كيف تخاطب الحكومة الناس؟.. الواقع والمنطق وعدم رفع سقف التوقعات.. أكاديميون لـ«الاقتصادية»: يجب استثمار المقدرات وتوصيف الواقع وتطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي
خطة إصلاحية واقعية مرتبطة بعامل الزمن
|أمير حقوق
«أول خطوة لتسهيل الطريق أمام أي حكومة هي ألا ترفع سقف التوقعات فوق الممكن، وألا تقدّم وعوداً غير قابلة للتنفيذ، وأن تكون حكومة الواقع لا حكومة الأحلام، فلا أحد يريد السراب»، هذه عدة عناوين من العناوين الكثيرة التي طرحها السيد الرئيس بشار الأسد خلال ترؤسه اجتماع الوزارة الجديدة، والتي كانت في صلب تحسين الواقع الاقتصادي والواقع المعيشي للمواطنين، وكذلك بتطوير المنظومة الإدارية والاقتصادية والسياسات القطاعية وغيرها الكثير، في حين اعتبر الأكاديميون والخبراء أن هذه العناوين كانت توجيهية لعمل الحكومة الجديدة.
«الاقتصادية» حاولت تحليل هذه العناوين من خلال قراءة اقتصادية تحليلية للعناوين «الواقعية وعدم رفع سقف التوقعات» من خلال آراء أكاديميين اقتصاديين في محاولة لفهم الأبعاد والمعاني التي تحملهما.
دعوة للانطلاق
خطاب السيد الرئيس للحكومة هو دعوة للانطلاق من الواقع للنهوض بالاقتصاد الوطني، وقراءة خطاب السيد الرئيس تعني أنه آن الأوان للعمل، وأنه يجب أن تبنى السياسات لكل وزارة وتنهض بمقدراتها وتنميتها بلا وضع آمال أو انتظار سواء انتظار اتفاقيات سياسية أم غيرها، وأن تنهض بمؤسساتها لبناء الاقتصاد الوطني، وفقاً لقراءة رئيس مجلس إدارة فرع درعا لنقابة المهن المالية والمحاسبية الأستاذ الجامعي الدكتور مجدي الجاموس خلال حواره مع «الاقتصادية».
خطاب المنطق
ورأى الدكتور الجاموس أن خطاب السيد الرئيس للحكومة حول الواقعية وأن تكون حكومة واقع هو خطاب المنطق، لكون أي مشكلة تحل بالاعتراف بهذه المشكلة وإن كانت إدارية، فأول نقطة باتخاذ القرار الإداري هو تحديد المشكلة، فالمقصود أن تكون الحكومة حكومة الاعتراف بالمشكلة والعمل على معالجتها وعدم البناء على مقدرات أو خيال أو قرارات وسياسات، فالمشكلة في الحكومة السابقة كانت في السياسات غير المنطقية، فالحل ينطلق من الاعتراف بالمشكلة وبالواقع وبالمقدرات الموجودة والعمل على النهوض من خلال هذه المقدرات.
تقييم المقدرات واستثمارها
وتكون الحكومة حكومة واقع عندما تعترف بالمقدرات الموجودة، ويعني أن سورية من الدول القليلة بالعالم التي يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي، ولكن نعتمد على استيراد المواد الأولية وعدم الاهتمام بالزراعة والصناعات التحويلية، أي تهميش القطاع العام الإنتاجي، لذلك أن تكون حكومة واقع بظل الحصار والعقوبات على سورية ومحاربة الدول لها بمقدراتها وما شابه، والقصد بأن تكون حكومة تتعامل مع ما يتوافر من زراعة ومياه وقطن وصناعات تحويلية، والأهم عقول بشرية، ولكن توجد مشكلة في الطاقة ويجب أن تعالجها وتنطلق من الاعتراف بهذه المشكلة، فكي تكون حكومة واقعية وألا ترفع سقف التوقعات، يجب أن تعترف بالحصار الموجود وتقيم المقدرات والقدرة على استثمار هذه المقدرات، وأيضاً الموازنات، فالموازنات للسنوات السابقة معظمها سياسات جارية وليست استثمارية، ولتحقيق الانتعاش الاقتصادي وتحسين سعر الصرف وتحسين دخل الفرد كما اتفق جميع الاقتصاديين هو الإنتاج، لذلك يجب أن تبنى السياسات بناء على المقدرات وكيفية النهوض بالاقتصاد الوطني، فلا يمكن وضع ضرائب غير مشجعة للاستثمار، فاليوم يجب وضع ٤٠ بالمئة من الموازنة على موازنة استثمارية لتحسين الإنتاج للنهوض بالاقتصاد الوطني، وفقاً لرؤية الدكتور الجاموس.
توصيف الواقع
أرى أن كلمة السيد الرئيس هي كلمة توجيهية رسمت خريطة الطريق، وشملت مختلف المجالات، وتأكيد سيادة الرئيس على أن الحكومة يجب أن تنطلق من الواقع، أي بتعبير آخر توصيف الواقع ووضع رؤى لتحليله ومن ثم وضع الحلول وبعدها دراسة التغذية المرتدة، أي مطابقة النتائج التي تحققت من الأهداف المشروعة، فنحن في مرحلة غير طبيعية نحتاج فيها إلى إجراءات غير طبيعية ومنها الاعتماد على سياسات واقعية تنطلق من الواقع، وأن تكون الحكومة على قدر الآمال الكبيرة للمواطنين السوريين، أي أن تكون خطوات الحكومة لتحسين الواقع الاقتصادي مدروسة ومنهجية، لأن التغيير ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما هو أداة وفرصة للتجديد وللتطوير للنهوض بالوضع العام في سورية، حسب قراءة الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الدكتور حيان سلمان خلال حديثه مع «الاقتصادية».
وبحسبه، أن هذه الحكومة أتت بمرحلة صعبة، وبالتالي يجب تحديد الأولويات، والخطوة الأولى هي تخفيف وطأة الحياة، وأنه لا يجوز أن نرفع مستوى التوقعات، أي بتعبير آخر لا نتحدث بالوعود ولسنا قادرين على تنفيذها، أي الابتعاد عن كلمة «سوف»، مع الإشارة إلى أن المواطن سيعود بإحساسه العلمي والاقتصادي والسياسي إلى مرجعيته، ومرجعيته هي البيان الوزاري الذي ستتقدم به الحكومة الذي يتضمن الخطط المستقبلية، والحاجة إلى سياسة التغيير، والربط بين الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي، وأن تتضمن الرؤية العامة للحكومة السياسات القطاعية من زراعة وصناعة وخدمات وغيرها، والتركيز أولاً على القيمة المضافة، وكما نعلم أن القيمة المضافة هي جوهر التطور والتطوير، والتي تتجسد اقتصادياً بزيادة الناتج الإجمالي السوري من خلال زيادة الإنتاجية وزيادة المردود، فكل هذا يجب أن يتوضح في البيان الحكومي، وأن يعتمد على ربط السبب بالنتيجة، وذكر الأسباب الموضوعية والعقبات والتحديات التي تواجهنا في مختلف مجالات الحياة، وتقييمها ودراسة النتائج المحققة سواء كانت إيجابية أم سلبية بهدف تعظيم الإيجابية منها وتحديد السلبيات، وفقاً للدكتور سلمان.
اقتراحات
وحسب رؤية الدكتور سلمان، فإن الإجراءات التي يجب على الحكومة الجديدة عملها لتخفيف وطأة الظروف والحياة على المواطنين، ولكي تكون حكومة واقعية، هي الانطلاق من الواقع انطلاقة واقعية وأن تتعامل مع المسؤولية كتعامل رب الأسرة مع أسرته، ومحاربة الثغرات والفساد والحوار، وبما أن سورية قطاع زراعي فالزراعة من أهم القطاعات، وكما نعلم هي المصدر الأساس لتحسين مستوى المعيشة، وتسهم الزراعة بحوالى ٤٠ إلى٥٠ بالمئة من إجمالي قيمة الناتج المحلي، فيجب وضع خطط استثمارية زراعية تعتمد على الميزات التنافسية، وأن نستغل كل متر مربع متاح لزراعته، وتعظيم سلسلة القيم المضافة، والقيم المضافة تصنع في المراحل الأخيرة من الإنتاج، أي نقوم بصناعة المواد الخام وندخلها في العملية الإنتاجية، عندئذ تزداد الربحية والربحية الوطنية، وهذا يحتاج إلى إجراء مهم هو الربط بين الزراعة والصناعة.
بكفاءة نسبية
بدوره رأى نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة حماة الدكتور عبد الرحمن محمد أن السيد الرئيس بشار الأسد وجّه الحكومة الجديدة بشكل دقيق وواقعي بأن تكون حكومة واقع على قدر آمال المواطنين وألا ترفع سقف التوقعات، وهذا التوجيه الأمثل، فعليها أن تعمل بكفاءة نسبية تامة من خلال مدخلاتها الكثيرة، وبكل جهودها وطاقاتها، وبتكامل بين الوزارات المختلفة فيما بينها وبانسجام، حيث يكون مخرجها الوحيد تأمين حياة كريمة للمواطنين بكل مقوماتها، أي البوصلة الوحيدة لها المواطن وحياته الكريمة ومستوى عيشه المناسب.
تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي
على الحكومة الجديدة برأي أكاديمي اقتصادي تطبيق خطة الإصلاح الاقتصادي من خلال السعي بخطوات متوازية إلى تطبيق برامج الحماية الاجتماعية الشاملة، بغرض حماية الأسر الأقل دخلاً من الآثار الناجمة عن الإصلاح الاقتصادي، وتخفيف وطأة الفقر على الشرائح الأولى بالرعاية، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي من خلال زيادة كمية السلع الغذائية على بطاقات الدعم الإلكترونية الحالية لمستحقيها، (مع ضبط حالات الفساد التي كانت سابقاً، والضرب بيد من حديد لكل محاولة فساد)، وفقاً لرؤية الدكتور محمد.
وضع خطط جادة
وأردف: إطلاق برامج مختلفة على الصعيد الاجتماعي والصحي ما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية، والتوسع في برامج الائتمان الاجتماعي والصحي كبرنامج تكافل وكرامة بهدف دعم الأسر الأكثر احتياجاً تحت رعاية وإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال رفع وتحسين مستوى المعيشة لذوي الدخل المحدود، ووضع خطط جادة بدعم القطاعين الزراعي والصناعي، وأيضاً وضع البيئة التشريعية القوية التي تقر العديد من التشريعات والتي تيسر تطبيق وتحقيق مبدأ الحماية الاجتماعية، حيث ترتبط منظومة الحماية الاجتماعية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ستضعه الحكومة، مع العلم أن الدولة حريصة جداً على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتخفيف وطأة الإصلاحات الاقتصادية على الفئات الأكثر احتياجاً.