دُور رعاية المسنين تُصاب بمرض نقص المال!.. من مليون إلى 6 ملايين شهرياً.. والحكومية لا تكفي والخاصة حلم.. مدير دار الكرامة لـ«الاقتصادية»: 91 نزيلاً في دار الكرامة ونقص حاد بالعمالة
| شادية إسبر
يعاني المسنون في سورية كباقي شرائح المجتمع تداعيات الحرب وآثارها المجتمعية والاقتصادية، منهم من فقدوا منازلهم وأبناءهم وموارد رزقهم وممتلكاتهم، وكثيرون أصبحوا بلا معيل وليس أمامهم خيارات سوى دور المسنين، فماذا يقول واقع شريحة كبار السن؟ وما واقع دور رعايتهم التي تأثرت بدورها بتداعيات الحرب على سورية وبالعقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة ودخلت مرحلة الشيخوخة؟
بين دور رعاية المسنين العاملة والبالغة 20 داراً تتم إدارتها بالتعاون مع المجتمع الأهلي، ودارين حكوميتين الأولى دار الكرامة بدمشق، والثانية مبرة الأوقاف بحلب، خيارات محدودة أمام كبار السن الذين تزداد أعدادهم، حتى ضمن هذه الخيارات تضيق الدائرة مع عدد حكومي لا يكفي وقطاع خاص بتكاليف إقامة مرتفعة وصلت في حدها الأدنى إلى 12 مليون ليرة سنوياً للغرفة العادية وصولاً إلى 72 مليوناً في العام للسويت «الديلوكس»، هذه التكاليف لا تشمل الأدوية والطبابة إلا في حدود دنيا مقتصرة على فحوصات بسيطة، مقارنة مع تكاليف الإقامة في دار رعاية حكومي بحد أدنى سنوي مليون ومئتي ألف، وحد أعلى 2,4 مليون ليرة سنوياً.
مدير دار الكرامة لرعاية المسنين بدمشق الدكتور شادي خلوف أكد في تصريح لـ«الاقتصادية» أن عدد النزلاء حالياً 91 نزيلاً وبسبب النقص الحاد بالعمالة التي تقوم على خدمة النزلاء يضطر العاملون لبذل جهد مضاعف كي يلبوا طلبات النزلاء والسهر على خدمتهم.
وعن شروط وآلية قبول النزلاء، أوضح خلوف أنه تم تحديد سن القبول لمن تجاوز الخمسين عاماً للمسنين، وفوق 18 عاماً لمن يعانون حالة عجز، حيث القبول يتم عن طريق لجنة تدرس الحالة الاجتماعية والطبية ليتم بعدها عرض الملف خلال اجتماع مجلس الإدارة الذي يتخذ قرار قبول النزيل أو رفضه حسب النظام الداخلي للدار، فمثلاً لا يمكننا قبول من يعانون من أمراض نفسية، كما أن عدد النزلاء يجب أن يكون متوافقاً نسبياً مع قدرة العمال على تقديم الخدمة كي لا تتأثر نوعيتها وجودتها.
من جانبها المديرة التنفيذية في «دار السعادة» للمسنين بدمشق ميساء الشعباني أكدت لـ«الاقتصادية» أن جميع الغرف والسويتات في الدار ممتلئة، حيث يوجد حالياً 160 نزيلاً وأن هناك أعداداً كبيرة بالانتظار، ولفتت إلى وجود نحو 8 نزلاء دخلوا منذ زمن طويل على راتبهم التقاعدي ولم تجر الدار أي زيادة على أجور غرفهم، كما يقوم متبرعون بتغطية فارق الأسعار لبعض النزلاء، إضافة إلى 30 بالمئة من عدد النزلاء ترعاهم الجمعية مجاناً بالكامل.
ورداً على سؤال كيف يتم تحديد الشريحة المجانية بينت الشعباني أنه قبل الحرب على سورية كانت تقوم لجنة من الجمعية بزيارة المسن للاطلاع على وضعه في منزل عائلته وإمكانياتهم المادية وممتلكاتهم، لكن للأسف الحرب زادت أعداد هؤلاء بشكل كبير، كما لفتت إلى أن جائحة كورونا أثرت أيضاً في الأسعار والخدمات إضافة إلى أثرها النفسي على كبار السن.
الأسعار ترفع التكاليف والخسارة مؤكدة
عن أسعار الإقامة، أكد مدير دار الكرامة أنها مجانية لحوالى نصف النزلاء الموجودين حالياً، على حين النصف الآخر بعضهم يدفع 100 ألف ليرة شهرياً وهم كانوا سابقا، أما النزلاء الجدد فيدفعون شهرياً بحدود 200 ألف ليرة فقط، هذا المبلغ بسيط مقارنة بالخدمات المقدمة للنزلاء، ورسوم الإقامة هذه يدفعها كفلاء النزلاء، على حين النزيل الذي يقيم في الدار منذ زمن وليس لديه كفيل فهو بإقامة مجانية.
خلوف أوضح أن التمويل هو بشكل كامل من محافظة دمشق، حيث يتم إعداد موازنة بشكل سنوي للدار، تتم مناقشتها والموافقة عليها، الموازنة تزداد تبعاً للظروف، والإيرادات ليست كبيرة لأنها تعتمد على الرسوم والتبرعات التي تقدمها مؤسسات أو جمعيات أهلية وخيرية، ونعمل على إيجاد استثمارات ضمن الدار وزيادة نسبة التبرعات كي نستطيع تحسين نوعية العمل والخدمة في الدار.
بينما أكدت مديرة دار السعادة أن تكاليف الإقامة متفاوتة بين النزلاء القدامى والجدد والذين سينضمون إلى الدار مستقبلاً، وقالت: حالياً تتراوح الأسعار من المليون وصولاً إلى 6 ملايين في الشهر الواحد، إذ يوجد في الدار مثلاً سويت بمواصفات عالية مجهز بمفروشات جديدة بالكامل وهذا بـ6 ملايين وقد ترتفع هذه الأسعار بداية العام القادم، حيث تقوم اللجان المختصة حالياً بدراسة الأسعار، مضيفة: توجد خسارات كبيرة فالإيرادات لا تغطي المصاريف بالمطلق مع ارتفاع الأسعار شبه اليومي، إذ توجد مصاريف طعام وغسيل وطاقة وصيانة.
الخدمات تحت الضغط
بشأن الخدمات المقدمة للمسنين في دار الكرامة قال الدكتور خلوف: نقدم للنزلاء جميع أنواع الخدمات من مأكل ومشرب وملبس وغسيل وكوي إضافة لصيانة الدار والأجهزة التي يتعامل معها النزلاء، وتأمين الأدوية والتمريض والمعالجة الفيزيائية، كما يوجد قسم بحث اجتماعي، بمعنى كل ما يلزم النزيل هو موجود ضمن الدار، نافياً وجود أي تراجع بالخدمات نظراً للاهتمام الذي توليه محافظة دمشق المسؤولة بشكل مباشر عن مديرية دار الكرامة وقيام الجميع من المحافظ إلى المدراء وأعضاء المكتب التنفيذي بكل ما يلزم من تقديم الدعم كي تستمر الخدمات بالشكل الأفضل.
وبما يخص التغذية، بين خلوف أن الدار تقدم وجبات غذائية عن طريق المطبخ الموجود ضمنها وقسم التدبير المنزلي، وأضاف: نحاول دراسة هذه الوجبات طبياً وصحياً كما نقوم باستشارة زملاء مختصين بالتغذية كي يساعدونا بتحديد السعرات الحرارية حسب الحالة الصحية لبعض النزلاء، وبالتالي نحدد ما هو مفترض أن تتضمنه الوجبات الغذائية إضافة للنظام الداخلي الذي يحدد أيضاً ما هو مفترض تقديمه للنزلاء.
وحول كيف تأثرت الخدمات مقارنة بما قبل الحرب على سورية؟ قالت الشعباني أولاً الكهرباء وفواتيرها العالية جداً، وكمية المازوت المدعوم المحددة شهرياً غير كافية ما جعل التدفئة المركزية توقفت نهائياً منذ فترة طويلة، كما أن المازوت لا يكفي لتشغيل المولدات بشكل متواصل، إذ توجد مشقة كبيرة في تأمين احتياجات هذه الشريحة التي تتطلب رعاية خاصة، وحاولنا تأمين بدائل عبر تركيب طاقة شمسية لكنها تكفي للإنارة فقط، ويوجد نزلاء يقومون بإيجاد حلول خاصة بهم بهذا الموضوع.
وأضافت الشعباني: ناهيك عن أن جميع المعدات الكهربائية استهلكت بفعل الاستخدام الطويل كالغسالات والنشافات والمصاعد… وغيرها، والقائمون على الدار يقومون بالترميم دائماً بشكل لا يتوقف وهذه جميعها تزيد التكاليف.
أما للرعاية الطبية، فيوجد ثلاثة أطباء يداومون خلال ساعات الصباح على حين الممرضات موجودات بشكل دائم للتعامل مع الحالات البسيطة وأي عارض صحي يتم نقل المسن إلى المشفى، كما يوجد في الدار مركز علاج فيزيائي أصبح مأجوراً بعد الحرب للنزلاء، لكن بأسعار أقل من تقديم هذه الخدمة لغير النزلاء، أما بالنسبة للأدوية فهي للشريحة المجانية فقط.
الكوادر تأهلت بفعل الخبرة
مدير دار الكرامة لرعاية المسنين لفت إلى أن أهم الصعوبات هي نقص الكادر البشري، وخاصة الكادر الذي عليه الاعتماد الأكبر في التعامل المباشر مع النزلاء، وقال: يوجد نقص حاد في هذا الكادر ما يحمّل العاملين حالياً أعباء أكبر ويضطرهم لبذل مجهود مضاعف كي يتم تأمين طلبات النزلاء بأحسن حال، ولا يمكننا القول إن الكوادر الموجودة هي كلها مدربة بالأساس لكنها مع الزمن وبالجهود الموجودة تم تأهيلها وتدريبها حتى تتعامل وتؤمن الخدمات للنزلاء بالشكل الأفضل.
وعن الموضوع ذاته، أوضحت مديرة دار السعادة أنه عندما افتتحت الدار لم يكن هناك أكاديميات وكليات تقدم خريجين بهذه الاختصاصات التي تهتم برعاية المسن، وقمنا بتدريب الكادر الموجود بالاستعانة مع الأطباء والمعالجين الفيزيائيين الذين قدموا إرشادات وتعليمات، ومع الوقت وبالممارسة اكتسب الكادر خبرة في هذا المجال، مؤكدة أن عدد العاملين كاف لعدد النزلاء ويزيد، لكن يعترض العمل بعض الصعوبات أبرزها تأخر وصول بعض العاملين من أماكن سكنهم التي تكون أحياناً خارج المدينة بسبب المواصلات.
أما عن وجود منظمات دولية معنية بهذا الشأن قد تعاملت مع دار الكرامة خلال الفترة الماضية أو قدمت أي دعم، أكد مدير الدار أنه لا يوجد أي منظمة قامت بهذا الدور، فقط الجمعيات الخيرية الموجودة بدمشق كأفراد ومؤسسات وأعضاء مجلس إدارة من يقدمون الدعم والمساعدة من وجبات غذائية وألبسة وأحياناً أدوية، وموضوع الأدوية نقطة مهمة جداً، فكل الدواء الذي يتم صرفه في الدار منذ سنتين إلى الآن أتى عن طريق التبرعات وهذا وفر علينا مصاريف كبيرة سمحت بتقديم خدمة أفضل.
واعتبر الدكتور خلوف أن دار رعاية حكومية واحدة في دمشق وأخرى في حلب لا تكفيان، وقال: لكن حالياً هذا المتوافر ونحن نعمل قدر المستطاع بالإمكانات المتوافرة لتقديم الخدمة الأفضل.