العناوين الرئيسيةشؤون محلية

التشاركية خلطة من الحلول والمشكلات معاً.. المؤيدون: حل لمشكلات الاقتصاد وتخفيف عبء الإنفاق العام وتوجيه أموال الدولة نحو الأولويات.. المتحفظون والرافضون: ليس سوى تمهيد للخصخصة ويستفيد منها أصحاب المال.. محاولة لتخفيف عبء الإنفاق العام وتوجيه ميزانية الدولة نحو قطاعات أخرى

|هني الحمدان

يبدو أن الحكومة السورية تواجه معضلة حقيقية فيما يتعلق بالتوجه نحو التشاركية بين القطاعين العام والخاص. هذا التوجه قد يكون محط جدل واسع، لأن جزءاً كبيراً من المجتمع ينظر إليه بعين الريبة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية التي يعاني منها أصحاب الدخل المحدود، حيث يخشون من أن يكون هذا التوجه تمهيداً لإدخال الرأسمالية القاسية التي تهدف إلى تحقيق أرباح عالية على حساب الخدمات الأساسية للمواطنين.
التشاركية بحد ذاتها، حسب رؤية الباحث الاقتصادي محمد السلوم لـ«الاقتصادية»، يمكن أن تكون أداة فاعلة لتحسين جودة الخدمات العامة وزيادة كفاءة الاستثمار في قطاعات مثل الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، وذلك عن طريق جلب خبرات القطاع الخاص وموارده. لكن في حالة سورية هناك حاجة حقيقية إلى طمأنة الشارع بأن هذه التشاركية لن تؤدي إلى خصخصةٍ كاملة أو إلى تحميل المواطن أعباء إضافية، خصوصاً في ضوء الوضع الاقتصادي الهش الذي يعيشه معظم السكان.
من هنا، يمكن أن تلتزم الحكومة بتوضيح أهداف التشاركية وطمأنة المواطنين عبر فرض ضوابط صارمة تضمن عدالة توزيع العوائد وشفافية العقود، إضافة إلى تأكيد الأولوية لدعم الفئات الفقيرة وتطوير البنية التحتية من دون المساس بالاحتياجات الأساسية للمواطنين.

الواقع المُلِح
في الحالة السورية، تواجه الدولة تحديات مالية كبيرة، منها التضخم، وضعف قيمة الليرة، وارتفاع تكاليف الدعم الاجتماعي. ويأتي هذا في ظل تقلص الإيرادات الحكومية وصعوبة تأمين التمويل اللازم لمشروعات التنمية وتحسين الخدمات العامة. فالتشاركية هنا قد تكون محاولة لتخفيف عبء الإنفاق العام وتوجيه ميزانية الدولة نحو أولويات أخرى، مع الاعتماد على استثمارات القطاع الخاص لتطوير البنية التحتية والخدمات التي تحتاجها البلاد بشدة.
ويمكن القول إن توجه الحكومة السورية نحو التشاركية بين القطاعين العام والخاص يأتي بالدرجة الأولى من وجود عجز مالي بالموازنة مدفوع بتطلعات لتحسين أداء الخدمات العامة وتقليل الهدر ومكافحة الفساد الإداري والمالي لتقليل النفقات العامة وتحفيز الاستثمار من دون اللجوء إلى تمويل هذه المشروعات بالكامل من الموارد الحكومية.
ومع ذلك، فإن اللجوء إلى التشاركية يجب أن يتم بحذر، خاصة في قطاعات ذات حساسية اجتماعية، مثل الصحة والتعليم، لتجنب تحميل المواطن تكاليف إضافية أو تحويل بعض الخدمات الأساسية إلى سلع تخضع لاعتبارات الربح التجاري.
وفي إطار التوجه نحو تعزيز التنمية المستدامة والاستجابة للتحديات الاقتصادية الراهنة، لابد للحكومة السورية من توضيح أسباب وخطة التوجه نحو التشاركية بين القطاعين العام والخاص، وتقديم رؤية شاملة لكيفية تطبيق هذا التوجه بما يعود بالنفع على جميع فئات المجتمع، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

أسباب التوجه نحو التشاركية
بين القطاعين العام والخاص
إن التشاركية بين القطاعين ليست خطوة عشوائية بل تأتي كجزء من استراتيجيات مدروسة لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية، ويشمل ذلك حسب رأي الباحث الاقتصادي السلوم:
– التخفيف من الضغط المالي على الموازنة العامة حيث تواجه الحكومة عجزاً في الموارد نتيجة عدة عوامل منها انخفاض الإيرادات وصعوبة تأمين التمويل الكافي للمشروعات التنموية الأساسية، لذا فإن إشراك القطاع الخاص يعد حلاً لإدارة بعض المشروعات من دون تحميل الموازنة العامة تكاليف إضافية.
– تحسين كفاءة الخدمات وجودتها، فالقطاع الخاص يمتلك خبرات وموارد يمكن أن تسهم في رفع مستوى الخدمات العامة بشكل كبير، وبما يحقق استفادة أكبر للمواطن.
– جذب الاستثمار وتعزيز الاقتصاد المحلي: التشاركية مع القطاع الخاص يمكن أن تجذب الاستثمارات المحلية والدولية، ما يسهم في توفير فرص عمل وتعزيز الاقتصاد الكلي.

الفوائد المرجوة
تساعد التشاركية على تحقيق عدة فوائد منها: إرساء بنية اقتصادية أكثر استدامة من خلال تقليل النفقات الاستثمارية العامة، وتعزيز الإيرادات العامة، وتحسين كفاءة إدارة الأصول العامة، فبدلاً من أن تتحمل الدولة كل التكاليف، سيتحمل القطاع الخاص جزءاً منها، وبعض المشروعات التشاركية ستتيح للحكومة الحصول على عوائد من الأنشطة المشتركة، كما أن القطاع الخاص يمتلك آليات إدارية مبتكرة قد تساعد في تحسين كفاءة المشروعات، وبالتالي خفض التكاليف التشغيلية والحد من الهدر.
وبالتطبيق يجب أن تحرص الحكومة على أن تكون التشاركية أداة فاعلة لخدمة جميع المواطنين وليس فقط أصحاب رأس المال، حيث تشمل الخطط حماية أسعار الخدمات الأساسية، وأن تكون بمتناول ذوي الدخل المحدود، والإبقاء على برامج للدعم مباشر لتخفيف أي تكاليف محتملة قد تنشأ عن التشاركية، وأن تمكن من إيجاد فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة.

القطاعات المستهدفة
من المهم التوضيح أن الحكومة يجب ألا تتوجه إلى التشاركية في كل القطاعات دفعة واحدة، بل وفق مراحل مدروسة، حيث سيتم التركيز على قطاعات معينة تتمتع بأثر مباشر في الاقتصاد الوطني وقدرة على توفير فرص عمل جديدة، ومن أبرزها: البنية التحتية، الطاقات المتجددة، الزراعة والصناعات الغذائية، وأخيراً الصحة والتعليم بحيث يتم التركيز على تطوير المستشفيات والمدارس بالتعاون مع القطاع الخاص، مع ضمان توفير خدمات ميسورة التكلفة للمواطنين، على أن يتم تنفيذ التشاركية وفق جدول زمني تدريجي، يبدأ بالمشروعات ذات الأولوية القصوى والجاهزية الأعلى، وتلتزم الحكومة بإجراء الدراسات اللازمة لكل مشروع على حدة لضمان جدواه الاقتصادية، إضافة إلى وضع تشريعات واضحة تضمن شفافية التنفيذ وعدالة توزيع العوائد. وهذا النهج التدريجي سيسهم في تحقيق التوازن بين الفوائد الاقتصادية وضمان عدم تحميل المواطن تكاليف إضافية.

التشاركية فرصة إستراتيجية
أم هروب للأمام
هنا يأتي التساؤل عن آثار تطبيق التشاركية، بين مشجع لها وبين الرافضين للفكرة، وللحياد والموضوعية لابد من تحليل أكثر شمولية.
المتفائلون يرون التشاركية بين القطاعين العام والخاص قد تشكل حلاً استراتيجياً لدعم الاقتصاد السوري في هذه المرحلة الحرجة، حيث إن القطاع الخاص يتمتع بمرونة وسرعة في اتخاذ القرارات وقدرة على جذب الاستثمارات، ما يسهم في تسريع تنفيذ المشروعات الحيوية من دون الحاجة لتحمل الدولة أعباء مالية إضافية.
أما عن التحديات المحتملة، حسب رأي الباحث الاقتصادي السلوم، فعلى الحكومة أن تدرس بعناية سبل حماية الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود من أي آثار سلبية قد تترتب على تطبيق مشروعات التشاركية. ويتم وضع ضوابط لضمان عدم ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية، كما ستعمل الحكومة على توفير برامج دعم مباشرة تستهدف الأسر ذات الدخل المحدود لضمان استفادتها من الخدمات المتطورة التي ستوفرها التشاركية لضمان تحقيق العدالة، ويجب وضع أطر قانونية وتنظيمية شفافة تضمن مصالح القطاعين العام والخاص على حد سواء. كما يجب تحديد العقود والشروط بشكل واضح، مع فرض رقابة صارمة على العمليات لضمان أن تكون جميع المشروعات ذات منفعة عامة ومخصصة لخدمة المجتمع بأكمله، كما ينبغي إعطاء الأولوية للمشروعات التي تخدم الفئات الأضعف من المواطنين.
أما المتحفظون والرافضون لفكرة التشاركية فلهم رؤية أخرى حيث يرون أن هذا التوجه ليس سوى تمهيد لخصخصة موارد الدولة وتحويلها إلى أيدي فئة صغيرة من أصحاب النفوذ والمال، ما يضعف الاقتصاد الوطني ويكرس الفساد والمحسوبية، وأن الحكومة تختبئ خلف شعار التشاركية للهروب إلى الأمام من مشكلات غير قادرة على حلها، وهي فعلياً تمهد الطريق لرفع الدعم تدريجياً عن المواطنين، وتحويل القطاعات العامة إلى مشروعات تجارية بهدف الربح، ما يُعد انتهاكاً لسيادة الدولة وحقوق الشعب، كما أن هذا القرار يعد خطوة مُبيتة لتحويل الخدمات العامة إلى سلع تجارية يصعب على المواطن العادي تحمل تكاليفها، ما يؤدي إلى استبعادهم من الخدمات الأساسية التي كانت مكفولة سابقاً.
التشاركية والاستثمارات

من خلال التشاركية، يمكن للمستثمرين الحصول على إعفاءات ضريبية أو تسهيلات مالية، إضافة إلى تخصيص أراضٍ أو مواد بأسعار مخفضة، وهذه العوامل تقلل التكاليف الأولية وتساعد في تحقيق الربحية.
كما أن الشراكة مع القطاع العام تعزز الثقة والسمعة المحلية، إذ ينظر إليها المجتمع بعين إيجابية، ويعتبرها خطوة داعمة للاقتصاد الوطني، كما أن الشراكة بين المستثمر الأجنبي والحكومة ستوفر للمستثمر بعض الضمانات القانونية والسياسية، ما يقلل من المخاطر التي قد تواجه الاستثمارات بسبب عدم الاستقرار السياسي أو تغير القوانين المفاجئ، بالمقابل ستستفيد الحكومة من إمكانية تصدير المنتجات والخدمات من خلال فتح قنوات جديدة للتجارة الدولية.
أهمية تحقيق التوازن
ختاماً، التشاركية منظومة عمل واستراتيجية علمية ذات إيجابيات كثيرة وتتحمل مخاطر لتجنبها يجب دراستها مسبقاً بعناية فائقة، لأن الضحية سيكون المواطن ذا الدخل المحدود أولاً واقتصاد وسمعة الدولة ثانياً، وهنا لا بد من دراسة أهم توصيات البحوث العلمية والتجارب السابقة للدول ومعرفة أسباب التوجه نحو التشاركية والفوائد المحتملة والقطاعات الاقتصادية المستهدفة ضمن جدول زمني واضح، لتحقيق تنمية تعود بالنفع على الجميع، مع الحفاظ على حقوق ذوي الدخل المحدود، ومن الأهمية عرض هذه الخطط من ناحية على مجلس النواب لمناقشتها مع ممثلي الشعب، ومن ناحية أخرى على المستثمرين المحتملين، وتدقيقها من خبراء وضع القوانين والتشريعات لأهمية وضع إطار تشريعي لتنظيم عقود الشراكة المتضمنة أحكاماً عامة تنطبق على كل عقود الشراكة وتحرص على مختلف المصالح، وإخضاع كل عقد شراكة خاص به من خلال معرفة نظامه القانوني بالنظر إلى طبيعته والأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وهذا سيسمح مستقبلاً بتعزيز الرقابة على الشريك الاقتصادي لتقديم أفضل الخدمات للمنتفعين بأقل التكاليف.
ويمكن للخطط أن تتضمن إعطاء النقابات المهنية والاتحادات العمالية أولوية بالاستثمارات المطروحة فهذا سيعزز الثقة بين المواطنين والحكومة، كما يجب الحرص على أن تكون هذه الخطط مرنة وقابلة للتوسيع والتعديل عليها مستقبلاً وخاصة قطاعات الإنشاءات والطاقة المتجددة.
إن التطبيق الصحيح للتشاركية سيدخل أفكاراً ودماءً جديدة تعزز من أداء الإدارات العامة وسيرفع من كفاءة أداء العاملين ويحسن من مستوى دخلهم إضافة إلى فتح فرص عمل جديدة، وسيقلل من المخاطر المحتملة على الدولة من أن تقوم بتنفيذ المشروعات وحدها ويقلل من نفقاتها وبالتالي تخفيض الحاجة إلى تمويل المشروعات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى