كل وزير ينسف سياسة سلفه!!.. السياسات الواقعية تنفيذها سهل وممكن والخيالية حبر على ورق!!.. ما أسس وضع السياسات الوزارية التي تتلاءم مع الواقع ليكون تنفيذها سهلاً؟
| أمير حقوق
منذ إعلان تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي، ترتقب الأوساط الاقتصادية من أكاديميين وخبراء وأخصائيين إعلان البيان الحكومي المتضمن رسم وتحديد السياسات والخطط الوزارية التي ستحدد عمل الوزارات وترسم مسار دورها في المرحلة المقبلة، وبما أن الوضع الاقتصادي الحالي يشهد تحديات ومعيقات كثيرة ويعاني أزمات متكررة، الأمر الذي ينعكس على كل الجوانب الحياتية وغيره الكثير، ويتطلب سياسات وزارية مغايرة وجدية ومختلفة عن سابقاتها لتسعف الواقع الاقتصادي والمعيشي وغيره.
«الاقتصادية» طرحت ملف السياسات الوزارية، لمعرفة أسس وضع السياسات الوزارية التي تتلاءم مع الواقع ويكون تنفيذها سهلاً، لطرح الحلول والرؤى الاقتصادية من وجهة نظر اقتصادية، يمكن أن تسهم في تطوير الوضع الاقتصادي وتحسين عجلة دورانه وانتعاش الاقتصاد الوطني وجميع الجوانب المرتبطة به.
لا هوية له
السياسات الوزارية يجب أن تحدد وتبلور هوية واضحة للاقتصاد السوري، وفقاً لنائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم العدي خلال حديثه مع «الاقتصادية»، متابعاً: لكونه لا هوية له، فالاقتصاد السوري اليوم يقوم على أقاويل مختلفة ومزيج من الماضي والحاضر، وليس على اقتصاد رأسمالي وهو ليس اقتصاداً اشتراكياً ولا هو اقتصاد مختلط، وهذه النقطة مهمة جداً فهي تؤدي لوضع سياسات وزارية منبثقة عن هوية الاقتصاد، وهذه السياسات الوزارية تترجم لإجراءات حقيقية للنهوض بمستوى المواطن.
اتباع سياسة الوزارة لا الوزير
وحسب الدكتور العدي، يجب أن تنظر الخطط والسياسات الوزارية إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية والانفصام الكامل بين الأثرياء حتى النخبة، والفقراء حتى العدم، فالوضع الاقتصادي كالأواني المستطرقة، فلا يمكن أن يكون الوضع الاقتصادي سيئاً أو أن يكون الوضع الأمني أو التعليمي أو القضائي جيداً، فعلينا أن نفكر كيف نحسن الوضع الاقتصادي للمواطن من خلال سياسات مجتمعة، حيث ثبت بالماضي أن الوزارات تعمل بشكل منفرد، وأيضاً عدم وجود سياسة وزارة بل كانت سياسة وزير، فالمفروض حالياً اتباع سياسة الوزارة.
لم يعد قادراً على التجارب
وبما أن السيد الرئيس بشار الأسد تحدث عن اقتصاد السوق الاجتماعي، أي يجب ترجمة حديثه لسياسات وإجراءات يمكن تطبيقها، وعدم ترك الوزراء أن يعملوا حسب ما يريدون، وأيضاً موضوع إخفاق الإصلاح الإداري في سورية يرجى مراجعته، وهذا كله يتطلب هوية اقتصادية واضحة وعملاً حكومياً متكاملاً، وبصراحة البلد اليوم لم يعد قادراً على تحمل التجارب.
ضبط الانفلات الاقتصادي
ووفقاً لرؤية الدكتور العدي، فإن السياسات الوزارية تستلزم الأخذ برأي الأكاديميين والخبراء، والاستفادة منهم بوضع الإجراءات والخطط المناسبة للنهوض بواقع المواطن السوري بالحد الأدنى، لأن اليوم الواقع المعيشي والاقتصادي دون الحد الأدنى، ومن أسس وضع السياسات الوزارية أيضاً ضبط الانفلات الاقتصادي الذي يعد أخطر من الانفلات الأمني، وإذا استمر عمل الحكومة بنهج الحكومة السابقة فإننا لم نستفد ونحصل على نتيجة.
تغيير السياسات
وهناك سياسات اقتصادية تتطلب إعادة النظر فيها، كموضوع الاستيراد والتصدير الذي لا يزال هناك حتى اليوم تعقيدات كثيرة إضافة إلى احتكار الاستيراد أو التصدير، فيجب أن تكون عقوبات الاحتكار رادعة جداً ووضع وتحديد آلية معينة للحد منه والقضاء عليه، فاليوم على سبيل المثال البطاطا أصبحت سلعة محتكرة، والسكر سلعة محتكرة وغيرهما العديد، وأيضاً موضوع سعر الصرف واعتباره مقياساً للوضع الاقتصادي وهذا خطأ، حيث التجار يسعرونه بشكل مختلف تماماً عن تسعيرة البنك المركزي، وهذا الواقع يتطلب ضبطاً وتنظيماً، وأيضاً بحاجة لإصلاح ضريبي جذري، فيجب أن تتضمن هذه السياسات الإصلاح الضريبي لكونها جزءاً من الإصلاح بشكل عام، وأن تتم كل الإصلاحات بسياسة واحدة ونهج واحد ورؤية واضحة، بحسب ما أشار إليه الدكتور العدي.
لا نجاح من دون تقييم الحكومة السابقة
أما إذا اعتمدت الوزارات الآلية المعتمدة نفسها في الحكومة القديمة فلا يمكن تجديد السياسات الوزارية، فمثلاً إصدار قرار برفع تسعيرة المازوت المدعوم قبل صدور البيان الوزاري أثار استياء الاقتصاديين، فيجب تحديد ووضع وصدور بيان حكومي يشرح الخطط والسياسات والرؤى، ولا يمكن السير للأمام في عمل الوزارات ونجاحها من دون تقييم الحكومة السابقة ومحاسبتها لمعرفة النجاح والفشل والفساد وغيرها، ولكن للأسف لم يتم تقييم الحكومة السابقة ولا محاسبة أحد منها، ولكي تنال رضا وثقة المواطنين يجب على الوزارات أن تتبع آليات ورؤى وخططاً متجددة ومغايرة لما سبق، وفق ما ختم به الدكتور العدي حديثه مع «الاقتصادية».
سياسات وخطط هادفة
من جانبه، أوضح عضو مجلس الشعب القاضي المستشار شحادة أبو حامد لـ«الاقتصادية» أن الجانب المعيشي يعتبر من أهم الجوانب التي يجب أن تركز عليه السياسات الوزارية، وكما أشار إليه السيد الرئيس في خطابه في مجلس الشعب عن أهمية تحسين الوضع المعيشي، وأيضاً عن السياسات والرؤى التي تقع على عاتق الوزارات، فيجب أن توضع سياسات وخطط هادفة للنهوض بالواقع المعيشي وألا تكون السياسات الوزارية مبنية على الوعود، بل يجب أن تكون واضحة وشفافة وتحلل الواقع كما هو، لأن جميع المواطنين يعرفون أمر الحصار والحرب وكل هذه الجوانب، فلا حاجة لتعليق السياسات عليها، ودور الحكومة في هذه المرحلة مهم جداً.
مرجعية للقرارات وتصويبها
ووفق توصيف القاضي أبو حامد، فإن الحكومة أقرت منذ فترة قريبة بتشكيل لجنة مراجعة القرارات والصكوك الناظمة لشؤون المراكز القيادية والقيادات الإدارية، وهذه اللجنة تراجع كل القرارات وتصويبها للعمل على دوران عجلة النمو الاقتصادي، وأن تكون السياسات بناءة وواضحة ضمن خطط تنموية تعمل على إنعاش الاقتصاد الوطني من ضمن عدة قضايا، كالمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر نواة الاقتصاد وعصبه، ولمجلس الشعب دور مهم في مراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها، ونأمل أن تحصل السياسات الوزارية على رضا الجميع وتحد من الفساد ومحاربته.
تعتمد على الكفاءات والعقول
وبرأي القاضي أبو حامد، لكي تنجح السياسات الوزارية يجب أن تكون أسسها من نمط الواقع وصلب عمل الوزارات، وأن تهدف لمعالجة كل جوانب الحياة وأهمها الجوانب الاقتصادية، وأن تكون مرتكزة إلى خطط وسياسات هادفة، وهذا يتطلب شفافية ووضوحاً بعملها واستنباط القرارات والإجراءات من رؤى هادفة لإنعاش الاقتصاد، وأن تعتمد على الكفاءات والعقول واستغلالها بشكل كامل والعمل على منع هجرتها التي تساعد في معالجة الكثير من القضايا.
لامركزية القرار
وفي ختام حديثه، أشار إلى أنه يجب العمل على لامركزية القرار، لأن مركزية القرار لا تحقق المطلوب، في حين إعادة الصلاحيات والمسؤوليات للوزارات، وتطبيق المتابعة والمحاسبة والمراقبة الدائمة وتقييم الأداء بشكل دوري ومستمر على مستوى جميع مؤسسات الدولة، كلها عوامل مهمة تؤدي لإنعاش الاقتصاد وبدوره يؤدي لتحسين الواقع المعيشي وجميع الجوانب الأخرى.
الجدير ذكره، أن الواقع الحالي الذي تشهده سورية يشهد ضعفاً اقتصادياً مرعباً من حيث التراجع الكبير في النمو الاقتصادي بسبب الحرب التي تعرضت لها البلاد، ومع تعاقب استلام الحكومات إلا أن الأوضاع ما زالت في تراجع مستمر، الأمر الذي يثير مطالبة الأكاديميين الاقتصاديين والخبراء وغيرهم بوضع وزراء ينهضون بالواقع ويسعفونه بعيداً عن الآمال والوعود، وتحميل عبء التنفيذ للحرب وللحصار ولغيرها من الأسباب التي يراها الخبراء أنها أصبحت غير مجدية وغير هادفة وتعارض سياسة التطوير والتحديث.
ومع إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، رأت الأوساط الاقتصادية أن التشكيل برئاسة الدكتور الجلالي مبشّر ويحمل في طياته صوابية التشكيل، وبما أن المرحلة غير طبيعية وغير مستقرة، فيجب أن تتضمن سياساتها وخططها وقراراتها رؤى مغايرة مسعفة، وإن أمكننا القول «خارج الصندوق» ربما تكون هادفة وتحاول معالجة الأمور والأوضاع والمعيقات التي ترهق المواطن السوري، ولتثبت بأنها مغايرة تماماً ومختلفة بشكل كبير عن الحكومات السابقة التي لم يلمس فيها المواطن أي شيء من الحلول أو من العمل على معالجة المعاناة اليومية، بل زادت الطين بلة وكانت قراراتها وسياساتها تزيد من عبء المعيقات والتحديات وتفرض معاناة وهموماً اقتصادية كبيرة.