تنمية الإدارة بوابة التنمية الاقتصادية… تحديد المسار الزمني والفترات ضرورة حتمية لتطبيق مبدأ الجدارة القيادية خبراء يُطالبون عبر «الاقتصادية» بتفعيل بعض بنود الإصلاح الإداري وتطوير العمل المؤسساتي في مرحلة إعادة الإعمار
| بارعة جمعة
لا يختلف اثنان على أن قطار التنمية الاقتصادية مرتبط إلى حد كبير بالتنمية الإدارية، وبمختلف مستوياتها، وهو ما كان واضحاً ضمن نهج العمل الحكومي السابق، الذي لم يُثمر بأي خطوة إصلاحية جادة تجاهه، لتبدو مهمة الحكومة الجديدة الأكثر إلحاحاً في قطار التنمية، الذي من الضروري أن يشمل مستويات عدة، وطرق تعاطٍ مع الكثير من الإدارات بأسلوب جديد، بعيد عن التقليد والنمطية في أداء الأدوار المنوطة بهم، مع التأكيد على تغيير النهج، المرتبط بتفعيل عمل الإدارات الذكية، القادرة على رسم الخطط الملائمة لكل زمان ومكان.
كما أن الرؤية الجديدة المترافقة مع أداء الفريق الحكومي الجديد، ولاسيما في تشكيل لجان وإعادة النظر ببعض القرارات والإجراءات، تبدو فكرة جيدة، برأي الخبراء الإداريين، ممن أيدوا مبدأ الخطورة فيما صدر سابقاً، لتأتي الرؤية الجديدة لهم، بمنزلة الدعوة لاعتماد معايير في حال طُبقت ستعكس تأثيراً مباشراً في الإدارة العامة السورية كلها، وعلى رأسها مبادئ جديدة لتنظيم الإدارة وأسلوب تقديم الخدمات، على حين غدت الأولويات لدى الخبراء في حديثهم لـ«الاقتصادية» متدرجة ومتنوعة أيضاً.
التدريب أولاً
في حال تم اعتماد أسلوب عدم إسناد أي وظيفة لأي شخص من دون تأهيل كاف لها، واعتماد المديرين من معاهد الإدارة، وخاصة خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة «إينا» وتحديداً أكثر خرجي الدفعات الأربع الأولى، سنكون قد وقفنا في بداية الطريق الصحيح للعمل الإداري والمؤسساتي، حالة من القياس لأداء العاملين تصدرت رؤية الخبير في علم الإدارة العامة د. عبد الرحمن تيشوري في حديثه لـ«الاقتصادية» عن أهمية تدريب الكوادر وعلى رأسهم المديرون في الإدارات الحكومية، مطالباً بتطبيق القانون رقم 28 الناظم لعمل وزارة التنمية الإدارية، واعتماد مبدأ عدم أبدية الإدارات بتحديد الولاية الإدارية لمدة 4 سنوات فقط، مع التقييم ربع السنوي الدوري وإعفاء من لم ينجز العمل أو يدفع به للأفضل، ومن لم يغير واقع مؤسسته، ووضع نظم إسناد وظائف.
الإدارة الذكية
هي مفهوم حديث العهد نسبياً في القرن الحالي، جاء مرافقاً الحكومة الإلكترونية ويرتكز على عناصر عدة، بهذا التعريف للتوجه الجديد في الإدارة افتتح الدكتور في كلية الاقتصاد بإدارة الأعمال زكوان قريط حديثه مع «الاقتصادية»، مع سرد واقعي وشفاف لما يجب أن تقوم عليه هذه الإدارة، من تغيير وتحديث في آلية الإدارات العامة ومن إعادة هندسة الإدارة والبنى التنظيمية وهيكليتها وتفعيل هامش أوسع للصلاحيات في المستويات الإدارية كافة، مع التنويه بالثقافة التنظيمية وتحسين الجودة والاستجابة إلى العملاء، وممارسة المشاركة الإدارية، داعياً إلى استخدام الموارد المتاحة بأسلوب علمي أكثر كفاءة وفاعلية.
إلا أن ما يفرضه هذا النهج الجديد من الإدارة هو تغيير للأسلوب بالاستفادة من أساليب القطاع الخاص والانتقال من التحكم بالمدخلات والإجراءات والأنظمة نحو قياس المخرجات والأداء أيضاً برأي د. قريط، إلى جانب التوجه إلى أتمتة العمل الإداري ولاسيما بالإدارات العامة، بما يسهم في محاربة الفساد وتشغيل الخدمات بأسلوب عصري.
ضرورة ملحة
هذه الأمور مجتمعة، تجعل من التركيز على مشروع الإصلاح الإداري أمراً مؤكداً، ضمن موجبات قدمها الدكتور زكوان قريط بهدف إغلاق الفساد، المرتبطة أولاً بعوامل سياسية داخلية تعود لاتساع الفجوة بين توقعات المواطنين وقدرات القطاع العام على تلبيتها، لوجود ضوابط مالية نقدية تتعلق بالسياسات المالية والنقدية، وتحتاج إلى التحديث أيضاً، نظراً لازدياد التطور في مجال الاتصالات والتكنولوجيا المعلوماتية، الذي سيأخذنا بالضرورة باتجاه الحكومة الإلكترونية.
أمام هذه الموجبات التي تفرض نفسها على واقع الإدارة.. يتساءل د. قريط.. إذاً ما المطلوب في المرحلة المقبلة؟
لتبدو الضرورات الأكثر إلحاحاً اليوم من خلال وضع منهج متكامل لتطوير إستراتيجية شاملة للإصلاح الإداري برأيه، الذي يتطلب إعادة تشكيل البنى العليا للهيكل التنظيمي والإجراءات الإدارية في كل القطاعات الحكومية العامة، وتعزيز التخصيص في الوظائف الإدارية الحكومية، لتبدو فكرة التقييم للأداء والمحاسبة على النتائج في القطاع العام مع تطبيق برنامج حوافز الأداء، أبرز النقاط التي لا بد الاهتمام بها برأي قريط، إلى جانب تفويض السلطة بشكل أكبر وتعزيز دور الإدارات العليا أكثر.
منهجية واحدة
هنا يمكننا الإشارة وفق حديث د. زكوان قريط إلى أن سيادة الرئيس بشار الأسد كان قد أطلق المشروع الوطني للإصلاح الإداري خلال ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء بتاريخ 20/6/2017، حيث اعتمد المشروع على محاور عدة أولها: خلق منهجية واحدة متجانسة للوزارات كافة، عبر ما يسمى مركز القياس والدعم الإداري، بالإضافة إلى إحداث مركز أو مرصد للأداء الإداري وآخر لخدمة الكوادر البشرية، لنجد أن التنمية الإدارية اصطدمت بعوائق كثيرة وقت التنفيذ.
هنا لا بد من التذكير مجدداً أنه وفي حال البدء بمرحلة إعادة الإعمار يجب التوجه لهذا المشروع برأي د. قريط، لكونه الأساس في الإصلاح الاقتصادي والسبيل للقضاء على الهدر، مقدماً بالوقت ذاته اقتراحه في إحداث هيئة مكافحة الفساد وقياس الأداء الحكومي، تشمل القطاعات كافة، لدعم عملية الإصلاح بمختلف جوانبها، وإيجاد نقلة نوعية لبناء سورية الحديثة.
المسار الوظيفي
في الانتقال من العلاقة التراتبية إلى التعاقدية، دور في الحد من استمرار الفشل الإداري، مع تبني الأدوات الصحيحة في مجال اللامركزية وتفويض السلطات، تجاه جديد أشار إليه خبير الإدارة العامة عبد الرحمن تيشوري، من شأنه أن يضع التشكيلات لوحدات صياغة سياسات عالية الجودة في المراكز، إضافة إلى تشجيع المنافسة الداخلية والخارجية، مع إلزام جميع أجهزة الدولة بمعايير الإفصاح والشفافية والعلنية وعرض مخرجات عملها على الجمهور، باعتباره الهدف الأول الذي تسعى لخدمتها كل تلك الأجهزة، أي اعتماد مبدأ الإدارة بالأهداف وفق توصيف تيشوري (الإدارة بالنتائج والربح والحصيلة) والذي يمثل باختصار تقييم الإدارات بناءً على تحقيق أهدافها خلال المراحل السابقة.
ربما هذه الخطوة هي البداية في تحديد الفترات والمسارات الوظيفية للمديرين، وقد دقت وزارة التنمية الإدارية الإسفين الأول في نعش بعض المديرين، ممن خلدوا في إداراتهم ومناصبهم وفسادهم وفق توصيف الدكتور في كلية الاقتصاد- جامعة دمشق- زكوان قريط، لمدة تجاوزت 15-25 عاماً.
بينما في العودة إلى علوم الإدارة الحديثة، نجد أن المدير الناجح قادر على إحداث التغيير في مؤسسته وإدارته خلال 3 سنوات، لكون هذه الفترة كافية لإثبات جدارته وبإمكانه بعدها الانتقال إلى مركز وظيفي آخر، في حين لبقائه في مكانه، لا بد من امتلاكه الخبرة والكفاءة لتعليل فقط ذلك، ومن ثم تجديد تعيينه لمدة ثلاث سنوات إضافية، وهي كافية.
بناء المسؤولية
نعم، يجب إعادة بناء المسؤوليات الوزارية في سورية برأي د. عبد الرحمن تيشوري
، مخاطباً الحكومة الجديدة بقوله: الأفضل مع تقييم مشروع الإصلاح الإداري أن يكون الوزير والمدير السوري استراتيجياً واستشرافياً وابتكارياً وإبداعياً، وأن يسعى لحل المشكلات بدل انتظار وقوعها، كما أن يكون بعيداً عن الشخص الروتيني والبيروقراطي أو اللجوء إلى توقيعات وإجراءات ووعود وتسويفات فارغة، داعياً بالوقت ذاته إلى إبعاد النشاطات الربحية عن ملفات عمل الوزراء، بأن تبقى مجموعة من النشاطات الجوهرية المتعلقة بالإدارة العامة المحلية كما هو مفهوم عامة، وكما هو واضح في الرؤية الجديدة أيضاً، ثمة سؤالان يحتاجان إلى التحديد:
السؤال الأول هو كيف ننظم ما أصبح معروفاً «بآلة الحكومة»، وكيف يمكن توزيع الوظائف والمسؤوليات والمحاسبة عبر الحكومة؟
حيث إنه وعن طريق تحديد هذه الأسئلة، ستتمكن الحكومة السورية الجديدة ولجانها من الاعتماد على المبادئ والإرشادات والنصائح والمقاربات والمناهج التي خدمت بشكل ناجح جداً الإصلاحات الحكومية في أماكن أخرى في العالم.
كما أنه ما من ضرورة لأن تدوم الوزارات لأجل غير مسمى برأي تيشوري، بل يجب أن تعكس الهيكلية في أي وقت القضايا ذات الأولوية التي تواجه البلد وتسهل إنجاز خطط الحكومة للأولويات المتوسطة الأمد، ولاسيما بعدما وصل إليه اقتصادنا المحلي، وتصنيف سورية اليوم بأقل دول العالم أجراً وأكثر دول العالم فساداً.
ناهيك عن ضرورة أن تقدم الهيكلية التي نقترحها الحد الأقصى الممكن من اللامركزية فيما يتعلق بمسؤوليات تقديم الخدمات إلى المناطق والإدارة المحلية، شرط أن توضع اللامركزية ضمن إطار محاسبة شفاف ومتين.