بيان الحكومة.. بيان الممكن شفاف بشكل مفرط!.. قراءة اقتصادية للبيان الحكومي المعلن للحكومة الجديدة د. الجاموس لـ«الاقتصادية»: من أصدق البيانات الحكومية.. ويعد بيان الواقع والعمل من المحبط قراءة البيان الحكومي والاعتراف بقلة الموارد
|أمير حقوق
منذ إعلان رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي البيان الحكومي للحكومة الجديدة، لاقى البيان المعلن أصداء كبيرة وخاصة في الأوساط الاقتصادية، والتي بدورها سارعت في تقديم رؤى مختلفة في محاولة لقراءة البيان وتحليله بمنظور اقتصادي، لتحديد مراكز القوة والضعف في طيات بنوده ونقاطه.
«الاقتصادية» طرحت قراءة البيان الحكومي المعلن لتحديد الرؤية التي يحملها، ولفهم بنوده ومعطياته التي تحدد سير عمل الحكومة الجديدة وتحديد معالم رسم سياساتها التي تسعف الواقع الاقتصادي والذي بدوره ينعش بقية القطاعات، وفق قراءة أكاديميين اقتصاديين.
أول خطوة للعمل
يعتبر من أصدق البيانات الحكومية، فحسب توجيهات السيد الرئيس بأن تكون حكومة واقع، ولذلك وضعت مجموعة من النقاط أولها الاعتراف بالمشكلة وهي الوضع الاقتصادي المتردي، وبالتالي الاعتراف بالمشكلة أول خطوة للعمل على حل هذه المشكلة وتحديد ماهيتها للانطلاق لإيجاد الحلول، حسب ما أشار إليه الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس في أثناء حواره مع «الاقتصادية».
خال من المؤشرات الكمية
وهناك عدة تحفظات موجودة على بعض النقاط في البيان الحكومي، فقد كنا نتمنى أن نرى مؤشرات كمية، وبعض الأهداف التي وضعت نحن بحاجة لها ومهمة بعناوينها ولكن سُميت أهدافاً إستراتيجية وهذا يعني أنها طويلة الأجل كتحسين مستوى الظروف المعيشية وحوكمة المؤسسات والقطاع العام والاهتمام بالبنية التحتية من حيث الطاقة، وهذه نقاط مهمة جداً للعاملين في الاستثمار، ولكن يؤخذ عليها أنها أهداف إستراتيجية طويلة الأجل، تبعاً للدكتور الجاموس.
مرحلة «التنمية الاقتصادية»
والبنود التي تعد أكثر جودة هي تحميل أعباء الاقتصاد الوطني على سياسات الحكومات السابقة، وهذا اعتراف بأن هناك سياسات خاطئة للحكومات السابقة، ويجب تعديلها وانتهاج سياسات اقتصادية وسن قوانين وتشريعات فيما يتلاءم مع المرحلة القادمة التي يمكن أن تعنون بمرحلة «التنمية الاقتصادية»، وما يؤخذ للناس أنه «لا زيادة على الرواتب» ولكن تقرأ من ناحية أخرى، بأنها ملحوقة بجملة التركيز على الإنتاج وعدم تمويل للعجز بالعجز، والمقصود فيه الاهتمام بالإنتاج وتمويل العجز بإيرادات حقيقية تساهم في انخفاض معدل التضخم، وبالتالي زيادة قوة الليرة السورية، وبالتالي الحفاظ على مستوى الرواتب مع زيادة بقيمة هذه الرواتب، وفقاً لقراءة الدكتور الجاموس.
وأضاف: ذكر البيان الحكومي نقطة الانسحاب من جبهة الاستثمارات الفاشلة هو استثمار رابح، وهذا اعتراف بوجود الكثير من الجبهات الاستثمارية الفاشلة، وبالتالي القطاع العام الإنتاجي يعتبر من جبهات الاستثمار الفاشلة، فيجب الانسحاب منها وإعادة هيكلتها من جديد.
إيجاد الفكر الخلاق
من المحبط في قراءة البيان الحكومي الاعتراف بقلة الموارد، وهذا يتطلب إيجاد الفكر الخلاق الذي يساعد في استثمار هذه الموارد، وقلة الموارد هي موجودة بكل حال في جميع دول العالم، فلا توجد دولة مواردها تتوازن مع طموحاتها، دائماً توجد قلة بالموارد، وهنا يظهر دور الفكر الخلاق والإدارة للموارد لتحقيق الطموحات، لذلك أنا أتمنى ألا يكون البيان استسلامياً للواقع، وإنما بيان عمل لكيفية البحث والإبداع في استثمار الموارد المتاحة لتحقيق جزء من الطموحات المأمولة، حسب الدكتور الجاموس.
سن القوانين والتشريعات
وباعتقاد الدكتور الجاموس أن السياسات الاقتصادية المطلوبة لتنفيذ البيان الحكومي الصادر هي عنونة المرحلة بمرحلة «التنمية الاقتصادية» وهذا يترتب عليه سن مجموعة من القوانين والتشريعات وتقديم التسهيلات الائتمانية والتراخيص، وإعادة النظر بمجموعة من القوانين التي كانت معوقة لعملية الإنتاج وجذب الاستثمار سواء من الداخل أم من المغتربين.
الطريقة الإنشائية والسردية
وفي ختام حديثه مع «الاقتصادية»، رأى الدكتور الجاموس أنه لا يختلف هذا البيان كثيراً عن الطريقة الإنشائية والسردية بعملية طرح البيان الحكومي، وعدم وجود أهداف قريبة الأجل أو البدء بسياسات والاعتراف بتفاصيل بعض السياسات الخاطئة، ولكن اختلافه يكمن بين السطور التي تعكس أنها حكومة واقع وبناء ورسم ملامح مرحلة جديدة.
بيان الممكن لا بيان المأمول
إن البيان الوزاري قد اتسم ولأول مرة في تاريخ الحكومات السورية السابقة بالواقعية والشفافية المفرطة، إذ كان بيان الممكن لا بيان المأمول في تحديد الأهداف والرؤى الاقتصادية وتوصيف الحالة الاقتصادية الصعبة وإبراز تحدياتها الخارجية والداخلية، والتي من الممكن أن تشكل حجر عثرة قد تعوق الحكومة في تحقيق أهدافها المنشودة في مجال التنمية الاقتصادية وتحسين الواقع الاجتماعي والمعيشي، لقد شكل البيان الحكومي لأغلبية المواطنين صدمة تشاؤمية كبيرة، فقد كان الجميع ينتظر تشكيل الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري، وكلهم أمل بأنها ستكون مختلفة بكل المعايير والسياسات والخطط المتبعة عن الحكومات السابقة لها في معالجة الواقع من حيث تغير النهج والذهنية والرؤى لصناعة المستقبل، وتحقيق نقلة نوعية في المجال الاقتصادي من خلال التخلي عن السياسات الترقيعية وإعادة صياغة ورسم السياسات المبنية على أسس علمية وواقعية، تمكن من تهيئة الأرضية المناسبة لاستثمار الموارد الوطنية المتاحة، سواء أكانت مادية أم بشرية وتنمية الدخل القومي وزيادة نصيب الفرد منه وتحسين مستواه المعيشي، تبعاً لقراءة العميد الأسبق لكلية الاقتصاد في جامعة تشرين الدكتور علي ميا.
خلا من المؤشرات الاقتصادية
غير أن البيان الوزاري ورغم أهمية العناوين والقضايا الاقتصادية التي حملها في طياته، غلب عليه الطابع الإنشائي والسردي للأسف الشديد، وخلا بالمجمل من لغة الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، وبذلك فقد جنبت الحكومة نفسها من إمكانية المساءلة والمحاسبة، ولاسيما أن الأرقام والمؤشرات في حال تحديدها ستكون هي بمنزلة المعايير الموضوعية التي يمكن من خلالها للجهات الرقابية ممارسة دورها في تقييم أداء الحكومة والحكم على مدى نجاحها وكفاءتها في تحقيق بيانها الوزاري، حسب الدكتور ميا.
رؤية البيان الحكومي
رغم محدودية الموارد وقلة الإمكانات المادية وهجرة الكفاءات البشرية وقساوة التحديات الداخلية والخارجية والآثار السلبية لبعض السياسات الاقتصادية الموروثة منذ عقود، فإن ذلك لم ولن يثني الحكومة عن القيام بواجباتها فقد حمل بيانها مضامين ورؤى اقتصادية مهمة يأتي في مقدمتها العمل على خلق بيئة اقتصادية محفزة وجاذبة للاستثمار والإنتاج وتحفيز النمو الاقتصادي المتوازن والشامل لكل القطاعات من زراعة وصناعة ونفط وكهرباء وسياحة وتجارة ونقل وخدمات، وذلك بغية توفير الأرضية المناسبة لزيادة الإنتاج وتنشيط الاقتصاد لكبح جماح التضخم وتحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار، بما ينعكس إيجاباً على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، وتعزيز كفاءة سياسات إعادة توزيع الدخول والثروات الوطنية بين فئات المجتمع وشرائحه كافة.
لم يحدد الآلية
وأضاف الدكتور ميا: لقد قامت الحكومة من خلال بيانها بالتركيز على جملة من القضايا الاقتصادية المهمة التي تشغل بال الحكومة والمواطنين، وهي مشكورة في ذلك، إلا أنها وللأسف الشديد لم تحدد الآلية أو الوسيلة التي تمكنها من تحقيق ذلك، كما أن البيان الحكومي لم يذكر ما الإجراءات والسياسات الواجب إلغاؤها، وما القرارات الواجب اتخاذها لتغير الواقع وتصحيح المسار الاقتصادي وخلق الإدارة الكفؤة لقيادة هذا المسار وإجراء الإصلاح الاقتصادي والتطوير الإداري الذي يواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة واللحاق بركب الحضارة العالمية.
أن استمرار الأزمات وعدم المعالجة الصحيحة لأسبابها الحقيقية وإزالة آثارها السلبية يعني استمرارية الحالة الاقتصادية الصعبة وبقاء الفوضى المنظمة التي تحقق مكاسب كبيرة لفئة قليلة من تجار الأزمات الذين لا يريدون إجراء الإصلاح والتطوير نحو الأفضل لمصلحة الوطن والمواطن، وفقاً لرؤية الدكتور ميا.
بيان عمل لا طموحات
إن الدكتور الجلالي رئيس الحكومة وضح بكل شفافية الواقع المرير الذي تعيشه سورية الآن ونجح في تشخيص المشكلة بصراحة، وحسب ما يقال تشخيص المشكلة بشكل صحيح، يعني 50 بالمئة من حلها، إذ يعتبر بيان عمل لا بيان طموحات، لكونه أشار إلى وجود محدودية واضحة في الموارد المالية للدولة، تترافق مع تنامي عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات غير مسبوقة، وأن اقتصادنا الوطني حالياً يعاني من مشكلات اقتصادية عديدة، ومشكلة السياسة النقدية، وفقاً لرؤية نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد.
بعقلية الاقتصاديين وليس الإداريين
واعتقد الدكتور محمد في أثناء حواره مع «الاقتصادية» أن السياسة الاقتصادية المناسبة لتنفيذ البيان الحكومي هو أن يدار بعقلية الاقتصاديين وليس بعقلية الإداريين، فالاقتصاديون هم الوحيدون القادرون على فهم طبيعة التداخل بين عوامل الاقتصاد بشكل خاص، والتركيز على العوامل التي قد تشكل قوى محركة لدفع حركة الاقتصاد إلى الأمام، وهذا العمل ليس بالبسيط ولا بالتقليدي، وإنما يتطلب الوقوف عليه من قبل فريق اقتصادي متخصص بالتحليل الاقتصادي والتخطيط وإعداد السياسات التنموية الاقتصادية المبنية على قاعدة بيانات ومؤشرات سليمة وصحيحة إحصائياً، فمن الطبيعي بعد سنوات الحرب أن تكون قدرات المؤسسات القائمة على المتخصصين والمتعلقة بدراسة القرارات الفنية، قد تعرضت لتدني مستواها بشكل ملحوظ، وهذا طبيعي جداً، وبالتالي إعادة ترميمها يجب أن يأتي بأولوية العمل الحكومي الجديد.
غياب عن مستويات الفقر
يفتقد البيان الحكومي المعلن جدولاً زمنياً واضحاً، كما يتضمن أهدافاً قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، إذ يجب أن تكون هناك شفافية على مستوى أي مؤسسة في القطاعين العام والخاص، وإعادة بناء قدرات الأجهزة الإحصائية سواء على مستوى الحكومة أم الهيئات المحلية أو المنظمات أو الفعاليات الاقتصادية، إذ يجري البناء على أرقام سليمة وصحيحة وواقعية، ويختلف عن سابقاته من البيانات الحكومية من خلال تشخيص للواقع الصعب الذي تمر به البلد والاعتراف به والانطلاق منه، ولكن لم تحدد الحكومة الأدوات والبرامج اللازمة بدقة، وهناك غياب عن توضيح مستويات الفقر، وكيفية المحافظة على الأيدي العاملة ذات الدخل المحدود من خلال تحسين مستواها المعيشي، والتي يجب أن تكون بوصلة عمل الحكومة، حسب توصيف الدكتور محمد.
وفي ختام حديثه مع «الاقتصادية»، اعتقد أنه لا يمكن الحكم على البيان الحكومي حالياً، وإنما يعد كفيلاً بالعمل الحكومي والجدول الزمني الذي سيعمل عليه، فهل سيترجم بشكل إيجابي على أرض الواقع أم لا يمكن ترجمته؟.