التشاركية هل تكون حبل نجاة للاقتصاد السوري؟.. بعض الجهات خالفت القوانين ولجأت لصيغة جديدة.. مديرة التشاركية بهيئة تخطيط الدولة لـ«الاقتصادية»: دليل استرشادي للصيغ الاستثمارية
|غزل إبراهيم
تسعى الحكومة الجديدة إلى استكمال ملف التشاركية مع القطاع الخاص، كخيار لتطوير وإصلاح مسار مؤسسات القطاع العام، وضمان أن تكون الخدمات المقدّمة على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية في الأداء، وأن تقدّم بالأسلوب الأنسب، وتحقق قيمة مضافة إلى الموارد المحلية مع ضمان الشفافية وعدم التمييز وتكافؤ الفرص والتنافسية، وسلامة ومشروعية جميع الإجراءات الخاصة بعقود التشاركية، لضمان تأدية الخدمات على نحو يتوخى المصلحة العامة، والحفاظ على حقوق جميع الأطراف، ومنهم المستفيدون النهائيون من الخدمات والمستثمرين من القطاع الخاص.
وفي سبيل ذلك صدرت سلسلة قرارات حكومية، عكست قراءة جديدة لتحديد هوية وملامح المرحلة الاقتصادية القادمة، وفتحت الباب واسعاً أمام القطاع الخاص ليكون رائداً في تطوير قطاعات حيوية.
وكنا في سورية بحاجة لهذه التشاركية لجذب القطاع الخاص لمثل هذه المشاريع «وبحاجة لقانون ينظم هذه التشاركية» قبل الأزمة، وأصبحنا أكثر حاجة إلى هذه التشاركية والقانون المطلوب في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها، نظراً للأعباء المالية والبشرية والإدارية الهائلة التي ستترتب على الدولة في مرحلة إعادة الإعمار «إعادة البناء، إعادة المهجرين وإسكانهم، تكاليف الإغاثة، خلق فرص عمالة، مواجهة الفقر الجديد والقديم، التعويض على المتضررين، إعادة السلم الأهلي». وتقليص اضطرار الدولة للاقتراض الداخلي والخارجي، في ظل محدودية، لا بل تدني، مواردها المالية المحلية واحتياطاتها من القطع الأجنبي بسبب الأزمة.
وللتوضيح فإن التشاركية ليست خصخصة، بل هي قيام القطاع الخاص بإنشاء وتمويل مرفق عام وإدارته على مدى سريان العقد «الذي قد تصل مدته إلى عشرين سنة أو أكثر»، وتحويل ملكية المشروع إلى القطاع العام في نهاية العقد، في حين تعني الخصخصة «الكاملة» نقل ملكية أصول من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
وينظم قانون التشاركية عادةً آليات التشارك والتعاقد بين القطاعين «طرح المناقصات والمزايدات، والإشراف على التنفيذ»، ويسمح بمنح القطاع الخاص حوافز للدخول في الاستثمار مقابل المخاطر التي سيتحملها، وبنفس الوقت يحفظ حق الدولة والمواطن، من خلال تحديد تعرفة الخدمات التي يقدمها المرفق العام «مثل تعرفة الكهرباء وتعرفة المياه وتعرفة الطرق».
ولهيئة التخطيط والتعاون الدولي دور مهم في هذا العمل من خلال التنسيق بين الوزارات ومكتب التشاركية واقتراح المشاريع التي تندرج تحت إطار قانون التشاركية في كل وزارة بعد إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية الخاصة بها وتحديد مدى توافر جاذبية تجارية لدى القطاع الخاص للمشاركة فيها، والمفاضلة بين الخيارات المختلفة لتحديد ما إذا كان خيار التشاركية يمثل الخيار الأفضل بالنسبة لتنفيذ هذه المشاريع، كما أكدت لـ«الاقتصادية» مديرة مكتب التشاركية في هيئة التخطيط والتعاون الدولي المهندسة هبة سليمان التي شرحت لنا في حوار موسع العديد من النقاط والتوضيحات بخصوص هذا الملف.
تعزيز الثقة
مَن الجهات المسؤولة عن تنفيذ مشاريع التشاركية في سورية؟
وفّر قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 إطاراً قانونياً تنظيمياً حدد بوضوح أدوار ومسؤوليات وصلاحيات الإدارات العامة ذات الصلة وعلاقاتها ببعضها بعضاً، ما عزّز الكفاءة والشفافية والمساءلة وهو ما منح بدوره الثقة لدى مستثمري القطاع الخاص في برنامج التشاركية المعتمد.
فقد تضمن القانون الإطار المؤسسي الناظم لبرنامج التشاركية الذي يلعب دوراً حاكماً في تعاقدات التشاركية، وكل ما يتصل بها من أمور، وهو الإطار المعرّف في الباب الثاني من القانون، والذي يوضح مهام وصلاحيات الأطراف الفاعلة التي تتمثّل في مجلس التشاركية برئاسة رئيس مجلس الوزراء، ومكتب التشاركية في هيئة التخطيط والتعاون الدولي، إضافة إلى لجان التشاركية في الجهات العامة.
ويتمحور دور هذه المؤسسات في القيام بالمهام والوظائف والعمليات التي تتطلبها إعداد وتنفيذ مشروعات التشاركية، ما يتطلب النظر إليها باعتبارها مراكز خبرة وطنية فيما يتعلق بأنشطة التشاركية.
تحديات وإشكالات
ما أبرز العوائق التي تمنع أو تؤخر انطلاق العملية وفقاً لما كان مخططاً لها تحت مظلة قانون التشاركية؟
على الرغم من تصميم قانون التشاركية لينظّم الجانب التعاقدي على مشاريع التشاركية لدى مختلف الجهات العامة، فإنه بعد مرور عدة سنوات على انطلاق المسار التشاركي بات من الواضح وجود عوائق وإشكاليات تمنع أو تؤخر انطلاق العملية وفقاً لما كان مخططاً لها تحت قانون التشاركية النافذ لأسباب مختلفة، منها تحديات تفرضها بيئة الأعمال العامة والتي تؤثر في مدى جاذبية الفرص الاستثمارية بالنسبة للقطاع الخاص والتي من ضمنها التشاركية، وقيام عدد من الجهات العامة بالتعاقد على مشاريع ذات طبيعة تشاركية خارج نطاق القانون، واللجوء إلى صيغ بديلة لا تضمن استيفاء المتطلبات اللازمة والناظمة لعملية التعاقد كما يحددها القانون.
دليل استرشادي
هل التشاركية كصيغة استثمارية تناسب جميع أنواع المشاريع المطروحة للاستثمار؟
تمثّل التشاركية بين القطاعين العام والخاص خياراً استثمارياً يُضاف إلى خيارات الاستثمار التقليدية المتاحة أمام القطاعين العام والخاص في مرحلة إعادة الإعمار، وليس باعتبارها بديلاً من الصيغ الأخرى المختلفة.
وبغية إزالة التداخل بين القوانين والصيغ الاستثمارية، قام مكتب التشاركية بإعداد دليل استرشادي للصيغ الاستثمارية في مجال تطبيق أحكام قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016، وقانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021، ونظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004 بهدف مساعدة الجهات العامة ومستثمري القطاع الخاص على معرفة محددات كل صيغة استثمارية، حيث يجري فيه تعريف الصيغة الاستثمارية للمشروع من حيث الملامح والمضمون والمعايير، ومن ثم القانون النافذ والأطر المؤسسية المعنية بكل صيغة، بما يوفر وضوح الرؤية ويضمن عدم التداخل.
أما ما يتعلق بالمشاريع التي تخضع لأحكام قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 فيراعى عند اقتراحها توافر مجموعة من السمات منها أن يندرج المشروع ضمن قطاعات البنى التحتية أو القطاعات والأنشطة والخدمات الإستراتيجية، وأن يحقق المشروع المتوقع زيادة في رصيد الأصول والطاقات الإنتاجية المتاحة لدى الجهة العامة، وتكون عائدات القطاع الخاص على نحو أساس من عائدات المشروع نتيجة استثماره مباشرةً، إضافة إلى توفر خصائص في المشروع تجعل من المناسب التعاقد عليه بأسلوب التشاركية كحجم المشروع من حيث ارتفاع قيمة المبالغ المقترح توظيفها، والتكاليف الاستثمارية الإجمالية، والمدى الزمني لهذا التوظيف وطريقة الاسترداد.
بيئة جاذبة
ما الرؤية المستقبلية للتشاركية في سورية وما الدور المرتقب لقانون التشاركية في المرحلة القادمة وخاصة في إعادة الإعمار؟
تهيئة البيئة الاستثمارية المحفّزة لبناء شراكات مع القطاع الخاص واستقطاب القطاع الخاص الوطني في الداخل والخارج ليُسهم بصورة حقيقية في عملية التنمية الاقتصادية كشريك أساس في عملية إعادة الإعمار، من خلال مشاركته بتنفيذ المشاريع الوطنية الجديدة وخاصة مشاريع البنى التحتية، وإعادة تأهيل المشاريع المتضررة، والمشاركة في المخاطر، للاستفادة من خبراته الفنية والتقنية وقدراته المالية في تقديم الخدمات وتحسينها، وتحقيق أفضل قيمة مقابل الإنفاق العام على هذه المشاريع، عن طريق التشاركية القائمة على مبادئ الحوكمة التي تضمن مستوى متقدماً من الشفافية وتكافؤ الفرص والتنافسية، المبنية على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية من الأداء، حيث تمثّل التشاركية خياراً يضاف إلى خيارات التعاقد التقليدية، وفقاً لأسس منهجية مدروسة ومنظمة.