القواعد المقدسة لقانون العاملين القادم..لكل وظيفة طبيعتها وبالتالي أسسها المختلفة عن الوظائف الأخرى العلاقة الوظيفية يجب أن تصبح عقداً بين المؤسسة والموظف… العامل بالقطاع الإنتاجي مقدس و لا محاباة شخصية في سوق العمل
| شادية إسبر
باهتمام القيادة الأعلى في البلاد، قانون العاملين الأساسي جزء من عملية تطوير الدولة، خصّهُ السيد الرئيس بشار الأسد كأحد العناوين الجوهرية خلال الكلمة التوجيهية للوزارة الجديدة.
سيادة الرئيس طرح في هذه الجزئية تساؤلات لتكون مسارات عمل محددة، وبوصلة يسير عليها المسؤولون في مرحلة الدراسة والإعداد للخروج بقانون أو قوانين تحقق الأهداف الكبرى، ودليلاً يحتم الإنجاز، فما متطلبات الوصول إلى قانون عاملين يحقق المرجو منه في تنظيم الوظيفة العامة بكل تفصيل من تفاصيل الحقوق والواجبات؟ هل البيئة والظروف مناسبة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً أم إنها جميعاً فرضت الحاجة للتغيير الملح؟ أين العاملون في الدولة من صنع القانون الخاص بهم؟ ما الثغرات في النافذ ليتم تداركها في القادم؟ أسئلة كثيرة بحثناها، لكن بعضها من قبيل أين وصل العمل على مشروع قانون الخدمة العامة في وزارة التنمية الإدارية؟ وما معوقات التقدم فيه؟ ومتى يرى النور؟ بقي بلا أجوبة.
انطلاقاً من القواعد المهنية والمسؤولية في تحقيق التوازن وموضوعية التناول وتقديم جميع وجهات النظر، طرحت «الاقتصادية» التساؤلات على الجهة التي بعهدتها الموضوع (وزارة التنمية الإدارية)، وحاولت على مدى طويل مراراً وبإلحاح الحصول على أجوبة، لكن لم تلق أي رد سوى أن علينا الانتظار والتريث، ولو تم تحديد موعد لانتظرنا، وما زلنا فإلى متى سينتظر القطاع العام قانون خدمته وهو يخسر كوادره الكفؤة؟
التمايز مطلوب اليوم
في نقاش الموضوع مع مستشارين قانونيين، أوضح أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة دمشق وعضو مجلس الشعب السابق د. محمد خير العكام لـ «الاقتصادية» أن النظام الوظيفي المطبق في سورية هو النظام المغلق، ويقابله آخر في العالم هو النظام الوظيفي المفتوح، وفي هذا الأخير تقوم العلاقات الوظيفية على أساس عقدي، حيث معظم الدول رأسمالية الطابع تطبق النظام الوظيفي المفتوح، في حين طبقت الدول الاشتراكية النظام الوظيفي المغلق، ما يعني أن العلاقة بين الموظف والإدارة علاقة قانونية، وطبيعة العلاقة القانونية تتطلب إصدار قوانين للوظيفة العامة.
الأنظمة الاقتصادية في العالم تقاربت، ولم يعد هناك نظام اشتراكي بعيد عن النظام الرأسمالي، وبالتالي الأنظمة القانونية يجب أن تتقارب، وفق الدكتور العكام الذي أكد أن تغير الظروف يستدعي قلب بعض العلاقات الوظيفية من قانونية إلى عقدية، وفق ما يستلزمه العمل في بعض الوظائف بالمؤسسات العامة وليس بالضرورة جميعها.
العكام أكد وجوب أن يكون لدينا بعض القواعد الموحدة وليس جميعها، فلكل وظيفة طبيعتها المختلفة عن الأخرى، وبالتالي يجب أن تختلف طرق التعيين وشغل الوظيفة وأسس الترفيع والتعويضات وسن التقاعد وغيرها، مشدداً على أن التمايز هو المطلوب اليوم، وأن يصبح لدينا أنظمة وظيفية مختلفة لكل مجموعة وظائف متشابهة.
الحالي لا يصلح وطبيعة العمل
تحدد قانونه
يجب أن يكون هناك قانون لكل فئة أو قطاع، أو إحداث قانون يتضمن قواعد عامة تنطبق على الجميع ويتفرع إلى أبواب كل منها يخص فئة معينة، وفق المستشار القانوني الدكتور بشير القوادري، الذي أكد لـ«الاقتصادية» أن قانون العاملين الحالي لا يصلح، ويجب إحداث آخر يناسب المرحلة، ويراعي طبيعة العمل بالدرجة الأولى، فالعامل بالقطاع الإنتاجي «مقدس» لأنه أساس البناء الوطني بالدرجة الأولى، ومن الواجب أن يتضمن القانون ما يحفظ حقوقه كاملة، لذا لا يجب تطبيق القانون الخاص بالموظف الإداري على العامل الإنتاجي، لأن متطلبات وظروف وأعباء العمل ومخاطره مختلفة تماماً.
في القانون النافذ لا يوجد مثلاً أي ميزات للمرأة العاملة، كل ما قدمه لها إجازة الأمومة، برأي الدكتور القوادري الذي لفت إلى وجوب التمييز بين عمل المرأة والرجل نظراً لواجباتها الاجتماعية تجاه أسرتها، بمعنى أن يكون في القانون ما يناسب أفكار وأسلوب حياة المجتمع، وأن يلحظ الدور الاجتماعي للمرأة الذي تتحمله إضافة إلى دورها الوظيفي.
وكيل الجهاز المركزي للرقابة المالية أحمد المليحان في تصريح لـ«الاقتصادية» قال: القانون الأساسي للعاملين رقم 50 لعام 2004 صدر وعدل بعض الأحكام للقوانين السابقة، ونرى أن يصدر قانون الخدمة العامة قريباً، وتراعى فيه نتائج مؤتمر الإصلاح الإداري.
وعن أبرز النقاط التي طرحت فيه وخلال جلسات الحوار حول مشروع قانون الخدمة العامة ويراها مهمة من وجهة نظره أن يتضمنها؟ تحدث بعمومية أنها كثيرة ومهمة، وتمحورت حول عده محاور، وأضاف: أعتقد أن وزارة التنمية الإدارية عملت على دراستها، وأخذت الأنسب عند إعداد قانون الخدمة، متجاهلاً ذكر بعض هذه المقترحات التي قدمها الجهاز أو أمثلة عنها.
المختلط أنسب
أي نظام وظيفي يمكن الانتقال إليه وفق الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
أنا لم أقل الانتقال إلى نظام مفتوح، إنما إلى نظام مختلط، لفت الدكتور العكام وأضاف: نحن تأخرنا في ذلك والذي يتحمل هذا التأخر هي وزارة التنمية الإدارية، حيث وعدت بإعداد قانون عاملين أساسي عصري منذ عام 2017 وإلى الآن لم تف بوعدها، إذ إن الذي يتحمل التأخير في الانتقال إلى هذه الأنظمة التي تتناسب مع طبيعة الوظائف المختلفة هي وزارة التنمية الإدارية ذاتها، لنرى ما جرى في العامين الماضيين بخصوص إعداد نظام حوافز، إذ تم توقيف أنظمة الحوافز السابقة وتبين لاحقاً أن الجديدة غير دقيقة، وبعدها جرى إيقاف صرف الحوافز.
من جانبه أكد الدكتور القوادري أن القوانين تأتي دائماً من قلب الأزمات، لأنها عبارة عن متطلبات، وقال: أغير القانون عندما أجد أنه لم يعد ينفع، فالقانون ليس أمراً منزّلاً، بل يجب أن يتناسب مع كل مرحلة، وفي وقت الأزمات بالتحديد يجب خلق قوانين تناسب المتغيرات، وكل قانون لا يتناسب مع الواقع الحالي يجب تغييره.
بالنسبة للشكل الأنسب باعتقاد الدكتور القوادري أن لكل نوع مزاياه، حيث النظام الوظيفي المغلق (التثبيت) يحقق الاستقرار للعامل، لكن بالعودة إلى قانون العمل الذي يطبق على القطاع الخاص لا يوجد شيء اسمه تثبيت، ومع ذلك نجد عمالاً يشعرون بالاستقرار في عملهم ويؤدونه على مدى 20 عاماً، وأضاف: برأيي لا يوجد أي مانع من تطبيق النظامين التثبيت والتعاقد (مغلق ومفتوح) معاً، لافتاً إلى أن القانون 50 يأخذ بالنظامين، إذ يوجد ما ينظم التعاقد لكن بشكل ضيق ومحدود ولأعمال معينة، والبديل أن يمنح القانون الجديد للجهات العامة حرية التعاقد حسب متطلبات العمل.
ألا تفتح هذه الحرية الباب على تشوه في سوق العمل وحصول محاباة شخصية فيه؟ سؤال أجاب عنه الدكتور القوادري بأن هذا تحديداً ما يستدعي التشدد بالقوانين، بحيث نمنع أن تطغى الشخصانية في حل المشكلات، واستغلال الهامش في التحرك لإجراء تعاقدات غير مبينة على أسس صحيحة.
المستشار القانوني يرى أن ضبط هذه الاحتمالية صعب، لأن الأمر يعود إلى البنية الفكرية للشخص القائم على رأس المسؤولية، لذا يجب العمل على تكريس وتعزيز الولاء الوظيفي، والأساس هو بالاختيار الجيد للشخص الذي سيمارس تطبيق القانون من موقع الإدارة، إذ لا يمكن تطبيق أي قانون من قبل من لا يؤمنون به.
بحسب مهامه وصلاحياته الجهاز المركزي للرقابة المالية حريص على تطبيق القوانين والأنظمة، أكد وكيله المليحان، وأضاف: وعندما يشارك في أي لجان يقدم مقترحاته وبما يتوافق مع مشروع الإصلاح الإداري.
وحول نظام المراتب الوظيفية الذي كان الجهاز قد أيده عند مناقشته قبل سنوات، اكتفى المليحان بالقول إنه توجد لجنة في وزارة التنمية الإدارية تدرس ذلك، وإمكانية إدراجه ضمن قانون الخدمة العامة، من دون أن يضيف أي توضيح أو تفصيل أكثر.
المشكلة في القوانين أم في المفاهيم؟
في الاثنين معاً، تأخر تغيير القوانين أدى إلى تحجر المفاهيم، لكونها لم تواكب التغيرات التي حدثت، والتي تحدثنا عنها آنفاً، قال الدكتور العكام، وأضاف: قانون العاملين الأساسي صدر عام 2004 ولم يتغير إلى الآن، والوزارة حملت على عاتقها تغييره، ولم تتمكن خلال سبع سنوات من إنجاز مشروع قانون يتناسب مع الظروف، حتى لو كنا في حالة حرب، أعتقد أن وزارة التنمية الإدارية انشغلت في أمور أقل أهمية، وكان يجب أن تكون الأولوية لتعديل المنظومة القانونية التي تشغل بموجبها الوظائف العامة.
الموظفون في القطاع العام هم الذراع البشرية لتنفيذ الخدمات العامة، وإذا لم نهتم بهذه الجزئية فالخدمات العامة في مكان آخر.. وجهة نظر الدكتور العكام الذي لفت إلى أن الدولة وجدت أصلاً لتقدم الخدمات، ويجب إلا تعجز عن تقديمها بكل الظروف الطبيعية أم الاستثنائية وهذا واجبها ولا تتخلى عنه، بالتالي تطوير الوظيفة العامة بما يتناسب مع تطور الظروف وتغيرها هو من واجب الدولة والوزارات المعنية فيها.
بتوصيف الدكتور القوادري فإن قانون العاملين بمنزلة عقد بين العامل والدولة، ويجب أن يوافق عليه العامل لتكتمل أركان العمل على أساسه، وهذا يتطلب أن يسمع رب العمل، وهي الدولة هنا، قبل صياغة هذا العقد متطلبات الطرف الآخر بمختلف أماكن العمل في القطاعات المتعددة، وأخذها بالاعتبار أيضاً ليس سماعها فقط، وبعد ذلك تصاغ مواد القانون، إذ لا يمكن إبرام العقد قبل معرفة ما طلبات الطرفين، فعندما يصاغ بالطريقة التي يريدها طرف واحد منفرداً يصبح شكلاً من عقود الإذعان، وما يحصل عادة يتم سؤال الجهة ذات العلاقة ولا يؤخذ بمتطلباتها أو مقترحاتها، وبالمحصلة يجب أن يتضمن الحقوق المتساوية للطرفين، بمعنى أن يأخذ بالاعتبار حقوق ومصلحة الدولة التي تريد تحقيق المصلحة العامة وحقوق ومصلحة العمال والموظفين من كل الفئات التي سيطبق عليها القانون.
الإنجاز مطلوب بسرعة
المطلوب الآن إنجاز هذا القانون بالسرعة اللازمة القصوى مع الأخذ بعين الاعتبار التمايزات بين عامل وآخر بحسب القطاع، شدد الدكتور العكام وأوضح أبرز النقاط التي يجب التركيز عليها، بأنها طريقة شغل الوظيفة، التعويضات، الحد الأدنى للأجور الذي ليس بالضرورة أن يكون متماثلاً، تصنيف العاملين، ترفيعهم، تاريخ انتهاء الوظيفة، أما التأمينات والضمان فيمكن أن تكون قواعد موحدة.
يضيف الدكتور القوادري على ذلك تفصيلاً يخص الترفيعات: نلاحظ أن القانون النافذ يحدد نسباً معينة، لكن الآلية غير واضحة، إذ يجب وضع آلية للترفيع من قبل لجنة تقيم العمل وفق الإنتاجية والكفاءة، وتضع سقفاً وحدّاً أدنى يتبعها الاستغناء عن العامل في حال كان تقييمه بالحد الأدنى لفترتي تقييم متتاليتين، وهذا يمكن تطبيقه على النظامين المغلق والمفتوح.
تدني الأجور وتأخر القوانين
سبب تسرب العمالة الماهرة
التدني الشديد في مستوى الأجور والتأخر في صدور هذه القوانين أثر بالقدرة في الحفاظ على العمالة الماهرة، وأدى إلى تسرب هؤلاء العاملين باتجاه العمل في القطاع الخاص الوطني أو الخروج إلى خارج البلاد، وفق الدكتور العكام: لهذا إذا لم نقم بإصدار قوانين تتناسب مع طبيعة القطاع العام، وإذا لم نحسن أجور العاملين فيه، ونمايز بينهم حسب المهارات المكتسبة وطبيعة العمل بالتعويضات، فإن مستوى الخدمة التي يقدمها القطاع العام سيكون بالمستوى الأدنى، وهناك استنزاف بالعمالة فيه ما يؤثر في انتاجيته ودوره.
موضوع لا يتعلق مباشرة بقانون العاملين بل بالقوانين المالية، لكن المستشار القانوني القوادري أثاره بأنه يخص ضريبة الدخل على الرواتب والأجور التي يرى وجوب إلغائها نهائياً، ويشرح أن الدولة هي من تعطي رواتب العاملين في القطاع العام، وهذه الرواتب تصرف من الخزينة العامة، وأي اقتطاعات ضريبية منها تعود للخزينة العامة، فلماذا هذه الدائرة، لذا يجب إلغاء الضريبة على الرواتب والأجور فيما يتعلق بالعاملين في الدولة، لأنها تخرج من الخزينة وتعود إليها.