العناوين الرئيسيةشؤون محلية

وقت المصارحة والمكاشفة ألم يحن بعد؟… هل يكون أداء القائمين على تسيير شؤون المؤسسات الحكومية ملامساً لهموم المواطنين؟… أغلب المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي هم موظفون خلف الطاولات

| غزل إبراهيم

انطلاقاً من كون المواطن محور الخدمة الاجتماعية ومحركها، والحلقة الأهم في عملية التحديث والتنمية، والعنصر الرئيس في معادلة التغيير والتقدم، فإنه يتحتم أن يكون أداء القائمين على تسيير شؤون المؤسسات الحكومية ملامساً لهموم المواطنين، ويجب ردم أي فجوة بين المؤسسات الحكومية وبين المواطن، وعليه فإنه لا بد من إسناد المهام إلى أشخاص مؤهلين وملتزمين بالرؤية الإصلاحية الشاملة التي تعبّر بجلاء عن نهج القيادة الرشيدة، وتستند إلى ثوابت البلد ومصالحه العليا واعتباراته الوطنية، وتعتمد في الوقت ذاته على الانفتاح والصراحة والشفافية والمحاسبة والمساءلة والنزاهة والأمانة.
وفي ظل الأزمات التي نمر بها والتي تعبّر عنها المؤشرات الاقتصادية الكارثية، يجب اختيار الإدارات وفق معايير الكفاءة والقدرة على العطاء، مع اعتماد منهجية المتابعة والمراجعة المستمرة لمراكمة الإنجاز ومعالجة الاختلالات وتلافي القصور، حيث لا يكون هناك تراخ في اتخاذ القرار ولا الالتفات إلا لمصلحة الوطن والمواطن.
فهل نحن مستعدون؟

توريث السياسات أساس الخلل
إن أغلب المسؤولين في مراكز اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي هم موظفون خلف الطاولة، ولم يكونوا تجاراً أو صناعيين، وعلى الأغلب لا يعرفون ما النتائج السلبية لقراراتهم على حركة الأسواق، لذلك فإن خبرتهم باقتصاد السوق هي خبرة ضعيفة حتى لو كانوا يحملون شهادة دكتوراه في الحقوق أو الاقتصاد أو الهندسة وفق الخبير الاقتصادي جورج خزام.
وتغيير السياسات المصرفية والاقتصادية القائمة وتطويرها للأفضل يعني بأن المسؤول يعرف من أين يبدأ وإلى أين سوف يصل، وما نتيجة قراراته الجديدة، والأكثر أهمية أن يكون مسؤولاً عن نتائج قراراته إذا لم تؤد لتحسين الاقتصاد كما هو مرسوم بخطته التي أعلن عنها أمام الرأي العام.
أما الإبقاء والمحافظة على مسيرة من سبقه من دون تغيير سياسة العمل، فهذا يعني عدم مسؤوليته عن أي نتائج على مستوى دخل الفرد أو سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية.

غائبة تماماً
وفي الحقيقة لا يوجد لدينا خبراء لإدارة السياسات، فالسياسة تمتد ل 5 أو 10 سنوات، وقد يكون لدينا سياسات قطاعية، ويعمل في القطاع أكثر من وزارة وجهة حكومية وجهة عامة، لذلك نلاحظ بعض المسؤولين لا يحركون ساكناً ولا يدركون أهمية مكانتهم ومهامهم.
وبعض الوزراء يبقون في مناصبهم لسنوات ويخرجون كما أتوا من دون أي إنجاز، بالعكس فإننا نجد تردياً كبيراً في عمل وزارته وهو لا يعرف ما مطلوب منه، وما الأهداف التي يعمل عليها؟ لذلك لا توجد سياسات خاصة بكل وزارة ولا حتى سياسات عامة حكومية، ولا توجد سياسات قطاعية، وتعمل الإدارة السورية على مبدأ سيري فعين اللـه ترعاكي، حسب خبير الإدارة العامة عبد الرحمن تيشوري.

أين قانون المراتب الوظيفية؟
قبل تعديل القانون الأساسي للعاملين بالدولة من قبل وزارة التنمية الإدارية، تساءل تيشوري عن قانون المراتب الوظيفية الذي يمنح كل موظف عام فرصة للارتقاء نتيجة عمله وجهده وكفاءته، وليس لارتباطه ببعض المراكز والكبار؟

الإصلاح الإداري
ما سبق يؤكد لنا الحاجة الماسة للإصلاحات الإدارية الموجودة في فصول القطاع الاقتصادي لإعادة بناء المسؤوليات الوزارية ودور المحافظين والشركات، وهنا يشير تيشوري إلى ضرورة إحداث هيئة للوظيفة العامة والموارد البشرية واستثمار خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة.

ينتج عنه حذف إدارة العمل اليومي للمؤسسات من المسؤوليات المباشرة للوزير المختص، وألا ينصبّ اهتمامنا على ما إذا اتخذ هذا التحول الشكل الأولي من دمج المؤسسات (مع بقاء الدولة مالكاً وحيداً لها كما نفترض)، أو شكل التركيب الذي يترك مسؤوليات إدارة المؤسسة في عهدة جهة، أو مجموعة جهات، ربما تتم أنمذجتها وفقاً لما نجده من جهات مماثلة في الدول الأوروبية، وهي تكون مسؤولة عادة أمام إحدى الوزارات وأمام الجمهور.
كما يجب إبعاد النشاطات الربحية عن ملفات عمل الوزراء، والإبقاء على مجموعة من النشاطات الجوهرية المتعلقة بالإدارة العامة المحلية كما هو مفهوم عامةً.
والمهم هنا هو كيف ننظم ما أصبح معروفاً « بآلة الحكومة »؟ أي كيف يمكن توزيع الوظائف والمسؤوليات والمحاسبة عبر الحكومة؟ وكيف ننظم المسؤوليات ضمن كل وزارة لضمان ممارسة الوزارة صلاحياتها بطريقة فعّالة متجاوبة مؤثرة؟
وعن طريق تحديد هذه الأسئلة، ستتمكن الحكومة السورية من الاعتماد على المبادئ والإرشادات والنصائح والمقاربات والمناهج التي خدمت بشكل ناجح جداً الإصلاحات الحكومية في أماكن أخرى.

الشفافية
ولإنشاء المؤسسات القابلة للمساءلة وتنفيذ برنامج الإصلاح، يجب زيادة الشفافية عبر إتاحة المعلومات للجميع، وخاصة المعلومات الحديثة والدقيقة التي لها علاقة بالموازنة والإنفاق وتقييم الموظفين العموميين، وإطلاع الجمهور على كل شيء.

تشريح المشكلات
تسرّع واستعجال الحكومة الحالية في اقتراح الإصلاحات من دون أن تأخذ بعين الاعتبار المشاكل المؤسسية الموجودة في سورية، والتي تعوق تنفيذ الإصلاحات بصفة يومية، وترك السياسات تخضع لسيطرة الفساد ولآليات المؤسسية السيئة والأنظمة القانونية المبهمة، وآليات تنفيذ القوانين الضعيفة، ونقص الشفافية في الإدارة، وعدم الاستفادة من خريجي المعهد الوطني للإدارة، والعجز عن إدارة الخدمة العامة وتقديمها للناس بشكل حضاري وسريع وغير مكلف، سبب رئيس في تراجع برؤية تيشوري.

مستشارون من أهل الخبرة
والأكثر أهمية هو وجود مستشار من غرفة التجارة وغرفة الصناعة لدى وزير التجارة ووزير الصناعة وحاكم مصرف سورية المركزي، حتى يقولوا لهم ما نتائج أي قرار على الأسواق، لأن التاجر والصناعي لديه الخبرة الحقيقية في السوق، وما تأثيرات كل قرار حكومي على الاقتصاد الوطني يؤكد خزام.

المكاشفة أمام الإعلام
إن إعلان المسؤول عن خطة عمل أمام الرأي العام يجعله في وضع تقييم دائم وامتحان أمام الشعب، لأن هناك نتائج ملموسة ينتظرها الشعب على أرض الواقع، ومطلوب تحقيقها، ولا يمكن تزوير الحقائق، لأن مقياس نجاح أو إخفاق تلك الخطة والسياسات النقدية والاقتصادية، هو مقدار تراجع أو زيادة القوة الشرائية للدخل وللعملة الوطنية.
ووفقاً لخزام يجب أن يظهر الوزير أو المسؤول على الإعلام الرسمي ليقول للمواطنين، هل لديه خطة عمل أم لا؟
وذلك لمعرفة ما الفلسفة الاقتصادية التي يفكر فيها المسؤول؟ وهل تصلح للتطبيق على أسواقنا؟

حيادية الإعلام
ولكي يقوم الإعلام بدوره يجب تأسيس وحماية حرية الإعلام وفق ضوابط وقوانين وسياسات حماية حرية الإعلام، وتشجيع التغطية المحايدة للأخبار في وسائل إعلام الدولة، عبر تكوين لجان مراقبة مستقلة بتصور تيشوري.

مصارحة أمام مجلس الشعب
لذلك من الضروري أن يكون لكل وزير خطة سنوية موزعة على أرباع السنة، وإذا بقي لأكثر من سنة يجب أن توزع الخطة على كامل الولاية الوزارية، وهذا الأمر يحتاج إلى ضبط وقوننة وتشريع، فاليوم يعمل الوزراء في الوقت الضائع، رغم أن الموضوع يحتاج إلى تنسيق وتكامل حكومي بين كل السلطات داخل الدولة.
ووفقاً لتيشوري، يجب أن يخرج الوزير كل شهرين أو ثلاثة أشهر، ويقدم لنا حصيلة للرأي العام داخل مجلس الشعب، ليعرف السوريون ماذا فعلت هذه الحكومة وماذا فعل هذا الوزير في مجال الإصلاح الإداري، وفي مجال تقديم الخدمات ودعم الاقتصاد؟ وما الإيرادات المالية التي حققها؟ إذاً، كان المطلوب من الوزارة إنجاز أهداف اقتصادية وتحصيل أموال من الخزينة العامة.
فالواقع الإداري والاقتصادي برؤية تيشوري يتقهقر ويتخلف أكثر وكل عام يكون أسوأ من العام الذي قبله، واليوم سورية في المؤشرات الاقتصادية من أسوأ دول العالم، فهي الدولة الأقل دخلاً والأفقر والأكثر فساداً وهي مؤشرات مقلقة.

مشاركة الرأي العام
إضافة لذلك يشير تيشوري إلى ضرورة زيادة المشاركة العامة في صنع القرار عبر الاستماع إلى الناس ومشاركتهم في كل شيء، ونشر مسودات جميع القوانين، وإعطاء الناس حق الاعتراض على القوانين واللوائح، وأن يكون الاستفتاء بسيط وسهل ونزيه وشفاف وسهل التنفيذ.
الحد من هيمنة المسؤول الحكومي

وذلك عبر إجراءات محددة أهمها، عدم تركيز قرارات التراخيص لأي أمر وعبر إصدار قوانين واضحة غير معقدة، وغير متضاربة، ووضع إرشادات للإفصاح عن كل شيء.

تقليل الإجراءات الروتينية
من خلال تخفيف الأعباء القانونية والرسوم المفروضة على كثير من الأمور وكثرة التوقيعات والإجراءات، حيث أثبتت دراسة للبنك الدولي عن أداء الأعمال وجود علاقة كبيرة بين عدد وطول الإجراءات واللوائح والفساد.

إصلاح الهيئات والأجهزة الحكومية
عبر تنفيذ مواثيق الشرف والسلوك، وتقييم أداء الأجهزة والأفراد طبقاً لمعايير واضحة ومحددة، وتوفير فرص التعبير عن الرأي الجريء لجميع الموظفين، وضم المواطنين إلى هيئات المراقبة الحكومية، وتقوية قدرات الأجهزة الحكومية الإدارية والتنفيذية عبر تطوير قاعدة الموظفين وفق مستويات مهنية مؤكدة، وتقديم التدريب المهني على أحدث التكنولوجيات، ودفع رواتب كافية لجذب الكفاءات المؤهلة جداً.
وجعل الترقية على أساس الأداء بدلاً من أن تكون حسب الأقدمية.

إصلاح السلطة القضائية
حيث يكون القضاء عادلاً وقريباً وغير مكلف وحيادياً، إضافة إلى توفير آليات بديلة لفض المنازعات كالتحكيم وغير ذلك، وإقامة نظام للمحققين في الشكاوى المقامة ضد الدولة، حيث يتولى التحقيق موظف عمومي، يعرف عادة بالقانون والإدارة والاقتصاد، وخريج معهد إدارة عامة يتولى التحقيق مع الهيئات الحكومية التي تنتهك حقوق الأفراد، وإنشاء مكاتب المحققين في الشكاوى المرفوعة ضد الدولة في كل مكان وفقاً لتيشوري.

القضاء على الفساد
محاربة الفساد عبر سياسات خاصة مستقلة تقوم على إنشاء نظام لامركزي لوظائف الحكومة، وعبر التركيز على المحليات، وتعزيز مبادئ حوكمة الشركات داخل شركات ومؤسسات القطاع العام، كما فعلت الهند في تطبيق المبادئ الأولى لحوكمة الشركات العامة، وتشجيع تأسيس منظمات المجتمع المدني وإزالة الحواجز القانونية التي تحول دون تأسيس هذه المنظمات وفق تصور تيشوري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى