كيف نخطط وكيف نحدد سياسة قطاعية.. وكيف نضع آليات مناسبة لتنفيذها..؟.. في ضعف السياسات القطاعية انعدام آليات التنسيق يفشل التخطيط.. عدم تفرّغ المكلفين بوضع السياسات يؤثر في نوعية القرارات المتخذة
|شادية إسبر
بين السياسات الاقتصادية الكلية والوزارية حلقة وسيطة هي السياسات القطاعية حيث أكد السيد الرئيس بشار الأسد أننا نعاني ضعفاً فيها، وقال في كلمته خلال ترؤسه اجتماعاً توجيهياً للوزارة الجديدة بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه: «نحن نعاني ضعفاً في السياسات القطاعية باعتبار أغلب القضايا والمواضيع والعناوين هي عناوين مرتبطة بأكثر من وزارة في الوقت نفسه.. هنا يكمن لدينا الضعف الكبير.. كيف نخطط وكيف نحدد سياسة قطاعية؟ وكيف نضع آليات مناسبة لتنفيذها ولقيادتها تشكيل فريق قطاعي.. هنا تكمن نقطة الضعف»؟
فيكف نحدد السياسات القطاعية ونخطط لها لتكون ناجحة؟ وكيف نضع آليات مناسبة للتنفيذ والقيادة؟ ماذا في تشكيل فريق قطاعي؟ وكيف ننظم علاقتها بالسياسات الأخرى؟ الأسئلة كثيرة والعناوين الجدلية مهمة لشرح الواقع الاقتصادي السوري في هذه المرحلة الانتقالية، كما أن كل ذلك ضروري للقادم كي يكون بالقدر الأمثل
مما هو مطلوب اقتصادياً.
محور السياسات القطاعية ناقشته «الاقتصادية» بداية من التعريف العملي الواقعي لها، والذي أكد فيه عضو الهيئة التدريسية في المعهد الوطني للإدارة العامة «INA» الدكتور أيهم أسد خلال حوار خاص، أن التخطيط القطاعي يعتبر أحد أنواع التخطيط التي تقوم بها الدول بطرق مختلفة مثل التخطيط الوطني، التخطيط الإقليمي، التخطيط المحلي، ويقسم بشكل عام إلى قسمين: تخطيط القطاعات الاقتصادية وتخطيط القطاعات الاجتماعية، والمقصود بتخطيط القطاعات الاقتصادية هو التخطيط لقطاعات الصناعة، الزراعة، البناء والتشييد، الطاقة بشكل عام سواء كانت نفطاً أم غازاً، أما التخطيط الاجتماعي فيقصد به تخطيط القطاعات الأخرى كالتعليم، الصحة، العمل، الحماية الاجتماعية.
عن المرتكز الأساسي الذي يقوم عليه التخطيط القطاعي، أوضح الاقتصادي أسد أنه يقوم على تطوير بنية القطاع نفسه، سواء كان قطاعاً اقتصادياً أم اجتماعياً، وينطلق كأي نوع من أنواع التخطيط الأخرى بتحديد المشكلات والاختلالات التي تواجه القطاع، وتحديد الرؤية المتوقعة والأهداف الأساسية المرسومة له، إضافة لآليات وضع سياسات لتحقيق تلك الرؤية وتنفيذ الأهداف، ومؤشرات قياس لأداء الإنجاز لتحقيق الأهداف المرغوبة فيه، سواء كان هذا الكلام للتخطيط للقطاع الاقتصادي أو الاجتماعي.
إدارة التخطيط القطاعي
نقطة مهمة جداً وفق ما وصف عضو الهيئة التدريسية في معهد «INA» هي إدارة التخطيط القطاعي، وقال فيها: أن إدارة التخطيط القطاعي تستلزم بالضرورة عدم وجود انفصال بين المخططين القطاعيين، بمعنى أنه لا بد من وجود آليات للتنسيق والتعاون والتكامل بين القطاعات في أثناء عملية التخطيط القطاعي، أي على الأشخاص أو المسؤولين أو المخططين القطاعيين أن يلحظوا خلال تطويرهم لقطاعاتهم وضع أهدافهم وسياساتهم وبرامجهم ورؤيتهم للقطاع الخاص بهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار التشابك والتداخل مع بقية القطاعات الأخرى، مقدماً شرحاً لتفسير ذلك بالقول: بمعنى لو كنت أرغب في تطوير قطاع الصناعة السورية وأقوم بتخطيط قطاع الصناعة التحويلية السورية على سبيل المثال، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما يُخطَط له في قطاع الطاقة وأيضاً في قطاع البنية التحتية، وما يُخطَط له في قطاع التجارة الخارجية (الصادرات والواردات)، إذا يجب أن يكون هناك حالة من التنسيق والتكامل بين المخططين القطاعيين، وفي حال غياب هذه الحالة سيحدث نوع من تضارب المصالح بين القطاعات، وعدم القدرة على تحقيق الأهداف لكل منها، وبالتالي يستلزم ذلك الحديث عن مرونة إدارية، وعن تكامل وتنسيق إداري بين الإدارات المختصة في التخطيط القطاعي.
من جانبه الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور مظهر يوسف لفت خلال حوار مع «الاقتصادية»، إلى أنها ليست المرة الأولى التي يشير فيها السيد الرئيس إلى المعاناة من ضعف السياسات القطاعية، فقد أشار إليها سيادته في حواره مع معاوني الوزراء الذين أتموا برنامجاً تدريبياً حول صناعة السياسات التخصصية وبرامجها التنفيذية، والاستجابة للتحديات القطاعية ومعالجة الإشكاليات التي يعانيها الجهاز الحكومي بتاريخ 19 أب 2023 قائلاً: « لا يستقيم البحث والنقاش في السياسات القطاعية ما لم ننطلق من السياسات العامة وهوية الدولة على المستوى الاقتصادي والخدمي والتعليمي والصحي وغيرها من المجالات، إذ أن هوية الدولة هي التي تحدد السياسات العامة، والأخيرة هي التي تحدد السياسة في كل قطاع أو مجال».
وقال يوسف: إذاً، لابد من الانطلاق أولاً من السياسات العامة للدولة وهوية الدولة في مختلف المجالات وتحديد السياسة الأفضل.
قضايا عبر قطاعية
الدكتور أسد لفت إلى وجود بعض القضايا التي تسمى قضايا عبر قطاعية، وأن التخطيط لها يستلزم وجود عدد كبير من الجهات العامة كالوزارات والهيئات وحتى في بعض الأحيان المنظمات الدولية، وقال: هذا النمط من التخطيط يسمى التخطيط عبر القطاعي، ويحتاج إلى آليات كبيرة جداً من التعاون والتنسيق بين الجهات ذات الصلة بالقضية المخُطَط لها، فلو كنا نتحدث فرضاً عن التخطيط لمسألة الحماية الاجتماعية، فإننا سنلاحظ أن قطاع الحماية الاجتماعية تتداخل فيه مجموعة كبيرة من الوزارات والهيئات، منها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة المالية، الجمعيات، وزارة الداخلية.. وغيرها، ما يعني أن التخطيط القطاعي يستلزم توافقاً وانسجاماً في المسألة التخطيطية، ووضع أهداف مشتركة بين الجهات المعنية بالقضية المدروسة ؛ وتحديد ارتباط كل جهة بالهدف المحدد لها، ومتابعة مشتركة لتحقيق الأهداف بين الجهات.
ومن وجهة نظر الدكتور يوسف، فإنه حتى ننجح في وضع سياسة عامة أو قطاعية لا بد من الإشارة إلى قطبة خفية وهي عدم تفرغ المكلفين بوضع هذه السياسات، فهي مهام تضاف إلى أعمالهم الأساسية، الأمر الذي سيؤثر حتماً على نوعية القرارات المتخذة، مشيراً في هذا الإطار أيضاً إلى ما لفت إليه السيد الرئيس، بأن الحوار بين الوزارات والمؤسسات يخلق أفكاراً جديدة لبناء سياسات أكثر جدوى لخدمة المجتمع، وأن هذا الحوار يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تشخيص المشكلات ونقاط الضعف والاحتياجات، ومن دون ذلك لا نبني سياسات قطاعية أو عامة سليمة.
غياب منهجية متكاملة
وحول نقاط الضعف بآليات القرار المتّبعة حالياً في مؤسسات الدولة، شدد الدكتور أسد على أن أي انعدام بآليات التنسيق بين الجهات المسؤولة عن الخطط القطاعية أو الجهات الواضعة للإستراتيجيات القطاعية، سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى إخفاق عملية التخطيط بشكل كامل وإلى إخفاق عملية التخطيط، وقال: آليات الضعف بصناعة القرار الحكومي اليوم هي بالحقيقة مسألة معقدة ومسألة مركبة، طبعاً هنا لا نتحدث عن القرارات الآنية اليومية، نتحدث عن القرارات الإستراتيجية والقرارات المستقبلية الخاصة بالتخطيط القطاعي، المسألة تعود إلى غياب منهجية متكاملة لصناعة واتخاذ القرار في الكثير من الجهات العامة.
نقطة أخرى مهمة وهي تحول أعمال أمانات السر في أي مكان سواء أكان وزارة أم لجنة إلى أعمال تقترب كثيراً من أعمال السكرتاريا (كتابة محضر، مراسلات، توثيق….)، لفت إليها الأستاذ بكلية الاقتصاد، وقال يوسف: إذا استطعنا تطوير عمل أمانة السر باتجاه المساهمة في دراسة وتحليل الآراء والمقترحات الواردة والتنسيق بينها، يمكن عندها أن نحقق خطوة نوعية باتجاه حوار أكثر فعالية، تحسين التنسيق بين المسؤولين وتطوير آلية اتخاذ القرار.
يضاف إلى كل ذلك تغيير عقلية الإدارة من اختيار إدارات بعقلية تمتاز بالحيوية، التفكير خارج الصندوق، تبحث عن الحلول، التركيز على الإنجاز الحقيقي بذهنية مختلفة تماماً عن الذهنية السائدة في الكثير من المفاصل التي تعاني التردد، الهروب من تحمل المسؤولية.. الخ، وفق الدكتور يوسف.
تضارب العملية التخطيطية
يؤثر في إدارة الموارد وزمن التخطيط
وعن آليات بناء سياسة قطاعية ناجحة في المرحلة الحالية، أضاف عضو الهيئة التدريسية في معهد (INA): أريد التركيز هنا على نقطة أساسية جداً، أنه لا يمكن فصل التخطيط القطاعي عن التخطيط الإقليمي والتخطيط الوطني بشكل أساسي، بمعنى أنه يجب ألا يكون هناك حالة من الانفصال التام بين أنماط التخطيط الثلاثة عملياًوتحديداً بين التخطيط الوطني والتخطيط الإقليمي، على العكس يجب أن يكون هناك حالة من التكامل والتنسيق والتعاون المستمر بشكل دائم كي لا يحدث أي تضارب في العملية التخطيطية، وتضارب العملية التخطيطية بشكل مؤكد سيؤثر على إدارة الموارد الاقتصادية بشكل أو بآخر أولاً، وسيؤثر حتى على زمن التخطيط، فبدل أن يتم إنجاز مجموعة من الخطط في زمن معين، أو تطوير قطاعي أو تطوير إقليمي أو على مستوى الاقتصاد الوطني بزمن معين، من الممكن أن يطول هذا الزمن أكثر بسبب تضارب المصالح التخطيطية أو بسبب عدم التنسيق بين المخططين على المستويات المختلفة، لذلك فإن وجود تخطيط قطاعي لا يلغي التخطيط الوطني ولا يلغي التخطيط الإقليمي أبداً، بل هو جزء متمم ومكمل، قد تقوم الجهات المعنية برسم إستراتيجياتها الخاصة كل جهة على حدة، ولكن نحن بحاجة ماسة لجهاز مركزي يقوم بالتنسيق بين هذه الإستراتيجيات لتحقيق أهداف وطنية كبرى، منظور لها من واقع الموارد الوطنية ووفق أهداف ومؤشرات وطنية.