كيف نسخّر ثورة الذكاء الاصطناعي في نمو وازدهار الاقتصاد؟.. إيجابيات كبيرة إذا أحسن التعامل السليم مع سياسات عامة تنظم الاستخدام الآمن؟.. عنصر مهم في تحسين الأداء الاقتصادي وتقديم خدمات مخصصة وزيادة الابتكار وتوفير التكاليف
|غزل إبراهيم
بدأت ثورة الذكاء الاصطناعي أو الذكاء التوليدي بغزو العالم، فلا يكاد يمر يوم من دون أن تتوارد الأخبار عنه، وكيف سيغير مستقبل الجميع، وفيما يعوّل البعض عليه كحل إبداعي وجذري للتحديات الكبيرة، يراه آخرون تحدياً للوجود البشري، وأداة للقضاء على دور الإنسان في شتى المجالات.
ومما لاشك فيه أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في التأثير على مختلف جوانب حياتنا، إلا أن واقع الذكاء الاصطناعي في سورية معقد، وهو يواجه العديد من التحديات، حيث يعاني ضعفاً في البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، ونقصاً في الكفاءات البشرية المتخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي.
ولكنه في الوقت نفسه يحمل أيضاً فرصاً كبيرة لتحسين مختلف جوانب الحياة في سورية، من خلال تبني هذه التكنولوجيا وتطويرها بشكل مسؤول.
ما الذكاء الاصطناعي؟
يعد الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أهم فروع علوم الكمبيوتر، ويهدف إلى إنشاء أنظمة وبرمجيات قادرة على محاكاة المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً، مثل التعلم، الاستدلال، والتعرف إلى الأنماط والقيام بالأعمال التي تحوي مخاطر على حياة الإنسان.
ويعتمد على الخوارزميات والنماذج الرياضية التي تسمح للأنظمة الحاسوبية بتحليل البيانات واكتساب المعرفة واتخاذ القرارات بناءً على هذا التحليل.
وتلعب تطبيقات الذكاء الصنعي دوراً مهماً في تحسين جودة الحياة من خلال تطبيقات مثل المساعدين الذكيين والمركبات ذاتية القيادة، ما انعكس إيجاباً على الحياة اليومية وجعلها أكثر راحة وأماناً، فعلى سبيل المثال يمكن للمساعدين الذكيين أداء مجموعة متنوعة من المهام لمستخدمي الهواتف الذكية، ما يوفر الوقت والجهد وفقاً للدكتور فراس الزين.
إحداث فروقات كبيرة
من خلال أتمتة المهام الروتينية والمعقدة، وتحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي، ويُحدث تحولات كبيرة في العديد من المجالات، ما يساعد الشركات على اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على رؤى دقيقة، وتحسين جودة الخدمات في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل، وتطوير منتجات وخدمات جديدة، وفقاً لحسين الإبراهيم المتخصص بالمحتوى الرقمي والذكاء الاصطناعي.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل بعض الوظائف التقليدية، لكنه في الوقت نفسه يخلق وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة في مجالات مثل تطوير البرمجيات وتحليل البيانات، ما يؤدي إلى زيادة التفاوت الاقتصادي بين الدول المتقدمة والدول النامية، حيث تمتلك الدول المتقدمة البنية التحتية والمهارات اللازمة للاستفادة من هذه التكنولوجيا بشكل أفضل، وهذا يعني تحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال تقليل الهدر وزيادة الإنتاجية. كما يغير طبيعة الأعمال، حيث يصبح التركيز أكثر على المهارات الإبداعية والتحليلية التي لا يمكن أتمتتها بسهولة.
مهن يهددها الذكاء الاصطناعي
يهدد الذكاء الاصطناعي العديد من المهن، حيث يمكن للبرمجيات الذكية تنفيذ العديد من المهام المحاسبية بدقة وسرعة، ما يقلل الحاجة إلى المحاسبين التقليديين، ويمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من العمليات المصرفية مثل معالجة القروض وخدمة العملاء، ما يقلل من الحاجة إلى الموظفين في البنوك.
ومع تطور تقنيات الترجمة الآلية، يمكن للبرمجيات ترجمة النصوص بسرعة ودقة، ما يقلل من الحاجة إلى المترجمين البشريين، وتقدم الروبوتات والدردشة الآلية الدعم للعملاء على مدار الساعة، ما يقلل الحاجة إلى موظفي خدمة العملاء، وتكتشف البرمجيات المتقدمة الأخطاء اللغوية والنحوية وتصحيحها بشكل فعال، وهو ما يخفف من الحاجة إلى المدققين البشريين، وتنفذ الروبوتات والأنظمة الآلية العديد من المهام في خطوط الإنتاج، ما يقلل الحاجة إلى العمالة اليدوية التقليدية.
الذكاء الاصطناعي في سورية
يواجه الذكاء الاصطناعي العديد من التحديات في سورية، ولكنه يحمل أيضاً فرصاً كبيرة، حيث يعاني ضعفاً في البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، ما يعيق تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، وهناك نقص في الكفاءات البشرية المتخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعل من الصعب تطوير وتنفيذ مشاريع تعتمد على هذه التكنولوجيا.
من جهة أخرى تتطلب تقنيات الذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة، وهو ما قد يكون تحدياً للدول ذات الموارد المحدودة كسورية وغيرها من الدول النامية، حيث التفاوت الكبير بين الدول المتقدمة والنامية في الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة، ما يزيد من الفجوة الرقمية.
كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الصنعي في سورية؟
الذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا واعدة تحمل إمكانات كبيرة لتحسين مختلف جوانب الحياة في سورية، من خلال تبنّي هذه التكنولوجيا وتطويرها بشكل مسؤول، وإعداد البرامج الضرورية لاستخدام هذه التقنية في تحسين الإنتاج من دون المساس بالعمالة المتوافرة لدينا، وإنما العمل على رفع مستواها وتمكينها بشكل مستمر، يمكننا تحقيق فوائد كبيرة في الاقتصاد والمجتمع والتعليم والصحة.
في المجال الصناعي
برهنت تطبيقات الذكاء الاصطناعي AI في الصناعة قدرتها على زيادة ورفع الكفاءة الإنتاجية من خلال أتمتة المهام الروتينية، والذي بدوره أدى إلى زيادة الكفاءة والإنتاجية في مختلف الصناعات، حيث أدى استخدام تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى الحصول على مواد مصنّعة بمتانة وجودة عاليتين.
ويمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالأعطال المحتملة في المعدات والآلات، ما يقلل من وقت التوقف عن العمل ويزيد من عمر المعدات، ويحسّن الذكاء الاصطناعي جودة المنتجات من خلال مراقبة العمليات الإنتاجية بدقة، ويقلل التكاليف التشغيلية ويزيد الربحية.
لكن ثمة جوانب سلبية تواجه الذكاء الاصطناعي، فقد تتطلب تقنياته استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتدريب، وقد يؤدي الاعتماد عليه إلى زيادة التفاوت الاقتصادي بين الشركات الكبيرة والصغيرة.
المصارف
ويوفر الذكاء الاصطناعي خدمات مخصصة لعملاء المصارف بناءً على تحليل بياناتهم المالية، ولاسيما أن الأتمتة تخفض التكاليف التشغيلية للبنوك والمؤسسات المالية.
وبالرغم من ذلك لا يمكننا تجاهل الجوانب السلبية، حيث تؤدي الأتمتة إلى فقدان بعض الوظائف التقليدية، إضافة إلى ظهور مخاطر أمنية مرتبطة بالاعتماد الكبير على التكنولوجيا.
الزراعة
تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تحسين الإنتاج الزراعي من خلال تحليل البيانات المتعلقة بالمناخ والتربة والمحاصيل، والمساعدة في اتخاذ القرارات بشكل صحيح وفعّال من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة، ما يمكّن المراكز البحثية من تحسين نوعية البذار، والحصول على بذار قادرة على مقاومة الجفاف والأمراض، وذات إنتاجية عالية قادرة على الحياة، وهذا بدوره سيساعد على توطين الفلاح في أرضه وإيجاد فرص عمل جديدة، ما يسهم في زيادة المساحات المزروعة ومحاربة ظاهرة التصحّر.
كما يمكنه مكافحة الآفات، حيث تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في الكشف المبكر عن الآفات والأمراض في المحاصيل، ما يقلل من الخسائر ويحسّن الإنتاجية.
الرعاية الصحية
في الوقت الراهن ظهرت وبشكل متزايد تطبيقات الذكاء الاصطناعي AI القادرة على إجراء التشخيص الطبي الدقيق وتحليل الصور الطبية، وإجراء العمليات الجراحية عن بعد بدقة وكفاءة عالية، ما يساعد الأطباء في تقديم رعاية أفضل للمرضى، وتحسين المستوى الصحي لأفراد المجتمع، والمساعدة في تقديم الاستشارة الطبية ونشر الوعي الصحي، وإدارة الأوبئة من خلال تحليل البيانات الصحية، والتنبؤ بتفشي الأمراض، ما يساعد في اتخاذ إجراءات وقائية فعالة.
التعليم
يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جودة التعليم من خلال تخصيص تجربة التعلم لكل طالب بناءً على احتياجاته وقدراته، وذلك من خلال التطبيقات الذكية القادرة على مراقبة تقدم الطلاب وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم، ما يساعد المعلمين على تقديم الدعم المناسب لكل طالب، إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصنعي، توفير موارد تعليمية متاحة على مدار الساعة، ما يتيح للطلاب التعلم في أي وقت ومن أي مكان، وهذا بدوره مكّن الطلاب من الحصول على المعلومة بالشكل المناسب والواضح.
متطلبات الذكاء الصنعي في سورية
للاعتماد على الذكاء الاصطناعي، يمكن لسورية اتباع مجموعة من الإستراتيجيات التي تساعدها على تجاوز التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، عن طريق الاستثمار في التعليم والتدريب، وهنا يجب علينا في سورية السعي نحو الاستثمار في تطوير المهارات والكفاءات البشرية في مجالات الذكاء الاصطناعي من خلال برامج تعليمية وتدريبية متخصصة، وتطوير البنية التحتية للاتصالات والإنترنت لتسهيل الوصول إلى التكنولوجيا وتبنّيها بشكل أوسع، إضافة إلى التعاون مع المؤسسات الدولية والشركات الكبرى للحصول على الدعم الفني والمالي وتبادل المعرفة، والانضمام إلى المبادرات والبرامج العالمية التي تهدف إلى تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في التنمية المستدامة.
دعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال تقديم الحوافز المالية والتسهيلات الإدارية، وتأسيس مراكز بحثية متخصصة في الذكاء الاصطناعي لتطوير حلول محلية تلبي احتياجات المجتمع، ووضع سياسات وتشريعات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يضمن حماية الخصوصية والأمان، ونشر الوعي حول فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي لضمان قبول المجتمع لهذه التكنولوجيا.