاً خاصاً للمشروعات والخدمات الحكومية مباشرة، ثم أخذ الأرباح من دافعي الضرائب أو المستخدمين بموجب عقد الشراكة، واستعمل هذا النوع من الشراكات في بناء وإعداد وتشغيل وصيانة مدارس ومشافٍ وأنظمة نقل وأنظمة مياه وصرف، ويمكن أن تتخذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص مجموعة واسعة من الأشكال التي تختلف في درجة الغرض ومشاركة الكيان الخاص والبنية القانونية وتقاسم المخاطر، وعادة ما يتم تسجيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في عقد أو اتفاقية لتحديد مسؤوليات كل طرف وتخصيص المخاطر بوضوح، إضافة إلى توفير رأسمال القطاع الخاص ومعارفه وخبراته في إدارة المشروعات، ما يسهم في تقليل المدة الزمنية لتنفيذها، وخفض تكلفة الخدمات وتحسينها. ومن الأهداف الأخرى: جذب وتنشيط الاستثمارات الوطنية، والإقليمية، والأجنبية لتحقيق قيمة أفضل مقابل النقود فيما يتعلق بالإنفاق العام، حسب توصيف عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة إيبلا الخاصة الدكتور صبري حسن لـ«الاقتصادية».
وتعتبر التشاركية مهمة جداً للاقتصاد السوري لما يلي، أولاً من الصعب جداً على الحكومة السورية تلبية الطلب المتنامي والمستمر على السلع والخدمات بمفردها في ظل القيود المتزايدة على الموازنة العامة ونقص الخبرات، وبالتالي عليها زيادة الاعتماد على القطاع الخاص، وثانياً: اللجوء إلى الشراكة للمساعدة في تقديم الخدمات العامة دون انقطاع وبجودة أعلى وبتكلفة أقل في معظم الأحيان، وفقاً للدكتور حسن.
القطاع العام يعاني الانهيار الشامل!
ويعتقد الدكتور حسن أن التشاركية بين القطاعين العام والخاص ضرورية جداً، وخاصة في الحالة السورية، ولكن القطاع العام اليوم يتميز بالانهيار الشامل تقريباً في جميع مؤسساته، وخاصة مشاريع البنية التحتية والحيوية التي تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى عجزه عن أن يكون القاطرة الأساسية لتحريك النمو الاقتصادي، كل ذلك بسبب ظروف الحرب الكارثية أولاً، وسوء الإدارات العامة وفسادها ثانياً، وحدد قانون التشاركية بين القطاعين العام والخاص رقم /5/ لعام 2016، أهم المبادئ القانونية وهي العلانية، والشفافية، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والمنافسة، والتناسب، والتوازن، وحماية المصلحة العامة، وحماية الحقوق الخاصة، وحماية البيئة، والتنمية المستدامة، والسؤال هل يمكن تطبيق هذه المبادئ في الحالة السورية الراهنة في ظل الخلل الكبير والنسب العالية الفاسدة في الإدارات العامة؟، تبعاً للدكتور حسن.
ويرى أنه من أهم متطلبات الشراكة في الإدارات العامة: وضع رؤية ورسالة مشتركة، وفهم واضح لنظام العمل في بيئة الإدارات العامة، وفهم واضح لنقاط القوة والضعف في الإدارات العامة ذات الصلة، والقدرة على المرونة في الإدارات التي تحتاج إلى معالجة، وتحديد التحديات التي تواجه الإدارات العامة، والمجالات التي يمكن أن يتم فيها التعاون، ووضع الإستراتيجيات والأهداف، والتعامل مع الخلافات بين الشركاء بمهنية وسرعة، وأخيراً تحديد المسؤوليات.
الرصد والتقييم المستمر
وحسب الدكتور حسن، فإن أفضل آلية لتحقيق النتائج المرجوة من التشاركية في الإدارات العامة، هي الرصد والتقييم المستمر والمنهجي بناء على الأهداف التي تم الاتفاق عليها، والأنشطة التي تم التخطيط لها وكيفية تنفيذها، والمعلومات التي يتم جمعها على طول المسار، الأمر الذي يمكّن من بذل الجهود في سبيل التقييم بطريقة منهجية وموضوعية من حيث مدى ملاءمتها وأدائها وتأثيرها ونجاحها أو عدمها واستدامتها وفقا للأهداف المعلنة وتكون الشراكة مناسبة في الحالات التالية: أولا: إذا كان القطاع العام يرغب بإنشاء مشروع كبير ويتطلب ذلك تحمل وإدارة المخاطر خلال دورة حياة المشروع، ثانياً: إذا كان القطاع الخاص يتمتع بخبرة أكبر من القطاع العام في نوع المشروع المعني، ثالثاً: إذا كان المشروع يتيح إمكانية توزيع المخاطر على القطاعين بوضوح وتضمين ذلك في العقد، رابعاً: إذا كانت المشروعات لا تعتمد على التكنولوجيا بشكل مبالغ به ولا تتطلب تكنولوجيا غير متوفرة في السوق، خامساً: إذا كان المشروع سيتم استخدامه لفترات زمنية طويلة ومن الممكن تمويله على أساس طويل المدى، سادساً: إذا كانت الحكومة قادرة على تحديد مخرجات أو نتائج المشروع طوال فترة وجوده، أخيراً: إذا كان مقترح المشروع يتضمن تبريراً قوياً وتحليلاً مفصّلاً للاحتياجات وشرحاً لمدى قابلية تنفيذ المشروع كمشروع شراكة.
تمكين الحكومة من الوفاء
وإذا تمت الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالشكل المطلوب، فإنها ستكون قادرة على توليد عائد أفضل للاستثمار بعدة طرق، فالتكنولوجيا والابتكار في القطاع الخاص يعملان على تحسين الكفاءة التشغيلية للمشروع. وهناك أيضاً إمكانية الحصول على حوافز لتسليم المشروعات في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية، كما أن هناك إمكانية لتقييم المخاطر واحتواء التكاليف بشكل أفضل، وعلاوة على ذلك، يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص تمكين الحكومة من الوفاء بمسؤولياتها في تقديم السلع والخدمات الاجتماعية والاقتصادية بكفاءة من خلال ضمان الكفاءة والفعالية والمساءلة والجودة ونطاق الخدمات، وفقاً للدكتور حسن.
الاستغلال الأمثل للموارد العامة:
وأردف: كما أن هناك مجموعة فوائد يمكن تحقيقها اقتصادياً، إذ تتيح الشراكة إمكانية تمويل المشروعات والاستفادة من التكنولوجيا والابتكارات الحديثة لدى القطاع الخاص وتقديم خدمات حكومية أفضل من خلال تعزيز الكفاءة، وتعزز الشراكة القدرة على التحكم بالموارد المالية المتاحة من خلال تحديد التكاليف الحالية والمستقبلية للمشاريع، كما توفر الشراكة للقطاع الخاص المحلي فرصة المشاركة في تنفيذ مشاريع مشتركة مع الشركات الدولية وإبرام عقود فرعية لمختلف الوظائف المساندة ما يسهم في تطوير قدراتها، وتعتبر الشراكة وسيلة لزيادة مشاركة القطاع الخاص تدريجياً في توفير الخدمات الحكومية بشكل مسؤول، وتساهم الشراكة في الاستغلال الأمثل للموارد العامة المحدودة، وبما أن العديد من المشروعات يعتمد على إنفاق رأسمالي مباشر من القطاع الخاص فهي يمكن استغلالها في الأوقات التي يتوقف أو يتعرض فيها رأس المال العام لقيود (إما بسبب سقوف الإنفاق العام، أو دورة الموازنة).
تأمين إيرادات إضافية
وإن تولي القطاع الخاص مهام ومسؤولية التصميم والإنشاء حافز له لإنجاز المشروعات وتسليمها خلال فترة زمنية قصيرة، ويتم تحميل المخاطر للطرف الأكثر قدرة على إدارتها بأقل التكاليف، وبدوره يستطيع القطاع الخاص أحياناً تأمين إيرادات إضافية للمشروع من جهات أخرى لتغطية التكلفة المترتبة على القطاع العام لتنفيذ المشروع، ويتمكن المسؤولون في القطاع العام من التركيز أكثر على جوانب التخطيط ومراقبة الأداء بدلاً من إدارة الخدمات بشكل يومي، ما يعزز قدرة القطاع العام على إعداد الخطط والموازنات على المدى الطويل بفعالية أكبر، وأخيراً يمكن للحكومة أن تضمن العقد شروطاً كفيلة بتوفير الحماية الاجتماعية من خلال تحديد معايير جودة مثل أوقات توفر الخدمة للمواطنين أو معايير السلامة المطلوبة، كما يمكن للحكومة أن تطلب تصميم المشروعات بما يتلاءم مع احتياجات المجتمعات المحلية المختلفة، وفق ما أشار إليه الدكتور حسن.
المكافحة الجادة للفساد
وعن المقترحات والحلول التي يحتاجها واقع التشاركية في الإدارات العامة، أوضح الدكتور حسن أنه يجب بناء ثقة المستثمرين بالتشاركية وذلك من خلال تحقيق متطلبات سابقة وأساسية لتطبيق هذه المبادئ، وهي المكافحة الجادة للفساد في الإدارات العامة، واتخاذ خطوات عملية ملموسة نحو دعم القطاع الخاص، وتحقيق استقلالية البنك المركزي، وأهمها اتخاذ خطوات سياسية لتحقيق أوسع مشاركة من جميع السوريين بمختلف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم، وإعطاء الأولوية والأهمية للقطاع الخاص في الإدارات العامة، وتعيين مديرين تنفيذيين من القطاع الخاص في الإدارات العامة لزيادة كفاءتها وفعاليتها وكذلك الاعتماد على خبرات، وأموال، وتكنولوجيا، وابتكار القطاع الخاص، واتخاذ خطوات جادة من الحكومة لتوسيع قاعدة المشاركة من جميع أطياف الشعب السوري، وفي الختام ترسيخ استقلالية القضاء والبناء القانوني والتشريعي الحامي لحقوق الملكية.