وزير.. «يغض البصر»!
| هني الحمدان
تسعى الحكومة اليوم ضمن سياساتها إلى تطوير منظومة العملية الإدارية لأهميتها في كل مفاصل الأعمال، وحددت ضمن اشتراطاتها الأولية الطلب من الوزراء تقييماً لأداء معاوني الوزراء والمديرين العامين، وهي خطوة لا شك ذات أهمية كبرى، وتهدف إلى الارتقاء بمستوى الخدمات والأداء الإداري الرسمي السلبي.
واقع إداراتنا والنمطية السائدة معروفة، وللأسف تدار بعض الجهات الحكومية بطرق اجتهادية، تظهر واضحة في سياساتها وإجراءات عملها، كما تظهر في تعامل موظفيها مع المراجعين، وكذلك في النتائج التي تحققها، والحكم باجتهادية الكثير من المديرين الحكوميين مبني على أساس الكثير من الدلائل، منها طول الإجراءات والأعمال الورقية والروتين البيروقراطي المزمن في القطاع العام، باستثناء بسيط لدى بعض الأجهزة التي يبدو أن إدارتها تتصف بالفعالية والسعي للتطوير المستمر، لكنها لم تصل إلى المأمول..!
إن مستوى ما يقدم من الخدمات للمواطنين لم ينل الرضا، ويدل ذلك على أن هذه الجهات تدار بوساطة مديرين اجتهاديين لا رؤية ولا أهداف ولا قياس لدى الكثير منهم، ولا يعرف المديرون الاجتهاديون أن علم الإدارة يوفر فكراً يمكن أن يساعدهم في تفادي الكثير من الأخطاء والمشكلات، وإرضاء المتعاملين معهم، وتحقيق إنجازات كبيرة للمنشآت التي يديرونها ولأنفسهم وللوطن!!
إننا بحاجة في القطاع الحكومي إلى جيل من الإداريين المحترفين الذين يمكن أن يعالجوا أخطاء الجيل الإداري الاجتهادي القديم، إداريين يمارسون الإدارة وفق قواعد وطرق إدارية احترافية، فالمدير المحترف يبدأ عمله في الإدارة بدراسة شؤون الجهة التي سيديرها، وما يواجهها من مشكلات والمتعاملين معها ومتطلباتهم وموظفيها وما يعانون منه، ومرافقها وإمكاناتها، ثم يرسم رؤية لما يريد تحقيقه على المدى البعيد والقريب، منطلقاً من فهم عميق لطبيعة عمل الجهة أي رسالتها، ومن معرفة إدارية جوهرها أن وظيفته كمدير هي الاستغلال الجيد للموارد لتحقيق إنجازات.
ويقوم المدير المحترف بتحويل الرؤية إلى أهداف ذكية ومحددة على المديين البعيد والقريب، ثم يضع خطة تشتمل على الأهداف التي يريد تحقيقها والإستراتيجية التي سيتبعها، والأعمال التي سيقوم بها هو وموظفوه، ويحدد جدول التنفيذ والإمكانات التي تحتاج إليها الخطة.
اليوم ولو نظرنا إلى حالة تضجر المواطن من كل الخدمات والمسائل والخدمات السيئة، أو تأخر مواعيد الإدارات عن أداء واجباتها كما يجب، أو الأمور تلك المتعلقة بالتضخم، أو غلاء كل شيء من حولنا، وغيرها من الهموم اليومية للمواطن، فإن كل تلك المشكلات، يمكن أن تعاد إلى حالة التشرذم الإداري، التي نمت مثل السرطان، التي أسميها «تمسيح الجوخ» أو «تمشاية الحال» «وغض البصر» عن الأخطاء والتقصير فيما سبق، ولعل المحسوبيات والقرابات والمعارف المنفعية كلها أدت لعدم إلا تتخذ الجهات الحكومية المعنية قرارات تغضب أحداً، حتى ولو تسبب ذلك في خلق ازدواجية إدارية!!
أي إن السياسة الإدارية السائدة، كانت ومازالت، هي الهروب إلى الأمام، فعند كل إخفاق إداري، يُخلق جهاز إداري جديد، بصلاحيات جديدة، ومع مرور السنوات تكون النتيجة صفراً مكعباً..!
جميل «صحوة» الحكومة تجاه الإدارة لتصويب حالات اعوجاجها بعد كل المآسي وحالة الروتين والفساد وتعشش البيروقراطية، لكن يبقى الأجمل، أن يجري تقييم المسؤولين سواء من مرتبة معاوني الوزراء أم المديرين العامين من خلال ليس فقط شخص الوزير، بل من لجنة خاصة قوامها المهنية والحياد والنزاهة المطلقة.
نعم، إننا في عصر التقنية العالية، عصر الانفجار المعرفي والمعلوماتي، عصر يتطلب وجود مدير محترف يحقق الإنجازات والطموحات الوطنية، وليس الاجتهادي البيروقراطي الذي يبدد الموارد الإنسانية والمالية، ويخلق مشكلات تكرس تراجع البلاد بدلاً من المساهمة في تقدمها، والشواهد عديدة، وفي مرات قادمة سنشير صراحة إلى أوجه بعض الحالات التي جاءت إلى الإدارة «بالبراشوت»!!.