سؤال إجابته تحتاج إلى تفكير عميق!.. كيف يزداد الوضع المعيشي سوءاً ويزداد الإقبال على السياحة؟.. منصور: حجوزات الإقامة مئة بالمئة والأرباح زادت على 55 بالمئة
|شـادية إسـبر
يبدو الحديث عن السياحة وسط الظروف المعيشية متفاقمة الصعوبة والحالة الاقتصادية المختنقة، وتردي الدخل للشريحة الأكبر، وانخفاض أجور أصحاب الدخل المحدود، ترفاً إعلامياً بعيداً عن الواقع للوهلة الأولى، لكن الحقيقة التي تدفع للاستغراب والتوقف عندها كظاهرة فرضت نفسها بقوة الأرقام لا يمكن تجاهلها، فالموسم السياحي الذي انتهى عملياً بعد صيف طويل، زادت مدته الإشغالات الممتلئة خلال الموسم وما بعده بأسابيع في منشآت الشركة السورية للسياحة والنقل مثلاً بنسبة بلغت تقريباً 100 بالمئة، وانتظار الدور أحياناً للحصول على حجوزات، الأمر تشابه أيضاً حتى عند عدد من شركات ومنشآت القطاع الخاص، فكيف تصحّ هذه المعادلات؟ وماذا قالت الأرقام؟ وما التفسيرات؟ وهل حقاً عاد السوريون إلى عادة السياحة الشعبية بعد سنوات الحرب المريرة؟ ومن الذي يرتاد المناطق السياحية ونحن في هذه الظروف الاقتصادية؟
الشركة السورية للسياحة والنقل، والتي اشتهرت سابقاً باسم «الكرنك» قبل تصفيتها منذ سنوات ومن ثم إعادتها بالاسم الجديد، تتبع فعلياً لوزارة السياحة، لكنها بشكل ما شبه مستقلة في جوانب عدة، يقول مديرها العام المهندس فايز منصور خلال تصريح لـ «الاقتصادية»: إنها حققت أرباحاً متزايدة خلال السنوات الأخيرة، وصلت صيف العام الجاري بحدود ٥٥ بالمئة عن موسم العام الماضي الذي بلغت أرباحه أكثر من ٢٢ ملياراً و٥٠٠ مليون ليرة، ولديها خطط لاستهداف مناطق أخرى بعد تسليط الضوء وإنعاش مناطق عدة وخاصة على الساحل السوري، كوادي قنديل باللاذقية، والشواطئ المفتوحة لارتياد اليوم الواحد، وشاطئ الكرنك الغربي والشرقي في طرطوس، وفي مناطق جبلية كالدريكيش، كما تخطط للتوجه إلى ريف دمشق والبداية للموسم القادم من بحيرة زرزر، إضافة لمشروع أوغاريت على الساحل.
موسم بإشغالات كاملة وإيرادات أعلى
كيف كان موسم الصيف العام الجاري من حيث الإيرادات والإشغالات؟
إيرادات الشركة لهذا العام أعلى بكثير من العام الماضي، حققنا إيرادات زيادة عن العام الماضي بحدود ٥٥ بالمئة، تنوعت بين إيرادات الفنادق والشاليهات والشواطئ المفتوحة وغيرها، والنقل أيضاً.
ماذا عن قطاع النقل وخدمات النقل السياحي كجزء مهم من عمل الشركة والاستثمار فيها؟
شركة الكرنك شهرتها السابقة الكبيرة هي في قطاع النقل أكثر من قطاع السياحة وقد تمت تصفيها سابقاً في السنوات الماضية، وأعيد إطلاق الشركة باسم الشركة السورية للنقل والسياحة، وبعد النجاح بالقطاع السياحي ووجود أرباح جيدة للشركة، قمنا بتأهيل بعض البولمانات القديمة وشراء أخرى جديدة حديثة، صحيح أن عدد البولمانات الحديثة ليس كبيراً وكان الهدف منه النقل بين المحافظات، لكن يوجد ضغط كبير على الرحل السياحية، فدخلنا بهذه الخدمة لنؤمن خدمة النقل لمنتجعاتنا وللمكاتب السياحية، والسعر حسب مسار الرحلة، إضافة لذلك دخلنا بموضوع تخفيض النقل للمنتجعات ذاتها، بمعنى قمنا بتخفيض كلفة المنشآت السياحية والإقامة فيها وارتياد اليوم الواحد بالعمل على تخفيض كلفة الوصول إلى المنشآت السياحية، إذاً تعمل بولمانات الشركة بالنقل الجماعي، أي نقل الركاب من الكراجات المركزية في طرطوس واللاذقية إلى المناطق السياحة بجدول انطلاق مبرمج، طبعاً هذا النقل مأجور لأنه يخدم جميع الركاب من الكراجات إلى تلك المناطق وليس فقط رواد منتجعات الشركة، لكنه يوفر الوقت والجهد والمال للسائحين الذين يتوجهون من المحافظات الأخرى إلى المنشآت السياحية على الساحل التي كان أغلبها بعيداً عن مراكز المدن.
وقد بلغ عدد الرحلات التي نظمتها الشركة وللمكاتب السياحية خلال العام الجاري ١٠٥ رحلات حتى نهاية أيلول الماضي، نقلت نحو ٤٠٠٠ شخص.
حجوزات الإقامة قاربت 100 بالمئة
لنشرح الإقبال على السياحة الشعبية وفق تجربتكم خلال السنوات الأخيرة؟
الإقبال كان كبيراً جداً خلال الموسم الماضي والذي قبله وقبله، وحجوزات الإقامة قاربت الـ 100 بالمئة، كما يمكننا القول إن فترة الصيف كانت أطول من مدتها المعروفة، حيث ينتهي الموسم الصيفي وفق التاريخ الزمني ويبقى إقبال الناس كبيراً، لأن البعض لا يجد حجوزات خلال فترات الصيف فيؤخرون ذهابهم إلى وقت لاحق، وهناك شريحة تفضل الذهاب في نهاية الموسم على أبواب الخريف، لذلك نقول إن الحجوزات في منشآتنا كانت ممتلئة تقريباً بشكل دائم، حيث الأسعار مناسبة لمعظم شرائح المجتمع والخدمات جيدة، وجزء كبير من الموظفين هم من خريجي المعاهد والمدارس السياحية والفندقية وتم استيعاب عدد لا بأس به.
وقدمنا لهم فرص عمل، لذا نقول إننا نركز على الجودة لأن القائمين على الخدمات مؤهلون لهذا النوع من العمل.
أليس غريباً أن تكون الحجوزات مكتملة خلال الموسم وتزيد لوقت أطول وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟ فالسياحة ليست من أولويات المواطن وخاصة للشريحة الأكبر من المجتمع أصحاب الدخل المحدود والضعيف.
بالتأكيد هذا الجانب واقع، فأولويات المواطن اليوم كثيرة والسياحية ليست في أعلى السلم، لكن بالمقابل نجد أن العائلات والمواطنين عموماً، وضمن ضغوط الحياة الكثيرة، يحاولون ترتيب أمورهم خلال العام ليأخذوا فترة استجمام أو رحلة أو ترفيه معين خلال فترة الصيف، ولا ننسى أن السياحة الشعبية جزء من طبيعة مجتمعات وعادات الناس، وهي طريقة لأخذ وقت استراحة مع العائلة أو مع الأصدقاء للترفيه عن النفس من أعباء الأعمال الكثيرة والضغوط الحياتية اليومية، وهنا نجد أن دراسة الأسعار لتكون معقولة ومقبولة وتخفيف التكاليف، هي من أبرز السياسات التي عملنا عليها، ما حققت جذب أعداد كبيرة.
كلف عالية وسياحة منخفضة التكاليف
كيف يتم التسعير؟
نحن اعتمدنا سياسة تخفيض الأسعار والتركيز على جودة الخدمات، كي نحقق فرصاً أكبر وزيادة أعداد المرتادين، ويتم التسعير بناء على تكلفة المنتجع، الكلف التشغيلية تتحكم بالأسعار وهي اليوم عالية جداً، لذا نحن نتّبع سياسة أخذ أرباح قليلة لجذب أكبر عدد ممكن، لذلك نحقق أرباحاً جيدة لكون الأعداد كبيرة، كما نتّبع سياسة السياحة المنخفضة التكاليف، ونعمل عليها عبر استخدام الطاقة البديلة، كالطاقة الشمسية، لتشغيل المنشآت بمعظم الأوقات وبعضها يصل إلى 24 ساعة تشغيل على الطاقة البديلة، هذا يحقق تخفيضاً في الكلف التشغيلية، فالكلف بداية الإنشاء تكون أعلى نسبياً، لكن على المدى الأطول تشغيلياً نكون قادرين على توفير الكلف نوعاً ما، ونحن مستمرون بالعمل على أن تكون جميع المنشآت عاملة على الطاقة البديلة بشكل كامل.
توظيف الإيرادات
كيف توظف هذه الأرباح؟
دائماً يتم توظيف الأرباح في جانبين: تطوير المنشآت القائمة وإقامة استثمارات جديدة لتوسيع العمل، واستهداف مناطق أخرى، نحن ركزنا على منطقة الساحل لأن المواطن بشكل عام يتوجه من أغلب المحافظات إلى الساحل خلال فترة الصيف، فوجهة العائلات تكون نحو البحر، وكذلك رحلات مجموعات الشباب أيضاً، وهناك مشروع جديد على شاطئ أوغاريت، ونقوم بتطوير متلاحق لشاطئ وادي قنديل، هذا الشاطئ خلال الأربع سنوات الماضية كان يحظى بتطوير في كل موسم، إضافة لمشروع يخص محيط بحيرة زرزر لتكون انطلاقة العمل في ريف دمشق أيضاً، كما قمنا بتحديث عدد من بولمانات الشركة وشراء أخرى جديدة لتأمين خدمة النقل الجماعي والرحلات، لكن أسطول النقل متواضع جداً.
أين أنتم الآن على الخريطة السياحية؟ وماذا في المخططات؟
منشآتنا منتشرة بعدة محافظات، لكن التوزع الأكبر في الساحل (طرطوس واللاذقية)، ففي مدينة طرطوس لدينا 3 منشآت وشاطئ مفتوح، وفي مدينة الدريكيش يوجد فندق أيضاً، وفي مدينة اللاذقية يوجد شاطئ مفتوح ومسبح الشعب لاستقبال رواد اليوم الواحد، وتوجد منطقة وادي قنديل وتم تطويرها على مرحلتين، حيث تم تطوير المشروع العام الماضي بمنشأة جديدة، وفي هذا الموسم أيضاً تم إضافة منشأة جديدة أخرى ضمن خطة الشركة لزيادة الاستيعاب بسبب الإقبال الكثيف من المواطنين.
إضافة للمدن الساحلية والجبلية نحن مشاركون في فندق البادية بدير الزور وهو بمستوى خمس نجوم، ومتنزه الجولان السياحي بمدينة القنيطرة، ونعمل على أن يكون هناك شيء جديد في كل موسم، إن كان بتطوير المنطقة السياحية ذاتها القائمة كما حدث في الموسم الحالي بتطوير شاطئ الكرنك الغربي والمتمم له الشرقي في طرطوس ومنتجع لابلاج، وتوجد خطة لتطوير محيط بحيرة زرزر، وخطة أخرى لإنشاء شاطئ آخر مفتوح بمنطقة أوغاريت باللاذقية، وجميع هذه المشاريع بدعم وزارة السياحة التي تؤمن الأرض التي نقيم عليها المشاريع، إن كان بالاتفاق بين وزارة السياحة والوحدات الإدارية، أو من الأراضي المملوكة لوزارة السياحة التي يحصل فيها تراض بين الشركة والوزارة.
دور الشركة في مشروع تطوير جزيرة أرواد؟
يوجد في وزارة السياحة مشروع لتطوير جزيرة أرواد بالتعاون بينها وبين محافظة طرطوس، حتى الآن لا يوجد دور للشركة، ويمكن أن يكون لها دور في الخواتيم عندما تقسم الوزارة الأدوار والمهام ويكون هناك وضع للفعاليات الثابتة، لكن حالياً المشروع بين الوزارة والمحافظة.
ماذا عن الشراكة مع القطاع الخاص؟
يوجد مشروع شراكة وحيد هو المنتجع في دير الزور، حيث تم تأهيل فندق البادية من مستوى خمس نجوم بالشراكة بين الشركة السورية للنقل والسياحة بنسبة 15 بالمئة، والشركة السورية العربية للفنادق والسياحة التي هي أيضاً إحدى شركات وزارة السياحة ونسبتها 50 بالمئة، والشركة السورية لخدمات النفط 35 بالمئة وهي قطاع خاص.
نحن والشركة العربية بالأساس قطاع مشترك، وبالنسبة لشركتنا فإن الدولة تمتلك 99.98 بالمئة منها و2 بالألف للخاص، وبما أن للشركة خصوصية كقطاع مشترك، فإن القطاع الخاص موجود في عدد من المنشآت إن كان من المستثمرين أو غير ذلك، لكن ضمن مجال صغير جداً.
بالنسبة لشاطئ الكرنك الشرقي بطرطوس، فنحن متعاقدون فيه إنشاء وإدارة مع وزارة السياحة ومجلس مدينة طرطوس، حالياً منطقة شاطئ أوغاريت سيتم التعاقد بين الشركة ووزارة السياحة التي قامت بالتعاقد مع مجلس المدينة، ونحن شركات تابعة للوزارة لذا لا يمكن اعتبارنا كشركاء لها بل نحن جزء منها.
في الدول الأخرى المشاريع السياحية هي ملك للقطاع الخاص، وهنا الدولة تدخلت لإنشاء مشاريع سياحية لمختلف شرائح المجتمع، بمعنى مشاريع منخفضة التكاليف، ونحن مستمرون وسيكون هناك مشاريع جديدة بهذا الاتجاه.
مشاريعكم الجديدة والمجددة، كم أمّنت من فرص عمل؟
بالنسبة لفرص العمل، كل منشأة أقيمت مؤخراً تم توظيف كادر لها، وقد ساهمنا بتوظيف عدد لا بأس به من العمال، حيث وفرت الشركة من خلال مشاريعها للسنوات الأربع الماضية فرص عمل، ووصل عدد الموظفين إلى ٣٠٠ بين مثبت وموسمي.
كل منشأة من منشآتنا كانت موجهة لخدمة المواطن، إن كان للسياحة العامة أو الشعبية الداخلية، وكانت موجهة لخلق مناطق جذب سياحية جديدة، إذ هناك مناطق ابتعدت عن كونها وجهة سياحية وخاصة خلال فترة الحرب على سورية، ونحن نأخذ دور إعادتها إلى الخريطة السياحية كمدينة الدريكيش ودير الزور والقنيطرة مثلاً، هذه المدن ابتعدت قليلاً، لذا أقمنا فيها وطورنا المشاريع لإعادتها لتكون منطقة جذب سياحي وتأمين فرص عمل في المنطقة ذاتها، إن كان خلال عملية الإنشاء أو التجديد من عمال في البناء بمختلف أنواع العمالة في هذا الجانب، وإن كان بعد الانتهاء بتوظيف الأشخاص داخل المنشأة وصولاً إلى المورّدين للبضاعة والحاجات، وبهذا كنا نحاول تحريك هذه المناطق نوعاً ما، مع ملاحظة أنه عندما نتوجه إلى منطقة محددة فهذا يضيء عليها، ومن ثم يتوجه إليها القطاع الخاص ليستثمر ويتشجع لإقامة مشاريعه فيها، وهو ما يفيد أبناء المنطقة ذاتها وينشطها اقتصادياً، وأتوقع أننا نجحنا بهذا الأمر في عدة مواقع، فمثلاً منطقة وادي قنديل باتت وجهة لأغلب المناطق الداخلية، إن كان للارتياد لليوم الواحد أو للإقامة لفترات أكثر أو للاستثمار.
ماذا عن استقبال الوافدين من لبنان؟
الأولوية اليوم موضوع استقبال الوافدين من لبنان الشقيق، وجميع المنشآت وضعت تحت تصرف لجنة الإغاثة في اليوم ذاته الذي وصلت تعليمات مجلس الوزراء بناء على توجيهات السيد الرئيس، وعلى الفور أوقفنا أي حجوزات وخاصة في طرطوس التي يوجد فيها التجمع الأكبر لمنشآت الشركة، وهي المحافظة القريبة من الحدود مع لبنان، بالنسبة للإشغالات التي كانت موجودة، قمنا بالاقتراح على النزلاء أو من قاموا بالحجز قبل ذلك لتحويل حجوزاتهم إلى اللاذقية، وتوقفنا بشكل نهائي عن أي حجز جديد، ومن لم يرض قمنا بإعادة الكلف التي دفعها، لنضع جميع المنشآت بخدمة وتصرف لجنة الإغاثة لاستقبال الوافدين فيها، كما يوجد أيضاً في المنشآت التابعة للشركة نقاط طبية هي موجودة في الحالة الطبيعية لتقديم خدمات إسعافية مجانية للسائحين ولأهالي المنطقة، وهي أيضاً اليوم بخدمة الوافدين الضيوف النزلاء في المنشآت من لبنان الشقيق وتحت تصرف لجنة الإغاثة.
السماح بالقطع الأجنبي
قبل أيام أصدر رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي قراراً يقضي بالسماح لمواقع العمل السياحي المرخصة من وزارة السياحة أثناء ممارسة عملها باستيفاء عمولات خدماتها المحددة بالقطع الأجنبي أصولاً، وباستيفاء تكاليف الخدمات السياحية الواجب تحصيلها بالقطع الأجنبي وفقاً لطبيعة الخدمة أو البرامج السياحية المعلن عنها من هذه المواقع بعد حصولها على الموافقات اللازمة، وذلك بما لا يتعارض مع أحكام أنظمة القطع الأجنبي النافذة.
المهندس منصور لفت إلى أن هذا يشمل عمل الشركة، فهو يسمح لجميع المواقع السياحية التعامل بالقطع الأجنبي وفق شروط المصرف المركزي والإيداع فيه.